خلافات جديدة بين طالبان و«الحزب الإسلامي» تضعفهما معًا

حربها الداخلية تضعفها أمام الجيش الأفغاني المدعوم دوليًا

عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
TT

خلافات جديدة بين طالبان و«الحزب الإسلامي» تضعفهما معًا

عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)
عناصر من طالبان الأفغانية على حدود ولاية خوست («الشرق الأوسط»)

تجد حركة طالبان، التي كانت صاحبة القوة التي يحسب حسابها في أفغانستان، نفسها هذه الأيام في موقف لا تحسد عليه. فهي تعاني من انشقاقات داخلية حادة، تجعلها ضعيفة في الميدان والعمل العسكري. وفي السياسة برزت أطراف وجماعات منشقة عنها، أو متمثلة في «الحزب الإسلامي» الراغب في خوض غمار العمل السياسي مع الحكومة الحالية وإنهاء الصراع. ثم إن الجيش الأفغاني، بحسب المراقبين العسكريين، أثبت أنه قادر على البقاء والصمود، وهذا ما حدث خلال السنة الماضية، حين ضغطت طالبان وألقت بثقل جميع قواها من أجل السيطرة على المحافظات والبلدات، لكنها فشلت.
بعد وفاة زعيم طالبان المؤسس المثير للجدل، الملا محمد عمر، الذي كان يلقب بـ«أمير المؤمنين» من قبل أنصاره، في نهاية يوليو (تموز) الماضي، دخلت حركة طالبان الأفغانية المتشددة مرحلة جديدة من حياتها السياسية والأمنية. إذ تصاعدت الخلافات الداخلية في صفوف قيادات الحركة، لا سيما بعد نشر أخبار تفيد بأن مساعد الملا عمر، وهو الملا أختر منصور، الذي عين خليفة له مباشرة بعد تأكد الوفاة، متورط في عملية اغتيال الزعيم الروحي للجماعة في باكستان، وأنه لم يمت موتة طبيعية.
هذه الأخبار - أو الشائعات - تناولتها مواقع أفغانية وباكستانية مقربة من طالبان على ألسنة قادة ميدانيين في الحركة، ومن مصادر مقربة من الملا عمر. وهذا ما أدى إلى انشقاقات كبيرة في صفوف طالبان، وإعلان قيادات مركزية كبيرة رفضها زعامة الملا أختر منصور، ومن ثم إعلانها قيادة جديدة وإمارة مستقلة أطلق عليها «شورى الإمارة الإسلامية» بزعامة الملا محمد رسول، وسرعان ما انضم إليه قادة بارزون في الجماعة، وسيطروا على بلدات وقرى في جنوب وغرب البلاد. ووقعت اشتباكات ضارية بين الفصيل المنشق وأنصار أختر منصور، راح ضحيتها المئات من الطرفين، تحديدا في ولاية هراة بشمال غرب أفغانستان.
وتصديقاً للقول الشهير «الثورة تأكل أبناءها»، توسعت المعارك والخلافات الداخلية في صفوف طالبان، وانتقلت بشكل سريع إلى محافظات أفغانية أخرى. وبدأت المعارك الطاحنة بين الفصائل المنشقة عن «طالبان الأم»، ونتيجة لذلك ضعفت شوكة طالبان أمام عمليات الجيش الأفغاني الذي ينشط بشن عمليات تمشيط في عدة مناطق بجنوب وشرق وشمال البلاد.
المحلل السياسي الأفغاني، نظر محمد مطمئن يقول: «إن الحديث عن عملية المصالحة مع فصيل دون غيره، أو محاولة التقرب من جماعة محسوبة على طالبان من قبل الحكومة وحلفائها دون غيرها، إشارة إلى عدم جدية قضية الحوار المنشودة. وإن الحكومة وداعميها يسعون إلى إيجاد مزيد من الشرخ والانشقاق في صفوف طالبان». وتابع: «إن التجارب السابقة كانت تشير إلى أن طالبان وحدة قوية، ولا يمكن حدوث شرخ كبير في صفوفها بحيث تتمكن الحكومة من اختراق الجدار المنيع لجماعة (طالبان الأم) التي بقيت متماسكة خلال السنوات التي تلقت فيها ضربات كبيرة من قبل قوات التحالف، لكن الوضع قد يتغير الآن».
الواقع أن طالبان لا تعاني من أزمة داخلية فحسب، وإنما تواجه خطرا آخر يمثله «الحزب الإسلامي» بقيادة قلب الدين حكمتيار، أحد زعماء المجاهدين السابقين، الذي ظل يقاتل الحكومة والقوات الدولية على مدى السنوات الـ15 الماضية، ويعتقد أنه يختبئ في مكان ما في مناطق حدودية بين أفغانستان وباكستان، وأنه يقود معارك مسلحة ضد الحكومة والحضور الأجنبي في البلاد.
بيان «الحزب الإسلامي» تطرق إلى حدوث مشكلات بينه وبين طالبان خلال السنوات الماضية من الحرب. وتحدث عن سلسلة من الاغتيالات والعمليات يزعم «الحزب الإسلامي» أن «طالبان نفذتها ضد أنصاره»، منها اغتيال كل من حاجي عبد الغفور، والمولوي رحمان غل، والمولوي هاشم، الذين قتلوا في شرق البلاد على أيدي طالبان.
هذه ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها «الحزب الإسلامي»، أحد أطراف الصراع الداخلي بعد هزيمة الروس في أفغانستان، وزعيمه حكمتيار، سياسات طالبان، بل سبق له فعل ذلك مرات عدة. كذلك لم تقتصر الخلافات على البيانات السياسية، بل وقعت أيضا مواجهات مسلحة بين أنصار الحزب والحركة في مناطق مختلفة من البلاد، على مدى السنوات الماضية. غير أن الجديد في بيان الحزب الأخير، هو الدعوة إلى «انتفاضة» ضد طالبان التي وصفها البيان بـ«ألد أعداء المجاهدين»، وضد كل من يقف في وجه أجندات أجنبية، والتوعد بالثأر لمن قتل من أنصاره بيد الحركة.
الخلاف بين الحزب وطالبان ليس وليد الساعة، بل هناك تراكمات وخلافات كبيرة بين الطرفين، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن التوتر بين الجماعتين يأتي في خضم حالة من الإرباك والتصدعات الداخلية في صفوف طالبان، مع استمرار المواجهات المسلحة، التي وصفتها القبائل بـ«الأعنف»، بين أنصار الملا أختر منصور، وأنصار الملا محمد رسول، في غرب البلاد. ولقد أدت المعارك خلال مارس (آذار) الماضي، إلى مقتل أكثر من 200 مسلح من الطرفين. وما زالت المواجهات متواصلة وامتدت إلى مديريات عدة بإقليم هراة بعد ما بدأت في مديرية شين دند، ذات الغالبية البشتونية.
ومن ناحية ثانية، تسود حالة من التوتر بين فصائل طالبان في إقليمي بكتيكا وغزنة، بسبب المعارك التي دارت على مدى الأسابيع الماضية بين الحركة ومجموعة تابعة لقيادي منشق عنها، يدعى عبيد الله هنر. وأعلن قيادي مهم آخر في طالبان بشمال البلاد، هو المولوي عبد السلام، الانشقاق عن الحركة والحرب عليها، مدعيا أن لديه مئات المقاتلين المستعدين للانقضاض على جماعة أختر منصور، التي يصفونها بأنها «صنيعة المخابرات الباكستانية». ووسط هذا الجو من الخلافات والصراعات الداخلية، قد يكون الصراع مع «الحزب الإسلامي» مهمة صعبة لن ترغب فيها طالبان، بل إنها لا تريد أن تكون جزءا من الصراعات الداخلية، كما تدعي الحركة في بياناتها المختلفة، وفي تعليقات لها على المواجهات الداخلية. وفي أي حال، فإن الخلافات الداخلية في طالبان، والأزمة الجديدة مع «الحزب الإسلامي» عاملان أديا إلى تعثر مساعي الحوار، على حد وصف المحللين. وفي رأي عبد الحي ورشان، الصحافي الأفغاني، فإن حركة طالبان «لم تعد حركة متماسكة بعد وفاة زعيمها، بل انشقت إلى فصائل وتوزع قياداتها وأصبح لدينا قيادات ميدانية متعددة ومتناحرة». وأضاف ورشان: «إن طالبان بعد هذه الخلافات والانشقاقات الحادة في صفوفها، صارت فريسة لتحقيق أهداف استخباراتية أجنبية، والكل بات يحاول استعمال طالبان وفصائلها الكثيرة والتناحر لصالح أهداف سياسية وأمنية». وأردف: «إن هناك طالبان وقعت في أحضان إيران، وطالبان أصبحوا موالين لروسيا في البلاد، وهمهم الآن هو التصدي لتوسع داعش في مناطق الحدود مع دول آسيا الوسطى، في شمال وشرق البلاد».
هذا، وكان من المتوقع انطلاق عملية الحوار المباشر بين طالبان والحكومة الأفغانية في الأسبوع الأول من مارس (آذار) الماضي برعاية باكستانية، غير أن طالبان رفضت في 5 مارس الحوار المباشر مع الحكومة، وأعلنت أنها لن تعود إلى الطاولة حتى إنهاء الحضور الأجنبي في أفغانستان بشكل كامل، وذلك على الرغم من التغيير في موقف الحركة أخيرا، بعد جلسات الحوار التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة، وإسلام آباد. وفي أول رد لها، وصفت الحكومة الأفغانية موقف الحركة بـ«الإرجاء التكتيكي»، معربة عن أملها في عودتها إلى طاولة الحوار قريبا. وكانت تصريحات نائب وزير الخارجية الأفغاني، حكمت خليل كرزاي، مهمة للغاية بهذا الشأن، وجاء فيها: «في الاجتماعات الرباعية بين كابول وإسلام آباد وواشنطن وبكين بشأن الحوار، تم الاتفاق على مشاركة أربع جماعات مسلحة في الحوار». واليوم يعتقد مراقبون أن «مشاركة تلك الجماعات هي النقطة الأساسية التي بسببها رفضت الحركة الحوار مع الحكومة، إذ إن طالبان كانت ترى أنها هي الوحيدة التي تمثل جانب الحركات الجهادية، وأن مفاتيح المعضلة الأفغانية بيدها، ولكن مشاركة جماعات أخرى كانت أسباب استياء الحركة، لا سيما وأن الحركة تزعم أن جماعتين منها معارضتان لها، ومواليتان للحكومة».
أما الجماعات الأربع المعنية فهي:
1- حركة طالبان، التي يطلق عليها البعض تسمية «جماعة الملا أختر منصور» خليفة الملا عمر، وعلى الرغم من أن منصور من مؤيدي عملية السلام مع الحكومة، إلا أنه يعاني داخل التنظيم من معارضة قيادات مهمة للحوار، مثل عبد القيوم ذاكر، رئيس المجلس العسكري السابق. ويخشى منصور من أن يؤدي استئناف عملية السلام إلى تجديد الخلافات. كذلك ترغب الحركة في أن تكون الجهة الوحيدة التي تمثل التنظيمات الجهادية في الحوار مع الحكومة. وبسبب ترددها تدهورت العلاقات بينها وبين إسلام آباد، إذ إن ثمة تقارير تشير إلى قيام الأخيرة بحملة ضد بعض قيادات الحركة، وقد اعتقلت 14 شخصا منهم في إقليم بلوشستان مؤخرا.
2- جماعة «شورى الإمارة الإسلامية»، المنشقة عن طالبان والتي تتمتع بنفوذ واسع في جنوب وجنوب غربي البلاد، وتضم قيادات مهمة ومن مؤسسي طالبان، مثل الملا عبد المنان نيازي والملا رسول نفسه.
3- «الحزب الإسلامي» بقيادة قلب الدين حكمتيار، خصوصا مع إعلان استعداده للحوار مع الحكومة، وربما بشروط أسهل من شروط طالبان.
4- «شبكة حقاني» المتهمة أفغانيا بأنها ترعى المصالح الباكستانية، وتعد مقربة من تنظيم «القاعدة». وهذه تعد من أكثر الجماعات تنظيما بين الجماعات المسلحة المناهضة للحكومة الأفغانية، وهي أيضا من أقرب الجماعات المسلحة إلى الاستخبارات الباكستانية. وعلى الرغم من قربها من طالبان، فإنها تتبع سياسات مختلفة تماما.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».