طيران التحالف يدفع بالحرب على الإرهاب إلى منعطف حاسم

عناصر «القاعدة» تغادر محافظة أبين باحثة عن ملاذ في حضرموت وشبوة

طيران التحالف يدفع بالحرب على الإرهاب إلى منعطف حاسم
TT

طيران التحالف يدفع بالحرب على الإرهاب إلى منعطف حاسم

طيران التحالف يدفع بالحرب على الإرهاب إلى منعطف حاسم

دخلت الحرب على الإرهاب في اليمن مرحلة جديدة، مع ازدياد طلعات طيران دول التحالف، وبشكل مكثف، فوق المناطق التي توجد فيها الجماعات المسلحة، بعد أن كانت مقتصرة على ضربات جوية من طيران الدرون الأميركي خلال السنوات الماضية، وهو ما يشير لتحول كبير في مجريات محاربة الجماعات الإرهابية في المحافظات اليمنية الجنوبية الشرقية، ومنها حضرموت وأبين وشبوة ولحج والبيضاء ومأرب.
وشن طيران التحالف غارات مكثفة على مواقع توجد بها هذه الجماعات المتطرفة في محافظة حضرموت المحاذية لشبوة. وكشفت مصادر عسكرية في حضرموت لـ«الشرق الأوسط» أن الانفجارات الكبيرة التالية لغارات الطيران على معسكر اللواء 27 دفاع جوي في منطقة الريان بمدينة سيئون شرق المكلا كانت ناتجة عن تفجر صواريخ أرض جو نوع سام 7. وهي الصواريخ المخزنة في اللواء العسكري، واستهدفتها صواريخ الطيران مساء أول من أمس الأربعاء.
وأكدت أن الغارات الجوية حققت أهدافها بنجاح تام وتمكنت من تدمير منظومة صواريخ ومخازن وعتاد كان يخشى من استخدامه من الجماعات المتشددة بعد سيطرتها على معسكرات الجيش في محافظة حضرموت.
خطر البؤر الإرهابية والمجموعات المسلحة، التي تنشط من خلال تعاونها مع جماعات المخلوع صالح، استدعى تدخلا مباشرا من دول التحالف العربي وربما الإسلامي أيضا، إلى جانب الضربات الأميركية، مما يجعل المواجهة مع الجماعات تأخذ صيغة دولية أممية سيكون أثرها إيجابا على استقرار وأمن البلاد اليمنية ويجنبها السقوط في أتون الجماعات الإرهابية.
وكثف الطيران الحربي خلال الأيام القليلة الماضية غاراته على تجمعات ومعسكرات وعتاد الجماعات المتطرفة في مدن ساحل حضرموت وأبين وشبوة ولحج، موقعة في صفوف الجماعات المتطرفة خسائر فادحة في الأرواح والسلاح، ما جعلها تغادر محافظتي أبين ولحج وأيضا مدينة المنصورة التي تم استعادتها بالكامل من قوات الشرطة والمقاومة أول من أمس الأربعاء.
وقالت مصادر قبلية في محافظة شبوة شرق اليمن، إن طائرات من دون طيار شنت ثلاث غارات على مواقع يتمركز بها عناصر ما يسمى بتنظيم القاعدة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن قصف الطائرات مساء أول من أمس الأربعاء تركز في جبال واقعة بين منطقتي عزان والحوطة في محافظة شبوة وهي المنطقتين اللتين سيطرت عليهما عناصر «القاعدة» في شهر فبراير (شباط) المنصرم. وقالت مصادر محلية في مدينة المكلا لـ«الشرق الأوسط» إن مقاتلات حربية عدة غارت على معسكرات وتجمعات لعناصر تنظيم القاعدة بمدن ساحل حضرموت، أبرزها بميناء الضبة النفطي غرب مدينة الشحر ومعسكر اللواء 190 دفاع جوي بالريان ومعسكر 27 ميكا بالريان ومعسكر الدفاع الجوي بمنطقة الربوة بخلف ومعسكر الادواس القريب من الحقول النفطية بغيل بن يمين.
وأضافت أن طيران حربي حلق ظهر أمس الخميس بأجزاء واسعة من مدن حضرموت، مخترقا حاجز الصوت فوق المناطق الساحلية. وكان الطيران الحربي قد قصف مواقع ومقار عسكرية تسيطر عليها عناصر تنظيم القاعدة في حضرموت، وبعد مضي أسبوع على مهاجمة معسكر تدريب لعناصر «القاعدة». وقالت مصادر محلية في مدينة المكلا لـ«الشرق الأوسط» إن غارات الطيران قصفت مواقع عسكرية في محيط مبنى المنطقة العسكرية الثانية الواقعة تحت سيطرة عناصر «القاعدة»، إلى جانب قصفها لمنزل قائد المنطقة وأحد الفنادق في المدينة، حيث توجد تجمعات لعناصر «القاعدة».
وكشفت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من عناصر تنظيم القاعدة إثر غارات الطيران التي قصفت معسكر المحفارة شرق مدينة المكلا على خط الدائري «كسارة المحضار» وقيادة المنطقة الثانية ومعسكر الدفاع الساحلي بخلف وقصر قائد المنطقة العسكرية الشرقية، الذي يقع أعلى جبل يطل على ميناء المكلا. وذكرت أن كافة الأهداف المستهدفة تتمركز بها عناصر من «القاعدة»، مؤكدة بسقوط قتلى وجرحى في الغارات الجوية، مرجحة أن يكون بينهم قيادات قاعدية رفيعة في هذه المواضع. وفي محافظة أبين شرق عدن، أخلت عناصر تابعة لتنظيم القاعدة أماكنها التي سيطرت عليها في أوقات سابقة في محافظة أبين إلى محافظتي شبوة وحضرموت المجاورتين بعد ضربات مكثفة نفذتها طائرات التحالف العربي.
وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إن عناصر «القاعدة» في زنجبار عاصمة محافظة أبين غادرت بعض المقار والمباني الحكومية، منها مجمع السلطة المحلية لمحافظة أبين ومبنى الأمن السياسي وقيادة المحور العسكري والمحكمة الجزائية وغيرها من المنشآت التي سيطرة عليها هذه العناصر.
وأضاف هؤلاء أن عناصر التنظيم شوهدوا وهم يخرجون من المباني الحكومية، إلى سيارات كانت تقلهم ومعهم أسلحتهم وأمتعتهم. وكشفوا عن أن وجهتهم ناحية محافظتي شبوة وحضرموت، مرجحة أن تكون مغادرتهم بشكل نهائي خاصة بعد أن تلقت ضربات متتالية من طيران التحالف العربي.
وسيطرت عناصر «القاعدة» على مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين عدة مرات، كان آخرها في فبراير (شباط) الماضي عقب مقتل زعيم التنظيم في اليمن جلال بلعيدي (أبو حمزة الزنجباري).



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.