معاينة أضرار تدمر تبدأ.. وإيطاليا مستعدة لإرسال فريق «القبعات الزرقاء»

خبراء قالوا لـ «الشرق الأوسط» إن عمليات الترميم تحتاج لأكثر من 5 سنوات

معاينة أضرار تدمر تبدأ.. وإيطاليا مستعدة لإرسال فريق «القبعات الزرقاء»
TT

معاينة أضرار تدمر تبدأ.. وإيطاليا مستعدة لإرسال فريق «القبعات الزرقاء»

معاينة أضرار تدمر تبدأ.. وإيطاليا مستعدة لإرسال فريق «القبعات الزرقاء»

ما إن خرج تنظيم «داعش» من مدينة تدمر السورية، بعملية عسكرية واسعة استمّرت 20 يومًا، حتى اتجهت الأنظار إلى معاينة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمدينة التاريخية المدرجة على لائحة منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم للتراث العالمي (يونيسكو)، في الوقت الذي تشير فيه معلومات إلى أن مناطق متعددة لم يتمكن النظام من دخولها بعد بفعل الألغام التي زرعها التنظيم.
في هذا الوقت، أعلنت الحكومة الإيطالية عن استعدادها لإرسال فريق «القبعات الزرقاء» المعني بحماية التراث الثقافي في مناطق النزاعات، إلى مدينة تدمر. وقال وزير التراث الثقافي الإيطالي داريو فرانتشيسكيني في تصريح صحافي: «(قبعاتنا الزرقاء للثقافة) مستعدة لتقف على حماية التراث الثقافي الذي خربه الإرهاب الدولي، وعلى اليونيسكو والمجتمع الدولي أن يقررا ما إذا كانت تدمر ستصبح أول مهمة لـ(القبعات الزرقاء)؛ إذ سيتعين عليهما تحديد مواعيد تلك المهمة وأساليب العمل خلالها وإمكانية مشاركة دولة واحدة أو دول عدة في تلك العملية».
وسارعت روسيا، من جهتها، للتعبير عن استعدادها للمساعدة في ترميم تدمر، فقال ميخائيل بيوتروفسكي المدير العام لمتحف «إرميتاج» الروسي: «المتحف مستعد للمساعدة على وضع مشروع لترميم آثار مدينة تدمر السورية بعد طرد (داعش) منها». وجاء كلام بيوتروفسكي جوابًا على تصريحات رئيسة منظمة اليونيسكو إيرينا بوكوفا التي أعلنت فيها عن نيتها التوجه إلى «إرميتاج» بطلب المساعدة في قضية ترميم تدمر.
وأضاف رئيس «إرميتاج»: «يجب تقييم الخسائر التي ألحقت بآثار تدمر، والمتحف الروسي باعتباره أكبر مؤسسة علمية متخصصة في هذا المجال، مستعد لمناقشة مختلف مشاريع الترميم».
بدوره، أعلن الجنرال فاليري غيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، أن وزارة الدفاع الروسية «سترسل إلى سوريا في الأيام القريبة المقبلة مجموعة من الخبراء من قواتها الهندسية مع أطقم الأجهزة الروبوتية الخاصة، للمشاركة في أعمال إزالة الألغام في مدينة تدمر السورية المحررة».
وأشار المدير العام للآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم، إلى أن ترميم الآثار المتضررة والمدمرة في مدينة تدمر «يحتاج إلى خمس سنوات». وقال في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: «إذا حصلنا على موافقة منظمة اليونيسكو، فإننا نحتاج إلى خمس سنوات لإعادة ترميم الآثار التي تضررت وتعرضت للدمار على أيدي تنظيم داعش»، لافتًا إلى أن «80 في المائة من آثار المدينة بخير».
أما خبير الآثار السوري عامر العظم، المطلع على واقع مدينة تدمر وآثارها، فأوضح أن «الأضرار الرئيسية كانت نتيجة تفجير (داعش) أهم المواقع، خصوصًا معبد (بل) و(قوس النصر) والمدافن والمعالم السياحية، بالإضافة إلى التنقيب العشوائي وسرقة الآثار». وأكد العظم المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، لـ«الشرق الأوسط»، أن «ما لا نعرفه حاليًا هو وضع المتحف، لأن أضراره تكمن في سرقة كثير من محتوياته، وتكسير القطع الأثرية التي عجزوا عن إخراجها». لكنه توقع أن «يُعاد رفع (قوس النصر) وترميمه، لأن قسمًا كبيرًا منه ظلّ واقفًا بعد تفجيره بحسب الصور التي وصلت، ويمكن استخدام الحجارة نفسها العائدة له، لكن المشكلة الأساسية هي في معبد (بل)، لأن الأضرار فيه جسيمة جدًا، وللأسف ما كان موجودًا في القديم فقدناه اليوم».
وقال العظم: «المفارقة أن (قوس النصر) الذي بناه الإمبراطور الروماني احتفاء بانتصاره على الفرس، نجد الآن الفرس يشاركون في استعادته من تنظيم داعش». ولفت إلى أن «الحديث عن خمس سنوات لإعادة ترميم ما أصاب تدمر فيه كثير من التفاؤل، لأن الأمور ستأخذ وقتًا أطول من هذه المدة بكثير، وهذا متوقف على الوضع الأمني في سوريا»، مذكرًا بأن «(داعش) لا يزال موجودًا على تخوم تدمر وقد يهاجمها مجددًا في أي وقت».
وعن التكلفة المالية لمعالجة لأضرار التي لحقت بتدمر، أوضح خبير الآثار السوري، أن «خسارة الآثار التي سرقت تفوق كل تقدير، فهي لا تقدر بثمن، أما تكلفة ترميم ما تهدم وما تبقى، فستكون عالية جدًا، ومن الصعب الحديث عن أرقام الآن في غياب تقارير الخبراء وأهل الاختصاص ومعاينتهم الأضرار على الأرض».
من جهته، رأى حارس بستاني، الخبير في مديرية الآثار اللبنانية والمدير السابق لمتحف بيروت، أن «التقديرات والصور التي نقلت عبر محطات التلفزة، تشير إلى أن الأضرار التي لحقت بقلعة تدمر الأثرية كبيرة جدًا». لكنه أوضح أن «معظم الأضرار يمكن إصلاحها وإعادتها إلى ما كانت عليه».
وأكد بستاني لـ«الشرق الأوسط»، أن «هناك معايير لعملية الترميم تضعها منظمة الأمم المتحدة للتراث العالمي (اليونيسكو)، فإذا كان هناك عمود أو هيكل مكسور، فيمكن ترميمه، أما إذا كان مفتتًا إلى قطع صغيرة، فعندها يُستبدل به عمود جديد، شرط أن توضع عليه إشارة تفيد بأنه حديث، وجرى تصميمه وفق شكله القديم»، لافتًا إلى أن لبنان «استبدل بعض المجسمات والهياكل مثل (قوس النصر) في قلعة (صور)، وبعض الأعمدة في قلعة جبيل التي دمرت في زمن الحرب».
وتعليقًا على كلام المدير العام للآثار السورية بأن عملية الترميم تحتاج إلى خمس سنوات، قال بستاني: «ما شاهدناه عبر الإعلام أن أعمدة وقناطر دمرت بشكل كامل، لكن هناك آثارًا أخرى لها قيمة تاريخية وثقافية ووثائقية مهمة مثل المنازل القديمة والنواميس، وهي تشكل سلسلة مهمّة للتاريخ وليس للسياحة»، لافتًا إلى أن «المنظمات العالمية تهتم بالتراث الثقافي والاجتماعي والتاريخي ككل».
إلى ذلك، لفت خبير الآثار اللبناني، إلى أن «عملية الترميم ستجرى على نفقة الدولة السورية، لأنه بقدر ما تهتم الدولة بالتراث، بقدر ما تدخل في لائحة التراث العالمي للأونيسكو». وأوضح أن «دور المنظمة الدولية للتراث يقتصر على الجانب الاستشاري فقط». ورأى أن هناك «صعوبة في التكهن بالمدة الزمنية التي تستغرقها عملية إصلاح ما دمّر في تدمر، فهي متوقفة على توفير الظروف الأمنية؛ إذ لا يمكن لأي خبير أجنبي أن يحضر إلى سوريا في هذه الظروف، وإذا كان الرهان على خبراء سوريين، فهؤلاء سيعملون تحت الضغط».
وأثار سقوط المدينة في أيدي تنظيم «داعش» مخاوف العالم حول مصير معالمها، خصوصا أن للتنظيم سوابق في تدمير وجرف الآثار في مواقع أخرى سيطر عليها، لا سيما في العراق. وعلى الرغم من عمليات التدمير الممنهجة للتنظيم الذي يعد التماثيل البشرية والحيوانية بمثابة أوثان، فإن جزءا كبيرا من المدينة الأثرية نجا من الاندثار، مثل ساحة «الأغورا» والمسرح الروماني.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم