المعارك الصغيرة تعصف باتحاد كتاب مصر

أكثر من نصف مجلس إدارته استقالوا وسط اتهامات بالتخوين

مدحت الجيار أمين المالية  -  علاء عبد الهادي  -  محمد سلماوي  -  أحمد سراج
مدحت الجيار أمين المالية - علاء عبد الهادي - محمد سلماوي - أحمد سراج
TT

المعارك الصغيرة تعصف باتحاد كتاب مصر

مدحت الجيار أمين المالية  -  علاء عبد الهادي  -  محمد سلماوي  -  أحمد سراج
مدحت الجيار أمين المالية - علاء عبد الهادي - محمد سلماوي - أحمد سراج

مشهد مؤلم يعيشه اتحاد كتاب مصر منذ عدة أشهر، غابت فيه لغة الحوار الجاد من أجل المصلحة العامة، بينما ارتفعت وتيرة التخوينات والتواطؤات والاتهامات والشتائم بين أعضاء مجلس إدارة الاتحاد المكون من ثلاثين عضوا، وبعضها وصل إلى ساحة القضاء، حتى أن المجلس نفسه لم يستطع وسط هذا الاحتراب أن يجتمع لمرة واحدة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة تضع مصير الاتحاد في مهب الريح، إن لم يتم تدارك الموقف، واستعادة الاتحاد لهويته الممزقة، ودوره المفتقد في الساحة الثقافية.
تعرض الاتحاد منذ إنشائه في سبعينات القرن الماضي، لهزات، لكنها كانت رد فعل، لتردي الأوضاع الثقافية، وموقف السلطة ووزارة الثقافة، حيال بعض الأحداث الثقافية، مثل استقالة الكاتب الروائي بهاء طاهر من عضوية مجلس الاتحاد في عام 2000، بعد أن أدرك أن وجوده في مجلس إدارة اتحاد الكتاب على مدى ثلاث سنوات «لم يحقق ما كنت أتمناه، من اتحاد قوى ومستقر وفعال».
لكن لم يحدث في تاريخ الاتحاد أن يستقيل هذا الكم من أعضاء مجلس إدارته، والذي وصل إلى نحو عشرين عضوا، من أصل 30 عضوا يتكون منهم المجلس، ومن بين المستقيلين نائب رئيس الاتحاد، وأمين الصندوق، الأمر الذي من شأنه أن يعطل منظومة الخدمات التي يقدمها الاتحاد لأعضائه وعلى رأسها المعاش الشهري لمن بلغوا السن القانونية للتقاعد عن الوظيفة، وأيضا التأمين الصحي، ما يعني بحسب خبراء قانونيين أن شرعية المجلس أصبحت منتهية، فطبقًا للمادة 42 من قانون الاتحاد، يصعب عقد مجلس الإدارة للبت في قبول أو رفض أي استقالة سابقة، ولا ينعقد المجلس كما تنص المادة المذكورة إلا بحضور بأغلبية أعضائه، وهو لن يتحقق في ظل استقالة أكثر من نصف أعضاء المجلس، لذلك يلزم الدعوة لانعقاد جمعية عمومية طارئة، وإجراء انتخابات يتم من خلالها اختيار مجلس جديد.
صورة الاتحاد المهلهلة لا تخلو من إشارات دراماتيكية موجعة، بل تكاد تكون نسخة مصغرة لأوضاع الثقافة المصرية المضطربة بشكل عام، والتي فشلت حتى الآن في أن تنتج فعلا ثقافيا حقيقيا، يشد هموم المبدعين، ويلتفون حوله من أجل مستقبل خصب، يعتد بالتنوع والحوار الخلاق بين شتى التيارات والمشارب الثقافية والإبداعية.
تزداد هذه الصورة انقساما وإيلاما، حين تتكشف حقيقة الصراع في هذه الاحتراب، وهو أنه صراع أشخاص وشللية، وجماعات مصالح وولاء، والخاسر الأكبر هو الاتحاد نفسه، فبدلا من العمل على تطويره ودفعه كمؤسسة مهنية مستقلة تحمي الكتاب والمبدعين، يتم النهش فيه، على هذا النحو الذي لا يليق بأعضاء اتحاد كتاب، يمثلون - من المفترض - ضمير المجتمع وعقله الحر.
الكاتب الروائي والمسرحي الشاعر أحمد سراج عضو اتحاد الكتاب يفند كواليس الأزمة لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «يعاني اتحاد الكتاب ما تعانيه نقابات ومؤسسات كثيرة في مصر، فلقد تم تحويلها ليكون رؤساؤها ألسنة للأنظمة، وبعد الثورة بدأ هؤلاء الرؤوس يتوارون، ويحاول من يأتي خلفهم أن يرث المهمة أو يحور فيها، فيما تعاني البنية الداخلية لها من التشويه بفعل وجود عناصر ضعيفة ترى في قربها من النظام شرعنة لوجودها، هذا غير امتلاء الفضاء بالعناصر الطفيلية التي تقوم بالاستفادة المستمرة من هذه الأداءات المشبوهة، ويقاوم كل هؤلاء أي محاولات إصلاحية أو تجديدية من شأنها النهوض باتحاد الكتاب».
ويحمل سراج مجلس إدارة الاتحاد المسؤولية قائلا إنه «تم ضرب مركز قيادته الرئيسي، فصار الاقتتال والتطاحن، والمضحك المزري: استخدام الاتهامات نفسها والأسلحة ذاتها»، مشيرا إلى أنه منذ عام تقريبا ترك سلماوي الاتحاد على جرف هارٍ، وأن الاتحاد تواجهه أزمات أصحاب الهوى والانتماءات المشبوهة، لكنني لم أتوقع أن يكون أداء رئيسه بهذا السوء والديكتاتورية والاختلال بما دفع أعضاء لتحرير محاضر سب وقذف له». ودعا زملاءه في ائتلاف التغيير إلى تقديم استقالة من المجلس.
أصابع الاتهامات في كل هذا الغبار موجهة إلى الدكتور علاء عبد الهادي رئيس الاتحاد، الذي تولى المنصب خلفا للكاتب محمد سلماوي، حيث يرى معظم أعضاء الاتحاد أنه يتجاوز سلطاته ويخالف القانون، ويعطل انعقاد الجمعية العمومية الدورية للاتحاد والمقرر لها شهر مارس (آذار) من كل عام.
وردا على قرار عبد الهادي بتصعيد نفس عدد الأعضاء المستقيلين من الأعضاء الذين خاضوا الانتخابات الأخيرة ولم يحالفهم التوفيق أصدر عدد من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد منهم، محمد السيد عيد، الدكتور مدحت الجيار، الدكتور شريف الجيار، ربيع مفتاح، مصطفى القاضي، عبده الزراع، حمدي البطران، بيانا أكدوا فيه أن رئيس الاتحاد يتجاوز سلطاته التي حددها القانون، وقال البيان: يواجه اتحاد الكتاب هذه الأيام عدة أزمات، أهمها استقالة نحو عشرين عضوًا من مجلس الإدارة، الذي يبلغ عدد أعضائه ثلاثين عضوا. ويترتب على هذا الوضع سؤال حيوي هو: ما الحل؟ الدكتور علاء عبد الهادي أراد أن يحل هذه المشكلة فصنع مشكلتين، الأولى: أنه أعطى نفسه حق قبول استقالة الأعضاء الذين تقدموا باستقالاتهم، والثانية: أنه قرر تصعيد نفس عدد الأعضاء المستقيلين من الأعضاء الذين خاضوا الانتخابات الأخيرة ولم يحالفهم التوفيق. وهذا تجاوز من علاء عبد الهادي لسلطاته التي حددها القانون على وجه القطع، وهي: 1 - توجيه الدعوة للجمعية العمومية لدور الانعقاد العادي وغير العادي ورئاسة الجمعية العمومية وإعداد جدول أعمالها. 2 - تمثيل الاتحاد لدى الغير وأمام القضاء. 3 - القيام بجميع الأعمال القضائية التي يتطلبها وضع قرارات مجلس الاتحاد موضع التنفيذ. 4 - مباشرة الأعمال التي يفوضه فيها مجلس الاتحاد.
ورفض البيان تعلل عبد الهادي بأنه يطبق المادة 32 من قانون الاتحاد، موضحا أنه لم يكلف القانون رئيس المجلس بذلك، بل أناط بالمجلس كله أن يقوم بعملية الاستبدال، كما تنص المادة رقم 37 من قانون الاتحاد.
على الصعيد نفسه كون أعضاء بالاتحاد بقيادة الشاعر محمد ثابت السيد جبهة أطلقوا عليها «جبهة إنقاذ الاتحاد»، وجمعوا أكثر من توقيع مائة عضو بالاتحاد لعقد جمعية عمومية طارئة كما ينص القانون، وطالبوا بسحب الثقة من علاء عبد الهادي رئيس الاتحاد، مؤكدين أنه «بتوقيع 16 عضوا من مجلس الإدارة بسحب الثقة منك أصبحت معزولاً من رئاسة مجلس الإدارة».
وكان عبد الهادي أصدر بيانا مطولا فند فيه تصعيده لعدد من الأعضاء بديلا عن الأعضاء المستقيلين، رافضا عدولهم عن استقالاتهم، مؤكدا أنها «محاولة منهم للرجوع بالاتحاد ثانية إلى نقطة الصفر، وإرجاع الصراع على السلطة فيه إلى نقطة البداية». وقال البيان إنه «لا يوجد في قانون الاتحاد كله أو لائحته ما يلزم رئيس نقابة على عرض استقالات (غير مسببة)، على مجلس (لا يمكن انعقاده أصلا)، لأن عدد المستقيلين منه - قصدًا - جاء أكبر من نصف أعضائه! هنا تصبح القاعدة القانونية التي تجبرنا على تصعيد أعضاء جدد لمصلحة جموع الأعضاء، وحماية مصلحة المكان والمكانة ومن ينتمون إليهما واجبة التطبيق».
وتعهد عبد الهادي بالوقوف ضد «أي محاولة لإسقاط الاتحاد في أيدي جماعة من المقامرين بمصيره». وقال: «سنقدم خلال أيام في بيان كشف حساب كامل عن منجزات العام المنصرم، بالأرقام والمستندات، عاقدين العزم على المحافظة على حقوق الأعضاء من معاش وعلاج وإعانة، باذلين كل جهد لاستيفاء شروط انعقاد الجمعية العمومية العادية القادمة في أسرع وقت».
هذا المشهد المؤلم ليس وليد اللحظة، بل فيما يبدو وليد صراعات تم تجميدها، منذ تشكيل المجلس عقب الانتخابات التي جرت قبل نحو عامين، وهو ما يكشف عنه أحمد سراج قائلا: ما الذي جرى؟ تحالف الدكتور علاء عبد الهادي مع جمال التلاوي وأعطى كل منهما الآخر صوته وأصوات من معه.. ثم اتهم عبد الهادي التلاوي بأنه إخواني، وبأنه ضد الدولة.. فيما سعى التلاوي إلى تأليب المجلس على عبد الهادي للإطاحة به وترشيح نفسه رئيسا. ولم يستطع عبد الهادي أن يصل بمجلس الإدارة إلى الاجتماع مرة واحدة خلال ثلاثة أشهر.
ووصف سراج لعبة السلطة في الاتحاد قائلا بأنها تكمن في: تحرك السيناريو بين محاولة عبد الهادي الانفراد بالأمر ومحاولة الأطراف الأخرى للإطاحة به حتى تقدم 18 عضوا من إجمالي 30 بالاستقالة، وهنا وبحكم نص القانون الواضح فالأمر بحاجة إلى التصعيد إلى الجهة المسؤولة إداريا عن الاتحاد، لأن مجلس الإدارة بأغلبية هو من له الحق في قبول الاستقالة.. لكن قام عبد الهادي بالتغول على قانون اتحاد الكتاب فصعد 16 عضوا (لأن هناك استقالتين مسببتين تلزمانه بالتحقيق قبل قبولهما) وهذا ليس من صلاحياته المنصوص عليها..
وفسر سراج تراجع بعض مقدمي الاستقالة عنها، بأنهم بدأوا يعدون لإسقاط عبد الهادي عبر أغلبية، فيما يسعى التلاوي لإعادة الوضع إلى ما قبل الاستقالة مع سجن عبد الهادي في منصب صوري، أما حزين عمر فيصر على أن يكون رئيسًا للاتحاد.
ويخلص سراج إلى أنه: وفقا للقانون فقد دعا أعضاء إلى جمعية عمومية غير عادية ووقع على الطلب مائة عضو وثلاثة، وسلم الطلب المحامي فاروق عبد الله لمدير الاتحاد بما يلزم بعقد جمعية خلال 45 يوما من تسلمه الإخطار.
ويرى سراج أن الحلول كلها تصب في انتخابات جديدة، لكن يبدو من الواجب عزل أعضاء المجلس المتورطين في مخالفات الميزانية والتزوير لحين بت الجهة المختصة، محملا عبد الهادي، رئيس الاتحاد مسؤولية ما يجري في قائلا: «أخطأ عبد الهادي، حين اعتبر أنه بحكم منصبه صار الدولة ومن يعاديه فهو إخواني مخرب، ومن يؤيده، فهو وطني شريف».



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.