جدليّة الفكر السياسي والديني في التجربة المغربية

قراءة من داخل المرجعية الإسلامية

جانب من خطبة عيد الأضحى في جامع الحسن الثاني في الدار البيضاء العام الماضي (غيتي)
جانب من خطبة عيد الأضحى في جامع الحسن الثاني في الدار البيضاء العام الماضي (غيتي)
TT

جدليّة الفكر السياسي والديني في التجربة المغربية

جانب من خطبة عيد الأضحى في جامع الحسن الثاني في الدار البيضاء العام الماضي (غيتي)
جانب من خطبة عيد الأضحى في جامع الحسن الثاني في الدار البيضاء العام الماضي (غيتي)

تطوّر الفكر المغربي الإصلاحي المعاصر الديني منه والسياسي من داخل المرجعية الإسلامية ذاتها، ولم يخرجا منها إلا بشكل شاذ لاعتبارات معرفية وتاريخية. إذ إن أسس مدركات النخبة المغربية عمومًا، ظلت في هذا الإطار المرجعي الإسلامي المقاصدي، رغم أطروحات بعض المفكرين التي تسعى إلى الاندراج العضوي في الحداثة، ومستلزماتها القيمية المادية المُعَلمنة.
وهنا نقصد بالمرجعية المنظومة والنسق الفكري المعرفي المرتبط بالتحليل، وإعادة تفسير الظواهر؛ والقادرة على التحول منهجيا إلى نظرية معرفية، تطرح رؤيتها الخاصة للعالم، فيما يتعلق بالظاهرة السياسية الاجتماعية ومعاش الإنسان. ولقد ساعدنا استعراض المشاريع الإصلاحية في التاريخ السياسي المغربي في القرنين الأخيرين (القرن 19 - 20م)، وتعقب مضامين الفكر السياسي عبر الزمن المتعاقب، في اكتشاف ذلك التلازم والتلاحم بين تطور الفكر الديني، وتطور الفكر الوطني. كما أن تدهور المكانة العلمية للنخبة الدينية، انعكس سلبا على الفكر المغربي من جهة تصوره للمرجعية الإسلامية ودورها، في النظر للأسس المعرفية للحداثة وعلاقتها بالمرجعية الدينية.
عمومًا، يمكن القول إن الفكر السياسي بمغرب اليوم، استطاع خلق قدرة متجددة تقودها النخبة الإصلاحية عبر التاريخ؛ التي حافظت على إنتاج صيغ ذاتية في التفاعل مع «الفكر الإصلاحي المشرقي الإسلامي» و«الفكر الحداثي الغربي المُعَلمَن».
لقد استطاعت النخب الدينية، أن تستوعب الاجتهادات والمعارف الدينية الإسلامية، في إطار تراكم تاريخي لمدرسة الغرب الإسلامي المتجددة التي تبنت مقاصد الشريعة؛ وما أنتجته من جذور منفتحة، على الإنتاج الفكري الأندلسي والأفريقي. الشيء الذي أهل النخبة الدينية، رغم ما عرفه فكرها من فترات انكماش، إلى طرح مشاريع إصلاحية جد متقدمة، تجاوزت فعاليتها المعرفية، والاجتماعية، ما طرحته بعض النخب الحداثية في مرحلة الاستقلال.
من جهة أخرى، يرتبط الفكر السياسي المغربي المعاصر، بميزة القوة التفاعلية مع الحداثة السياسية من وجهتين: وجهة متابعته للمفاهيم السياسية المعاصرة، ومرجعيتها الفلسفية الحداثية. ووجهة طرحه للتحديث السياسي، والديمقراطية في إطار بناء الدولة المغربية الحديثة. كما ابتعدت الوجهتان المرتبطتان بالفكر السياسي المغربي عن أي تبنٍّ واضح للعلمانية، كمدخل وجوبي للتحديث وبناء الدولة الحديثة؛ وهو ما يشكل مفارقة جذرية لأهم الخصائص المرجعية للحداثة السياسية الغربية.
ومن هنا، يمكن القول، إن ندرة تبني المشاريع الإصلاحية المغربية الخاصة بالتحديث السياسي للعلمانية، تجعل من التعارض الأساسي الذي يتسم به الفكر السياسي المحلي؛ لا يتعلق بثنائية التقليد/ التراث والتحديث، ولا بالتعارض بين الفكر والإدراك الحركي للواقع، كما «يزعم» بعض من نظّر للإصلاح والتحديث السياسي بالمغرب. بل هو اندراج في واقع تاريخي سياسي، وانسجام مع قيم سياسية ومسالك إفرازاتها، مما جعل للمشاريع الإصلاحية التحديثية مصدرين:
المصدر الأول، تمثله السلطة السياسية، والتي طرحت عبر تاريخها السياسي عدة مشاريع للإصلاح الديني والسياسي. أما المصدر الثاني، فتمثله النخبة العالمة، أو النخبة المثقفة، التي اقترحت وتبنت مشاريع الإصلاح والتحديث الديني والسياسي.
في هذا الإطار، قام الفكر السياسي المغربي عبر قرنين من الزمن، بعمليتين متآزرتين في إطار مساره التاريخي: الأولى، انشغلت بالحفاظ على السياق المعرفي للماضي في الحاضر. والثانية، احتفت بالحداثة، مع تصور صيغ مختلفة لها وللتحديث السياسي. وقد تبين لنا، أن هذا التصور المغربي لا يدعي التفوق المطلق لسياق الماضي وخبرته التاريخية الإسلامية، ولا لرؤية الحداثة للعالم، خاصة في جانب قيمها العَلمانية العليا.
وهذا ما يفسر استخدام الفكر السياسي المغربي المعاصر لمفهومي الإصلاح والتحديث؛ واعتبارهما تصورًا معرفيًا يتسق من حيث فلسفته، مع المرجعية العليا الإسلامية والمرجعية المجتمعية المغربية، التي تسندها الثقافة وما تضمنته وطورته من أعراف وتقاليد مسلكية، على مستوى الاجتماع الديني والسياسي.
لقد استطاع هذا الفكر المتميز عربيًا، من خلال مشاريعه الإصلاحية، أن يؤسس لمساحة واسعة مشتركة بين أسسه المعرفية الإصلاحية، والتحديث السياسي، مما أتاح له سبل التنظير للإصلاح بصيغ متغيرة. وعبر مشاريعه الإصلاحية هذه، بدا الفكر السياسي المغربي مشغولاً ومنخرطًا على المستوى الفكري، في المحاولات المستمرة لاستبعاد التناقض بين الإصلاح المنطلق من المرجعية والذاتية الإسلامية، والمعنى التفاعلي للتصورات والمشاريع الإصلاحية، التي ترنو إلى تحقيق التحديث السياسي والانتقال الديمقراطي.
ولعل القيم السياسية العليا للإسلام نفسه، تفسر سرّ هذه المحاولات المستمرة، التي تأخذ طابع «التفوق والتعالي والاستيعاب» بين المرجعية الدينية من جهة، والتحديث والانتقال الديمقراطي من جهة أخرى. ذلك أن المرجعية الإسلامية، ونسق مدركاتها المشكلة للقيم المجتمعية، لا تخلق تصورات دينية، خارجة عن سياق المجتمع والمشترك الإنساني؛ وإنما تعبر ابتداء عن نسقها المعرفي والفلسفي، في سياق قيم حضارية مؤمنة بالتنوع، وتعدد الخبرة الإنسانية دون احتكار أو مركزية مقيتة.
ولقد تبيّن لنا من خلال استعراض المسيرة التاريخية للفكر السياسي المغربي، أنه «شبه» موحّد على مستوى المرجعية العليا «الإسلامية»، فيما طرحه من مشاريع وأفكار إصلاحية. إلا أنه يعاني من قصور واضح على مستوى رؤيته التنظيرية، باعتبارها تصورا قادرا على صياغة رؤية معرفية علمية للظاهرة الاجتماعية والإنسانية، ودراسة الفكر الديني. كما أن هذا الفكر، يجد بعض الصعوبة في تفسير صمود المرجعية المجتمعية، وارتباطها «الوجودي» بالإسلام، المتجاوز للمادة، والمخالف للفلسفة الوضعية، والحداثة المعلمنة.
ولذلك، نرى أنه على الفكر السياسي العربي عمومًا، إيلاء مزيد من الاهتمام لبناء نظرية شاملة، لها قواعد علمية وأسس مرجعية، كمقترب لا بد منه من أجل تفسير سمو القيم الإسلامية، وقدرتها على البقاء في هذه المكانة؛ وكيف حولها المجتمع لفلسفة دفاعية، أمام هجمة الاستعمار، والفكر النخبوي الموالي له بعد الاستقلال.
يمكن اختصار الجدلية القائمة مغربيا بين الفكر الديني والسياسي، في استمرار نَفَس السلفية المغربية المجددة في كل كتابات مناصري الحداثة المعاصرين؛ مثل المفكر محمد عابد الجابري وعبد الله العروي، وكلاهما تأثر برواد الفكر السياسي المغربي بقيادة العلامة محمد بن الحسن الحجوي (1874 - 1956م) ومن بعده علال الفاسي، وأحمد الريسوني. بمعنى آخر، لقد كانت وبقيت مدرسة مقاصد الشريعة الإسلامية نواة، وأساسا فلسفيا نهضويا، تجدد من داخله الفكر السياسي المغربي المعاصر، مما منح أدبياته خصوصية دينية، وتحديثية، أثرت النقاش العربي الحالي للمسألة الدينية والسياسية في الدولة العربية المعاصرة.
*أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس - الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».