الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد

فضح سعي طهران الدؤوب لتنفيذ مخططاتها

الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد
TT

الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد

الانفتاح السعودي على أفريقيا.. استراتيجية عميقة الأبعاد

سياسة اقتصادية استراتيجية عميقة الأبعاد والدلالات تتبعها حاليًا المملكة العربية السعودية، من خلال عدة محاور من بينها توسيع دائرة اهتماماتها بالقارة الأفريقية، والدخول معها في شراكات اقتصادية وتجارية واستثمارية على أوسع نطاق، لما لذلك من بعد استراتيجي، أثمر ولا يزال يثمر عن نتائج مهمة تنعكس إيجابا على الدور الكبير الذي تلعبه المملكة كأكبر اقتصاد في المنطقة، ومدركة لحجم المسؤولية التي تقع على عاتقها من منظور اقتصادي.
إن السعودية، تنظر إلى أهمية التعاون الاقتصادي مع أفريقيا فضلاً عن المجال السياسي، كونها مستودعا للثروات الخصبة في مختلف المجالات بما في ذلك الإنتاج الزراعي والتعديني والصناعي فضلا عن الحركة التجارية والشراكات الاستثمارية ذات القيمة المضافة. إذ كشف تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» عن أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ودول أفريقيا في العام 2014 بلغ 68.6 مليار ريال (18.2 مليار دولار)، منها 55.9 مليار ريال (14.9 مليار دولار) للصادرات السعودية إلى أفريقيا، و12.7 مليار ريال (3.3 مليار دولار) لواردات المملكة.
ويأتي هذا الانفتاح الاقتصادي السعودي على القارة السمراء، انطلاقا من قناعة بأهمية العمل المشترك وإفلاتها من المخلب الإيراني، ذلك أن أمن أرض الحرمين الشريفين يعني أمن مليار مسلم وأكثر من أربعين دولة إسلامية وعربية، موظفة موقعها المرموق الذي تتمتع به المملكة سياسيا واقتصاديا، وتصحبه بقدرتها على صنع المبادرات الجديرة باحترام العالم، لما لذلك أيضا من أهمية تعتبر اللبنة الأساسية في جدار الأمن والسلام الدوليين بشكل والمنطقة العربية والإسلامية بشكل خاص، لتحجيم الدور الإيراني الذي ينظر إلى أفريقيا كمحطة انطلاق لتنفيذ أطماعها ومخططاتها.
إن الجولات التي نفذها عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، في أكثر من دولة أفريقية، تعتبر عملا مؤسسا للانفتاح السعودي على البلاد الأفريقية، تنطوي على رؤية سعودية بعيدة المدى إلا أن أكلها بدأ يأتي رويدًا رويدًا، حيث استطاع الوزير الجبير من خلال هذه الجولات التي بحث فيها القضايا الملحة على رؤساء وكبار المسؤولين في عدد من الدول الأفريقية التي زارها أخيرا، أن يفضح المساعي الإيرانية العدوانية والمخططات الخبيثة التي تستهدف بها إنسان أفريقيا وتغذيته بأفكار الخميني بعد تشييعه، عبر مراحل من الإغراءات تبدأ بالمال ولا تنتهي النشاطات الثقافية التي تبذلها مراكزها الثقافية في مجتمعات تلك الدول.
الوزير الجبير، وضع مسؤولي تلك البلاد الأفريقية، في دائرة الضوء لإيضاح صورة النشاط الإيراني وأبعاده التي من بينها الوصول إلى موالين ينفذون طموحاتها وأطماعها في القارة الأفريقية، حيث ناقش معه بجلاء وبشكل لا يحتمل اللبس والغموض، التدخلات الإيرانية المتزايدة في شؤون هذه الدول وتشييع مجتمعاتها.
ولقد أطلع الجبير قادة وكبار مسؤولي البلاد الأفريقية التي زارها، على بعض نتائج تلك المساعي الإيرانية التي برزت على السطح في بعض شرائح تلك المجتمعات، الأمر الذي تأسس عليه نظرة أفريقية إيجابية للتضامن مع المملكة وتعزيز شراكاتها معها في مختلف المجالات دون تحديد أي سقف جغرافي أو زمني بعينه. ولوحظ في فترة وجيزة عقب تلك المباحثات التي قادها الجبير في أفريقيا، التغير الذي طرأ على مواقف الدول التي زارها من الاعتداء الإيراني على البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران.
ومن بين ما أنجزته السياسة الاقتصادية السعودية تجاه الانفتاح على أفريقيا، أن المباحثات التي أجراها وزير الخارجية السعودي، مع بعض رؤساء ووزراء خارجية ومسؤولين آخرين في بعض البلاد الأفريقية ومن بينها والبلاد الأفريقية كجنوب أفريقيا، وزامبيا وأوغندا وكينيا وإثيوبيا وبوركينا فاسو وبنين وغيرها، أسست لجسور تواصل مهمة بين الطرفين. وكانت امتدادًا للقاءات المكثفة التي أجراها الوزير مع الزعماء الأفارقة في أديس بابا أثناء قمة الاتحاد الأفريقي الأخيرة، فضلا عن بعض المباحثات التي أجراها الجبير في بعض البلاد العربية في أفريقيا والتي من بينها السودان وتونس والمغرب ومصر وموريتانيا وغيرها، والتي ثبتت حقيقية دمج العمل العربي الأفريقي المشترك بقيادة المملكة.
ولقد أبرزت هذه اللقاء السعودية الأفريقية، حجم حرص رؤساء الدول الأفريقية على لقاء الجبير شخصيا، ولذلك جاءت النتائج سريعا سواء على صعيد تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمكافحة الإرهاب، الذي تلعب الدول الأفريقية دورا مهما فيه أو على صعيد قطع العلاقات مع إيران وتحجيمها، بعد توجسهم من النفوذ والتدخلات الإيرانية. وتحديدًا، بعد الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران.
ويلاحظ أن ثمة دولا عربية في أفريقيا كانت سريعة الاستجابة للنداءات السعودية، إذ قطعت كل من السودان والصومال وجيبوتي وجزر القُمُر علاقاتها تماما مع طهران وطردت سفراء إيران لديها معلنة تضامنها مع الرياض. واستعرضت تلك اللقاءات سبل تأطير العلاقات المتميزة بين البلدين، والرغبة في تعزيزها في المجالات كافة، إضافة إلى بحث القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، واصفًا اللقاء بالمثمر والبناء.
إن هذا التوجه السعودي نحو القارة الأفريقية يدل على المسؤولية التي تتصدى لها المملكة لتبصير بالمخططات الإيرانية، إذ سعت طهران منذ مدة - وبشكل دؤوب - لنشر أفكارها الخمينية من خلال وسائط متعددة من المنح الدراسية والتزويد بالكتيبات، وتكثيف نشاطها الثقافي من خلال مراكزها الثقافية بهدف كسب حلقات نفوذ في مواقع مختلفة من القارة الأفريقية، وعلى أكثر من محور. وهذا ما يفسّر السبب الذي جعل طهران ترفع مستوى تمثيلها الدبلوماسي في القارة الأفريقية، بصورة ملحوظة في أكثر من 30 بلدا أفريقيا خلال السنوات العشر الأخيرة.
وليس خفيا أن إيران حاولت تستثمر انشغال السعودية بقضايا ملحّة على الصعيدين المحلي والإقليمي، خاصة الحروب التي تشهدها كل من اليمن وسوريا، إذ إن طهران سارعت للاستفادة من هذا الوضع لتتفرغ لبث نشاطاتها عبر بعض الدوائر الثقافية والدينية المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالنظام الإيراني. ولذلك جاء اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بالعلاقات مع القارة السمراء، امتدادا للسياسة التي انتهجها الملك فيصل بن عبد العزيز في ستينات القرن الماضي، والتي أفضت إلى إنشاء «منظمة التعاون الإسلامي».



بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.