لأسباب ما كان يريدها ولا يشتهيها وجد نفسه وسط حدث أمني من أسوأ ما تعرّضت له أوروبا هذا العام، وكان وبلده أيضًا تحت الأضواء منذ اعتداءات باريس الإرهابية الفظيعة التي هزت فرنسا وأوروبا في خريف العام الماضي.
إنه شارل ميشال، رئيس وزراء بلجيكا، المملكة الآمنة الراقية التي تعد من أرقى دول أوروبا، والتي يتجاوز الدور السياسي لعاصمتها بروكسل كونها العاصمة الوطنية لبلجيكا، بل هي أيضًا «عاصمة الاتحاد الأوروبي»، ومقر حلف شمال الأطلسي «ناتو». غير أن بلجيكا صارت منذ فترة، كما يقول خبراء شؤون الإرهاب، ميدان نشاط لشباب مهاجر ساخط ومهمّش سهل على شبكات التطرّف تصيده، لا سيما في مجموعة من الأحياء الشعبية الفقيرة داخل مدن هذه البلاد، حيث تعيش منذ عقود كثيرة جاليات إسلامية مهاجرة، لا سيما من دول المغرب العربي وشمال أفريقيا.
بعد وقوع اعتداءات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ألف المواطنون البلجيكيون سماع جملة تكرّرت على ألسنة كبار المسؤولين الحكوميين هي «وجود مخطط لتنفيذ هجمات في أماكن متفرقة (في بلجيكا) على غرار ما وقع في العاصمة الفرنسية». وهو ما جعل البعض يفكّر في وجود خطط إرهابية لاستهداف عدة عواصم ومدن أوروبية تنفذ بالأسلوب الدامي نفسه. ويوم الثلاثاء الماضي حدث بالفعل ما كانت تخشاه بلجيكا، فكان ذلك «اليوم الأسود» حسب ما جاء على لسان رئيس الوزراء شارل ميشال.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه عقب وقوع اعتداءات باريس، التي سقط فيها 137 قتيلاً بجانب 368 جريحًا، اتجهت الأنظار بالذات إلى بلجيكا، التي تحوّلت في السنوات القليلة الماضية إلى ما يوصف بـ«آلة لتفريخ» الإسلاميين المتطرّفين في أوروبا، خصوصا في الأحياء الفقيرة داخل مدنها وفي ضواحيها، التي غدت حقًا مستقرًّا لهم، لجملة من الأسباب. وكانت في طليعة الأحياء والضواحي اشتهرت أسماؤها في هذا السياق مولنبيك وسكاربيك، وهما حيّان في بروكسل تقطنهما غالبية من المهاجرين، خصوصا من أصول عربية وإسلامية وأفريقية.
وبطبيعة الحال، لا يقتصر الأمر على العاصمة البلجيكية وحدها لجهة وجود مثل هذه الأحياء - التي تعرف في الدول العربية بـ«العشوائيات» - ذلك أن مثيلاتها موجودة في كثير من المدن الأوروبية، ومنها باريس، التي خرج منها كما خرج من بروكسل أشخاص شاركوا في أعمال إرهابية. وفي أواخر العام الماضي، أشار وزير الداخلية البلجيكي جان جامبون، أمام اللجنة البرلمانية لمكافحة الإرهاب، إلى أنه سيصر على إشراك بلديات أحياء العاصمة بروكسل وبلدية فيلفورد في خطة العمل التي أعلن عنها بالنسبة لبلدية مولنبيك، التي تقطنها غالبية من العرب والمسلمين وبالأخص من المغاربيين. وحقًا، كانت الحكومة البلجيكية الاتحادية قد أعلنت عن رغبتها في تنفيذ سلسلة من الإجراءات، بالذات في مولنبيك، لا سيما بعدما تناقلت الأخبار أن عددًا من المتورطين باعتداءات باريس لهم في هذا الحي، ومنهم من نشأ فيه. وبالفعل، قبل أيام عثر على صلاح عبد السلام، أحد أبرز المتورطين فيما شهدته العاصمة الفرنسية خلال الخريف الفائت، داخل أحد المساكن في حي مولنبيك نفسه. وبُعيد اعتقاله نفذ شبان يعتقد أنهم من مجموعته تفجيراتهم في مطار بروكسل الدولي – زافينتيم، ومحطة قطار أنفاق مالبيك في الحي الأوروبي بالمدينة، التي قتل فيها 34 بينهم ثلاثة من الجناة، وجرح 300، إصابات أكثر من 60 منهم خطرة.
* شارل ميشال.. بطاقة هوية
شارل ميشال، الرجل الذي سلّطت عليه تفجيرات بروكسل الأضواء، بحكم موقعه رئيس وزراء بلجيكا، سياسي من يمين الوسط، يعد من أصغر الزعماء الأوروبيين سنًا، إذ لا يزيد عمره على أربعين سنة، وكان قد تولّى قيادة بلجيكا يوم 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2014، خلفًا لرئيس الوزراء السابق الاشتراكي إيليو دي روبو.
ولد شارل ميشال، وهو ابن السياسي البلجيكي البارز لوي ميشال وزير خارجية بلجيكا السابق (بين 1999 و2004)، والمفوض الأوروبي لشؤون الأبحاث ثم التنمية والمساعدات الإنسانية بين 2004 و2009، يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) 1975، في مدينة نامور (بجنوب شرق بلجيكا). وورث شارل رئيس الوزراء الشاب، الذي ينتمي إلى البلجيك الوالون - أي الناطقون باللغة الفرنسية، الذين يتقاسمون البلاد مع الفلمنك الناطقين بالفلمنكية الهولندية - عن أبيه الشغف بالسياسة في سن مبكرة والتحق مثله بحزب الحركة الإصلاحية الليبرالي القوي ضمن أوسط البلجيك الوالون، الذي يشكلون معظم سكان جنوب بلجيكا، بجانب العاصمة بروكسل، التي تحيط بها ضواحٍ وأقاليم فلمنكية، تمتد شمالاً إلى حدود هولندا.
