النجمة الفرنسية «إيزابيل أوبير» تعود وكأن الزمن لم يمر على ملامحها

مدهشة في دور «فيدرا» المتعددة الوجوه على المسرح

دور فيدرا ذات الوجوه العديدة  -  في بداياتها مع جيرار ديبارديو في فيلم «لولو»
دور فيدرا ذات الوجوه العديدة - في بداياتها مع جيرار ديبارديو في فيلم «لولو»
TT

النجمة الفرنسية «إيزابيل أوبير» تعود وكأن الزمن لم يمر على ملامحها

دور فيدرا ذات الوجوه العديدة  -  في بداياتها مع جيرار ديبارديو في فيلم «لولو»
دور فيدرا ذات الوجوه العديدة - في بداياتها مع جيرار ديبارديو في فيلم «لولو»

أين تكمن إيزابيل أوبير؟ النجمة الفرنسية الصهباء التي كانت موجودة في كل أفلام الثمانينات والتسعينات، ثم بدا وكأنها كانت تتعمد أن تغيب لكي يشتاق لها جمهورها. هذا الموسم، تعود أوبير، 63 عامًا، بوجهها المدهش ذاته وكأن الزمن لم يمر على ملامحها. إنها لا تنسجم مع صفة «النجمة» لأن أداءها قادر على أن يسحب المشاهد نحو العمق، حتى لو كان الدور عاديًا ومسطحًا. ولهذا فإن صفة «ممثلة» تناسبها أكثر، من دون ألقاب مبالغة وتفخيم، لأنها تعرف كيف تنأى بنفسها عن المشهد المعهود.
تميزت أوبير بوجهها الشاحب المملوء بالنمش، وبنظرتها البريئة الصافية التي تجتهد لأن تكون خالية من التعبير. فهي تتطلع نحو الكاميرا دون أن تنظر بتركيز إليها. لهذا يبقى المتفرج حائرًا ومرتبكًا إزاءها وكأنها تنظر إلى البعيد أو إلى ما مضى، وربما لما سيأتي. كما أنها من الممثلات اللواتي يخاصمن الماكياج البارز ويتركن بشرتهن عارية من الألوان الطارئة وغير الطبيعية.
هذا الموسم هو موسمها بامتياز. حيث تؤدي إيزابيل دور البطولة في فيلم بعنوان «المستقبل» من إخراج ميا هانسن لاف، قبل أن تستعد لتصوير فيلم جديد يتعاون في إخراجه النمساوي مايكل هينيكه والفرنسي سيرج بوزون. أما الحدث الأجمل فهو عودة الممثلة إلى خشبة مسرح «الأوديون» في باريس حيث تقوم من الأسبوع الحالي وحتى 13 مايو (أيار) بدور «فيدرا» في إخراج جديد لكريستوف فارليكوفسكي.
في «المستقبل» تؤدي دور مدرسة فلسفة يخبرها زوجها بأنه يريد الانفصال عنها لأنه يحب امرأة غيرها. وبدل أن تصرخ وتنتحب وتحاول أن تخمش وجهه بأظفارها فإن إيزابيل هوبير تتألق في مشهد من النوع الذي خلق لها، فترد بكل هدوء: «وأنا التي كنت أظن أنك ما زلت تحبني». ثم تسرح على طريقتها وتنظر للبعيد وكأنها تحلم. وهنا يفهم عشاق السينما أن الممثلة لم تكن تحتاج لأن تشرح لها المخرجة كيفية أداء هذا المشهد بل تركت لها حرية التصرف كما يعجبها، وهي ما كان يمكن أن يعجبها سوى هذا الشرود والانقطاع عن الواقع الذي يداهمها بالكارثة. وفي مقابلة مع المخرجة قالت إن أي ممثلة غير إيزابيل أوبير ما كان في مقدورها إعطاء هذا الانطباع العميق.
يتساءل النقاد عمن تكون الممثلة الأولى في السينما الفرنسية حاليًا. وهم يحومون ويدورون ثم يعودون ليقرروا أنها أوبير. إنها تملك ذلك الغموض الذي لا يفارقها، مهما تقدمت في السن والصنعة، ويجعلها مختلفة و«غير شكل». وحتى وهي تؤدي دورها الجديد على المسرح فإنها قادرة على أن تقدم للجمهور أكثر من «فيدرا» واحدة. وقد ساعدها في ذلك النص الذي تشارك في كتابته أكثر من مؤلف، هم سارة كين واللبناني وجدي معوض وكويتزي. إن الممثلة تمارس اللعب الذي يروق لها، فتتعدد وجوهها في الأدوار النسائية التي تقوم بها، بحيث إن كل شخصية تمتلك عدة وجوه. والهدف من لعبة المرايا هذه هو أن تثبت الممثلة لنفسها أنها ذات وجه مبدع واحد وهي ستبقى مخلصة له دورًا بعد دور. وبعد كل ليلة، يغادر المتفرج الصالة وهو لا يعرف هل شاهد بطلة الحكاية أم إيزابيل؟
طوال الشهرين اللذين سبقا العرض الأول، اعتزلت الممثلة الدنيا وامتنعت عن قراءة الصحف وتفرغت لحفظ دورها والتفكير في أسلوب، بل أساليب، الأداء. إنها تدرك أن المسرح يستنفد الممثل، بخلاف السينما التي تطلب منه جهدًا أقل. كما تعرف أن العروض ليست كلها سواسية. فهناك أمسيات تشهد ما يشبه الكهرباء التي تسري بين الخشبة والصالة. حيث يكون لكل إيماءة صدى. لكن هناك ليال يحدث أن يتعطل فيها التيار.
قبل هذه المسرحية، أنهت أوبير تصوير دورها في فيلم «هي» مع المخرج بول فيرهوفن، عن رواية للكاتب الفرنسي المعروف فيليب جيان. ومن المؤمل أن يعرض الفيلم في مهرجان «كان» بعد أسابيع. كما صورت دورًا في فيلم جديد آخر هو «فورًا والآن» تحت إدارة باسكال بونيتزر. وبين تعدد ظهوراتها السينمائية وجدت الوقت للوقوف على الخشبة في «الاعترافات المزيفة» للمخرج لوك بوندي، ثم قامت بدور ناتالي في فيلم «المستقبل». ألا تتعب؟ ومن أين تأتي بكل هذا النهم للتمثيل؟ لعلها فترة التواري هي التي حفزتها وملأتها شوقًا للحبيب الأول، السينما.
في فيلمها الذي تستعد لتصويره مع هينيكه ستؤدي دور ابنة القدير جان لوي ترنتينيان. أي ستكرر ما قامت به في فيلم «آمور» مع المخرج والممثل نفسيهما. ومن المؤكد أن النجاح الكبير الذي لقيه ذلك الفيلم سيكون امتحانًا جديدًا لها. ثم هناك مشروع مع آموس غيتاي، المخرج الإسرائيلي الذي اشتهرت أفلامه بنقده اللاذع لسياسات دولته. وهنا تعترف إيزابيل بأنها ما عادت ترفض دورًا إلا في حالات نادرة. وتقول إن ما ترفضه ستقبله ممثلة غيرها. لكن إغراء السينما، أو «نداهة» الكاميرا أقوى منها. إن ترددها لا يدوم سوى دقائق. ثم تمضي العقد وتدخل الاستوديو وحين تحضر العرض الأول تتأكد أنها كانت على حق في قبول الدور.
تقول المخرجة ميا هانسن لاف إن أوبير لا تغلط في الأداء إلا إذا تعمدت هي ذلك لسبب في نفسها. أما هينيكه فيرى أنها تمثل وهي مرتاحة وعلى رسلها، بحيث لا تعطي الانطباع، مطلقًا، بأنها تمثل. ويحدث أن يتطلب منها الدور أن تبكي. وهي لا تحتاج لدموع من الغليسرين، بل تكون قادرة على ذرف دموع حقيقية حتى ولو أخطأ الممثل المشارك لها في أدائه وتكرر تصوير المشهد عدة مرات.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».