د. أسامة قاضي: إعادة إعمار سوريا مسؤولية رجال الأعمال السوريين

الخبير الاقتصادي قال إن البلاد لا تحتاج إلى «حريري» سوري لإنقاذ البلاد

د. أسامة قاضي
د. أسامة قاضي
TT

د. أسامة قاضي: إعادة إعمار سوريا مسؤولية رجال الأعمال السوريين

د. أسامة قاضي
د. أسامة قاضي

مع دخول الأزمة السورية سنتها السادسة وانطلاق مرحلة المفاوضات، تبرز التساؤلات حول الاستحقاقات الاقتصادية المترتبة على حرب دامت خمس سنوات.. مثل إعادة إعمار البلاد وتكلفتها، وحجم الديون التي ستواجه المواطن السوري. «الشرق الأوسط» تحدثت إلى د. أسامة قاضي رئيس مجموعة عمل اقتصاد سوريا (التي تعد الشريك الأساسي الاقتصادي الوحيد مع مجموعة أصدقاء الشعب السوري المعني بإعادة إعمار سوريا). ود. قاضي أيضا منسق السلة الخاصة بالسياسات الاقتصادية والإصلاحات. وتبدو رؤية الخبير السوري قاتمة حيال الاقتصاد السوري لما بعد الحرب، متوقعا أن الحكومة الانتقالية المقبلة ستتسلم البلد خاليا من أي احتياطي نقدي، وباقتصاد شبه مشلول وممزق الأوصال، وإدارة مركزية أصابها العطب، وستفاجأ وقد تحولت النواحي السورية إلى جزر منفصلة، وبجسد الدولة العميقة وقد اهترأ ولم يبق منه إلا بقايا في الدوائر الكبيرة في المدن الأساسية. إلا أنه يقترح على الحكومة الانتقالية المقبلة التعاقد مع شركات استثمارية عقارية سورية (في الوطن أو خارجه) وعربية وعالمية، بحيث تتحمل تلك الشركات كافة التكاليف مقابل ميزات استثمارية وضريبية.
* برأيك ما هي التكلفة الإجمالية لو توقفت الحرب الآن؟
- التقديرات الأولية للخسائر تفوق 300 مليار دولار، ولكن إعادة إعمار سوريا وترميم مصانعها وإعادة الحياة الاقتصادية قد تكلف ضعف هذا المبلغ على مدى خمس سنوات على الأقل. وتحتاج الحكومة الانتقالية لأفكار إبداعية وبدائل تمويلية وطنية وشراكات مع الشركات العربية خاصة، ما أمكن، حتى لا تغرق سوريا بالديون بعد هذا الدمار الكارثي الذي يفوق في حجمه الكارثة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، باعتراف رئيس النظام نفسه في خطابه الأخير.
* ومن سيعيد إعمار سوريا أمام هذه الخسارة الكبيرة؟
- يقع عاتق الإشراف على إعادة إعمار سوريا بالمقام الأول على الحكومة الانتقالية السورية القادمة، وهذا يستلزم رؤية اقتصادية واضحة من قبل تلك الحكومة حول قبول الشراكات العربية والعالمية في إعادة الإعمار، إضافة إلى تأمين كل القوانين اللازمة للترحيب بالرأسمال الوطني والأجنبي ضمن شروط تأخذ في عين الاعتبار خلق فرص للعمالة الوطنية، والسرعة والإتقان في الإنجاز.
وأعتقد أن رجال الأعمال والصناعيين السوريين هم أول من سيقوم بتولي إعادة إعمار بلادهم، ولكن المحذور الرئيسي هو أن تقوم المجموعة التي نهبت الاقتصاد الوطني سابقا، بشكل مباشر أو عن طريق وسطاء، بالتصدر لمسألة إعادة الإعمار، وخاصة أن النظام السوري كان يخصّهم بامتيازات احتكارية استطاعوا أن يكوّنوا من خلالها ثروات خيالية ويصعب منافستهم وطنيًا من حيث امتلاك رأس المال، وهذا يستوجب الحذر الشديد من تبييض أموال تلك المجموعة في مسألة إعادة الإعمار. كذلك سيعترض الحكومة الانتقالية إشكاليات قانونية في أي عقود موقعة للشركات الإيرانية والروسية في مسألة إعادة الإعمار، وهذا يستوجب إيجاد مخارج قانونية ودبلوماسية سياسية للتخلص من الآثار السلبية لتلك العقود.
* هل هذا يعني أن المواطن السوري سيكون مدينا لسنوات طويلة نتيجة الحرب والكلفة العالية لإعادة إعمار سوريا؟
- للأسف سيبقى المواطن السوري مدينا لخمس سنوات على الأقل، فقد تدمرت البنية التحتية تماما، بما سينعكس على الخدمات المقدمة للمواطن وعلى رفاهيته، ومهمة أي حكم قادم التخفيف من آثار هذه الكارثة على المواطن البسيط. وللأسف أيضا، أن الحكومة الانتقالية المقبلة ستفاجأ بعدم وجود أي احتياطي نقدي، وستكون أمام اقتصاد شبه مشلول وممزق الأوصال وأمام إدارة مركزية أصابها العطب، وتحولت النواحي السورية إلى جزر منفصلة، كما ستفاجأ بجسد الدولة العميقة وقد اهترأ ولم يبق منه إلا بقايا في الدوائر الكبيرة في المدن الأساسية، مما يجعل تلك الحكومة تواجه إشكالية هائلة في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، سواء المساكن المهدمة أو البنية التحتية، وينبغي تجنب تحمل المسؤولية المالية ما أمكن عن طريق التعاقد مع شركات استثمارية عقارية سورية (في الوطن أو خارجه) وعربية وعالمية، بحيث تتحمل تلك الشركات كافة التكاليف مقابل ميزات استثمارية وضريبية، إضافة للاعتماد فيما تبقى من مناطق لم تشملها الشركات الاستثمارية على شركات وطنية وبمواد أولية وأيد عاملة وطنية ضمن معايير جودة تحددها الحكومة. وتشرف - تلك الحكومة التي ستكون في موقف لا تحسد عليه - على عملية وضع القوانين الناظمة لعمل المطوّرين العقاريين بعد وضع استراتيجية للتخطيط العمراني العصري ومراعاة السمات الحضارية والتاريخية ما أمكن، إضافة لوضوح آليات تضمن الشفافية.
* سؤال يخطر بالبال من وحي التجربة اللبنانية بعد الحرب الأهلية الطويلة هناك: هل تعتقد أنه سيظهر (رفيق حريري) آخر في سوريا؟
- تبلغ مساحة سوريا 17 سبعة عشر ضعفا مساحة لبنان، وتركيبتها الجغرافية والسكانية ومواردها الطبيعية وحجم سكانها مختلف عن لبنان. وقيام ثورة سياسية وفكرية باهظة التكاليف تتوق للحرية والشفافية، سيلعب دورا في صياغة الأدوات التي ستنهض بالاقتصاد السوري، وستشكل الإطار الذي يتم فيه تحديد الأدوار لرجال الأعمال وللمهنيين وللسياسيين ولمؤسسات المجتمع المدني والإعلام. لذا لا أعتقد أن سوريا ستحتاج رجل أعمال واحدا كبيرا مدعوما إقليميا كما يحلو لبعض رجال الأعمال – أو بعض الدول - أن يتخيلوا. مرة أخرى أقول، إن سوريا ستحتاج للكثير من رجال الأعمال السوريين الوطنيين ليلعبوا دور البرجوازية السورية الوطنية التي تنهض بالاقتصاد السوري.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».