أميركا: مثل «الداخلية».. تصريحات ترامب في السياسة الخارجية تثير قلقًا

الصحف الأوروبية: مواجهة تهديدات الجماعات المتشددة.. وأساليب «بوكو حرام» في تجنيد الانتحاريين

أميركا: مثل «الداخلية».. تصريحات ترامب في السياسة الخارجية تثير قلقًا
TT

أميركا: مثل «الداخلية».. تصريحات ترامب في السياسة الخارجية تثير قلقًا

أميركا: مثل «الداخلية».. تصريحات ترامب في السياسة الخارجية تثير قلقًا

بعد أشهر من تصريحات متطرفة في السياسة الداخلية؛ بداية بوصف المكسيكيين بمغتصبي الأميركيات ووصف المسلمين بالإرهاب، خلال الأسبوعين الماضيين، توغل ترامب في السياسة الخارجية، وقال عدة تصريحات متطرفة، أيضا، أثارت القلق، وذلك لأنه تحدث عن الأسلحة النووية.
انعكس هذا القلق في افتتاحية صحيفة رئيسية؛ هي «نيويورك تايمز» التي كتبت:
«قال ترامب إنه ربما سيستخدم الأسلحة النووية لملاحقة الإرهابيين، ومقاتلي تنظيم داعش. قال ذلك في الموجة الأخيرة من المقابلات الصحافية، بما في ذلك مع (نيويورك تايمز)، لكنه لم يستطع - أو كان غير راغب - توضيح وجهة النظر المزعجة هذه».
وأضافت الافتتاحية: «وفرت الهجمات الإرهابية المروعة الأخيرة في جميع أنحاء العالم فرصة جديدة لترامب ليعمل على تأجيج المخاوف. يوم الأربعاء (الماضي)، سئل ترامب عما إذا كان سيستخدم أسلحة نووية ضد (داعش)، فقال: (لا أستبعد أي شيء). هذا كلام خطير».
وفي السياسة الخارجية، تحدثت افتتاحية صحيفة «واشنطن بوست» عن استمرار الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان الجديدة. وقالت: «طفح الكيل، وحان وقت فرض حظر على الأسلحة في جنوب السودان. سيرسل هذا رسالة بصوت عال وواضح بأن الصبر العالمي مع قادة جنوب السودان قد نفد». وأشارت الافتتاحية إلى أن جنوب السودان «دولة أوجدتها الولايات المتحدة».
وفي السياسة الخارجية، أيضا، علقت افتتاحية صحيفة «يو إس إيه توداي» على زيارة الرئيس الصيني تشي جين بينغ إلى الولايات المتحدة، وعلى غياب الحريات في الصين، وقالت: «رأينا هو أن الصينيين يتصرفون تصرفات سيئة.. ها هم يواصلون السير في الاتجاه المقلق في عهد الرئيس تشي. وها هو (قبيل زيارته للولايات المتحدة) يطوف على مقار ثلاث شركات إعلام تديرها الدولة، ويقول للصحافيين إنهم يجب أن يكونوا مخلصين للحزب الشيوعي؛ في الفكر، والسياسة، والعمل».
وفي السياسة الخارجية، أيضا، كتبت افتتاحية صحيفة «بوسطن غلوب»، مثل افتتاحيات صحف رئيسية أخرى، ترحب بانتقال حكومة الوفاق الوطني من بنغازي إلى العاصمة طرابلس. وقالت: «وصلنا إلى هذه النقطة بسبب تفاني مبعوث الأمم المتحدة، وبسبب ضبط النفس من جانب الحكومة الأميركية، والبقاء بعيدا عن الأضواء، حتى لا تتهم الحكومة الجديدة بأنها دمية أميركية».
وتنوعت الموضوعات التي اهتمت بها الصحف الأوروبية خلال الأيام القليلة الماضية، ونبدأ من لندن، حيث تناولت الصحف البريطانية جملة من القضايا، اخترنا منها كيف تجند جماعة بوكو حرام البنات للقيام بتفجيرات انتحارية، والحلول الدولية للإرهاب، وتعامل بريطانيا مع مشكلات الشرق الأوسط.
