يوسوفو.. وحلم الاستقرار

رئيس النيجر يبدأ فترته الرئاسية الثانية وسط تحديات الأمن والهدوء والتنمية

يوسوفو.. وحلم الاستقرار
TT

يوسوفو.. وحلم الاستقرار

يوسوفو.. وحلم الاستقرار

نيامي، عاصمة جمهورية النيجر، مدينة هادئة ووديعة، ترقد على ضفة نهر النيجر، ذلك المجرى المائي الذي يشق الصحراء الكبرى وعلى خاصرته يحمل أبرز المدن العامرة في منطقة الساحل الأفريقي؛ ويحكي هذا النهر قصة منطقة ظلمتها الجغرافيا وأقعدها تاريخها المؤلم، ويخيّم على مستقبلها شبح حروب لا تتوقف، من حرب عاجلة على الإرهاب إلى حروب مؤجلة ضد الفقر والأمية والمرض. وفي قلب هذه المنطقة تقع الجمهورية التي أعطاها النهر اسمه، والتي ارتبطت في أذهان الكثيرين بالمجاعات، والكثير من الانقلابات والصراعات السياسية التي لا تنتهي. لكن النيجر اليوم تتأهب للوقوف على قدميها بعد إعادتها انتخاب رئيسها محمدو يوسوفو، وهي تحلم بالاستقرار وأن لا تستفيق بعد فترة قصيرة على انقلاب عسكري أو بعد أيام على هجوم إرهابي. الاستقرار من ضمن أحلام أخرى كثيرة يتوجب على يوسوفو، وهو مهندس المعادن وخبير الرياضيات، أن يعيد حساباته ويرتب أوراقه ليحقق ولو جزءًا يسيرًا منها.
في قلب العاصمة النيجرية نيامي يتربع القصر الجمهوري بطابعه المعماري المميز وألوانه الصفراء ذات السحنة الصحراوية التي تجعله منتميًا لبيئته، ويستقبل هذا القصر محمدو يوسوفو من جديد رئيسًا للنيجر على مدى خمس سنوات مقبلة، سيجلس خلالها داخل هذا القصر ليدير شؤون واحد من أفقر بلدان العالم وأكثرها تحديات أمنية وسياسية واقتصادية.
في السنوات الخمس الماضية يرى يوسوفو أنه حقق المطلوب ووضع الأسس الضرورية لمشروع «النهضة» في النيجر، فيما يتطلع لتكون السنوات الخمس المقبلة مليئة بالعمل الذي يبدأ بطي الخلافات السياسية ومد يد الهدنة والتصالح مع المعارضة، فبعد أيام من إعادة انتخابه أعلن استعداده للحوار معها ونيته تشكيل حكومة ائتلاف وطني؛ خطوة ذكية من خريج كليات الهندسة والعلوم في فرنسا، ومن رجل يرتبط بعلاقات وطيدة مع دوائر الحكم في قصر الإليزيه الفرنسي.
سيرة شخصية
ولد الحاج محمدو يوسوفو عام 1952. عندما كان النيجر كيانًا يرزح تحت الاستعمار الفرنسي، في منطقة تاهوا، وهي منطقة تقع على بوابة منطقة الساحل الأفريقي، في منتصف المسافة ما بين العاصمة نيامي بأقصى جنوب النيجر، ومدينة أغاديز في أقصى الشمال. ولقد تربى يوسوفو وسط خليط من الإثنيات التي تعايشت لعدة قرون في تاهوا، من قبائل الهوسا - التي تشكل غالبية سكان النيجر - إلى قبائل السونغاي والجورمانتشيه الأفريقية، ثم العرب والطوارق والتبو. إنها مزيج من الشعوب والثقافات احتك بها الرجل فجعلته من أكثر الشخصيات في النيجر إلمامًا بالخلطة السحرية للمجتمع النيجري؛ وحقًا يتوجب على مَن سيحكم هذا البلد الأفريقي أن يدرك أدق التفاصيل حول كل قبيلة على حدة، فهذا البلد يُحكم بمزاج القبيلة وسخاء السماء.
تلقى يوسوفو تعليمه الابتدائي والإعدادي في منطقة تاهوا، قبل أن ينتقل إلى العاصمة نيامي حيث التحق بالثانوية ليحصل عام 1971 على شهادة البكالوريا في شعبة الرياضيات. وعندما كان الجفاف يضرب البلاد ليهز أركان حكم الرئيس المؤسِّس هاماني ديوري، كان يوسوفو مراهقًا يرتاد مركز التعليم العالي بنيامي حيث تخرج بشهادة جامعية في الدراسات العلمية في الرياضيات والفيزياء عام 1973. وبالتزامن مع الانقلاب العسكري الأول في تاريخ البلاد، عام 1974، كان يوسوفو يحضر لشهادة الليسانس (الإجازة الجامعية) في الرياضيات التي حصل عليها عام 1975.
ثم، مع بداية الحكم العسكري في النيجر، توجّه يوسوفو إلى فرنسا لمواصلة دراساته العليا، وهي رحلة ستقوده إلى أروقة جامعة العلوم والتقنيات في مدينة مونبلييه الجامعية العريقة بجنوب فرنسا ما بين عامي 1975 و1976 حيث نال شهادة الماجستير في الرياضيات والتطبيقات الأساسية. ثم بعد ذلك إلى جامعة «باريس 5» حيث حصل على شهادة الدراسات المعمّقة DEA في الاحتمالات والإحصاء عام 1977. ومنها إلى المدرسة الوطنية العليا للمعادن في مدينة سانت إتيان ليتخرج فيها مهندسًا مدنيًا متخصصًا في المعادن عام 1979.
من الرياضيات والفيزياء إلى هندسة المعادن، مرورًا بالاحتمالات والإحصاء، أصبح الشاب النيجري الهادئ قادرًا على العودة إلى بلاده التي كانت ما تزال ترزح تحت حكم العسكر، وتعيش تحت رحمة الخوف من شبح الجفاف، وتقتات على مساعدات الدول الغربية وديونها التي لا تنتهي. عاد يوسوفو إلى النيجر عام 1979 وهو نسخة مطوّرة من الإنسان النيجري، مشبعًا بالثقافة الغربية التي استقاها في «مدينة النور» باريس، دون أن ينسى تقاليد مجتمعه الأفريقي متعدد الثقافات.
العودة من فرنسا
وبدأ الرئيس المستقبلي مساره المهني في النيجر كمتدّرب في عدد من شركات المعادن النشطة في البلاد، قبل أن يصبح مديرًا للمعادن في وزارة الصناعة والمعادن في الفترة ما بين 1980 و1985. وسرعان ما انتقل بعد ذلك إلى واحدة من أشهر شركات المعادن في النيجر «سوماير» حيث شغل عدة مناصب مهمة، بدأها كأمين عام، ثم مدير للاستخراجات وأخيرًا مديرًا فنيًا للشركة؛ وكان يوسوفو يتقدم – في هذه الأثناء - في مساره المهني وعينه على التطورات السياسية التي تعيشها بلاده.
في الواقع، يُعد النيجر واحدًا من أكثر بلدان الساحل وغرب أفريقيا انقلابات عسكرية. فبعد الاستقلال عن فرنسا عام 1960 دخلت البلاد في حكم الحزب الواحد بقيادة هاماني ديوري، أول رئيس للنيجر؛ ولقد عمل ديوري تحت العباءة الفرنسية وفتح لها الباب لاستغلال مناجم النيجر الغنية باليورانيوم، إلا أن موجة من الجفاف الحاد أطاحت بحكمه ودفعت الجيش عام 1974 إلى إزاحته وتنصيب أول رئيس عسكري للبلاد هو العقيد ساني كونتشيه.
ولم يختلف كونتشيه عن سابقه، إذ ارتمى في أحضان فرنسا لتدعيم أركان حكمه ومواجهة موجات الجفاف المتلاحقة، فلطالما شكل الجفاف لاعبًا مهمًا في تحديد المستقبل السياسي للنيجر. وبعد وفاة كونتشيه عام 1987 حل محله علي سايبو، وهو عقيد آخر في الجيش حاول أن يجري إصلاحات وأن يعزّز الحريات من خلال إطلاق سراح سجناء سياسيين، وإعلان «الجمهورية الثانية» التي لم تصمد طويلاً أمام احتجاجات المعارضة السياسية وعمال المناجم والطلاب. ومن ثم أجبر على اعتماد التعددية السياسية مطلع عام 1991. على غرار بقية المستعمرات الفرنسية في أفريقيا؛ وخرج العقيد سايبو من الحكم في العام نفسه مفسحًا المجال أمام حكم انتقالي مهمته الإشراف على انتخابات رئاسية وتشريعية تفتح الباب أمام الجمهورية الثالثة.
التعددية الحزبية
مع بداية التعددية الحزبية في النيجر مطلع تسعينات القرن الماضي، أسس يوسوفو «الحزب النيجري من أجل الديمقراطية والاشتراكية» في ديسمبر (كانون الأول) 1990. كان ذلك الحزب الذي ما زال يرأسه حتى اليوم هو البوابة التي شارك من خلالها في جميع الانتخابات التشريعية والرئاسية منذ أن بدأت التعددية في النيجر؛ كما مكّنه من المشاركة في أشغال «المؤتمر الوطني السامي» الذي وضع ملامح الجمهورية الثانية في النيجر عام 1991، والمشاركة بعد ذلك في الانتخابات التشريعية عام 1993 والدخول إلى قبة البرلمان ممثلاً لمنطقة تاهوا التي يتحدر منها، كما شارك في أول انتخابات رئاسية يشهدها النيجر.
بينما كانت النيجر تتلمس خطواتها بكثير من الترقب تجاه نظام ديمقراطي جديد، كانت جارتها مالي تلتهب تحت وقع تمرّد الطوارق في الشمال؛ وسرعان ما انتقلت العدوى إلى طوارق النيجر فحملوا السلاح مطالبين بالاستقلال عن العاصمة نيامي، لتدخل البلاد في موجة من الأزمات الاقتصادية والصدامات العرقية عصفت بالحكومة الانتقالية نهاية عام 1992. إلا أن ذلك لم يمنع النيجريين من مواصلة الطريق للخروج بانتخابات تشريعية في شهر أبريل (نيسان) 1993. وأول انتخابات رئاسية شفافة تشهدها البلاد. ولقد فاز ماهامان عثمان بهذه الانتخابات، وحل يوسوفو في المرتبة الثالثة بنسبة 15 في المائة من أصوات الناخبين، فاختير رئيسًا للوزراء على رأس حكومة نجحت بعد سنة في توقيع اتفاق سلام مع قبائل الطوارق منحوا بموجبه حكمًا ذاتيًا محدودًا، فانتهى تمرّد طوارق النيجر إلى اليوم.
الصراع مع عثمان
إلا أنه سرعان ما بدأت الخلافات تدب بين الرئيس المنتخب عثمان ورئيس وزرائه يوسوفو، فاستغل الجيش الصراع بين الرجلين ليدخل على الخط بحجة أن الخلاف بينهما عطّل عمل مؤسسات الدولة، وبالتالي، ظهر عقيد جديد اسمه إبراهيم باري مناصرة أزاح الرئيس وأطاح بالحكومة في يناير (كانون الثاني) من عام 1996. وأعلن جمهوريته الخاصة التي كانت الرابعة منذ استقلال النيجر عام 1960. وكان واضحًا منذ البداية أن العقيد باري يريد البقاء في الحكم حين دعا إلى انتخابات رئاسية وتشريعية بعد بضعة أشهر من انقلابه. وأثناء الانتخابات تدخل بشكل فج ليحلّ اللجنة المشرفة ويعيّن لجنة جديدة منحته الفوز في انتخابات أثارت سخرية العالم وأدخلت النيجر في دوامة من الأزمات والعزلة الدولية. هذا الوضع أجبر العقيد باري على البحث في جيوب العقيد الليبي معمر القذافي عن تمويلات بعدما نضبت خزائنه ورفض المموّلون الدوليون دعمه.
خلال «الحكم الحديدي» للعقيد باري كان يوسوفو يرأس البرلمان وينشط رفقة عدد من النواب في «الجبهة الوطنية من أجل إعادة التأسيس والدفاع عن الديمقراطية»، التي تهدف إلى مواجهة آلة قمع النظام العسكري الحاكم وتسعى إلى الخروج من مأزق العزلة الدولية المفروضة على النيجر، ولكنها في الوقت ذاته لم تكن بتلك القوة التي تزعج الحاكم العسكري الذي يرتدي ثوبًا ديمقراطيًا لم يخدع العالم الخارجي.
