شارل ميشال.. زعيم أوروبي شاب في مواجهة شبح الإرهاب

رئيس الوزراء البلجيكي تعلم السياسة منذ نعومة أظفاره

شارل ميشال.. زعيم أوروبي شاب في مواجهة شبح الإرهاب
TT

شارل ميشال.. زعيم أوروبي شاب في مواجهة شبح الإرهاب

شارل ميشال.. زعيم أوروبي شاب في مواجهة شبح الإرهاب

لأسباب ما كان يريدها ولا يشتهيها وجد نفسه وسط حدث أمني من أسوأ ما تعرّضت له أوروبا هذا العام، وكان وبلده أيضًا تحت الأضواء منذ اعتداءات باريس الإرهابية الفظيعة التي هزت فرنسا وأوروبا في خريف العام الماضي.
إنه شارل ميشال، رئيس وزراء بلجيكا، المملكة الآمنة الراقية التي تعد من أرقى دول أوروبا، والتي يتجاوز الدور السياسي لعاصمتها بروكسل كونها العاصمة الوطنية لبلجيكا، بل هي أيضًا «عاصمة الاتحاد الأوروبي»، ومقر حلف شمال الأطلسي «ناتو». غير أن بلجيكا صارت منذ فترة، كما يقول خبراء شؤون الإرهاب، ميدان نشاط لشباب مهاجر ساخط ومهمّش سهل على شبكات التطرّف تصيده، لا سيما في مجموعة من الأحياء الشعبية الفقيرة داخل مدن هذه البلاد، حيث تعيش منذ عقود كثيرة جاليات إسلامية مهاجرة، لا سيما من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا.
بعد وقوع اعتداءات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ألف المواطنون البلجيكيون سماع جملة تكرّرت على ألسنة كبار المسؤولين الحكوميين هي «وجود مخطط لتنفيذ هجمات في أماكن متفرقة (في بلجيكا) على غرار ما وقع في العاصمة الفرنسية». وهو ما جعل البعض يفكّر في وجود خطط إرهابية لاستهداف عدة عواصم ومدن أوروبية تنفذ بالأسلوب الدامي نفسه. ويوم الثلاثاء الماضي حدث بالفعل ما كانت تخشاه بلجيكا، فكان ذلك «اليوم الأسود» حسب ما جاء على لسان رئيس الوزراء شارل ميشال.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه عقب وقوع اعتداءات باريس، التي سقط فيها 137 قتيلاً بجانب 368 جريحًا، اتجهت الأنظار بالذات إلى بلجيكا، التي تحوّلت في السنوات القليلة الماضية إلى ما يوصف بـ«آلة لتفريخ» الإسلاميين المتطرّفين في أوروبا، خصوصا في الأحياء الفقيرة داخل مدنها وفي ضواحيها، التي غدت حقًا مستقرًّا لهم، لجملة من الأسباب. وكانت في طليعة الأحياء والضواحي اشتهرت أسماؤها في هذا السياق مولنبيك وسكاربيك، وهما حيّان في بروكسل تقطنهما غالبية من المهاجرين، خصوصا من أصول عربية وإسلامية وأفريقية.
وبطبيعة الحال، لا يقتصر الأمر على العاصمة البلجيكية وحدها لجهة وجود مثل هذه الأحياء - التي تعرف في الدول العربية بـ«العشوائيات» - ذلك أن مثيلاتها موجودة في كثير من المدن الأوروبية، ومنها باريس، التي خرج منها كما خرج من بروكسل أشخاص شاركوا في أعمال إرهابية. وفي أواخر العام الماضي، أشار وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون، أمام اللجنة البرلمانية لمكافحة الإرهاب، إلى أنه سيصر على إشراك بلديات أحياء العاصمة بروكسل وبلدية فيلفورد في خطة العمل التي أعلن عنها بالنسبة لبلدية مولنبيك، التي تقطنها غالبية من العرب والمسلمين وبالأخص من المغاربيين. وحقًا، كانت الحكومة البلجيكية الاتحادية قد أعلنت عن رغبتها في تنفيذ سلسلة من الإجراءات، بالذات في مولنبيك، لا سيما بعدما تناقلت الأخبار أن عددًا من المتورطين باعتداءات باريس لهم في هذا الحي، ومنهم من نشأ فيه. وبالفعل، قبل أيام عثر على صلاح عبد السلام، أحد أبرز المتورطين فيما شهدته العاصمة الفرنسية خلال الخريف الفائت، داخل أحد المساكن في حي مولنبيك نفسه. وبُعيد اعتقاله نفذ شبان يعتقد أنهم من مجموعته تفجيراتهم في مطار بروكسل الدولي – زافينتيم، ومحطة قطار أنفاق مالبيك في الحي الأوروبي بالمدينة، التي قتل فيها 34 بينهم ثلاثة من الجناة، وجرح 300، إصابات أكثر من 60 منهم خطرة.
* شارل ميشال.. بطاقة هوية
شارل ميشال، الرجل الذي سلّطت عليه تفجيرات بروكسل الأضواء، بحكم موقعه رئيس وزراء بلجيكا، سياسي من يمين الوسط، يعد من أصغر الزعماء الأوروبيين سنًا، إذ لا يزيد عمره على أربعين سنة، وكان قد تولّى قيادة بلجيكا يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، خلفًا لرئيس الوزراء السابق الاشتراكي إيليو دي روبو.
ولد شارل ميشال، وهو ابن السياسي البلجيكي البارز لوي ميشال وزير خارجية بلجيكا السابق (بين 1999 و2004)، والمفوض الأوروبي لشؤون الأبحاث ثم التنمية والمساعدات الإنسانية بين 2004 و2009، يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) 1975، في مدينة نامور (بجنوب شرق بلجيكا). وورث شارل رئيس الوزراء الشاب، الذي ينتمي إلى البلجيك الوالون - أي الناطقون باللغة الفرنسية، الذين يتقاسمون البلاد مع الفلمنك الناطقين بالفلمنكية الهولندية - عن أبيه الشغف بالسياسة في سن مبكرة والتحق مثله بحزب الحركة الإصلاحية الليبرالي القوي ضمن أوسط البلجيك الوالون، الذي يشكلون معظم سكان جنوب بلجيكا، بجانب العاصمة بروكسل، التي تحيط بها ضواحٍ وأقاليم فلمنكية، تمتد شمالاً إلى حدود هولندا.
* البداية السياسية
بدأ شارل مسيرته السياسية عندما كان في سن السادسة عشرة عندما التحق بتنظيم «الليبراليين الشباب» في بلدة دودوان التي كان أبوه يتولى فيها رئاسة بلديتها منذ عام 1983. وفي سن الثامنة عشرة انتخب في المجلس المحلي في منطقة البرابانت المحيطة ببروكسل. وتخرج في جامعة بروكسل الحرة حاملاً شهادة الإجازة في الحقوق. ثم التحق بجامعة أمستردام في هولندا وتخرج فيها عام 1998، ومن ثم دخل نقابة المحامين وصار محاميًا ممارسًا. ومع أنه من خلفية والونية فرنسية، أتاحت له دراسته في هولندا إجادة اللغة الهولندية إجادة تامة.
* نائبًا اتحاديًا ثم وزيرًا
في عام 1999 واصل شارل ميشال صعوده السريع في عالم السياسة عندما فاز بالانتخابات العامة، وانتخب نائبًا في مجلس النواب الاتحادي ممثلاً منطقته (والون - برابانت) التي تعد معقلاً انتخابيًا وسياسيًا حصينًا لحزب الحركة الإصلاحية.
ثم في العام التالي، أي 2000 عيّن وزيرًا للداخلية في حكومة القطاع الوالوني من البلاد، وفي سن الخامسة والعشرين بات أصغر وزير في تاريخ بلجيكا. غير أن ترقيه في المناصب الاتحادية تشريعيًا وتنفيذيًا لم يصرف اهتماماته عن شؤون السياسة المحلية، إذ انتخب عضوًا في المجلس البلدي لمدينة فافر، وفي عام 2006 انتخب رئيسًا للمجلس.
وفي محطة بارزة أخرى، دخل شارل ميشال الحكومة الاتحادية البلجيكية وزيرًا للتعاون التنموي في الحكومة الثالثة التي ترأسها غي فيرهوفشتات، ثم شغل مناصب وزارية في الحكومات التالية التي ترأسها إيف ليتيرمه ثم هيرمان فان رومبوي ثم ليتيرمه مجددًا.
بعدها، في أعقاب الانتخابات الإقليمية والمحلية في يونيو (حزيران) 2009 كان ميشال واحدًا من قيادات حزبه الليبرالي الذين طالبوا زعيم حزب الحركة الإصلاحية ديدييه ريندرز بالتنحي. ومن ثم في أعقاب النكسة التالية للحزب في الانتخابات العامة الاتحادية في العام التالي، اضطر ريندرز للتنحي. ولم يلبث ميشال أن أعلن ترشحه لزعامة الحزب الذي لمع فيه أبوه من قبله.
وحقًا، في يناير (كانون الثاني) 2010 فاز ميشال بزعامة الحركة الإصلاحية، وبالتالي، استقال من منصبه الوزاري وزيرا للتعاون التنموي.
* رئيسًا للوزراء
بعد الانتخابات العامة الاتحادية عام 2014 كان شارل ميشال أحد قادة الائتلاف المضطلع بتشكيل الحكومة الجديدة. ومن ثم بات المرشح الأوفر حظًا بتشكيلها، في أعقاب توجّه الديمقراطيين المسيحيين الفلمنك لترشيح ماريان ثيسن لمنصب في المفوضية الأوروبية بدلاً من ترشيح زميلها كريس بيترز لرئاسة الحكومة، ومن تفاهم أحزاب الائتلاف في شهر أكتوبر 2014. وبالفعل، تولى شارل ميشال الرئاسة، وأسند لبيترز أحد مناصب نواب الرئيس. وبهذا بات ميشال أصغر رئيس وزراء يحكم بلجيكا منذ العام 1845.
أما عن حياته الشخصية فإن رئيس الوزراء البلجيكي الشاب يعيش مع قرينته وهي آميلي ديربودريغيين، وهو أب لولد اسمه ماكسميليان وبنت اسمها جان.
* موقفه بعد التفجيرات
عودة إلى تفجيرات بروكسل، واجه ميشال الوضع الصعب، وكذلك لوم بعض الدول الحليفة واتهامها بلجيكا بالعجز والتقصير، بصلابة جأش وصراحة. وخلال حفل تأبين ضحايا التفجيرات أكد أن حكومته ستقوم «بكل ما بوسعها لتسليط الضوء على هجمات 22 مارس». وتعهد أمام الزوجين الملكيين وأعضاء الحكومة، بمن فيهم وزيرا العدل والداخلية، كوين جينس وجان جامبون - اللذان لوحا باستقالتيهما - وكذلك رؤساء الكيانات الفيدرالية وعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر «لن يفلتوا من العقاب.. ولن تكون هناك أي منطقة رمادية.. ولن نرضخ للهمجية».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.