ثقافة شعبية.. أم شعبوية؟

ثقافة شعبية.. أم شعبوية؟
TT

ثقافة شعبية.. أم شعبوية؟

ثقافة شعبية.. أم شعبوية؟

«الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة السائدة»، مقولة ماركسية معروفة. لكنها تصح على المجتمعات الطبيعية التي تطورت طبيعيا، اقتصاديا واجتماعيا، وأنتجت طبقات وفئات بحدود واضحة، وقيما متبلورة تدل عليها، وتميزها في مراحل التطور الاجتماعي.
في كتابه الغني «النظرية الثقافية والثقافة الشعبية»، الذي ترجمه الدكتوران صالح خليل أبو إصبع وفاروق منصور، يذهب جون ستوري أبعد من ذلك، فيرى، متخذا من بريطانيا مثلا، أن هناك ثقافة مشتركة تتقاسمها جميع الطبقات إلى حد ما، وثقافة «منفصلة» تنتهجها الطبقة المسيطرة في المجتمع. وهذا يعني، أن ثقافة هذه الطبقة ليست هي الثقافة السائدة، أو أنها لم تعد كذلك في العصر الحديث، نتيجة للتصنيع والعمران، والتقدم التكنولوجي وثورة المعلومات وانفجار وسائل التواصل الاجتماعي، الذي لم يتحدث عنه ستوري، فكتابه صدر عام 1997. قبل أن يشهد العالم هذه الظواهر الجديدة. ولكن يبقى الجوهر واحدا أن هناك ثقافة شعبية معاصرة، تجرفنا في تيارها، وتحكم أذواقنا وأحكامنا أيضًا. والثقافة الشعبية التي نعنيها هنا هي ليست حكايات وقصص وعادات وقيم وتراث وفولكلور شعب ما، وليست لها علاقة بما دعت إليه ما بعد الحداثة من احتفاء بثقافات وفنون الشعوب والطبقات المهمشة مقابل حركة الحداثة التي اعتبرتها نتاج المركزية الأوروبية، ونتاج المجتمع البرجوازي، بل إنها نفي لكل تقاليد الثقافة الشعبية الأصيلة.
وإذا كانت المجتمعات المتطورة، الواضحة الحدود طبقيا، وذات التقاليد الثقافية الرصينة، قادرة إلى درجة ما على احتواء المد الثقافي الشعبي، المتجسد بالأغاني والأفلام الهابطة، وصرعات الموضة، والاستهلاك، والعالم الافتراضي، وخلق حاجات جديدة كل يوم تساهم أكثر وأكثر في تغريب الإنسان عن مجتمعه، وتضليل وعيه البسيط أصلا، وحصره في قنواته، وبالتالي الحيلولة دون تحوله إلى ثقافة سائدة، فإنه يمكن للثقافة الشعبية في مجتمعاتنا، بالمعنى الذي قصدناه، والذي تروج له الفئة السائدة، نتيجة موقعها في السلطة، وليس بسبب ثقلها الاقتصادي كما في البلدان الرأسمالية، أن تملأ الفراغات الهائلة في المجتمعات المهمشة ثقافيا، المتداخلة الأعراق والفئات - لأنه من الصعب أن نتحدث عن طبقة واضحة الملامح والسمات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية - بخطابها الطائفي والفئوي الذي تقدمه على أنه شعبي، وباستحضارها من التاريخ ما يتوافق مع هذا الخطاب، في محاولة لتحويل الثقافة الشعبية، النقية والفطرية، إلى ثقافة شعبوية لها أهدافها السياسية والطائفية المبطنة، بما يخدم آيديولوجيتها.
ولتحقيق ذلك، تباشر منذ لحظة تسلمها السلطة، بهدم المؤسسات الثقافية العريقة من خلال إفراغها من ممثليها الحقيقيين، ليحل محلهم وكلاؤها. وبالطبع، يترافق مع ذلك ملء الأجهزة السياسية والاقتصادية، التي ستحل محل مؤسسات الدولة اليبروقراطية، بمثل هؤلاء الوكلاء الذين خرجوا من بطون الكتب «الشعبية»، التي لا تزال معششة في رؤوسهم بأساطيرها وقصصها الخيالية، بينما الواقع يجري في اتجاه آخر حسب قوانينه ومعادلاته المعقدة التي لا يمكن أن تحلها الأدعية.
وبهذا المعنى، فإن الثقافة الشعبية، كما يذهب ستوري بحق، هي في النتيجة «فئة مفاهيمية فارغة، يمكن ملؤها بطائفة متنوعة من الطرق المتناقضة غالبا، تبعا لسياق الاستعمال».
من مثل هذه الثقافة الشعبية، خرج الفكر النازي، والطغاة المعاصرون في منطقتنا من صدام حسين إلى القذافي. ومن بطونها تسرب الفكر الطائفي والفئوي، ويستند إليها كارهو البشر، الذين لا يرون سوى ألوانهم، وما عدا ذلك ظلال سوداء. الشعب هو الغائب الحقيقي في ثقافة شعبية كهذه، إذ يحل محله الحاكم بأساطيره وأكاذيبه التي تسوقها شعبيا أجهزة إعلامه الضخمة، والطائفيون الذين يدغدغون مشاعره الحساسة إزاء رموز دينية وتاريخية لها ثقلها التاريخي المحمل بالدلالات، ويستثيرون خوفه وتهيبه من سلطة السماء، والإرهابيون الذين يملأون فجوات هذه الثقافة بما يشاءون.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.