ثلاث سنوات كانت فترة حكم العقيد باري، انتهت مطلع شهر أبريل من عام 1999. بأول انقلاب دموي في النيجر قتل فيه العقيد باري وطويت بموته صفحة العزلة الدولية المفروضة على النيجر. وبعدها أعلن قادة الانقلاب عن بداية «الجمهورية الخامسة» وتشكيل المجلس الاستشاري الوطني الذي كان محمدو يوسفو عضوًا فيه، إلا أن ذلك لم يمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية التي نظمت العام نفسه تحت إشراف مراقبين دوليين شهدوا بنزاهتها، ولقد ذهبت إلى دورة ثانية بين الرئيس السابق مامادو تانجي ومحمدو يوسوفو، ليخسر الأخير السباق الرئاسي – مجددًا - بعد حصوله على نسبة 40 في المائة من أصوات الناخبين. غير أنه تُوّج بعدها مباشرة زعيمًا للمعارضة التي توحّدت في «منسقية القوى الديمقراطية»، وهي الصفة التي قاد بها المعارضة في الانتخابات الرئاسية عام 2004. ليخسر من جديد السباق في الدورة الثانية أمام الرئيس المنتهية ولايته مامادو تانجي.
زعيم المعارضة
خلال سنوات حكم تانجي ظل يوسوفو يكرس صورته كزعيم تقليدي للمعارضة في النيجر، فيما سعى تانجي إلى تغيير الدستور الذي يمنع ترشحه لفترة رئاسية ثالثة. إلا أن ذاكرة النيجر المليئة بالانقلابات استيقظت عام 2010 ليظهر عقيد جديد اسمه سالو جيبو، أزاح الرئيس وحل الحكومة وأسس «المجلس الأعلى لاستعادة الديمقراطية»، وأعلن عن الشروع في «الجمهورية السادسة». تلك الجمهورية التي بدا واضحًا أن يوسوفو هو المرشح الأوفر حظًا للفوز بها، وبالفعل أدى يوسوفو اليمين الدستورية مطلع شهر أبريل من عام 2011، كسادس رئيس للنيجر.
لقد تحوّل المعارض المخضرم إلى حاكم للبلاد، وعندها وجد نفسه أمام اختبار حقيقي للوفاء بالكثير من الوعود التي أطلقها على مدى عقدين من الزمن. وكانت صخرة الواقع صلبة لتتكسر عليها كل آمال الرجل الذي وجد أمامه وضعًا إقليميًا متأزمًا بعد انفجار الوضع في ليبيا وتحوّل منطقة الساحل الأفريقي إلى برميل بارود تلعب به الجماعات الإرهابية وعصابات التهريب والجريمة المنظمة. وهكذا تحوّل زعيم المعارضة الثائر إلى حليف قوي للغرب في الحرب ضد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وجماعة «بوكو حرام» المتطرفة.
يوسوفو يلقبه أنصاره بـ«زاكي»، أي الأسد بلغة الهاوسا، ويؤكدون أنه نجح في الحد من خطر الجماعات الإرهابية، وأنه رفع من نسبة النمو في البلاد خلال السنوات الأخيرة بالاعتماد على قطاع المعادن والنفط رغم تراجع أسعارها في الأسواق العالمية. ويقول المستشار الإعلامي في رئاسة الجمهورية بالنيجر عبد الرحمن محمد لـ«الشرق الأوسط» إن «الرهان في الفترة الرئاسية المقبلة على تنويع الاقتصاد من خلال تطوير قطاعات المناجم والنفط والزراعة، وزيادة نسبة النمو التي تعد الأعلى في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا».
أما معارضوه فيصفونه بأنه «صناعة»، ويتهمونه بإدخال بلده الهش في صراعات إقليمية لا يقوى على الصمود فيها، ويدّعون أنه فشل في تحسين ظروف الصحة والتعليم والبنية التحتية خلال مأموريته الأولى؛ وأن مشاكل كبيرة تنتظره في فترته الثانية.



يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس
TT

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

كاتس
كاتس

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة، واستعادة المحتجزين في قطاع غزة، منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وذلك بعد أشهر من صراع نتنياهو الشخصي مع الوزير السابق يوآف غالانت، انتهى إلى إقالة الأخير. ما يلفت اهتمام المراقبين أن كاتس، الذي هو الحليف الأقرب لنتنياهو في معسكر «الصقور» الليكودي، لا يتمتع برصيد خبرة عسكرية سابقة، ولكن عليه أن يكمل حرباً مستمرة ضد حركة «حماس»، للرد على هجومها في 7 أكتوبر، الذي تسبب في مقتل 1206 أشخاص وأسر 251 شخصاً، لا يزال 97 منهم محتجزين في غزة، ويقول الجيش إن 34 منهم ماتوا.

لم يشغل يسرائيل كاتس أي منصب قيادي كبير في الجيش الإسرائيلي، بعكس سلفه يوآف غالانت، الذي كان جنرالاً قبل أن يصبح وزيراً للدفاع في 2022. إلا أن بنيامين نتنياهو أظهر ثقة في خبرته الواسعة وقيادته، قائلاً إنه «مجهز جيداً لقيادة الجهود الدفاعية خلال هذه الفترة الحرجة»، وفق ما نقلته صحيفة «يديعوت أحرونوت».

في المقابل، حرص وزير الدفاع الإسرائيلي المعيّن في تصريحات أولية على إظهار الولاء لأهداف نتنياهو التي لم يعد يثق في إدارة غالانت للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة ولبنان.

وفق هذا التقدير، جاءت أول تصريحات كاتس لتعطي الأولوية لإعادة المحتجزين الإسرائيليين في قطاع غزة و«تدمير» حركة «حماس» الفلسطينية، و«حزب الله» اللبناني.

خلفية شخصية

لا تتوفر تفاصيل كثيرة عن نشأة وزير الدفاع الجديد، بيد أن المتداول إعلامياً هو أنه وُلد عام 1955 في مدينة عسقلان الساحلية، بإسرائيل لوالدين من منطقة ماراموريش في رومانيا، هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش. وهو حاصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس المحتلة، ثم نال دبلوم الدراسات العليا من الجامعة نفسها.

اجتماعياً، فإن كاتس الذي يقيم في مستوطنة «موشاف كفار أحيم» متزوج ولديه ولدان، ويجيد العمل في الزراعة، وفق موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.

التحق كاتس بالجيش عام 1973، لكن الملاحظ أن علاقته مع المؤسسة العسكرية توقفت عند عام 1977؛ إذ خدم في صفوف قوات المظلات قبل هذا التاريخ بـ4 سنوات، ثم تطوّع في لواء المظليين وتدرّج في المناصب العسكرية ليصبح ضابط مشاه في عام 1976، قبل أن يترك الخدمة عام 1977.

مع مسيرته السياسية

على الصعيد السياسي، كان تيار الصقور المتشددين هو الاختيار المبكر لكاتس؛ إذ التحق بحزب الليكود اليميني الذي يرأسه نتنياهو، كما أن الصدفة قادته إلى عضوية الكنيست منذ عام 1998 بديلاً لإيهود أولمرت، وبالفعل عمل كاتس في عدد من لجانه، قبل أن يشغل مناصب وزارية عدة خلال العقدين الماضيين، منها وزير الزراعة، والنقل، والمخابرات، والمالية والطاقة.

بدأ مسار كاتس الوزاري مع الوزارات السيادية في عام 2019؛ إذ دشن ولايته الأولى وزيراً للخارجية، وشغل في الوقت نفسه منصب وزير الاستخبارات، كما شغل منصب وزير المالية وأدار السياسة الاقتصادية إبّان جائحة «كوفيد - 19» التي ضربت العالم.

متطرف استيطاني...في وزارة الخارجية

ووفق تسوية سياسية لتداول المناصب، جرى تعيين كاتس وزيراً للطاقة والبنية التحتية في يناير (كانون الثاني) 2023، ليتبادل المنصب مع وزير الخارجية إيلي كوهين، ومن ثم يبدأ كاتس بعد سنة واحدة فترة ولايته الثانية وزيراً للخارجية.

ما يُذكر هنا أن رؤية كاتس المتطرفة حيال «حرب غزة،» - التي لا يستبعد محللون أن تنعكس على أدائه العسكري - تنطلق من القول إن إسرائيل «كانت في ذروة الحرب العالمية الثالثة ضد إيران». وهو يتمسك في الوقت ذاته «بالتأكيد على أولوية إعادة المحتجزين لدى (حماس) في غزة»، وفق تصريحات أطلقها عبر منصة «إكس» في يناير الماضي.

وفي الحقيقة، عُرف كاتس بشخصيته الصدامية منذ وقت مبكّر، حين أُوقف عن رئاسة الاتحاد في الجامعة لمدة سنة في مارس (آذار) 1981، إثر مشاركته في أنشطة عنيفة احتجاجاً على وجود طلاب أراضي 48 بالحرم الجامعي. وفي مارس 2007 لاحقته تهم الاحتيال وخيانة الأمانة، بعدما أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بُنيت على محاباة سياسية وعائلية.

انعكس السلوك العدواني هذا - حسب مراقبين - على نهج كاتس الدبلوماسي مع الفاعلين الدوليين؛ إذ أثار أزمة دبلوماسية بعد وقت قصير من تعيينه لأول مرة وزيراً للخارجية، عندما قال إن البولنديين «يرضعون معاداة السامية».

غوتيريش وبلينكن

وكان مفاجئاً، إعلانه وبصفته وزيراً للخارجية، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «شخص غير مرغوب» فيه بسبب امتناع غوتيريش عن التنديد بالهجوم الصاروخي الإيراني في أكتوبر (تشرين الأول).

وأيضاً، في الشهر عينه، صدرت أوامر كاتس القاطعة لمسؤولين في وزارة الخارجية «ببدء إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدما حظرت باريس مشاركة الشركات الإسرائيلية في معرض تجاري بحري عسكري».

لكن البارز في «مشوار» وزير الدفاع الجديد مع حقيبة الخارجية، هو أنه لم يكن ضمن الشخصيات البارزة في المباحثات الإسرائيلية - الأميركية خلال 11 زيارة أجراها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023؛ إذ لم يعقد بلينكن سوى اجتماعات قليلة مع كاتس.

ومن ناحية ثانية، يلاحظ محللون مشاريع سياسية مثيرة للجدل والغضب العربي تبناها كاتس؛ إذ إنه صاحِب «خطة» زيادة عدد المستوطنين في مرتفعات الجولان بشكل كبير، التي قدّمها للكنيست في يناير 2004. وكذلك كان كاتس قد لوّح بالاستقالة من الحكومة احتجاجاً على خطة رئيس الوزراء السابق آرييل شارون للانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد في مارس 2004.

لا لافتات عربية

من بين المواقف الأخرى لوزير الدفاع الجديد التي رصدتها تقارير إعلامية عربية، هي قرار تغيير لافتات الطرق الموجودة بحيث تكون جميع الأسماء التي تظهر عليها بالعبرية، خلال فترة عمله وزيراً للمواصلات في حكومة نتنياهو عام 2009، وبعدها بـ7 سنوات حثّ على «استخدام عمليات التصفية المدنية المستهدفة أو الاغتيالات» ضد قادة الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل «حركة بي دي إس».

وبالتوازي، لا يخفي مراقبون فلسطينيون وعرب مخاوفهم من إحياء مشروع قديم جديد سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية»، وأعاد الحديث عنه بعد توليه حقيبة الخارجية في يناير الماضي. وتعود التفاصيل الأولى لهذا المشروع إلى عام 2011. ووفق مقطع فيديو نشره كاتس عندما طرح الفكرة آنذاك، فإن الجزيرة يفترض أن تقام على بعد 4.5 كيلومتر قبالة سواحل قطاع غزة، وستكون بطول 4 كيلومترات وعرض كيلومترين، وبمساحة تصل إلى 5400 دونم (الدونم 1000 متر مربع). وهي ستضم، حسب المخطط الإسرائيلي، ميناءً للسفر ونقل البضائع، ومخازن، ومحطة تحلية مياه، ومحطات للكهرباء والغاز، ومراكز لوجيستية.

فيما يخص الإجراءات الأمنية، يوضح الفيديو أن إسرائيل ستبقى مسيطرة على محيط الجزيرة، وعلى إجراءات الأمن والتفتيش في موانئها، بينما ستتولى قوة شرطة دولية مسؤولية الأمن على الجزيرة وعلى نقطة تفتيش ستقام على الجسر الذي سيربط قطاع غزة بالجزيرة، بالإضافة إلى إنشاء جسر متحرك يمكن تفكيكه بحيث يقطع التواصل بين الجزيرة وقطاع غزة.

 

 

لا يخفي مراقبون فلسطينيون مخاوفهم من إحياء مشروع قديم سبق أن طرحه كاتس لبناء «جزيرة صناعية» قبالة ساحل غزة

تهجير غزة... وغيرها

الخطير أن هذا المقترح حظي آنذاك بتأييد نتنياهو ودعم قادة في أجهزة الأمن الإسرائيلية؛ ما يطرح تساؤلات متابعين حول سيناريوهات التمهيد لهذا المشروع مع وزير الدفاع الإسرائيلي الجديد بالمضي قدماً فيما يوصف بـ«مخطط تهجير الفلسطينيين»، لكن إلى البحر هذه المرة.

وإلى جانب رفضه وقف الحرب على غزة، يُعرف يسرائيل كاتس بتأييده لتوسيع السيطرة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية، ودعمه القوي للاستيطان، ورفضه حل الدولتين. فهو يفضّل إنشاء كيان فلسطيني مستقل يرتبط مدنياً وسياسياً بالأردن، ويدعو إلى ربط قطاع غزة بمصر، ويبدو كاتس أكثر تشدداً من نتنياهو في بعض المواقف، مثل رفض إخلاء المستوطنات، الذي «سيؤدي إلى تحوّل المستوطنين لاجئين»، وفق صحيفة «إسرائيل هيوم».