أوباما يزور الأرجنتين لدعم الإصلاحات وتكريم ذكرى ضحايا الحكم العسكري

الزيارة صادفت ذكرى أول حكم ديكتاتوري في البلاد

الرئيس الأميركي باراك أوباما يصل إلى مطار بوينس آيرس برفقة السيدة الأولى ميشيل أوباما وابنتيهما ماليا وساشا أمس (رويترز)
الرئيس الأميركي باراك أوباما يصل إلى مطار بوينس آيرس برفقة السيدة الأولى ميشيل أوباما وابنتيهما ماليا وساشا أمس (رويترز)
TT

أوباما يزور الأرجنتين لدعم الإصلاحات وتكريم ذكرى ضحايا الحكم العسكري

الرئيس الأميركي باراك أوباما يصل إلى مطار بوينس آيرس برفقة السيدة الأولى ميشيل أوباما وابنتيهما ماليا وساشا أمس (رويترز)
الرئيس الأميركي باراك أوباما يصل إلى مطار بوينس آيرس برفقة السيدة الأولى ميشيل أوباما وابنتيهما ماليا وساشا أمس (رويترز)

بعد زيارته التاريخية إلى كوبا، وصل الرئيس الأميركي باراك أوباما، أمس، إلى الأرجنتين للتعبير عن دعمه للحكومة الإصلاحية وتكريم ذكرى ضحايا الحكم العسكري الديكتاتوري (1976 - 1983) بعد أربعين عاما على الانقلاب.
وأثار موعد زيارة أوباما جدلا في بوينس أيرس، إذ يصادف ذكرى بدء أول حكم ديكتاتوري عسكري في البلاد قبل أربعين عاما. لكن موافقة واشنطن على طلب قديم برفع السرية الدفاعية عن وثائق الجيش ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) أدت إلى تخفيف حدة التوتر على ما يبدو. وكان الرئيس الأرجنتيني، ماوريسيو ماكري، يطالب بذلك.
وخلال الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، دعمت واشنطن باسم مكافحة الشيوعية الأنظمة الديكتاتورية العسكرية في أميركا اللاتينية، خصوصا المجموعة العسكرية التي حكمت الأرجنتين. وفي رسالة وجهها إلى الرئيس أوباما، طلب الأرجنتيني إدولفو بيريز إيسكيفيل، حائز «نوبل للسلام»، الاعتراف بتواطؤ الولايات المتحدة مع الحكم العسكري الذي زرع الرعب بإخفاء آلاف المعارضين. وقال إنه في هذه الحالة «نرحب بكم». وكتب إيسكيفيل في رسالته أنه «في 1976، عندما كنت تبلغ من العمر 14 عاما، بدأنا المرحلة الأكثر مأساوية في تاريخنا (..) مع تمويل للبناء العقائدي وتنسيق من الولايات المتحدة».
وسيتوجه الرئيس الأميركي صباح اليوم إلى حديقة الذاكرة، حيث حفرت على الحجر أسماء آلاف من ضحايا الحكم الديكتاتوري. وسيغادر العاصمة الأرجنتينية ظهر الخميس، مع بدء مسيرة المواكب إلى «ساحة مايو» للاحتفال بذكرى مرور أربعين عاما على انقلاب 1976.
من جهته، قال وزير حقوق الإنسان الأرجنتيني كلاوديو أفروخ، إن «تورط الولايات المتحدة ليس موضع شك». وأضاف هذا العضو في حكومة ماكري أنه «بعد ذلك، حدث تغيير مهم مع جيمي كارتر» الذي وصل إلى السلطة في 1977. وألمح الأمين العام للمؤتمر الأسقفي، الأرجنتيني كارلوس مالفا، في نهاية الأسبوع الماضي، إلى أن فتح أرشيف الكنيسة حول الحكم الديكتاتوري الأرجنتيني قريب جدا أيضا. وقال إن «تنظيم الوثائق يستغرق بعض الوقت». وسيتم الإعلان عن هذه الخطوة من الفاتيكان ربما هذا الأسبوع.
وترى المؤرخة إيما سيبوتي أن أوباما هو وريث «خط ديمقراطي»، ويجب تمييزه عن الجمهوريين مثل جيرالد فورد (1974 - 1977)، أو رونالد ريغان (اعتبارا من 1981) الأقرب إلى العسكريين. والتقى أوباما أمس نظيره الأرجنتيني ماوريسيو ماكري، الرئيس السابق لبلدية بوينس أيرس ورئيس البلاد منذ ثلاثة أشهر، الذي يشجع إصلاحاته الاقتصادية. وأصبح لدى أوباما والولايات المتحدة في بوينس أيرس محاور أكثر ليونة بعد 12 عاما من حكم الرئيسين اليساريين، نستور كيرشنر وزوجته كريستينا، في قطيعة مع واشنطن. وكانت السياسة الاقتصادية الحمائية التي اعتمداها تثير استياء الأسواق. وكان الزوجان كيرشنر يتهمان الولايات المتحدة بأنها مسؤولة عن الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد في 2001، بعد سياسات اقتصادية مفرطة في الليبرالية اتبعتها حكومة الرئيس كارلوس منعم.
وكما هو الأمر في كوبا، يبدو أنها مرحلة مصالحة. فماكري يريد تعزيز العلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة وجذب الاستثمارات الأميركية إلى الأرجنتين. وقد ألغى في الأشهر الأخيرة مراقبة أسعار الصرف والقيود المفروضة على الاستيراد، كما سمح للشركات الأجنبية بإخراج أرباحها إلى بلدانها. ويبدو في الوقت نفسه أن النزاع القديم الذي يعود إلى الأزمة الاقتصادية في 2001، في طريقه للتسوية.
وتنوي واشنطن الاستفادة من انتخاب ماكري لتوسيع تأثيرها في الأرجنتين، ثالث اقتصاد في أميركا اللاتينية، حيث تتراجع الحكومات المعادية للولايات المتحدة بسرعة.
وفي كوبا دعا أوباما الكونغرس الأميركي الذي يهيمن عليه الجمهوريون إلى رفع الحظر المفروض على هافانا منذ 1962، مؤكدا أنه «عبء على الشعب الكوبي (..) وعبء على الأميركيين الذين يريدون العمل والاستثمار في كوبا». وقال الرئيس الأميركي: «جئت إلى هنا لأدفن آخر بقايا الحرب الباردة في الأميركتين».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.