* البداية السياسية
بدأ شارل مسيرته السياسية عندما كان في سن السادسة عشرة عندما التحق بتنظيم «الليبراليين الشباب» في بلدة دودوان التي كان أبوه يتولى فيها رئاسة بلديتها منذ عام 1983. وفي سن الثامنة عشرة انتخب في المجلس المحلي في منطقة البرابانت المحيطة ببروكسل. وتخرج في جامعة بروكسل الحرة حاملاً شهادة الإجازة في الحقوق. ثم التحق بجامعة أمستردام في هولندا وتخرج فيها عام 1998، ومن ثم دخل نقابة المحامين وصار محاميًا ممارسًا. ومع أنه من خلفية والونية فرنسية، أتاحت له دراسته في هولندا إجادة اللغة الهولندية إجادة تامة.
* نائبًا اتحاديًا ثم وزيرًا
في عام 1999 واصل شارل ميشال صعوده السريع في عالم السياسة عندما فاز بالانتخابات العامة، وانتخب نائبًا في مجلس النواب الاتحادي ممثلاً منطقته (والون - برابانت) التي تعد معقلاً انتخابيًا وسياسيًا حصينًا لحزب الحركة الإصلاحية.
ثم في العام التالي، أي 2000 عيّن وزيرًا للداخلية في حكومة القطاع الوالوني من البلاد، وفي سن الخامسة والعشرين بات أصغر وزير في تاريخ بلجيكا. غير أن ترقيه في المناصب الاتحادية تشريعيًا وتنفيذيًا لم يصرف اهتماماته عن شؤون السياسة المحلية، إذ انتخب عضوًا في المجلس البلدي لمدينة فافر، وفي عام 2006 انتخب رئيسًا للمجلس.
وفي محطة بارزة أخرى، دخل شارل ميشال الحكومة الاتحادية البلجيكية وزيرًا للتعاون التنموي في الحكومة الثالثة التي ترأسها غي فيرهوفشتات، ثم شغل مناصب وزارية في الحكومات التالية التي ترأسها إيف ليتيرمه ثم هيرمان فان رومبوي ثم ليتيرمه مجددًا.
بعدها، في أعقاب الانتخابات الإقليمية والمحلية في يونيو (حزيران) 2009 كان ميشال واحدًا من قيادات حزبه الليبرالي الذين طالبوا زعيم حزب الحركة الإصلاحية ديدييه ريندرز بالتنحي. ومن ثم في أعقاب النكسة التالية للحزب في الانتخابات العامة الاتحادية في العام التالي، اضطر ريندرز للتنحي. ولم يلبث ميشال أن أعلن ترشحه لزعامة الحزب الذي لمع فيه أبوه من قبله.
وحقًا، في يناير (كانون الثاني) 2010 فاز ميشال بزعامة الحركة الإصلاحية، وبالتالي، استقال من منصبه الوزاري وزيرا للتعاون التنموي.
* رئيسًا للوزراء
بعد الانتخابات العامة الاتحادية عام 2014 كان شارل ميشال أحد قادة الائتلاف المضطلع بتشكيل الحكومة الجديدة. ومن ثم بات المرشح الأوفر حظًا بتشكيلها، في أعقاب توجّه الديمقراطيين المسيحيين الفلمنك لترشيح ماريان ثيسن لمنصب في المفوضية الأوروبية بدلاً من ترشيح زميلها كريس بيترز لرئاسة الحكومة، ومن تفاهم أحزاب الائتلاف في شهر أكتوبر 2014. وبالفعل، تولى شارل ميشال الرئاسة، وأسند لبيترز أحد مناصب نواب الرئيس. وبهذا بات ميشال أصغر رئيس وزراء يحكم بلجيكا منذ العام 1845.
أما عن حياته الشخصية فإن رئيس الوزراء البلجيكي الشاب يعيش مع قرينته وهي آميلي ديربودريغيين، وهو أب لولد اسمه ماكسميليان وبنت اسمها جان.
* موقفه بعد التفجيرات
عودة إلى تفجيرات بروكسل، واجه ميشال الوضع الصعب، وكذلك لوم بعض الدول الحليفة واتهامها بلجيكا بالعجز والتقصير، بصلابة جأش وصراحة. وخلال حفل تأبين ضحايا التفجيرات أكد أن حكومته ستقوم «بكل ما بوسعها لتسليط الضوء على هجمات 22 مارس». وتعهد أمام الزوجين الملكيين وأعضاء الحكومة، بمن فيهم وزيرا العدل والداخلية، كوين جينس وجان جامبون - اللذان لوحا باستقالتيهما - وكذلك رؤساء الكيانات الفيدرالية وعدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب، رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر «لن يفلتوا من العقاب.. ولن تكون هناك أي منطقة رمادية.. ولن نرضخ للهمجية».
شارل ميشال.. زعيم أوروبي شاب في مواجهة شبح الإرهاب
رئيس الوزراء البلجيكي تعلم السياسة منذ نعومة أظفاره
شارل ميشال.. زعيم أوروبي شاب في مواجهة شبح الإرهاب
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة