الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد

فضح سعي طهران الدؤوب لتنفيذ مخططاتها

الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد
TT

الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد

الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد

سياسة اقتصادية استراتيجية عميقة الأبعاد والدلالات تتبعها حاليًا المملكة العربية السعودية، من خلال عدة محاور من بينها توسيع دائرة اهتماماتها بالقارة الأفريقية، والدخول معها في شراكات اقتصادية وتجارية واستثمارية على أوسع نطاق، لما لذلك من بعد استراتيجي، أثمر ولا يزال يثمر عن نتائج مهمة تنعكس إيجابا على الدور الكبير الذي تلعبه المملكة كأكبر اقتصاد في المنطقة، ومدركة لحجم المسؤولية التي تقع على عاتقها من منظور اقتصادي.
إن السعودية، تنظر إلى أهمية التعاون الاقتصادي مع أفريقيا فضلاً عن المجال السياسي، كونها مستودعا للثروات الخصبة في مختلف المجالات بما في ذلك الإنتاج الزراعي والتعديني والصناعي فضلا عن الحركة التجارية والشراكات الاستثمارية ذات القيمة المضافة. إذ كشف تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» عن أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول أفريقيا في العام 2014 بلغ 68.6 مليار ريال (18.2 مليار دولار)، منها 55.9 مليار ريال (14.9 مليار دولار) للصادرات السعودية إلى أفريقيا، و12.7 مليار ريال (3.3 مليار دولار) لواردات المملكة.
ويأتي هذا الانفتاح الاقتصادي السعودي على القارة السمراء، انطلاقا من قناعة بأهمية العمل المشترك وإفلاتها من المخلب الإيراني، ذلك أن أمن أرض الحرمين الشريفين يعني أمن مليار مسلم وأكثر من أربعين دولة إسلامية وعربية، موظفة موقعها المرموق الذي تتمتع به المملكة سياسيا واقتصاديا، وتصحبه بقدرتها على صنع المبادرات الجديرة باحترام العالم، لما لذلك أيضا من أهمية تعتبر اللبنة الأساسية في جدار الأمن والسلام الدوليين بشكل والمنطقة العربية والإسلامية بشكل خاص، لتحجيم الدور الإيراني الذي ينظر إلى أفريقيا كمحطة انطلاق لتنفيذ أطماعها ومخططاتها.
إن الجولات التي نفذها عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، في أكثر من دولة أفريقية، تعتبر عملا مؤسسا للانفتاح السعودي على البلاد الأفريقية، تنطوي على رؤية سعودية بعيدة المدى إلا أن أكلها بدأ يأتي رويدًا رويدًا، حيث استطاع الوزير الجبير من خلال هذه الجولات التي بحث فيها القضايا الملحة على رؤساء وكبار المسؤولين في عدد من الدول الأفريقية التي زارها أخيرا، أن يفضح المساعي الإيرانية العدوانية والمخططات الخبيثة التي تستهدف بها إنسان أفريقيا وتغذيته بأفكار الخميني بعد تشييعه، عبر مراحل من الإغراءات تبدأ بالمال ولا تنتهي النشاطات الثقافية التي تبذلها مراكزها الثقافية في مجتمعات تلك الدول.
الوزير الجبير، وضع مسؤولي تلك البلاد الأفريقية، في دائرة الضوء لإيضاح صورة النشاط الإيراني وأبعاده التي من بينها الوصول إلى موالين ينفذون طموحاتها وأطماعها في القارة الأفريقية، حيث ناقش معه بجلاء وبشكل لا يحتمل اللبس والغموض، التدخلات الإيرانية المتزايدة في شؤون هذه الدول وتشييع مجتمعاتها.
ولقد أطلع الجبير قادة وكبار مسؤولي البلاد الأفريقية التي زارها، على بعض نتائج تلك المساعي الإيرانية التي برزت على السطح في بعض شرائح تلك المجتمعات، الأمر الذي تأسس عليه نظرة أفريقية إيجابية للتضامن مع المملكة وتعزيز شراكاتها معها في مختلف المجالات دون تحديد أي سقف جغرافي أو زمني بعينه. ولوحظ في فترة وجيزة عقب تلك المباحثات التي قادها الجبير في أفريقيا، التغير الذي طرأ على مواقف الدول التي زارها من الاعتداء الإيراني على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران.
ومن بين ما أنجزته السياسة الاقتصادية السعودية تجاه الانفتاح على أفريقيا، أن المباحثات التي أجراها وزير الخارجية السعودي، مع بعض رؤساء ووزراء خارجية ومسؤولين آخرين في بعض البلاد الأفريقية ومن بينها والبلاد الأفريقية كجنوب أفريقيا، وزامبيا وأوغندا وكينيا وإثيوبيا وبوركينا فاسو وبنين وغيرها، أسست لجسور تواصل مهمة بين الطرفين. وكانت امتدادًا للقاءات المكثفة التي أجراها الوزير مع الزعماء الأفارقة في أديس بابا أثناء قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة، فضلا عن بعض المباحثات التي أجراها الجبير في بعض البلاد العربية في أفريقيا والتي من بينها السودان وتونس والمغرب ومصر وموريتانيا وغيرها، والتي ثبتت حقيقية دمج العمل العربي الأفريقي المشترك بقيادة المملكة.
ولقد أبرزت هذه اللقاء السعودية الأفريقية، حجم حرص رؤساء الدول الأفريقية على لقاء الجبير شخصيا، ولذلك جاءت النتائج سريعا سواء على صعيد تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، الذي تلعب الدول الأفريقية دورا مهما فيه أو على صعيد قطع العلاقات مع إيران وتحجيمها، بعد توجسهم من النفوذ والتدخلات الإيرانية. وتحديدًا، بعد الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.
ويلاحظ أن ثمة دولا عربية في أفريقيا كانت سريعة الاستجابة للنداءات السعودية، إذ قطعت كل من السودان والصومال وجيبوتي وجزر القُمُر علاقاتها تماما مع طهران وطردت سفراء إيران لديها معلنة تضامنها مع الرياض. واستعرضت تلك اللقاءات سبل تأطير العلاقات المتميزة بين البلدين، والرغبة في تعزيزها في المجالات كافة، إضافة إلى بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، واصفًا اللقاء بالمثمر والبناء.
إن هذا التوجه السعودي نحو القارة الأفريقية يدل على المسؤولية التي تتصدى لها المملكة لتبصير بالمخططات الإيرانية، إذ سعت طهران منذ مدة - وبشكل دؤوب - لنشر أفكارها الخمينية من خلال وسائط متعددة من المنح الدراسية والتزويد بالكتيبات، وتكثيف نشاطها الثقافي من خلال مراكزها الثقافية بهدف كسب حلقات نفوذ في مواقع مختلفة من القارة الأفريقية، وعلى أكثر من محور. وهذا ما يفسّر السبب الذي جعل طهران ترفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في القارة الأفريقية، بصورة ملحوظة في أكثر من 30 بلدا أفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة.
وليس خفيا أن إيران حاولت تستثمر انشغال السعودية بقضايا ملحّة على الصعيدين المحلي والإقليمي، خاصة الحروب التي تشهدها كل من اليمن وسوريا، إذ إن طهران سارعت للاستفادة من هذا الوضع لتتفرغ لبث نشاطاتها عبر بعض الدوائر الثقافية والدينية المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالنظام الإيراني. ولذلك جاء اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بالعلاقات مع القارة السمراء، امتدادا للسياسة التي انتهجها الملك فيصل بن عبد العزيز في ستينات القرن الماضي، والتي أفضت إلى إنشاء «منظمة التعاون الإسلامي».



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.