صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية

السجالات والمخالفات تشكل أكثر من 70 % من مجموع أعمالهم

صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية
TT

صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية

صراعات الإسلامويين المتشددين البينية المفتوحة.. محاولة تفسيرية

تمثل الصراعات النظرية والسجالية لمن يصفون أنفسهم بـ«الإسلاميين» و«الجهاديين» أكثر من 70 في المائة من مجموع مؤلفاتهم ومضامين وغايات خطاباتهم تقريبًا، وتسير معهم، منذ وثائقهم التأسيسية حتى سجالاتهم المتتالية والمستمرة. ونلمحها صراعات نظرية دائمة وعملية وقتالية أحيانا، قد يبدأ من التخطئة النظرية والاتهام في العقيدة والذمة، تخوينًا وتكفيرًا، حتى التصفية العملية والاغتيال المادي، فضلا عن المعنوي، وتنذر حال انتصار واحدها باشتعال الصراع بين جميعها، حيث سنة الاختلاف ومفهومه واتساعه ظل واستمر هشًا في إطار الفرقة الناجية التي تنفي آخريها. وتتبدى الصراعات على المستوى النظري تحت لافتات «الوسط والرشادة» كما تحتكر وصف «النجاة والاصطفاء»، ودعوى «التوجهات الصحيحة» بينما مخالفوها أدعياؤها. ومن هنا كتب منظّروها في تعديل أنصارهم وجرح مخالفيهم، فكانت مراسلات ومطويات أسامة بن لادن في نقد علماء المملكة العربية السعودية، وكتب آخر تحت عنوان «أدعياء السلفية» وأبو قتادة الفلسطيني عن «الجرح والتعديل» الذي انتقد فيه شيوخ «السلفية العلمية» ووصفهم بأنهم «مُرجئة العصر»، وكتب المقدسي عن أن «الديمقراطية دين يكفر من يؤمن به» وكتب أخيرا المنظر الداعشي أبو الحسن الأزدي عن «السرورية فصام يولد الانشطار» في نقد تيارها، وهكذا تتم التصفيات نظريًا وعمليًا بين مختلف الحركات المتطرفة التي تطلق على نفسها مسميات إسلاموية وجهادية على السواء.
«قتل الأب» هذه الأسطورة الفرويدية صحيحة تمامًا في قراءة صراعات «الإسلامويين المتشددين» واختلافاتهم، حيث يكون احتكار الشرعية وأحاديتها سمة كل جماعة في وجه مخالفيها وآخريها، وخصوصا الأقربين منها والأشباه بها المنافسين لها في تصور الشرعية وجاذبية الجماهير والتجنيد.
إنها فرضية مثيرة، كلما كان الاقتراب والتنافس داخل المجال الأصولي والديني المنهجي نفسه، ازدادت الكراهية والنفور والتشويه المتبادل بين عناصره، ويعتبر كل منها الانشقاق عنه أو الاختلاف معه ومع قادته خيانة وإعاقة لمشروعه، تستحق البتر في الغالب.
يعد كتاب أبو بكر ناجي «الخونة: أخسّ صفقة في تاريخ الحركة الإسلامية» - وهو نفسه صاحب كتاب «إدارة التوحش» المتأخر عن السابق - نموذجًا واضحًا ودالاً على فعالية منطق التخوين بين هذه الجماعات. ولقد عرض فيه لما يراه «خيانات» جماعات وحركات مختلفة، تبدأ من «النهضة» في تونس و«الإخوان المسلمين» وتصل إلى «الجماعة الإسلامية المصرية» وجماعات «السلفية الإصلاحية والعلمية» وشخصيات مثل فوزي السعيد وقلب الدين حكمتيار وعبد رب الرسول سياف ومفكّرين وأفراد ورجال دين كثر، من مختلف بلدان العالم الإسلامي، كلهم متهمون بتهمة واحدة تستحق العقاب هي «الخيانة».
هكذا حاول منذ وقت مبكر محمد عبد السلام فرج في «الفريضة الغائبة» حين سفّه كل الأطروحات الإسلامية الأخرى، مختزلاّ التوحيد في «الجهاد»، والجهاد في «القتال»، باحثًا عن «دار الإسلام» وفق فتوى التتار التي نقلها خطأ.
وحسب شهادة أيمن الظواهري نفسه في رسالته «التبرئة في الرد على وثيقة الترشيد» لسيد إمام، ذكر أن المنتقد في كتابه الجامع «دستور جماعة الجهاد» قد كفّر جماعات كـ«الإخوان المسلمين» و«الجماعة الإسلامية المصرية». ومن هنا كان تدخله وجماعته في الحذف قبل النشر، وهو ما أغضب عبد القادر بن عبد العزيز وقطع العلاقة بينهما كما ذكر كل منهما.
يسيطر تصوّر «الفرقة الناجية»، ووصف «الطائفة المنصورة»، على كل جماعة وحركة متشددة وتحتكره دون سواها من الجماعات والحركات الأخرى. وفي أقل نبراته تكتفي بوصف أنها «الأمة الوسط» أو«الجماعة الرشيدة»، مقيمة حدها الفاصل بينها كقاعدة وطليعة منتصرة - بوعد الله وبين المنحرفين والمضلين والمثبطين والمتساقطين من سواها أو ممّن يخرج عليها.
وعلى الرغم من أن هدف «الدولة الإسلامية» أو «تطبيق الشريعة» أو «استعادة الخلافة» شعارات معلنة بين مختلف المتشددين، فإن كلاً منهم يحتكرها لنفسه، وينذر انتصار أحدها بصراع جديد مع آخريها، حيث التصفية والصراع المؤبد بين ممثليها دائمًا، وضرورة الإذعان والخضوع للمتغلب منها وهو ما لا يحدث بالغالب، ويبقى الصراع مفتوحًا.
وانطلاقا من تمثل وتقمص كل منها لـ«الطائفة المنصورة» و«الجماعة الرشيدة» يبدأ مسلسل اختزال الصحة، إسلامًا وشرعًا وجهادًا، في الجماعة، ثم تشخصن في قادتها وأميرها، ومن ثم يكون أدنى نقد لها - أو لهم - خروجا عن الإسلام والشرع، وخيانة لدين الله وأمانته، يستحق القتل أحيانا، متى كانوا في ساحة جهاد. وهذا ما فعله كان أبرز نموذج له الجزائري عنتر الزوابري (1970 - 2002) أمير «الجماعة الإسلامية المسلحة» الذي قتل ذات مساء من خريف عام 1995 نحو 500 عنصر معه بقيادة الشيخ الدكتور محمد السعيد (بلقاسم الوناسي) زعيم تيار «الجزأرة» المعتدل والتقريبي، حين نحا الأخير نحو المصالحة ومال إليها مع الدولة والنظام الجزائري، فكان جوابه التضحية به والخمسمائة الذين كانوا معه!
بل إن هذا «الأمير»، أي الزوابري، لم يتحمّل خلاف مجموعة من عناصر «القاعدة» و«الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية الذين جاءوا نصرة له من ليبيا بأمر من الظواهري و«القاعدة»، فقتلهم جميعًا ولم يعد منهم أحد. وكان عددهم خمسة عشر عنصرا، وهو ما كان دافعًا لانقلاب مَن أيّدوه عليه فيما بعد، شأن المتشدد أبي قتادة الفلسطيني.
بعد وصول حماس للسلطة وسيطرتها على قطاع غزة بوقت قصير، أعلنت جماعة «جند أنصار الله» بقيادة الطبيب عبد اللطيف موسى المشهور بـ«أبو النور المقدسي» إمارة دينية في شرق غزة، فلم يكن إلا قتله وقتل من معه في مسجد ابن تيمية يوم 15 أغسطس (آب) 2009. وهو ما انتقده المنظرون المتشددون قائلين بتكفير حماس، التي لا تعلن كفرها بالديمقراطية، وتشبه في ردتها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والقائلين بـ«علمانية النظام الإسلامي»، كما ذكر أبو محمد المقدسي في رثائه لجماعة «جند أنصار الله» في هذا التاريخ.
وتشتعل لغة الخلاف والصراع مع ازدياد راديكالية الجماعة، حيث لا يجوز - وفق تصورها وأدبياتها - الخروج والانشقاق كما لا يجوز فيها الاختلاف أو المنافسة، فحينئذ لا جزاء إلا القتل، حكمًا أو اغتيالاً.
هكذا فعل أبو بكر البغدادي مع أستاذه ومعلمه السابق الشيخ محمد حردان العيساوي (أبو عبد الله محمد المنصور) أمير «جيش المجاهدين في العراق» الذي كان قتله واغتياله أول أمرٍ أَمَر به البغدادي جنوده وقواده في سوريا بعد دخولهم إليها! وهو ما يبرر له الكاتب الداعشي صلاح الدين عمر بـ«الخيانة»، إذ يقول ملوّحًا بخيانته ومتهمًا لذمته، وهو من تلقى عنه البغدادي بعض دروس الفقه. كما كان أول من استضاف الزرقاوي في العراق وعرّفه على سائر المتشددين فيها بعد دخوله إليه عام 2003، لكنه في النهاية صار «خائنًا» و«عميلاً للأميركان» لمجرّد اتهامه للبغدادي بعدم العلم وعدم الأهلية للقيادة.
وحسب الكاتب الداعشي: «لقد اعتقلت القوات الأميركية محمد حردان العيساوي - المُكنّى أيضًا بأبي سعيد العراقي - عام 2006 م، وهو من طلبة العلم المتقدمين، بل لعله من أعلم أهل العراق، وهو الأمير العام لـ«جيش المجاهدين في العراق» وكان المسؤول عن خطف أعداد كبيرة جدًا من الصحافيين والأجانب في العراق. ثم قامت بإطلاق سراحه بعد سنة وشهرين تقريبا من اعتقاله فقط (!!)، علما بأن الآلاف من البسطاء الذين اعتقلتهم القوات الأميركية لم يطلق سراحهم إلا بعد ثلاث أو أربع سنوات! فكيف تم إطلاق سراح الأمير العام لجيش المجاهدين بعد سنة واحدة فقط؟من حقنا أن نسال هذا السؤال. لكن كما يقال إذا عُرف السبب بطل العجب، فما إن خرج الرجل من السجن حتى راح يُنَظِّر ضد تنظيم «القاعدة» وضد «داعش» وألّف بعد خروجه من السجن مباشرة أربعة كتب كلها موجهة ضد «الجهاد» و«المجاهدين» على شكل فتاوى ونصائح باردة للمجاهدين هي «أبرد من نصائحك وتوجيهاتك» والكلام لا يزال للكاتب الداعشي.
الذي يتابع: «والعجيب أنه بعد خروجه من السجن استقر به المقام في سوريا. استقر هناك مرحبًا به من قبل الحكومة السورية منذ عام 2007 ولم يخرج من سوريا إلا بعد بدء العمل الجهادي فيها!!! علما أن المعتقل مع محمد حردان في نفس القضية لا يزال ولحد الآن ومنذ تسع سنوات معتقلاً عند الحكومة العراقية حيث سلمه الأميركان لهم بعد خروجهم من العراق. فكيف يطلق سراح الأمير ويبقى الجندي في الاعتقال؟ أليس من حقنا أن نسال هذا السؤال؟». وهو ما ردده أيضًا كثير من أنصار «داعش» مثل جرير الحسيني وغيره، في شهادته على محمد حردان الذي قتل بعد ذلك.
أيضًا، فعلها «داعش» مع أبو خالد السوري الذي يصفه المنظر الداعشي صلاح الدين عمر بقوله: «أخطأ الرجل بانضمامه إلى (تنظيم) أحرار الشام، وهي جماعة ليست إسلامية، وهذا ليس قولنا نحن فقط وإنما هو قول الآخرين من المحللين السياسيين والمتابعين للشأن السوري». ويستشهد عمر بمن ينفي عن هذه الجماعة «الإسلامية» ناقلاً عنه قوله: «أما تنظيمات الجبهة الإسلامية ومنها أحرار الشام والجيش الحر فجهادها وطني، سقفها وطني، محدود بإطار وطني، حتى تشخيص الصراع عندها محدود ضمن إطار وطني».
ثم أن الوطنية صنم عند «الدواعش» و«القاعدة»، تدخل في الإيمان بالطاغوت عند جميع تيارات التشدد، ويمكن أن تكون سندا للتكفير. ويضيف هذا الكاتب في تبرئة قتل أبي خالد السوري من قبل «داعش» قوله ورده على أبي محمد المقدسي: «الدولة الإسلامية لم تكن بدعا في قتلها لأبي خالد ولبعض الأخوة في جبهة النصرة، نعم ليس الأمر جديدًا، فالتاريخ الإسلامي مليء بالصراعات بين المسلمين. ألم يفلق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجيشه رؤوس الآلاف - أي نعم الآلاف - من المسلمين من جيش معاوية؟!! ألم يفلق معاوية - رضي الله عنه - وجيشه رؤوس الآلاف من جيش علي؟!! ألم يفلقوا رأس عمار - رضي الله عنه - ؟!! أليست هذه دماءٌ معصومة؟ حتى إذا رشح المسلمون حكمين ليوقفوا سفك الدماء المعصومة إذ بأحدهما لا يفعل ما اتفق عليه مع صاحبه ويتسبب في مصيبة جديدة للمسلمين، وكلنا اليوم لا يسعنا إلا أن نترضى عن علي ومعاوية وعلى الحكمين، لماذا؟ لأن هذه السيئات مهما عظمت، فإنها تضيع في بحار حسناتهم. ألم يفلق قطز رؤوس العشرات من المماليك البحرية من المسلمين من أتباع الظاهر بيبرس؟ ألم يفلق الظاهر بيبرس رأس الأمير المنتصر قطز مباشرةً بعد عودته من انتصاره العظيم في عين جالوت؟ إن الصراع بين المسلمين وقتل بعضهم بعضًا يملأ صفحات التاريخ الإسلامي، ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو مكابر».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».