خبير أميركي: على «هيئة الحكم الانتقالي» تنظيم حملات ضد «داعش»

دور التنظيم المتطرف في تفجيرات بروكسل.. بُعد آخر لأزمة سوريا

خبير أميركي: على «هيئة الحكم الانتقالي» تنظيم حملات ضد «داعش»
TT

خبير أميركي: على «هيئة الحكم الانتقالي» تنظيم حملات ضد «داعش»

خبير أميركي: على «هيئة الحكم الانتقالي» تنظيم حملات ضد «داعش»

أدَّت الهجمات التي استهدفت بروكسل، عاصمة بلجيكا، خلال الأسبوع الماضي وتبنّاها تنظيم داعش المتطرف الإرهابي وأسفرت عن مقتل أكثر من 31 شخصًا وإصابة نحو 300 آخرين إلى تسليط الضوء من جديد على العلاقة الوثيقة بين الحرب ضد «داعش» ومصير سوريا: فهذان العاملان متشابكان إلى حد بعيد. فعلام تدل هذه الهجمات؟ وهل تكفي الحرب العسكرية وحدها لوضع حد خطر لـ«داعش»؟ وما هي الأولويات الواجب تفضيلها في المعركة ضد الإرهاب، وكيف يمكن أن تؤثر هذه التطورات على محادثات جنيف للسلام في سوريا؟
فيما يتعلق بتفجيرات بروكسل الدامية، تمكّنت السلطات البلجيكية من تحديد هوية أحد منفذي التفجيرات الذي يدعى إبراهيم بكراوي، الذي شارك في الهجوم المزدوج على مطار زافينتيم ومحطة القطار مالبيك، وكان قد ألقي القبض عليه في وقت سابق من قبل تركيا وتم ترحيله في يونيو (حزيران) الماضي. كذلك سبق لتركيا أن حذّرت بلجيكا من أن بكراوي «مقاتل إرهابي أجنبي»، أضف إلى ذلك أن إبراهيم بكراوي وشقيقه خالد كانا موضوعين من قبل الولايات المتحدة على قوائم مكافحة الإرهاب.
وفي سياق متّصل، يُعتقد أن ما يزيد عن 5 آلاف شخص من أوروبا قد شاركوا في الحرب في العراق وسوريا وتشربوا الأفكار الراديكالية. وتعليقًا على ذلك، قال الدكتور هنري باركي، مدير مركز الشرق الأوسط في مركز ويلسون بالعاصمة الأميركية واشنطن في حديث إلى «الشرق الأوسط»، موضحًا: «نحن لا ندري إن كان هؤلاء المقاتلين يعودون إلى أوروبا بمحض إرادتهم أو يصار إلى تجنيدهم وإرسالهم. ليس لدينا أرقام محددة لهم لكنهم يمثلون تهديدًا كبيرًا». وتابع باركي: «إن هجمات بروكسل أكدت التهديد الكبير المتعلق بعودة المقاتلين إلى دولهم. وتشير هذه الهجمات إلى تحرك الخلايا الإرهابية الأوروبية بشكل مستقل أكثر فأكثر، في الوقت الذي تتقلّص فيه قوة وهيمنة (داعش) في سوريا والعراق».
الدكتور باركي يستبعد وجود تنسيق كبير بين هذه الخلايا وقيادة «داعش» في العراق وسوريا، معتبرا أنه «يمكن أن يكون مجلس القيادة المركزية للعمليات في (داعش) قد وافق على بروكسل، إنما بالتأكيد ترك الحرية للخلايا المحلية بتحديد الأهداف بما أنها ملمّة أكثر بطبيعة الوقائع الميدانية». كذلك أشار مدير مركز ويلسون، إلى أن «الهدف من هذه الهجمات مزدوج: فهي تسعى أولاً إلى إظهار أنه لدى داعش القدرة على وضع الغرب في موقع حرج، وثانيًا تريد أن تغذّي منطق التوسّع وأن التنظيم ما زال قويًا مما سيرفع من معنويات جمهوره المتطرف».
وبناءً عليه، تؤكد تفجيرات بروكسل من جديد على أهمية وضع استراتيجية منسقة وموحدة لمكافحة «داعش»، التي أثمرت عن نتائج إيجابية في العراق وسوريا، بحيث فقد التنظيم المتطرف أكثر من 22 في المائة من الأراضي التي كان يسيطر عليها. وتعليقًا على ذلك، يشير السفير فرد هوف، الزميل البارز في «المجلس الأطلسي» في الولايات المتحدة بأن «الخطوة التالية للحرب على داعش في سوريا يجب أن تهدف إلى تدمير التنظيم من قبل قوة قتالية برّية متعددة الجنسيات، على رأسها قوات الولايات المتحدة. إن استهداف عناصر (داعش) من قبل الطائرات الحربية والميليشيات الكردية يمكن أن يكون فعالاً، لكنه ليس بالضرورة حاسمًا. ولقد برهنت الأحداث الأخيرة في بروكسل أنه يجب وضع حد لوجود (داعش) عاجلاً وليس آجلا. وبالتالي، على المعارضة السورية - سواءً العناصر المحلية الموجودة في شرق سوريا أو المنظمات في الخارج، أن تكون مستعدة لإدارة المنطقة الشرقية من سوريا بعد تحريرها من (داعش)».
عودة إلى الدكتور هنري باركي، فإنه يرى أنه لا بد من إعطاء الأولوية لبسط السيطرة على عاصمة «داعش» في سوريا، أي مدينة الرقة، لأن «كل يوم يمرّ على الرقة وهي غير محرّرة هو يوم سيء لمصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية». ثم أكمل موضحًا أن الهجمات الإرهابية كتلك التي أطلقها داعش في أوروبا، «تفرض مزيدًا من الضغوط على العلاقات عبر الأطلسي بما أنها تشجع تنامي الأحزاب اليمينية في جميع أنحاء أوروبا، وهو من شأنه أن يقوض النسيج الاجتماعي لهذه الدول». وأردف: «الضرورة الأساسية اليوم تتجلى في هزيمة (داعش) في المستقبل القريب، بينما يمكن مواصلة العمل من أجل تحقيق الاستقرار في سوريا على المدى الأبعد»، مع العلم - حسب رأيه - أن استقرار سوريا قد يكون عاملاً أساسيًا لمكافحة «داعش» على الرغم من إحجام الولايات المتحدة عن الاعتراف بهذا الواقع.
ومن جهته، اعتبر فرد هوف أن «الحل» يجب أن يأتي على شكل «هيئة حكم انتقالي» يجري الوصول إليها بالتراضي وتناط بها سلطة تنفيذية مطلقة. ولكي ينجح ذلك «يجب استبعاد نظام الأسد، ولكن مع مشاركة أفراد في الحكومة إلى جانب المعارضة الوطنية». ومن ثم على هيئة الحكم الانتقالي تنظيم حملات ضد (داعش)، وفتح البلاد أمام المساعدات الإنسانية، وحماية المدنيين في أرجاء سوريا كافة، وبدء عملية إعادة الإعمار، وبناء نظام قضائي عادل، والإشراف على صياغة وإقرار دستور جديد، والإشراف على انتخابات وطنية عامة، فضلا عن عدد من الإصلاحات الأخرى، مع العلم، أن إنشاء بيئة أمنية تفضي إلى نظام سياسي حقيقي وعادل، تستغرق وحدها بضع سنوات وتتطلب مساعدة خارجية ضخمة».
وحول الموقف الروسي، قال هنري باركي لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «يبدو الآن مقتنعًا بأن الحل الأفضل لسوريا يتمثل في إقامة نظام فيدرالي، وهذا بعدما أيقن الروس أنهم لا يستطيعون توحيد جميع الأراضي السورية في شمال البلاد والمناطق المحيطة بطريق دمشق – حلب». وتابع أن هذا «ما قد يفسر القرار الروسي المفاجئ قبل أسبوعين بسحب غالبية قواتها من سوريا، الذي على الرغم من طبيعته التكتيكية، تم الإعلان عنه بشكل مثير للاهتمام في اليوم الأول من مؤتمر جنيف حول سوريا». ولكن حول هذه النقطة قال السفير هوف: «إن روسيا خفضت وجودها العسكري في سوريا لأنها أولاً نجحت في تعزيز قبضة الأسد على السلطة، وثانيًا لأن استمرار الحملة الجوية بالزخم نفسه على المدى البعيد سيؤتي بنتائج عكسية».
ومن ثم يعترف هوف، مع ذلك، أن ثمة ضغوطًا كبيرة تفرض على أطراف الحرب السورية في الحرب السورية لإجراء محادثات. «فروسيا تريد من الولايات المتحدة أن تصبح منفتحة أكثر للعمل مع الأسد ضد (داعش)، لكن هذا الأمر سيستغرق وقتا، إن حدث أصلا. وعندها ستكون روسيا قد نجحت في وقف ما أسمته الولايات المتحدة تغيير النظام وحملة الديمقراطية، مما سيشكل نكسة دبلوماسية كبيرة للولايات المتحدة. ولكي تليِّن واشنطن موقفها وفقا للحسابات الروسية، لا بد من مشاورات مفتوحة وصريحة. بالنسبة إلى روسيا، يمثل نظام الأسد «الدولة» التي تدّعي إنقاذها، ولإيران يمثل الأسد داعمًا أساسيًا لنشاط حزب الله. لكن الجانبين الروسي والإيراني يدركان جيدًا على الأرجح أن رحيل الأسد - وعائلته والمقربين منه - ضروري لإنقاذ الدولة السورية، لكن لكل منهما أيضًا مصالح في بقاء الأسد تتعدّى بكثير بقاء سوريا».
واختتم هوف بالقول: «على الرغم من الدعم الروسي والإيراني للأسد، لا شك أن سوريا أهم بكثير من رئيسها بشار الأسد، وأن الحل الحقيقي للدولة السورية سيأتي ضمن خطة شاملة للمنطقة برمتها، يتمثل في إرساء حكم رشيد محلي. إن أيام ذلك الديكتاتور الذي يصدر الأحكام من دمشق باتت معدودة، ومن حق الشعب السوري أن يتمتع بحكم ذاتي حقيقي، ولا يحق لأي طرف كان أن يستمر بتغذية النعرات الطائفية والإثنية، لمصالحه السياسية الخاصة وبتأجيج الصراعات والفوضى في سوريا».



ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
TT

ألمانيا... صعود {اليمين المتطرف}

انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)
انتشار أمني عقب وقوع مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة وسقوط 9 قتلى في مدينة هاناو الألمانية قبل بضعة أيام (إ.ب.أ)

عندما وصف رجل ألماني في شريط على «يوتيوب» سوسن شبلي، السياسية الألمانية الشابة من أصل فلسطيني، والتي تنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، بأنها: «دمية متحدثة باسم الإسلاميين»، ظنت أن محكمة ألمانية سترد لها حقها بعد «الإهانة» التي تعرضت لها، ولكنها فوجئت عندما حكمت المحكمة بأن هذه الصفة وغيرها من التي ألصقها بها الرجل، هي «ضمن حرية التعبير التي يصونها القانون الألماني»، وليست إهانة ولا تحريضاً على الكراهية.

في الواقع، لم تكن تلك المرة الأولى التي تتعرض لها شبلي لتوصيفات عنصرية كهذه. فهي وغيرها من السياسيين المسلمين القلائل في ألمانيا، والسياسي الأسود الوحيد كرامبا ديابي، معتادون على سماع كثير من الإهانات، بسبب ديانتهم ولونهم فقط؛ حتى أنهم يتلقون تهديدات عبر البريد الإلكتروني والاتصالات، تصل أحياناً لحد التهديد بالقتل.
ورغم أن هذه التهديدات التي يتعرض لها السياسيون المسلمون في ألمانيا تجلب لهم التضامن من بقية السياسيين الألمان، فإن أكثر من ذلك لا يُحدث الكثير.
في ألمانيا، تصنف السلطات ما يزيد على 12 ألف شخص على أنهم من اليمين المتطرف، ألف منهم عنيفون، وهناك خطر من أن ينفذوا اعتداءات داخل البلاد.
يشكل اليمينيون المتطرفون شبكات سرية، ويتواصلون عادة عبر الإنترنت، ويتبادلون الأحاديث داخل غرف الـ«تشات» الموجودة داخل الألعاب الإلكترونية، تفادياً للمراقبة.
وفي السنوات الماضية، ازداد عنف اليمين المتطرف في ألمانيا، وازداد معه عدد الجرائم التي يتهم أفراد متطرفون بارتكابها. وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن اعتداءات اليمين المتطرف زادت خمسة أضعاف منذ عام 2012.
وفي دراسة لمعهد «البحث حول التطرف» في جامعة أوسلو، فإن ألمانيا على رأس لائحة الدول الأوروبية التي تشهد جرائم من اليمين المتطرف، وتتقدم على الدول الأخرى بفارق كبير جداً. فقد سجل المعهد حوالي 70 جريمة في هذا الإطار بين عامي 2016 و2018، بينما كانت اليونان الدولة الثانية بعدد جرائم يزيد بقليل عن العشرين في الفترة نفسها.
في الصيف الماضي، شكل اغتيال سياسي ألماني يدعى فالتر لوبكه، في حديقة منزله برصاصة أطلقت على رأسه من الخلف، صدمة في ألمانيا. كانت الصدمة مضاعفة عندما تبين أن القاتل هو يميني متطرف استهدف لوبكه بسبب سياسته المؤيدة للاجئين. وتحدث كثيرون حينها عن «صرخة يقظة» لأخذ خطر اليمين المتطرف بجدية. ودفن لوبكه ولم يحدث الكثير بعد ذلك.
فيما بعد اغتياله بأشهر، اعتقل رجل يميني متطرف في ولاية هسن، الولاية نفسها التي اغتيل فيها السياسي، بعد أن قتل شخصين وهو يحاول الدخول إلى معبد لليهود، أثناء وجود المصلين في الداخل بهدف ارتكاب مجزرة. أحدثت تلك المحاولة صرخة كبيرة من الجالية اليهودية، وعادت أصوات السياسيين لتعلو: «لن نسمح بحدوثها مطلقاً مرة أخرى»، في إشارة إلى ما تعرض له اليهود في ألمانيا أيام النازية. ولكن لم يحدث الكثير بعد ذلك.
وقبل بضعة أيام، وقعت مجزرة في مقهيين لتدخين النارجيلة في مدينة هاناو في الولاية نفسها، استهدفا من قبل يميني متطرف لأن من يرتادهما من المسلمين. أراد الرجل أن يقتل مسلمين بحسب رسالة وشريط فيديو خلَّفه وراءه بعد أن قتل 9 أشخاص، ثم توجه إلى منزله ليقتل والدته، ثم نفسه. أسوأ من ذلك، تبين أن الرجل كان يحمل سلاحاً مرخصاً، وينتمي لنادي الرماية المحلي.
بات واضحاً بعد استهداف هاناو، أن السلطات الألمانية لم تولِ اليمين المتطرف اهتماماً كافياً، وأنها لا تقدر حقيقة خطره على المجتمع، رغم أنها كشفت قبل أيام من جريمة هاناو عن شبكة يمينية متطرفة، كانت تعد لاعتداءات على مساجد في أنحاء البلاد، أسوة بما حصل في كرايستشيرش في نيوزيلندا.
وجاء الرد على اعتداء هاناو بتشديد منح رخص السلاح، وبات ضرورياً البحث في خلفية من يطلب ترخيصاً، على أن يرفض طلبه في حال ثبت أنه ينتمي لأي مجموعة متطرفة، ويمكن سحب الترخيص لاحقاً في حال ظهرت معلومات جديدة لم تكن متوفرة عند منحه. كما يبحث وزراء داخلية الولايات الألمانية تأمين حماية للمساجد وللتجمعات الدينية للمسلمين واليهود.
ولكن كل هذه الإجراءات يعتقد البعض أنها لا تعالج المشكلة الأساسية التي تدفع باليمين المتطرف لارتكاب أعمال عنف. وفي كل مرة تشهد ألمانيا اعتداءات، يوجه سياسيون من اليسار الاتهامات لحزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف، بالمسؤولية عنها بشكل غير مباشر. ويواجه الحزب الذي دخل البرلمان الفيدرالي (البوندستاغ) للمرة الأولى عام 2018، وبات أكبر كتلة معارضة، اتهامات بأنه «يطبِّع سياسة الكراهية»، وبأنه يحرض على العنف ضد اللاجئين والمهاجرين، من خلال ترويجه لخطاب الكراهية. وحتى أن البعض ذهب أبعد من ذلك بالدعوة إلى حظر الحزب للتصدي للعنف المتزايد لليمين المتطرف.
والواقع أن مشكلة اليمين المتطرف تزداد منذ أن دخل «البديل لألمانيا» إلى «البوندستاغ». فهو - كما حملته الانتخابية - يركز خطابه على مواجهة سياسة اللاجئين التي اعتمدتها حكومة المستشارة أنجيلا ميركل. وكثير من الأسئلة التي يتقدم بها نوابه في البرلمان تهدف لإثبات خطأ هذه السياسة، وعدم قدرة اللاجئين على الاندماج. ورغم أن نوابه في البرلمان يحرصون على عدم تخطي القانون في خطاباتهم، فإن كثيراً من السياسيين المنتمين لهذا الحزب؛ خصوصاً في الولايات الشرقية، لا يترددون في الحديث بلغة لا يمكن تمييزها عن لغة النازيين. أبرز هؤلاء السياسيين بيورغ هوكيه الذي لم يستطع أعضاء في حزبه تمييز ما إذا كانت جمل قرأها صحافي لهم، هي مقتطفات من كتاب «كفاحي» لهتلر، أم أنها أقوال لهوكيه.
كل هذا خلق أجواء سلبية ضد المسلمين في ألمانيا، وحوَّل كثيرين من الذين ولدوا لأبوين مهاجرين إلى غرباء في بلدهم. في هاناو، يقول كثيرون من الذين فقدوا أصدقاءهم في المجزرة، بأنهم لم يعودوا يشعرون بالأمان، ولا بأنهم جزء مقبول من المجتمع. وبعضهم يرى أنه ما دام حزب «البديل لألمانيا» مقبولاً بين الأحزاب الأخرى، فإن خطاب الكراهية سيستمر، والجرائم كالتي حصلت في هاناو ستتكرر.
ما يزيد من هذه المخاوف ومن الشبهات، أن السلطات الألمانية لم تأخذ خطر اليمين المتطرف على محمل الجد طوال السنوات الماضية. وهناك فضائح متتالية داخل المؤسسات الأمنية تظهر أنها مليئة بمؤيدين أو متعاطفين مع اليمين المتطرف؛ خصوصاً داخل الشرطة والجيش. ويواجه رئيس المخابرات الداخلية السابق هانس يورغ ماسن اتهامات بأنه متعاطف مع اليمين المتطرف، وهو ما دفع جهازه لغض النظر عن تحركاتهم طوال السنوات الماضية، والتركيز عوضاً عن ذلك على خطر الإسلام المتطرف. ومنذ مغادرته المنصب، أصدرت المخابرات الداخلية تقييماً تقول فيه بأن خطر اليمين المتطرف بات أكبر من خطر الإسلام المتطرف في ألمانيا.
وطُرد ماسن الذي ينتمي للجناح المتطرف في حزب ميركل (الاتحاد المسيحي الديمقراطي) من منصبه، بعد اعتداءات كيمنتس في صيف عام 2018، بسبب رد فعله على التطورات هناك. وعارض ماسن ميركل في قولها بأن شريط فيديو من هناك أظهر ملاحقة نازيين جدد للاجئين، شتماً وضرباً. وخرج ماسن ليقول بأنه لم يتم التثبت من الشريط بعد، ويشكك في وجود نازيين جدد هناك. وكانت تظاهرات كبيرة قد خرجت ضد لاجئين في كيمنتس، بعد جريمة قتل ارتكبها لاجئان (عراقي وسوري) بحق أحد سكان البلدة.
وتعرض كذلك لانتقادات بعد جريمة هاناو لقوله بأن الرجل يعاني من اضطرابات عقلية، وهو الخط نفسه الذي اتخذه حزب «البديل لألمانيا» عندما رفض طبع المجرم بأنه يميني متطرف؛ خصوصاً أن الأخير تحدث في شريط الفيديو عن «التخلص» من جنسيات معينة من دول عربية ومسلمة.
ويعيد ماسن صعود عنف اليمين المتطرف لموجة اللجوء منذ عام 2015، إلا أن ألمانيا شهدت عمليات قتل وملاحقات عنصرية قبل موجة اللجوء تلك. ففي عام 2011 كشف عن شبكة من النازيين الجدد عملت بالسر طوال أكثر من 12 عاماً، من دون أن يكشف أمرها، ما سبب صدمة كبيرة في البلاد. ونجح أفراد هذه الشبكة في قتل تسعة مهاجرين لأسباب عنصرية بين عامي 2000 و2007، إضافة إلى تنفيذهم 43 محاولة قتل، و3 عمليات تفجير، و15 عملية سرقة.
وقبل اكتشاف الخلية، كانت الشرطة تستبعد أن تكون عمليات القتل ومحاولات القتل تلك تتم بدوافع عنصرية، رغم أن جميع المستهدفين هم من أصول مهاجرة. وعوضاً عن ذلك، كانت التخمينات بأن الاستهدافات تلك لها علاقة بالجريمة المنظمة والمافيات التركية.
ورغم أن الكشف عن ارتباط هذه الجرائم باليمين المتطرف زاد الوعي الألماني لخطر هذه الجماعات، وأطلق نقاشات في الصحافة والمجتمع والطبقة السياسية، فإن التعاطي مع الجرائم التي لحقت، والتي اشتبه بأن اليمين المتطرف وراءها، لم يكن تعاطياً يحمل كثيراً من الجدية.