«الشرق الأوسط» تواكب ميدانيًا عمليات إنقاذ المحاصرين في الفلوجة

مسلحو «فرسان الغربية» يتوغلون داخل المدينة لمساعدة السكان على الهروب

جانب من الخراب في الفلوجة جراء قصف القوات الحكومية («الشرق الأوسط»)
جانب من الخراب في الفلوجة جراء قصف القوات الحكومية («الشرق الأوسط»)
TT

«الشرق الأوسط» تواكب ميدانيًا عمليات إنقاذ المحاصرين في الفلوجة

جانب من الخراب في الفلوجة جراء قصف القوات الحكومية («الشرق الأوسط»)
جانب من الخراب في الفلوجة جراء قصف القوات الحكومية («الشرق الأوسط»)

بعد أن تعالت صيحات الاستغاثة من قبل أكثر من 105 آلاف مدني محاصرين داخل مدينة الفلوجة يداهمهم الموت جوعًا ويتعرضون لحصار مزدوج من قبل تنظيم داعش المتطرف الذي يمنع خروجهم من المدينة من أجل استخدامهم دروعًا بشرية، وحصار آخر تفرضه القوات الأمنية العراقية التي ضربت طوقًا أمنيًا محكمًا على مداخل ومخارج المدينة ومن جهاتها الأربع، تتوغل مجموعة من مقاتلي العشائر، يطلق عليهم «فرسان الغربية»، داخل المدينة لإنقاذ الأهالي.
وقال الشيخ رافع الفهداوي أحد القادة الكبار في عشائر الأنبار المتصدية لتنظيم داعش في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لم نعد نحتمل هذا الصمت الحكومي المخجل والمعيب وهي (الحكومة) تنظر إلى شعبنا وأهلنا المحاصرين في مدينة الفلوجة ويموت العشرات منهم بشكل يومي إما جوعًا أو قتلاً بالقصف الجوي والمدفعي وإما بيد تنظيم داعش الإرهابي، مما جعل الناس هناك يفكرون في الانتحار ونفذوه فعلاً، لذا قررنا أن نقوم بصولات في داخل المدينة من أجل إنقاذ أهلنا الأبرياء المحاصرين هناك».
وأضاف الفهداوي: «لقد تمكن أبناؤنا من مقاتلي عشائر الأنبار من إنقاذ أكثر من 250 عائلة على مدى الأيام الماضية في عمليات تسلل إلى الأحياء السكنية جنوب الفلوجة». وأشار إلى أن «مقاتلي العشائر بحاجة إلى المساندة والدعم وهذا ما طالبنا به مرات عدة من رئيس الحكومة حيدر العبادي وبشكل شخصي ومن كل المسؤولين في الحكومة المركزية إلا أننا نجابه بالرفض والتسويف، ولو دعمتنا الحكومة لكانت الفلوجة وباقي مدن الأنبار محررة بالكامل ولكنا قد قضينا تمامًا على هذا التنظيم المجرم الذي يبدو أنه جاء لينفذ أجندات انتقامية بحق أهل الأنبار بشكل خاص والمناطق الغربية بشكل عام».
«الشرق الأوسط» رافقت الليلة قبل الماضية واحدة من عمليات إنقاذ العائلات المحاصرة داخل مدينة الفلوجة والتقت ببعض العائلات المحررة. وقالت «أم سلام» (60 عاما) وهي متقاعدة من أهالي منطقة حي نزال وسط الفلوجة: «لم يعد أمامنا سوى الهرب من الموت جوعًا والتوجه إلى منطقة قريبة من النهر تسمى العبرة، حيث سمعت بأن هناك رجالاً من أهالي الأنبار يقومون بنقل العائلات بالزوارق إلى منطقة الخالدية الآمنة، وبالفعل توجهت إلى هذه المنطقة ومعي أولاد ابني الذي قتله مسلحو التنظيم الإرهابي فور دخولهم المدينة بسبب انتمائه إلى الشرطة». وتضيف: «اتجهت إلى هناك برفقة زوجة ابني وأطفالها الأربعة وبعد وصولنا إلى هناك بقينا ليلة بأكملها مختبئين بين الأشجار لكون تنظيم داعش يقوم بجولات ويسلط الأضواء بين الأشجار وبقية الأماكن بحثًا عن العائلات الهاربة». وتابعت: «تمكنا من الهرب بعد وصول المقاتلين من أبناء عشائر الأنبار الذين نقلونا إلى الضفة الثانية من النهر ومنها إلى المناطق الآمنة».
ووصفت أم سلام الوضع داخل المدينة بـ«الكارثي» وقالت: «إن أولاد ابني أصيبوا بالجفاف، لذا قررت أن أجازف بحياتهم من أجل إنقاذهم من الموت المؤكد جوعًا وعطشًا، وهناك العشرات من الأطفال، بل المئات ماتوا بسبب الجوع وجفاف صدور أمهاتهم من الحليب، حتى وصل الأمر ببعض العائلات إلى تناول الحشائش بعدما نفد كل شيء، وخلت المدينة تمامًا حتى من الطيور بعدما أصبح الجميع يحاول اصطيادها من أجل ديمومة الحياة».
من جهته، قال الشيخ محمد الشعباني قائد قوات «فرسان الغربية» إن «قواتنا تقوم بعمليات توغلية داخل مدينة الفلوجة من أجل مساندة ومساعدة أهالي المدينة الثائرين بانتفاضتهم الباسلة ضد تنظيم داعش الإرهابي، وتمكنت قواتنا من قتل العشرات من مسلحي التنظيم». وأضاف الشعباني: «شهدتم عمليتنا الليلة (قبل) الماضية وكيف أجلينا العشرات من العائلات التي كانت منهكة بسبب الجوع والعطش، بينما لم تتمكن عائلات أخرى من الوصول إلينا، وقد ألقت القبض عليهم دوريات تنظيم داعش الإرهابي ولا نعرف مصيرهم». وطالب الشعباني القوات الحكومية بتدخل فوري لإنقاذ أرواح الأبرياء داخل الفلوجة وإنهاء معاناتهم.
وحذر عضو البرلمان العراقي عن محافظة الأنبار، أحمد السلماني، من كارثة إنسانية تهدد سكان المدينة البالغ عددهم نحو 105 آلاف شخص، مطالبًا القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي ووزيري الدفاع والداخلية ببيان موقفهم من المجاعة التي تفتك بالعائلات المحاصرة داخل المدينة على غرار ما حدث في مدينة مضايا السورية. ودعا السلماني إلى «وتوفير ممرات آمنة لخروج المدنيين باتجاه عامرية الفلوجة والمدينة السياحية في الحبانية، وعدم تركهم فريسة سهلة لتنظيم داعش أو الميليشيات التي تختطفهم في بعض المناطق التابعة لسيطرة الحكومة».كما دعا المجتمع الدولي إلى التدخل لإغاثة المحاصرين.
وحسب مجلس محافظة الأنبار، فإن هناك أكثر من ألف مسلح ينتمون لتنظيم داعش يحاصرون سكان الفلوجة، وقال عذال الفهداوي عضو المجلس، في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «تنظيم داعش بات يستخدم سكان المدينة دروعا بشرية من أجل منع تقدم قوات الجيش إلى داخل المدينة»، مؤكدًا أن «هؤلاء المقاتلين مسلحون بأسلحة متطورة ولديهم طرق قتالية ليست بالسهلة؛ مما يحتم على القوات الأمنية التركيز على تجمعاتهم وقصفها قبل دخول الفلوجة».



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».