ونشرت صحيفة «ديلي تلغراف» تقريرًا عن الأساليب الجديدة التي لجأت إليها جماعة بوكو حرام في تجنيد الانتحاريين، وتقول إن الجماعة تقوم بإعطاء عقاقير للنساء والبنات ثم ترسلهن لقتل المدنيين.. وتقول «ديلي تلغراف» إن «بوكو حرام» جندت المئات من النساء والفتيات لبث الرعب في المنطقة، بعدما فقدت الكثير من معاقلها في القارة الأفريقية.
وتذكر الصحيفة أن جماعة بوكو حرام صُنّفت من أكثر التنظيمات دموية في العالم بعد قتلها لأكثر من 6600 شخص مقارنة بما قتله تنظيم داعش البالغ 6100 شخص.
ونشرت صحيفة «الغارديان» مقالاً تحليليًا يتناول الجدل حول الطريقة المثلى لمواجهة تهديدات الجماعات المتطرفة.
وتقول الصحيفة إن فرنسا كانت سريعة في انتقاد بلجيكا، لكنهما تعانيان من المشكلات نفسها، فلا مجال لتبادل التهم.
وتضيف أن مؤسسات بلجيكا ومنشآتها تعرضت كلها للانتقاد بعد هجمات بروكسل، ولكن انتقادات السياسيين الفرنسيين خاصة كانت في غير محلها، لأن فرنسا، حسب الصحيفة، ليست في موقع إعطاء الدروس بشأن دمج الشباب المسلمين.
وتذكر «الغارديان» أن وزير المالية الفرنسي، ميشال صابين، تحدث عقب تفجيرات بروكسل عن الإسلام ولمح إلى أن تعدد الثقافات جزء من المشكلة. ولكن فرنسا تواجه العديد من المشكلات في الضواحي، حيث فتح الإقصاء مجالا للتشدد. وتتساءل كيف يمكن تفسير انتشار المتشددين الإسلاميين في فرنسا وبلجيكا. وتقول إن تطبيق العلمانية على الطريقة الفرنسية المتشددة يُعتقد أنه يفسر شعور الشباب المسلمين بالتهميش في المجتمع، وبالتالي يصبحون أهدافًا سهلة للتجنيد في صفوف تنظيم داعش. كما أن فرنسا وبلجيكا تمنعان النساء من ارتداء النقاب في الأماكن العامة، وقد انتقد هذا القانون واعتُبِر تمييزًا ضد المسلمين.
ونشرت صحيفة «التايمز» مقالاً للكاتب ماثيو باريس ينتقد فيه سياسة بريطانيا ومواقفها من قضايا الشرق الأوسط. وينطلق كاتب المقال من تصريح لوزير الخارجية، فيليب هاموند، نشرته الصحيفة الجمعة يقول إن «بريطانيا لا تستبعد شن غارات على تنظيم داعش في لبنان»، لمراجعة السياسة البريطانية في المنطقة. فيقول باريس إن «الوقت حان، بعد 25 عامًا من الحرب على العراق، لنعترف بأننا أضعنا الطريق إلى الشرق الأوسط، في سياستنا الخارجية والعسكرية». ثم ينتقل في سرده إلى أفغانستان وبعدها ليبيا التي قال بشأنها رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، في عام 2011: «إننا سنعمل ما بوسعنا لدعم إرادة الشعب الليبي»، ولكن بعد 5 سنوات، لم ينجح التدخل، على الرغم من أنه كان مختلفًا عن التدخل في العراق. ونشرت صحيفة «الغارديان» مقالاً تحدث فيها الكاتب الألماني، قسطنطين ريختر، عن التغييرات التي أحدثها قرار المستشارة أنجيلا ميركل بفتح الحدود أمام اللاجئين والمهاجرين، في المجتمع الألماني.
وفي بروكسل، اهتمت الصحف اليومية بتطورات تفجيرات 22 مارس (آذار) الماضي، وقالت صحيفة «ستاندرد» إن اتفاقًا جرى التوصل إليه بين الحكومة ونقابات الشرطة لتعزيز الإجراءات الأمنية في محيط المطار، لتفادي وقوع هجمات مماثلة، وأشارت صحيفة «دي مورغن» إلى استمرار التنسيق بين الأجهزة الأمنية الأوروبية في إطار البحث عن مطلوبين في تفجيرات باريس وبروكسل.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.