عودة {الفيلم ـ الحدث} للسينما العربية

عودة {الفيلم ـ الحدث} للسينما العربية
TT

عودة {الفيلم ـ الحدث} للسينما العربية

عودة {الفيلم ـ الحدث} للسينما العربية

أكثر وأكثر تمضي الأفلام المنتمية إلى الفن والذات الإنسانيين أكثر من انتمائهما إلى صناعة الترفيه صوب اعتماد صيغة توافقية مع السوق الكبير. بذلك، وعلى نحو مطرد، تأخذ الأفلام المسمّاة (وعن صواب) بالفنية مسارًا وهيئة إدارة وتسويق ليس بعيدًا عن مسار وتسويق الأفلام الترفيهية ذاتها.
ليس فقط أن هناك شركات إنتاج تخصصت في هذا الشأن من الأفلام، بل، ومنذ سنوات، باتت هناك شركات توزيع متخصصة والمزيد من الصالات العارضة لها. في ملتقى شارعي بيكو ووستوود في لوس أنجليس ثماني صالات لعرض هذا النتاج المختلف. في «سانست بوليفارد» على بعد نصف ساعة بالسيارة هناك أربعة، وفي أركان المدينة صالات كثيرة أخرى. وكما لوس أنجليس باقي المدن الأميركية بما فيها تلك الصغيرة نسبيًا مثل «توسون» في أريزونا، حيث تقبع صالة تجاور الصحراء لمن يرغب في الانضمام إلى ذلك النادي من العروض الخاصة.
وكما أميركا باقي أوروبا وعلى نحو أو آخر اليوم في دبي وبيروت والقاهرة.

حضور قوي
في سابق الأيام كان اسم المخرج وحده يفتح السوق. فيلم للمخرج برغمان أو لفيلليني أو تروفو والكثير سواهم، أو تظاهرة لمجمل أفلام بستر كيتون أو جان - بيير ملفيل كفيل وحده بجذب الجمهور. لكن في مثل هذا الوضع، وبموازاة المتغيّرات التي طرأت على الأسواق العالمية، هل يمكن أن نقول إن للسينما العربية أفلاما بمثابة أحداث عالمية؟
السؤال عويص لأنه إذا ما كان الجواب عنه بالموافقة فإن مثل هذا الرد يأتي بثقوب مثل الجبنة السويسرية. إذا كان الجواب عنه بالرفض، فإن النماذج الأخيرة، ومنذ بضع سنوات، كفيلة بإحداث استثناءات قابلة للنقاش.
الحاصل هو أن هناك أفلاما عربية معيّـنة تم قصدها لذاتها مثل «غزل البنات» للبنانية نادين لبكي و«وجدة» للسعودية هيفاء المنصور و«ذيب» مؤخرًا للأردني ناجي أبو نوار أو أي من أفلام المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد (في مصر لا يزال كرسي يوسف شاهين شاغرا). لكن على عكس ما كان يحدث في الماضي، فإن نجاح فيلم معين لمخرج عربي معيّن في الأسواق الخارجية لم يعد يعني أن الجمهور سيتحلق لمشاهدة فيلمه التالي، إلا في حالات محدودة جدًا كأن يكون المخرج استطاع في الفيلم الأول كسب إعجاب متناه على الصعيدين النقدي والجماهيري وعلى مستوى جوائز المهرجانات أيضًا.
لذلك لا هي غائبة تمامًا عن الحضور، خصوصًا في العامين الماضيين ومع مطلع هذه السنة، كما برهن مهرجان برلين، ولا هي حاضرة بالقوّة الفعلية المأمولة لها كحضور أفلام الأخوين البلجيكيين داردان وأفلام ميشيل هنيكي أو الأميركي جيم جارموش على سبيل المثال. ما يمكن أن يكون بمثابة عزاء للسينما العربية هو أن هؤلاء المذكورين أيضًا ليس ضمانة للسوق بل لديهم حظوظ أفضل من سواهم في هذه الساحة من السينما الفنية.
السينما العربية لديها اليوم انطلاقات بالغة الأهمية على أكثر من صعيد. تجاريًا، العقد المبرم مع المخرج ماجد الأنصاري لتوزيع فيلمه «زنزانة»، الجائزة البليغة التي منحت للفيلم التونسي «بنحبك هادي» لمحمد بن عطية في ختام مهرجان برلين هذه السنة والاستقبال الجيد لفيلم السعودي محمود الصباغ «بركة يقابل بركة» ولفيلم المصري تامر السعيد «آخر أيام المدينة» دلائل مهمّة على هذا النمو المطرد لتشكيل وعي عالمي بسينما عربية جديدة.

اكتشاف جديد
داخل السوق العربي يختلف الأمر إلى حد كبير.
الفيلم - الحدث هنا متعدد الأوجه.
هو الفيلم الذي يعود به مخرج ما إلى السينما بعد طول غياب. وفي هذا الإطار حفل العام الماضي بعودة المخرجين العراقي قاسم حول بفيلم «بغداد خارج بغداد» والمخرج الجزائري محمد لخضر حامينا بفيلم «غروب الظل».
وهو الفيلم الجديد لمخرج مستمر في تأدية دوره الفني بنجاحات مطردة كما حال المخرج المصري محمد خان والفلسطيني هاني أبو أسعد. وفي إطار لاصق ربما كان المخرج الذي يستطيع تحقيق فيلمه المناوئ للسائد حتى في ظل ظروف صعبة كما وضع المخرج السوري محمد ملص والمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي.
إلى ذلك، هناك تلك الأفلام التي تنفجر في وجه المتلقي كاكتشاف جديد لمخرج لم يسبق له الحضور كثيرًا أو مطلقًا. في الأشهر الأخيرة وجدنا عددًا كبيرًا من هؤلاء المخرجين الجدد والجيدين كاللبنانية جيهان شعيب في «روحي» والجزائري حميد بنعمرة في فيلمه غير الروائي «هواجس الممثل المنفرد بنفسه» والفلسطينية مي المصري في فيلمها الدرامي الأول «3000 ليلة». في مصر سطع في العام الماضي «باب الوداع» لكريم حنفي وفي مطلع هذا العام بهر «آخر أيام المدينة» لتامر السعيد الجمهور حيث عُرض.
بذلك كله فإن المسافة بين المحلي والعالمي هي أصغر اليوم مما كانت عليه في السابق. المهم هو المثابرة ومعرفة السبل الصحيحة.

مشهد من «بركة يقابل بركة»



شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز