الحكومة الصينية تعيش حالة من «الفصام» في سياساتها الإعلامية

حاجة النمو الاقتصادي لحرية الإنترنت تعد من الاختبارات الحقيقية لسيطرة النظام

الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته لمحطة التلفزيون الرئيسية في العاصمة بكين منذ عدة أسابيع (نيويورك تايمز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته لمحطة التلفزيون الرئيسية في العاصمة بكين منذ عدة أسابيع (نيويورك تايمز)
TT

الحكومة الصينية تعيش حالة من «الفصام» في سياساتها الإعلامية

الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته لمحطة التلفزيون الرئيسية في العاصمة بكين منذ عدة أسابيع (نيويورك تايمز)
الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته لمحطة التلفزيون الرئيسية في العاصمة بكين منذ عدة أسابيع (نيويورك تايمز)

حافظت الحكومة الصينية على قبضتها القوية التي تسيطر بها على وسائل الإعلام التقليدية والجديدة حتى تتجنب التخريب والتقويض المحتمل لسلطاتها على البلاد. وتنطوي تكتيكات الحكومة في ذلك على ضوابط إعلامية صارمة من خلال استخدام أنظمة المراقبة وجدران الحماية النارية، وإغلاق المطبوعات أو المواقع الإلكترونية، وسجن الصحافيين والمعارضين والمدونين والناشطين. ولقد أدت الحرب القائمة بين شركة غوغل الأميركية والحكومة الصينية حول الرقابة على الإنترنت، إلى جانب اختيار لجنة نوبل النرويجية منح جائزة نوبل للسلام عام 2010 للناشط الصيني المسجون ليو شياوبو، إلى جذب انتباه المجتمع الدولي حيال قضايا الرقابة الإعلامية. وفي الأثناء ذاتها، يعتمد اقتصاد البلاد المزدهر على الإنترنت لتحقيق المزيد من النمو، ويقول الخبراء أن حاجة النمو الاقتصادي الصيني لحرية الإنترنت يعد من الاختبارات الحقيقية لسيطرة النظام.
يمنح الدستور الصيني للمواطنين الحرية في التعبير والصحافة، ولكن غموض اللوائح التنفيذية الخاصة بوسائل الإعلام الصينية تسمح للسلطات بالرقابة على وإزالة الأخبار عن طريق الزعم أنها تكشف أسرار الدولة وتهدد أمن البلاد. كما أن تعريف أسرار الدولة في الصين من الأمور الغامضة للغاية، مما يسهل عمل أجهزة الرقابة على أي معلومات تعتبرها السلطات تشكل ضررا على المصالح السياسية أو الاقتصادية العليا في البلاد. تقول السيدة إليزابيث ايكونومي الزميلة البارزة لدى مجلس العلاقات الخارجية أن الحكومة الصينية تعيش حالة من «الفصام» فيما يخص سياساتها الإعلامية حيث «تنطلق ذهابا وإيابا، وتختبر الأمور، وتعلم أنها في حاجة إلى حرية الصحافة والمعلومات التي تقدمها، ولكن يساورها القلق الكبير حول فتح الأبواب لمثل تلك الحريات والتي قد تؤدي في النهاية إلى سقوط النظام».
وفي مايو (أيار) 2010. أصدرت الحكومة الصينية أولى أوراقها البيضاء على الإنترنت تلك التي أكدت فيها على مفهوم «السيادة على الإنترنت»، وتطالب كافة مستخدمي الإنترنت في البلاد، بما في ذلك المنظمات الأجنبية وأفرادها العاملين في الصين، الالتزام بالقوانين واللوائح المنظمة. كما تطالب شركات الإنترنت الصينية إلى التوقيع على التعهد بتنظيم الذات واعتماد الأخلاقيات المهنية في صناعة الإنترنت الصينية، والذي يفرض المزيد من القواعد الصارمة بأكثر مما هو مذكور في الورقة البيضاء المشار إليها، وفقا لقول جايسون كيو المتخصص في شؤون الرقابة الإعلامية الصينية ومؤلف كتاب بعنوان «محظور على ويبو».
ما هو مقدار حرية وسائل الإعلام الصينية؟
صنفت مجموعة مراسلون بلا حدود، المعنية بمراقبة مختلف وسائل الإعلام وتتخذ من فرنسا مقرا لها، الصين في المرتبة 175 من بين 180 دولة حول العالم على مؤشرها العالمي لحرية الصحافة لعام 2014. ويقول السيد مات بوتينغر الزميل السابق لدى مركز إدوارد أر. مارو للصحافة التابع لمجلس العلاقات الخارجية، أن وسائل الإعلام الصينية في غالب الأمر تستخدم المراقبين الخواص لديها لضمان «القبول السياسي» للمحتوى المنشور والمعروض لديها. ويجري تعميم الإرشادات التوجيهية للرقابة الإعلامية بصورة أسبوعية من قبل إدارة الدعاية في حزب الشيوعي الصيني ومكتب الحكومة لشؤون الإنترنت إلى المحررين البارزين ومختلف موفري الخدمات الإعلامية في البلاد.
وهناك حظر مفروض على بعض المواقع الإلكترونية التي تعتبرها الحكومة الصينية من المواقع الخطيرة، مثل موقع ويكيبيديا، خلال الفترات المثير للجدال داخل البلاد، مثل ذكرى يوم الرابع من يونيو (حزيران) لمذبحة ميدان تيانانمين الشهيرة. كما يجري حظر مواد بعينها تلك التي تعتبر مهددة للاستقرار السياسي في البلاد، بما في ذلك الصور المثيرة للجدل والمصطلحات البحثية. وتحرص الحكومة الصينية، بصورة خاصة، على حظر نشر التقارير المعنية بالقضايا التي ترى أنها يمكنها التحريض على الاضطرابات الاجتماعية، مثل فساد المؤسسة الرسمية والصراع العرقي الداخلي في البلاد. كما تم التعتيم على مواقع الخدمات الإخبارية مثل موقع «بلومبيرغ» وموقع صحيفة «نيويورك تايمز» في عام 2012 بعد التقارير الإخبارية التي نشرت على تلك المواقع بشأن الثروات الخاصة لكل من سكرتير الحزب الشيوعي آنذاك شي جين بينغ ورئيس مجلس الدولة وين جياباو. ووضعت القيود كذلك على خدمات التدوين المصغرة في أبريل (نيسان) عام 2014 ردا على شائعات حول محاولة انقلاب في بكين التي شملت اسم رئيس حزب تشونغ تشينغ المكلل السابق المكلل بالعار بو شيلاي. وسرعان ما اندفع الرقباء إلى حظر أي ذكر لهجوم أكتوبر (تشرين الأول) 2013 في ميدان تيانانمين من قبل سكان من إقليم شينجيانغ، وهو موطن أقلية اليوغور ذوي الأغلبية المسلمة.
تعمل عشرات الهيئات الحكومية على مراجعة وفرض القوانين المتعلقة بتدفق المعلومات، إلى داخل وخارج الصين. وأكثر تلك الهيئات قوة ونفوذا هي إدارة الدعاية المركزية في الحزب الشيوعي الحاكم، والتي تنسق أعمالها مع الإدارة العامة للصحافة والنشر، وإدارة الدولة للإذاعة والسينما والتلفزيون، من أجل ضمان تعزيز المحتويات المعروضة من عقيدة ومبادئ الحزب الحاكم. يقول السيد جايسون كيو أن مختلف الوزارات تعمل بمثابة إقطاعيات رقابية صغيرة، ولكن تعززت أعمالها في الآونة الأخيرة تحت إدارة المكتب الإعلامي التابع لمجلس الدولة، والذي تولى قيادة جهود الرقابة على الإنترنت.
تقول بعض التقديرات أن الحكومة تستخدم ما يقرب من 100 ألف موظف، المعينين من قبل الحكومة والشركات الخاصة على حد سواء، لمراقبة الإنترنت داخل الصين باستمرار. بالإضافة إلى ذلك، تقدم إدارة الدعاية المركزية الإرشادات التوجيهية التحريرية لمختلف وسائل الإعلام إلى جانب التوجيهات واللوائح التي تقيد التغطيات الإخبارية للموضوعات السياسية ذات الحساسية. وفي إحدى الحوادث رفيعة المستوى التي تضمنت مجلة غوانغدونغ الجنوبية الأسبوعية ذات التوجهات الليبرالية، أعاد رقباء الحكومة كتابة رسالة المجلة بخصوص العام الجديد من «دعوة إلى الإصلاح» إلى «تحية إلى الحزب الشيوعي». ولقد أثار ذلك التصرف المظاهرات الحاشدة من قبل الموظفين في المجلة والجماهير، والذين طالبوا باستقالة رئيس مكتب الدعاية المحلية التابع للحزب الحاكم. وفي حين أن الموظفين والرقباء قد تمكنوا من الوصول إلى حل وسط من شأنه تهدئة غضب الجموع الساخطة من الجماهير، من الناحية النظرية على أدنى تقدير، إلا أن الكثير من أعمال الرقابة لم تغادر أماكنها.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».