قبل ثلاثة أيام من انتهاء الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة في جنيف، تتراكم العقبات بوجه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي وجد نفسه مضطرا أكثر فأكثر إلى الاعتماد على الدعم الأميركي - الروسي وعلى مجلس الأمن الدولي من أجل إحراز تقدم ما ينقذ هذه الجولة الحالية من المحادثات ويمهد الطريق لاستئنافها في الجولة القادمة المنتظرة في أبريل (نيسان) القادم.
وتبين المؤشرات الصادرة عن وفد النظام أنه في واد والمبعوث الدولي ووفد المعارضة في واد آخر. ويلتقي دي ميستورا الذي استقبل أمس 25 شخصا يمثلون «المجتمع المدني» في سوريا من أجل الاستماع «لأصوات السوريين»، فإنه سيجتمع اليوم مع وفد الهيئة العليا للمفوضات.
ونبه دي ميستورا أمس من أن عدم تحقيق تقدم على المسار السياسي الجاري في جنيف «سيعيد سوريا إلى ما كانت عليه» قبل انطلاق الهدنة في 27 فبراير (شباط) الماضي. ومجددا أن حجر الزاوية فيما يجري في جنيف هو عملية الانتقال السياسي التي وصفها بـ«أم المسائل».
ولدى سؤاله عما إذا كان وفد النظام السوري تناول هذا الموضوع معه في الاجتماع اكتفى بإجابة مختصرة فحواها أن الوفد المذكور «يعتبر من المبكر» الخوض فيه بعكس ما تطالب به المعارضة التي تجعل منه الملف الرئيسي الواجب التطرق إليه من غير تأخير. فضلا عن ذلك، لوح دي ميستورا بالعودة إلى الراعيين الأساسيين روسيا والولايات المتحدة الأميركية إذ اعتبر أن اللقاءات التي ستحصل في موسكو بمناسبة زيارة الوزير كيري إليها «ليست صدفة» وأن «هناك علاقة» بينها وبين ما يجري في جنيف. والسؤال المطروح اليوم في جنيف وعلى ضوء تصريحات رئيس وفد النظام المتشددة للغاية هو: هل ستدفع لقاءات كيري وبوتين ولافروف إلى إظهار بعض الليونة في مواقف النظام وفي مواقف المعارضة لفتح كوة في جدار المحادثات الذي بدا أمس شبه مغلق رغم تفاؤل دي ميستورا وفريقه؟
الواقع أن كلام السفير بشار الجعفري، عصر أمس، عقب لقائه دي ميستورا يبين أن المحادثات في مأزق جدي لا بل إن ما يحصل ما بين وفد النظام وفريق المبعوث الدولي أقرب إلى «حوار طرشان» منه إلى محادثات أو مفاوضات ذات برنامج وأجندة محددة. وفيما ذكر دي ميستورا بالأهمية القصوى لعملية الانتقال السياسي في سوريا، فإن الجعفري في حديثه المطول للصحافة لم يشر مرة واحدة إلى هذا الموضوع. والأهم من ذلك أنه أغلق الباب تماما أمام إثارته في هذه المرحلة أو في أي مرحلة قادمة. وقال الجعفري إن ما يعبر عنه وفد الهيئة العليا للمعارضة «تصريحا أو تسريبا حول مقام الرئاسة لا يستحق الرد لأن أصحابه يعرفون أن هذا الموضوع ليس موضع نقاش ولم يرد في أي وثيقة وليس جزءا من أدبيات ومرجعيات الحوار السوري - السوري» الجاري، وفق قوله، من غير تدخل خارجي أو شروط مسبقة.
وقبل ذلك، عاد الجعفري إلى إثارة موضوع الإرهاب الذي وصفه بأنه «يشكل أولوية بالنسبة لسوريا والعالم أجمع» ليتهم دولا «بعضها في مجلس الأمن» بتدريب وتسليح وتصدير الإرهابيين عبر تركيا. وخلاصة رئيس وفد النظام أن كل المجموعات المسلحة مهما يكن اسمها وتكوينها «إرهابية».
وذهب الجعفري إلى الدفاع عن مطلبه تأجيل الجولة الثانية من المحادثات المنتظر بدؤها في الرابع من الشهر القادم لمدة أسبوعين بالقول إنه «استحقاق ديمقراطي» وأن لكل مواطن سوري حق الترشح والانتخاب وهو يعني ضمنا أن من يرفض الطلب يعد شخصا «غير مسؤول» في إشارة لوفد الهيئة العليا الذي رفض التأجيل واتهم وفد النظام بالمماطلة. وفي تقييمه لما تحقق حتى الآن في المحادثات، اعتبر أنها «لم تتقدم كثيرا لأن لا يوجد تفاعل حقيقي من الطرف الآخر» بعكس وفد النظام الذي وصفه بـ«الجدي» وبأنه «تلقى من القيادة تعليمات جدية». كذلك لم يفت الجعفري أن يثير مجددا إشكالية من يمثل المعارضة ومن يفاوض.
أما بشأن زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى موسكو وما يتعين انتظاره منها لإخراج المحادثات من الطريق المسدود، فقد رد على ذلك بأن «اللقاء مهم» ولكن المحادثات «يجب أن تكون سورية - سورية» لا انتظار التعليمات من الخارج... وخلاصته أن لوفد النظام «التزام أخلاقي وسياسي» بوقف هدر دماء السوريين.
وفيما كان منتظرا وصول منسق الهيئة العليا للمفاوضات رياض حجاب إلى جنيف أمس، قالت مصادر المعارضة التي اتصلت بها «الشرق الأوسط» من باريس إن سبب التأجيل «تقني» ومرتبط برغبة الهيئة العليا بالتحضير الجيد للردود على مجموعة الأسئلة التي طرحها دي ميستورا والتي طلب إجابات مكتوبة عليها وتتناول بشكل أساسي تصور العملية الانتقالية ومفهومها ومراحلها وتفاصيلها وهو ما يحاول النظام حتى الآن تحاشي الولوج إليه. ولهذا الغرض، عمدت الهيئة العليا، نهاية الأسبوع الماضي، إلى تشكيل أربع لجان لإعداد الإجابات ثم مناقشتها في جلسة موسعة ثم سيعهد بها إلى الوفد التفاوضي الذي سينقلها إلى دي ميستورا اليوم. كذلك حصلت اجتماعات بين وفد المعارضة و«مجموعة العشرة» التي تضم الدول الرئيسية الداعمة للمعارضة الممثلة غالبيتها على مستوى السفراء لمراجعة ما حصل الأسبوع الماضي ولما هو منتظر حصوله حتى نهاية الجولة الحالية.
وقالت مصادر المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إنه على ضوء تهرب وفد النظام من الدخول في المسائل الأساسية وعلى رأسها تشكيل الهيئة الانتقالية التي هي الحجر الأساس في العملية السياسية ثم طلبه تأجيل الجولة الثانية بحجة حصول الانتخابات التشريعية في سوريا في 13 الشهر القادم، فإن المنتظر أحد أمرين: إما أن يتم «تغليف» الخلافات والتركيز على رغبة الطرفين في استمرار المحادثات وترحيل الخلافات للجولة القادمة وهذا سيكون من مهمة المبعوث الدولي المطلوب منه استخدام الدبلوماسية لمنع انهيارها وإبقاء الوفدين في جنيف. وإما أن تبرز من قبل وفد النظام مواقف وصفتها المصادر المشار إليها بـ«الفجة» ويكون غرضها عرقلة استمرار المفاوضات و«إحراج المعارضة لإخراجها».
جنيف في مأزق.. والجعفري يغلق الباب أمام البحث في عملية الانتقال السياسي
مصادر وفد الهيئة العليا للمفاوضات لـ: النظام ليس جاهزًا ولا يريد الحل
جنيف في مأزق.. والجعفري يغلق الباب أمام البحث في عملية الانتقال السياسي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة