مصادر أوروبية تتوقع محادثات «صعبة ومعقدة» في جنيف بعد 10 أيام

المعارضة السورية تتخوف من «صيغ مرنة» تبقي للأسد اليد العليا على حكومة انتقالية

أطفال يلهون داخل حافلة مدمرة في حلب.. وقد بدأت الحياة الطبيعية تعود إلى المدينة في ظل الهدنة التي فرضها اتفاق روسي أميركي (غيتي)
أطفال يلهون داخل حافلة مدمرة في حلب.. وقد بدأت الحياة الطبيعية تعود إلى المدينة في ظل الهدنة التي فرضها اتفاق روسي أميركي (غيتي)
TT

مصادر أوروبية تتوقع محادثات «صعبة ومعقدة» في جنيف بعد 10 أيام

أطفال يلهون داخل حافلة مدمرة في حلب.. وقد بدأت الحياة الطبيعية تعود إلى المدينة في ظل الهدنة التي فرضها اتفاق روسي أميركي (غيتي)
أطفال يلهون داخل حافلة مدمرة في حلب.. وقد بدأت الحياة الطبيعية تعود إلى المدينة في ظل الهدنة التي فرضها اتفاق روسي أميركي (غيتي)

تتوقع مصادر دبلوماسية أوروبية تواكب عن قرب تطورات الملف السوري، جولة «صعبة ومعقدة» من المحادثات السورية - السورية في جنيف بوساطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا التي من المنتظر أن تنطلق مجددا في 9 أو 10 أبريل (نيسان) الحالي.
وقالت هذه المصادر التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» أمس إن الجولة الأخيرة كانت «ناجحة»، بمعنى أن أيا من وفدي النظام والهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن مؤتمر الرياض «لم ينسحب أو يقاطع أو يرفض الحضور» إلى مقر الأمم المتحدة. والأهم أن دي ميستورا استطاع استخلاص «نقاط تقارب» بين الوفدين، وهو ما عكسته «الورقة» التي وزعها في اليوم الأخير من الجولة الماضية. بيد أن هذه المصادر تستدرك قائلة إن هذا «النجاح» مرده إلى أن خلاصات دي ميستورا اقتصرت على «المبادئ العامة» التي يتقبلها الجميع والتي لا خلاف عليها. لكن الأمور ستكون «مغايرة تماما» عندما سيبدأ البحث في المسائل الأساسية التي سيكون عنوانها الأول «طبيعة المرحلة الانتقالية».
وكانت مصادر رسمية فرنسية قد أفادت أن الملف السوري، وتحديدا محتوى المرحلة الانتقالية، سيكون مدار بحث خلال الاجتماع الذي عقده الرئيسان؛ الأميركي باراك أوباما، والفرنسي فرنسوا هولاند، على هامش القمة النووية في واشنطن أمس. وبحسب هذه المصادر، فإن الجانب الفرنسي كان يريد التعرف إلى ما توصل إليه الوزير جون كيري في زيارته الأخيرة إلى موسكو والتطرق لمستقبل محادثات جنيف الخاصة بالحرب في سوريا، فضلا عن موضوع محاربة الإرهاب، وتحديدا «داعش»، والخطط المستقبلية لذلك.
في «ورقة المبعوث الخاص حول نقاط التفاهم» المشكلة من 12 نقطة، ورد في السادسة منها بشأن المرحلة الانتقالية ما يلي: «طبقًا لقرار مجلس الأمن 2254 (2015)، يشمل الانتقال السياسي في سوريا آليات حكم ذي مصداقية وشامل للجميع وغير قائم على الطائفية، كما يشمل جدولاً زمنيًا وعمليةً لإعداد دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، عملاً بالدستور الجديد، يجري إدارتها تحت إشراف الأمم المتحدة، على نحو يلبّي متطلبات الحكم الرشيد وأعلى المعايير الدولية المتعلقة بالشفافية والمساءلة، ويشارك فيها جميع السوريين، بمَن فيهم السوريون المغتربون المؤهلون للتصويت».
كل مرة تحدث فيها دي ميستورا خلال الجولة الماضية كان يشدد على أهمية المرحلة الانتقالية التي وصفها بـ«أم المسائل». وإذا كان وفد الهيئة العليا قد قدم ورقة تفصيلية يشرح فيها تصوره لها، فإن وفد النظام بقي في خانة المبادئ رغم إلحاح المبعوث الدولي. والحال، وفق ما تقوله المصادر الغربية، أن مسألة المرحلة الانتقالية «ستطرح منذ اليوم الأول؛ أكان ذلك في محادثات غير مباشرة، أو في مفاوضات وجها لوجه». وقد نجح دي ميستورا، الدبلوماسي المجرب، في اعتماد مبدأ «الغموض البناء» وهو الأمر الواضح في صياغة النقطة السادسة التي أراد عبرها، «إرضاء النظام والمعارضة على السواء»؛ فمن جهة، تحدث عن «الانتقال السياسي» وهو ما تصبو إليه المعارضة ويرضيها، ومن جهة ثانية لم يتحدث عن «هيئة انتقالية»، بل عن «آليات حكم» وهو ما يرضي النظام، وهو بذلك استعاد ما ورد في القرار الدولي رقم «2254». وينص هذا القرار في فقرته الرابعة على أن مجلس الأمن «يعرب عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة وتقيم في غضون ستة أشهر حكما ذا مصداقية يشمل الجميع...».
خلاصة القول، كما ترى مصادر غربية، أن المعركة السياسية والدبلوماسية المقبلة التي ستدور رحاها في جنيف وفي العواصم المعنية، ستتمحور حول «تحديد محتوى المرحلة الانتقالية». والحال أن مواقف النظام والمعارضة منها معروفة؛ فالرئيس السوري كان واضحا للغاية عندما شرح تصوره لها في آخر حديث له لوسائل إعلامية روسية، وهي تعني: «حكومة وحدة وطنية» تضم المستقلين والمعارضة ويعود لمفاوضات جنيف أن «تسوي» مسألة توزيع الحقائب.
الواقع أن النظام لم يشذ بتاتا عن هذا التصور، حيث إنه يرى أن المرحلة الانتقالية تتمثل في تشكيل حكومة جديدة توفر الفرصة لعدد من المستقلين والمعارضين المقبولين من النظام، للحصول على عدة حقائب وزراية. ووفق هذا التصور، فإن موقع الرئاسة، كما قال الوزير المعلم وكرر هذا الموقف السفير بشار الجعفري أكثر من مرة في جنيف، «خط أحمر». وبأي حال، فبشار الأسد لا يعد نفسه معنيا بهذا التطور. أما المعارضة فسارعت إلى رفض هذا التصور والتشديد على أن مرجعية المرحلة الانتقالية هي بيان جنيف (2012) الذي ينص على إقامة «هيئة حكم انتقالية تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية...». ويتساءل ممثلو المعارضة عما سيتفاوضون بشأنه في جنيف إن لم تكن تلك طبيعة المرحلة الانتقالية.
وإزاء وجود الهوة السحيقة بين مواقف النظام والمعارضة، تتجه الأنظار مجددا إزاء راعيي العملية السلمية اللذين نجحا في فرض هدنة غير كاملة منذ 27 فبراير (شباط) الماضي، لكنها وفرت إيصال المساعدات الإنسانية إلى عشرات الآلاف من السوريين وسمحت بإطلاق المحادثات غير المباشرة. ولذا، فإن التساؤلات الأهم تتناول ما تم التوافق عليه في موسكو خلال الزيارة التي قام بها الوزير جون كيري، واللقاءين المطولين اللذين أجراهما مع نظيره سيرغي لافروف و(خصوصا) مع الرئيس فلاديمير بوتين.
تقول المصادر الغربية إن الجانب الروسي سعى للترويج لمقولة أن كيري «تفهم» الطلب الروسي بـ«عدم التطرق في الوقت الحاضر» لمصير رئيس النظام السوري. والحال أن الوزير الأميركي، في المؤتمر الصحافي المشترك مع لافروف، حرص على القول إن واشنطن وموسكو متفقتان على أنه يتعين على الأسد «القيام بما يتوجب عليه»، وأن ينخرط في المسار السلمي. كما أنه اتفق مع بوتين على الحاجة لـ«روزنامة عمل لتحديد إطار الانتقال السياسي والتوصل إلى مسودة دستور (جديد) حتى شهر أغسطس» (آب) المقبل. كذلك اتفق الجانبان على الدفع باتجاه الانطلاق في مفاوضات مباشرة في جنيف بدل المحادثات غير المباشرة.
تقول المصادر الأوروبية إنها «تعي» أن هم واشنطن الأول ما زال القضاء على «داعش»، وأنها «ليست متعجلة» على رحيل الأسد عن السلطة، خصوصا إذا كان قد انخرط حقيقة في محاربة تنظيم داعش. وتضيف هذه المصادر أن النظام «يستفيد» من وقف الأعمال العدائية «الهدنة» أولا لإعادة تنظيم صفوفه، وثانيا لتحريك قواته من جبهات إلى جبهات أخرى كما فعل في تدمر مثلا، وهو ما تتيحه له الهدنة الحالية، بينما المعارضة المسلحة «مقيدة» بها، وبالتالي، فإن النظام «يقوم بحملة دعائية مفادها أنه القوة الوحيدة على الأرض القادرة على محاربة الإرهاب، وأخذ يطرح نفسه شريكا لقوى التحالف في هذه الحرب». وتضيف هذه المصادر أن وفد الهيئة العليا للمفاوضات استفاد من جنيف ليعيد طرح موضوع المرحلة الانتقالية، بينما النظام يستفيد من نجاحاته الميدانية «ليفرض تصوره لها من باب محاربة الإرهاب».
وبين هذا وذاك، يعود النقاش إلى المربع الأول الذي أجهض «جنيف2»، ويمكن أن يطيح بـ«جنيف3» إذا لم تكن الضغوط الأميركية والغربية على روسيا كافية لحملها على دفع الأسد للقبول بتسوية ما. أما مضمون التسوية، فسيكون بلا شك رهن مساومات ومقايضات لا تتناول فقط سوريا ومصالح روسيا فيها وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، بل تمتد إلى ملفات أخرى مثل أوكرانيا والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو. ولربما لن تنص التسوية المقبلة على رحيل الأسد المباشر عن السلطة مع بدء المرحلة الانتقالية كما تريد المعارضة التي تتخوف من صيغ «مرنة» تبقيه في السلطة مع حكومة انتقالية له اليد العليا عليها.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم