اليمين المسيحي واليهودي المتطرف في مقابل الغلو الإسلامي

خطوط سياسية وتوجّهات أصولية

(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)
(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)
TT

اليمين المسيحي واليهودي المتطرف في مقابل الغلو الإسلامي

(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)
(يسار) صورة أرشيفية لاستعراض مقاتلي «داعش» في شوارع الرقة شمال سوريا بعد دخولهم إليها في يونيو 2014 (رويترز)

هل يمكن القول إن تصاعد المدى اليميني المسيحي واليهودي، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خلال السنوات الأخيرة - وبالذات منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2011، وحتى الساعة - سببه الوحيد والغالب هو مشاهد التطرف والغلو الإسلامي، البعيدة عن روح الإسلام السمح، الوسطي والمعتدل، والتي أوصلتنا إلى حالة من البربرية الداعشية غير المسبوقة؟
السؤال بصفته الإطلاقية هذه لا يجوز طرحه لأسباب يحتاج شرحها وتحليلها لقراءات مطولة. غير أنه، وفي اختصار غير مخلّ يمكن القول إن الأصولية كامنة في عمق أعماق الشريعة اليهودية، التي لا تزال حتى الساعة تؤمن بفكر «الشعب المختار» في مواجهة «الغوييم»، أو الأغيار، حتى إن بعض غلاة المتشددين هناك يرون أن نفس غير اليهودي قد تتساوق في قيمتها مع أرواح الدواب، لا البشر من اليهود، وهذه قصة يطول شرحها. وعلى الجانب المسيحي، خلافًا للمسار الأصلي للمسيحية الذي هو المحبة والرحمة والتسامح، كانت القرون الوسطي مرتعًا خصبًا لنشوء وارتقاء حركات أصولية متطرّفة قادت إلى هجرات بعيدة عن أوروبا، وكانت الولايات المتحدة من ثم هي الموقع والموضع المختار لتتجلّى تلك الأصوليات التي تتمسك بحرفية الوحي والنصوص الدينية.

لأسباب هي مزيج من السياسي والديني، وربما الاجتماعي تلاقت وتتلاقي الأصوليات ومنطلقات التطرف، وتتحد في كثير من الرؤى والتوجهات، إلى حد التطابق. هل يعني ذلك أن ظاهرة التطرف والتشدد الإسلامي التي باتت «القاعدة» ثم تنظيم داعش ومن لف لفهم لا علاقة لها باليمين المسيحي واليهودي المتطرف؟
يمكن القول إن ردات الفعل على تلك المغالاة الإسلاموية، قد أبرزت من جديد تلك الحركات التي بدت كامنة أو ساكنة تحت الجلد الأوروبي والأميركي، وظهرت على السطح من جديد، منذ أن بشر صامويل هنتينغتون في سرديته التشاؤمية عن الصراع الحضاري والثقافي والفكري بين الأمم والشعوب، وتقسيمه العالم تقسيمًا مانويًا بين فسطاطين للخير والشر، أو هكذا فهم جورج بوش الابن صباح ذلك الثلاثاء الحزين بعد أحداث نيويورك وواشنطن.
هذا الحديث له اليوم ما يبرره. ولعل المراقب المحقق والمدقق للمشهد، يستطيع أن يرصد عدة ظواهر ومظاهر، تشي بالقلق من ردات فعل اليمينيين الأصوليين اليهودي والمسيحي على حد سواء، وهو ما يجعل نهار العالم قلقًا وليله أرقًا، عوضًا عن أن تكون الأديان أداة لراحة وإسعاد النفوس الحائرة في رحلة بعثها عن الفردوس الموعود.
في مقدمة الظواهر التي نحن بصددها، وبحسب التسلسل التاريخي نجد ردات الفعل اليميني في إسرائيل، التي تظهر الآن على السطح كرجع صدى لا يتلكأ ولا يتأخر، ملقيًا باللوم كله على ما يدعوه «الإرهاب والأصولية الإسلامية».
بتاريخ الرابع عشر من مارس (آذار) الحالي، كانت وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني تكتب على صفحات جريدة «معاريف» الإسرائيلية «أن العدو الحقيقي الذي يتوجب على العالم اعتباره ليس داعش فقط، بل كل الجماعات الأصولية الإسلامية». وقبل مقال ليفني وبنحو عشرة أيام صرخ الكاتب الإسرائيلي آري شبيط على صفحات جريدة «هآرتس» الليبرالية أن الحاضر في إسرائيل اليوم بات ملكا للأصوليين، إذ أوجد الخوف من «داعش» و«القاعدة» الغالبية المطلوبة والقوة المطلوبة لتدمير كل مؤسسة، وتشويه كل قانون، وإفساد كل قيمة، والقضاء على كل شيء جيد في الدولة العبرية.
قد يغالي شبيط بعض الشيء، لكن الأسوأ لم يأت بعد، ذلك أن الأصولية اليهودية المتطرّفة اليوم تتخذ من دعوات «داعش» منطلقًا للتحضير للموقعة الحاسمة التي لا بد من أن تأتي المقادير بها - في تقديرهم - غداة بناء الهيكل الثالث وإزالة الأقصى. وعليه يكاد يكون هناك اتفاق مطلق في الداخل الإسرائيلي الأصولي المتطرف على التصعيد، ومن هنا فهو ليس تصعيدًا ضد المسلمين والإسلام فحسب، بل إنه تطرّف ينسحب على المسيحية كذلك، وخير دليل على ذلك المقال الذي كتبه في شهر ديسمبر (كانون الأول) المنصرم بنتسي غوبشتين، الرأس الأصولي لمنظمة «لهافا» المتطرفة، ووصف فيه المسيحيين بأنهم «مصاصو دماء»، داعيًا جميع اليهود الراغبين في خلاص إسرائيل لرفع الصرخة ومحاربة «الظاهرة المنحرفة التي تُدعى المسيحية»، التي وصفها بأنها «الدين الرجيم».
هذا شكل واحد، وتجلٍ مفرد من روايات وأحداث لظاهرة تصاعد اليمين التوراتي الإسرائيلي، وهو يرى الخطابات النارية لـ«داعش» و«القاعدة». ولم يكن بنيامين نتنياهو ليتقاعس عن اللحاق بالركب، وتصريحاته الأخيرة عن «الإرهاب الإسلامي» تحمل من السم في العسل ما يكفي ويزيد لفهم إشكالية «رجع الصدى» التي نحن بصددها.
الحال في أوروبا ليس أقل سوءًا. فالشيء المؤكد أن اليمين الأوروبي بدأ يطفو على السطح في القارة التي خيل لكثير من الناظرين أنها ألقت وراءها مظاهر وظواهر التعصب الديني بعد نضال طويل وعقود من عصور التنوير.
غداة الهزة الاقتصادية الكبرى عام 2008.. كانت الأزمة كاشفة وداعية للبحث عن شطآن للأمان. وكان جورج برناردشو الأديب الآيرلندي الكبير قد قال ذات مرة: «عند العاصفة يلجأ المرء إلى أقرب مرفأ». والحقيقة أنه ليس أقرب من الدين وثوابته من مرفأ، يجد فيه المرء ملاذًا آمنًا، في مواجهة تدهورات وتطورات أوضاع السياسة النسبية.
لقد عاشت «القارة العجوز» مواجهات بين العرب والمسلمين مع الأوروبيين في العصور الغابرة، لكنها مضت وانطوت، إلى أن جاءت اعتداءات باريس الأخيرة لتذكي وتغذّي مشاعر الكراهية من جديد. وبالفعل كانت نتائج الأحزاب الأوروبية اليمينية في انتخابات عام 2014 في البرلمان الأوروبي جيدة جدًا.. بصورة مقلقة. ووسط هذا الأداء الجيد ثمّة من يتساءل عن إسهام تطرّف «داعش» في مكاسب اليمين الأصولي في أوروبا.
قبل بضعة أشهر ألقت الشرطة الإيطالية القبض على باكستاني وتونسي في مدينة بريشيا الإيطالية، وفي حوزتهما وثيقة سرّية يتناقلها أنصار «داعش» فيما بينهم، مباشرة أو عن طريق الإنترنت وتطبيقات التواصل المختلفة.. منها - صدّق أو لا تصدّق - خطة احتلال «داعش» للفاتيكان، رمز المسيحية ولروما العاصمة التاريخية للإمبراطورية العتيدة!
الوثيقة التي نشرت معالمها صحيفة «إل جورنالي» الإيطالية، أكبر من أن نعرض لها هنا، وهي تبدأ بالتدرج في العمليات التكتيكية من أجل الوصول إلى الهدف الاستراتيجي الذي تسعى إليه «داعش»، أي إطلاق سعير الحرب الدينية حول العالم.
وتبدأ المعركة ضد الغرب، بموجب الخطة، بتنفيذ تفجيرات محدودة في أماكن متفرقة في إيطاليا. وبالتوازي مع ذلك، يجري «الاعتماد» على الجاليات المسلمة ذات الكثافة العددية في فرنسا وإيطاليا من أجل حصار مركز الكثلكة في العالم. أما في الشرق - أي شرق إيطاليا - فسيكون وبحسب نص الوثيقة «سيكون لإخوتنا في البلقان، خاصة البوسنة وألبانيا وكوسوفا، شرف استكمال الحصار النهائي. ومن الجنوب ستتقدم السفن محملة بالرجال في اتجاه إيطاليا، في حين تتوالى الصواريخ طويلة المدى للقضاء على أي مقاومة ممكنة، ربما انطلاقًا من ليبيا».
هل يفهم المرء لماذا بدأت بعض نتائج الانتخابات في الولايات الألمانية تأتي بنتائج مثيرة للقلق؟
لقد فاز الحزب اليميني المتطرف «البديل من أجل ألمانيا» AfD، الذي تقوم حملته على منصة كراهية الأجانب - وهو التعبير المستتر للمسلمين - ومعاداة المهاجرين بـ12.5 في المائة من الأصوات في ولاية بلاتينية الراين، و15 في المائة من الأصوات في بادن فورتمبيرغ، و24 في المائة من الأصوات في ولاية سكسونيا.
والشاهد أن بعض الأحداث التي تعد فردية من جانب بعض المهاجرين أو اللاجئين، وحتمًا بين صفوفهم نفرٌ قليلٌ أو كثيرٌ من أصوليين حاليين أو سابقين، يستفيد منها اليمين الأوروبي المتطرف أكبر استفادة، ولا أحد يستطيع المدافعة أو المنافحة عن تلك الأخطاء، وحادث مدينة كولونيا الشهير ليلة رأس السنة خير شاهد على ذلك.
وهنا نصل إلى الولايات المتحدة الأميركية التي تعيش حمى الانتخابات الرئاسية، التي تذكي بدورها نيران الأصوليات اليمينية، مسيحية أو يهودية.
وكنا في الماضي قد أشرنا إلى عمق الهوية الدينية في العقلية والنفسية الأميركية، ودائما ما كان الأثر الديني فاعلاً، غير أن انتخابات الرئاسة هذا العام تكتسب مذاقًا خاصًا، حيث ردود الفعل على بعض مشاهد التطرف الإسلامي الفردي، تأتي غاية في المغالاة وبما لا يقاس بحجم الفعل الأصلي.. ما معنى ذلك؟
بعد عقد ونصف من أحداث 11 سبتمبر، التي بدأت تتكشف من حولها معلومات مثيرة، قد تغير من اتجاهات الأحداث، جاءت حادثة كاليفورنيا لتنكأ جراحًا غائرة لدى الأميركيين، حول التطرف الإسلامي، وكيف أن لهذا الغلو والتزيد أن يضر بالأمن القومي الأميركي.
في هذا الإطار الآيديولوجي الذي يجد من يروّج له، لم يكن غريبًا أن يجد مرشحًا «ديماغوجيًا» مثل دونالد ترامب طريقه إلى قلوب الجماهير، وها هو يحقق انتصارات غير متوقعة أو مسبوقة، وبات الحزب الجمهوري ومؤسساته العميقة في ورطة أمام الاحتمالات الخطرة لفوز الرجل بترشيح الحزب.
والثابت أنه لا تهمنا قضية الرئاسة، بقدر النظر إلى الشعارات التي بنى عليها ترامب شعبيته، ولو كانت شعبية مغشوشة، وفي مقدمتها الترويج لكراهية الإسلام والمسلمين لأميركا، وتبرير الأمر بمشاهد «إدارة التوحّش الداعشي»، في العراق وسوريا وليبيا، والرؤوس المقطوعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
ويستلفت النظر أمر خطير آخر هو «حلف الأصوليات غير المقدّس» الذي يتبدى الآن في العلن بين اليمين الأوروبي ونظيره الأميركي، وإليك على سبيل المثال وليس الحصر عدة تصريحات، تؤكد ما نقول به.
فإذا نظرنا إلى تومي روبنسون، مؤسس الفرع البريطاني لحركة «بيغيدا» المعادية للمسلمين، نجد أنه يشجع الأميركيين على انتخاب ترامب، الذي سيسمح له وللآخرين بطرح مشاعرهم إزاء الإسلام بشكل أكثر حرية. وفي هولندا قال السياسي العنصري خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية الهولندي ذي الآراء المتطرفة: «آمل أن يكون ترامب الرئيس الأميركي المقبل، فهو خيار جيد لأميركا ولأوروبا. إننا بحاجة إلى قادة شجعان».
ثم هناك حلقة يمينية أخرى لم نتطرق إليها، وتحتاج لحديث مستقل، هي تلك التي تتصل بروسيا ومجريات الأمور فيها، وتصاعد المد اليميني داخلها، خوفًا من تمدد «داعش» وأخواته إلى حدود الجمهوريات السوفياتية السابقة، ذات المسحة الدينية الإسلامية، لا سيما في منطقة القوقاز. بل يبدو الأمر أيضًا مثيرًا، إذ إن بعض رموز اليمين الأوروبي مثل روبير مينار، عمدة مدينة بيزييه بجنوب فرنسا، والليبرالي اليميني المدعوم من الجبهة الوطنية، يطالب أميركا وأوروبا بالتقارب مع روسيا، ونسيان الخلافات التي يراها «سطحية»، من أجل هدف واحد وهو محاربة تنظيم داعش الذي يهدد الجميع.
على أن هناك أمرين آخرين لا بد من الإشارة إليهما، وهما يوضحان كيف أن ثمة أطرافا أخرى لا تحمل الخير لا للعرب ولا للسنة، بل تعمل على تصعيد الخلافات وإثارة المخاوف والثغرات من «الإسلام السياسي السني» المتطرف. فقبل بضعة أيام قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال كلمة له في الجامعة الوطنية الأسترالية بمدينة كانبرا عاصمة أستراليا، محذرًا من «أن تقسيم سوريا قد يؤدي إلى معارك آخر الزمان». وهنا نجد الرجل يروج تمامًا للفكر «الداعشي»، الذي يتحدث عن معركة «دابق»، حيث جيوش المسلمين لا بد وأن تلاقي جيوش الروم في معركة دموية، تكون الغلبة فيها للمسلمين.
والمؤكد أن ظريف يستخدم هذا الإطار الثيؤلوجي أو الفقهي، سواء أكان يؤمن به أم لا، لإحداث خلخلة في النسيج المجتمعي الغربي بأكبر صورة. ذلك أنه يعلم تمام العلم أن الترويج للفكر «الداعشي» سيواجه برواية يمينية يهودية مسيحية أصولية، معروفة لدى كثيرين، وهي رواية هرمجدون، أي المعركة الحتمية التي ستقع في آخر الزمان في «مجدو» بفلسطين. وهي معركة دموية شبيهة كل الشبه بـ«دابق»، ولها من أنصارها الملايين حول العالم، ولقد كان الإيمان بها عند الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان في أوائل الثمانينات سببًا مباشرًا لإحياء الأصولية الدينية في الولايات المتحدة، والبدء ببرنامج «حرب النجوم».
أما الأمر الآخر فيتصل بأصابع خفية تعزف على أخطاء وخطايا الأصوليين والمتطرفين الإسلاميين في أوروبا تحديدا لإطلاق سعير التيارات اليمينية المتشددة هناك. وفي مقدمة هذه الأصابع عدد من المثقفين غير النزيهين والتعبير هنا للمفكر الفرنسي الشهير باسكال بونيفاس، وفي المقدمة منهم، المفكّر والحركي الفرنسي برنار هنري - ليفي الذي وقف وراء إشعال كثير من الجبهات العربية، تحت مسمى «الربيع العربي»، وللرجل قصص طويلة حيث يرتبط ارتباطا جذريا بالمؤسسات اليمينية اليهودية في إسرائيل منذ زمن طويل.
ولقد رأينا هنري - ليفي أخيرًا وهو يدفع في اتجاه ترهيب وتخويف يهود فرنسا، ويبدو في المشهد ناصحًا لهم بالسفر إلى إسرائيل نهائيًا وإلى الأبد، في هجرة قطعية «خوفًا عليهم من اعتداءات الإسلاميين» في فرنسا، وربما عموم أوروبا. وهو في هذا يلوح بكارثة اليهود الكبرى في أوروبا، أي «المحرقة» النازية، ويمهد الطريق لليمين الإسرائيلي للتمكين من قيادة الدولة العبرية، عبر الشريعة التوراتية، كما تطالب «لهافا» لا عن طريق القوانين الوضعية، التي ترى إسرائيل نفسها من خلالها أنها دولة مدنية ديمقراطية.
هل المشهد مرشح لمزيد من التدهور؟
المرجح أن ذلك كذلك، إذا لم يقدّر للعالم الإسلامي الخلاص من الاتجاهات الموغلة في التطرف، خصوصا أننا على أبواب الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة بعد بضعة أشهر، ثم الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2017.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».