النظام يستولي على تدمر بعد مئات الغارات الروسية

«داعش» يدفع بتعزيزات إليها * معارض سوري لـ «الشرق الأوسط» : يحاول استثمار النجاح لتقديم نفسه محاربًا للإرهاب

محطة وقود دمرت خلال المعارك بين قوات النظام و«داعش» لاستعادة تدمر أمس (إ.ب.أ)
محطة وقود دمرت خلال المعارك بين قوات النظام و«داعش» لاستعادة تدمر أمس (إ.ب.أ)
TT

النظام يستولي على تدمر بعد مئات الغارات الروسية

محطة وقود دمرت خلال المعارك بين قوات النظام و«داعش» لاستعادة تدمر أمس (إ.ب.أ)
محطة وقود دمرت خلال المعارك بين قوات النظام و«داعش» لاستعادة تدمر أمس (إ.ب.أ)

شكك معارضون سوريون في أن قوات النظام السوري، سيطرت على مدينة تدمر التاريخية في ريف حمص الشرقي (وسط البلاد)، بخلاف ما أعلنه النظام أمس، مستدلين إلى غارات جوية روسية استهدفت منطقة البساتين المحاذية للقلعة الأثرية، إضافة إلى أن سيارات مفخخة ضربت الحي الشرقي من المدينة، بموازاة دفع تنظيم داعش بتعزيزات إلى المناطق القريبة من تدمر، بينها السخنة والطيبة والكوم.
وكان النظام السوري أعلن السيطرة الكاملة على تدمر ووعد بطرده من معاقله الرئيسية في سوريا، فيما رأى رئيسه بشار الأسد أن هذا التطور «إنجاز مهم»، علما بأن السيطرة على كامل المدينة، تعتبر أكبر تطور عسكري منذ بدء تدخل روسيا الحليفة الكبيرة للنظام في الحرب الدائرة في سوريا في سبتمبر (أيلول) الماضي.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن إن قوات النظام «لم تدخل الأحياء الشرقية» للمدينة، مشيرًا إلى أن التنظيم «يفجر مفخخات يقودها الانتحاريون في الحي، ما يعني أن الاشتباكات لا تزال متواصلة». كما تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن أن غارات روسية «استهدفت ظهرًا البساتين المحيطة بالقلعة الأثرية»، وأن التنظيم «دفع بتعزيزات إلى منطقة السخنة ناهزت الـ300 عنصر، ما يؤشر إلى استعدادات التنظيم لخوض معارك عنيفة ضد قوات النظام في تدمر». وأشار إلى أن التقدم في معظم أحياء تدمر «جاء بعد ألف غارة روسية استهدفت التنظيم بالطائرات الحربية والمروحية، منذ بدء الهجوم على المدينة قبل ثلاثة أسابيع».
وتلتقي معلومات عبد الرحمن، مع ما أكده المعارض السوري البارز عبد الرحمن الحاج، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن قوات التنظيم «لم تسيطر على كامل المدينة، بل دخلت إلى أحياء فيها»، مشيرًا إلى أن تنظيم داعش أرسل مؤشرات على أنه لن يتخلى عن المدينة بسهولة. وقال الحاج، وهو خبير بحركة المجموعات المتشددة: «أفرغ داعش المدينة من سكانها ما يعني أنه قرر تحويل المعركة إلى معركة مصيرية، بالنظر إلى أن تدمر هي منطقة الوصل بين الحسكة ودير الزور، وتضم آبار النفط التي تشكل المصادر الحيوية لتمويل التنظيم، ما يعني أنه قرر الدخول في معركة وجودية». وقال إن خسائر النظام خلال الحملة العسكرية «مؤشر على أن المعركة قد تطول أكثر من أسبوعين قبل أن يحقق التقدم الملموس».
ونقلت وكالة «الصحافة الفرنسية» عن مصدر عسكري نظامي بعد معارك عنيفة طيلة الليلة (الفائتة) قوله: «يسيطر الجيش السوري والقوات الرديفة على كامل مدينة تدمر بما في ذلك المدينة الأثرية والسكنية». وأضاف أن المتشددين «انسحبوا من المدينة».
ونقل التلفزيون الرسمي صور الدمار داخل متحف تدمر الذي شهد معركة عنيفة، حيث بدت رؤوس تماثيل منقلبة على الأرض التي غطاها الركام تحت فجوة كبرى في السقف. وقالت وكالة «الصحافة الفرنسية» إن «وحدات الهندسة في الجيش تعمل على تفكيك عشرات الألغام والعبوات الناسفة داخل المدينة الأثرية» التي تحتوي على كنوز دمر التنظيم المتطرف بعضها.
وأعلنت موسكو من جهتها أن المقاتلات الروسية قامت بأربعين طلعة في منطقة تدمر في الساعات الـ24 الأخيرة ووجهت ضربات إلى 117 هدفا «إرهابيا».
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن «معارك تدمر التي استمرت نحو ثلاثة أسابيع أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 400 من تنظيم داعش»، مؤكدا «إنها أكبر حصيلة يتكبدها في معركة واحدة منذ ظهوره» في أوج النزاع السوري في 2013. وأضاف أن «ما لا يقل عن 180 عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين قتلوا» في هذه المعارك أيضا.
وبدأت القوات السورية مدعومة بالطيران الروسي وقوات خاصة روسية ومقاتلي «حزب الله» اللبناني، في السابع من مارس (آذار) هجومها لاستعادة تدمر من تنظيم داعش الذي يسيطر منذ مايو (أيار) 2015 على المدينة المعروفة بآثارها ومعالمها التاريخية وأدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) على لائحتها للتراث العالمي.
وتشكل استعادة المدينة الأثرية التي يعود تاريخها إلى أكثر من ألفي عام، منفذًا بالنسبة للنظام إلى محافظات خاضعة لسيطرة «داعش» في شرق البلاد وشمالها. وأشاد الأسد باستعادة السيطرة على المدينة، معتبرا ذلك «إنجازا مهما». وقال خلال استقباله وفدا برلمانيا فرنسيا في دمشق إن استعادة تدمر تعد «إنجازا مهمًا ودليلاً جديدًا على نجاعة الاستراتيجية التي ينتهجها الجيش السوري وحلفاؤه في الحرب على الإرهاب». واعتبر أيضا أن ذلك يظهر «عدم جدية التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ويضم أكثر من ستين دولة في محاربة الإرهاب بالنظر إلى ضآلة ما حققه هذا التحالف منذ إنشائه قبل نحو عام ونصف» عام. وأعلنت القيادة العامة لقوات النظام في بيان نقله التلفزيون الرسمي أن «السيطرة على مدينة تدمر تشكل قاعدة ارتكاز لتوسيع العمليات العسكرية التي تخوضها قواتنا المسلحة الباسلة ضد التنظيم الإرهابي على محاور واتجاهات عدة أبرزها دير الزور والرقة». وقالت إن «إحكام السيطرة على تدمر يؤكد أن جيشنا بالتعاون مع الأصدقاء هو القوة الوحيدة القادرة على مكافحة الإرهاب».
وبدا أن النظام يحاول أن يستثمر الدخول إلى تدمر لإظهار نفسه كلاعب قوي في محاربة الإرهاب، بعد أيام على تعرض العاصمة البلجيكية لتفجيرات إرهابية. وقال عبد الرحمن الحاج إن هذه المحاولة «ليست مفصولة عن سياق الأحداث في بروكسل، إذ يريد النظام أن يستثمر الزخم العالمي لإدانة الأحداث الإرهابية، والقول إن الخيار الوحيد أمام العالم هو دعم النظام، كما يريد تجيير النجاح في تدمر لإعطاء هذا الانطباع».
وأضاف الحاج: «أعتقد أن الأوروبيين بعد كل حادثة تكون هناك رغبة لديهم لعمل سريع ضد الإرهاب لإرضاء الرأي العام المحلي»، لكنه أعرب عن اعتقاده أن محاولة الاستثمار «جاءت متأخرة كثيرا، لأن الجميع بات يملك انطباعًا بأن النظام مهّد لداعش للتمدد عبر الانسحاب السريع من تدمر إلى بدا أقرب إلى تسليمها»، مشيرًا إلى أن «محاولة الاستثمار تلك لحظية، لا يمكن أن توفر له فرصة، لأن قطار المفاوضات انطلق على المرحلة الانتقالية».
وتشكل خسارة تدمر الهزيمة الكبرى الثانية لتنظيم داعش، بعد طرده من كوباني (شمال) في يناير (كانون الثاني) 2015 في معركة قادتها فصائل مسلحة كردية بدعم من طائرات تحالف دولي بقيادة أميركية.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».