مأساوية البحث التجريبي عن الحقيقة

فيلم حياة باي.. وقصة حي بن يقظان

بوستر الفيلم
بوستر الفيلم
TT

مأساوية البحث التجريبي عن الحقيقة

بوستر الفيلم
بوستر الفيلم

لا تزال الأقلام تسيل للحديث عن الفيلم الاستثنائي «LIFE OF PI»، الفيلم الأميركي الذي رسم ضمن نمط درامي محرك حاسوبيا، وثلاثي الأبعاد!
أصل القصة تسييل سينمائي لرواية تحمل نفس اسم الفيلم لـ«يان مارتل»، الفائزة بجائزة «مان بوكر البريطانية» عام 2002. أبدع المخرج آنج لي، وكاتب السيناريو ديفيد ماجي في صناعة الدهشة الكبرى بصريا وفلسفيا. فحوى الفيلم تذهب بك إلى عالم من الصور الشعرية، تبدأ القصة بحديث من «باي» بعد نجاته من سفينة غرقت، وبعد أن مضى أكثر من عشرين عاما على نجاته من بين كل عائلته، وحين ضرب الموج السفينة امتطى خشبته ليجد النمر البنغالي في قعر قاربه الصغير. أسئلة وجودية بدأ بها «باي» وهو ينعى عائلته، وشرر عيون الكاتب الكندي بجواره في الطاولة لا تكاد تصدق المعنى الذي يذهب إليه، كان متهاديا بين الإيمان والشك، معتبرا قصته هادئة إلى عمق الإيمان بالتجربة المحضة. فاز الفيلم بأربع جوائز أوسكار 2013، ورشح لثلاث جوائز غولدن غلوب، إلا أنه فاز بواحدة منها وهي جائزة أفضل موسيقى تصويرية.
حضرت في الثقافات الشرقية فكرة الإيمان بالتجربة، التي تشكلت مع قصة «حي بن يقظان» التي كتبها الفيلسوف الأندلسي «ابن طفيل» وقد درس هذه الرمزية عبد الرحمن بدوي في بحث كامل عنها. الإيمان بالتجريب والممارسة هو اكتشاف لجسد الكون وقشرة الأرض، وإنصات لتلاطم الموج وصوت الطير، والعلاقات الغامضة المغلقة بين الكائنات جميعها. فكرة «الإنصات للوجود» التي كتبها مارتن هيدغر، والنزوح إلى أعالي الجبال بغية التماس الوجود والاحتكاك بالكون ببراءة صيرورته هي فكرة بحث عن المعنى من الوجود. «زرادشت» نيتشه الذي حمله نيتشه كل معانيه عن «الإنسان الأعلى» هو الآخر كان يحك برجله الحافية على شجر الغابة بين الأفاعي والنسور.
في الفيلم أخذت الصورة صيغتها الشعرية والفكرية، إذ سكنت بمخاتلتها مخيلة المشاهد، حتى لكأن الوجود كله قد اختصر بمعاناة «باي» التي استمرت قرابة السنة وسط البحر بكل أسراره وألغازه، وحين تطبق الظلمة على وجيب النهار، ويطرد الليل نور الضوء تبدو النجوم متلألئة لهذا الحائر في وسط الكون، حائر بين نمر مفترس وبحر هائج، وحين يضع عينه على شبكة من النجوم يشعر بطمأنينة تحرس العالم، «باي» منذ صغره وهو يعتنق الديانة تلو الديانة بحثا عن الحقيقة، وبحيرة من والديه، وحدث أن اعتنق عدة ديانات بوقت واحد.
في لحظة عاصفة يهتف «باي»: «أيها الإله أنا أهبك نفسي، أنا خادمك، أيا كان ما سيأتي، أريد أن أعرف». هذا يذكرنا بنص لنيتشه كتبه عن «المعرفة الفرحة»:
«حين تعبت من البحث
تعلمت أن أقوم باكتشافات
منذ أن أصبحت الريح صاحبتي
صرت أبحر مع كل ريح».
لم تكن قصة «حي بن يقظان» وحيدة في الفكر الإنساني، بل تطورت وتداخلت مع قصص وأساطير أخرى، ولئن صنفت على أنها من أثرى ما أنتج فلسفيا في حينها، غير أن لكل إنسانه تجربة، من (التجريبية Empiricism) يتأسس الإيمان على التجربة، وعلى الرحلة، وعلى النظر والتأمل، على رياضة الذات ولهاثها في البحث والتأمل وتربية لحظة الدهشة. من هنا يكون لهذه القصص إلهامها، ذلك أنها ليست تبشيرية بحقيقة تتطابق وكل حقائق الآخرين، وإنما هي تجربة ورصيد وإضافة ومعنى أدخل على خبراتنا وبإمكاننا أن نستنفد جهدنا لصنع تجربتنا. ذلك أن الواقع قد يكون صانعا لأفكارنا وسابقا لها، كما قد تكون أفكارنا صانعة له ومؤثرة عليه، فالمعرفة مشتبكة بين الأذهان والأعيان، بين النظر الذهني والواقع بكل مساحاته المحفزة على التجريب.
«باي» في رحلته إنما يمتد ضمن أسئلته الأولى حول أي الأديان أصح؟ وكان يغرق بالتعاليم والألغاز ويختبر كل فكرة يعتنقها. كان في عقله غليان النار بحثا عن النجاة والحقيقة، لتأتي هذه الرحلة التي يفقد فيها عائلته ومن ثم يجد هذا الهندي بجوار نمر بنقالي، ومن ثم يتأمل في هذه الأدوات بحثا عن المعنى، لتكون الخبرة التجريبية المصهرة التي خلطت نظرياته الدينية المتعددة لتشكل له دينه الخاص الذي اشتمل على أبعاد رآها عظيمة كما في حديثه ببداية الفيلم مع الكاتب الكندي.
ذروة الإخراج من المبدع آنج لي تمثلت في مصارعة الليل للنور، وفي موج الوجود وهو يحاذي قارب «باي»، والكون كله يضج بمأساة فرد، كانت الصورة شعرية حتى وهو في زاوية الصمت، ذلك أن مجال الخيال في السيولة البصرية كان غدقا بالشعر، وهذا يبرهن على أن الصورة تشترك مع الشعر بكونها «الخيال الخالص»، كما يعبر مالارميه، ويضيف هيدغر: «إن جوهر الصورة أن تجعلنا نرى شيئا ما، إن الصورة الشعرية ترينا العالم اليومي، ولكنها تريه لنا غريبا، إنها ترينا اللامرئي، أي الغرابة، ولغز الحضور في قلب المرئي الأشد بساطة والأكثر وضوحا».
شاقة كانت رحلة «باي» غير أنها استعادة سينمائية لقصص وجودية كثيرة على نمط «حي بن يقظان» التي كتبها ابن طفيل بنضج، بعد أن كانت الحكايات مختلفة ومتعددة لها تبعا لكاتبيها، كما تختلف قصة ابن سينا في «حي بن يقظان» عن تدبير المتوحد لابن باجة، عن «هواجس المتنزه المنفرد بنفسه» لروسو، وغيرها من الأساليب الكبيرة التي تحاول أن تجس ألغاز الوجود وأن تضرب بمطارق البحث أقفال الأسئلة. فيلم استثنائي لقصة تعبر عن كل إنسان، ففي كل شخص «حي بن يقظان» صغير مختبئ بداخله، يظهر فجأة مع الصدمات والأحداث، ولحظات الدهشة أمام تجليات الجميل، ووميض الصورة، ورسوم الجسد، ودهشة الكون.



الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة
TT

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

الحمادي: الكاتب مسكون بهواجس لا تُخرِسها الكتابة

يُولي الكاتب والروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي التاريخ اهتماماً كبيراً فيُعيد تشكيل أسئلته وغرائبه في عالمه الأدبي، منقباً داخله عن الحكايات الناقصة وأصوات الهامش الغائبة، وهو ما يمكن استجلاؤه بوضوح في روايته الأحدث «سنة القطط السمان»، الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة. وكان قد صدر له من قبل عدد من الأعمال منها «دروب أندلسية»، و«الطير الأبابيل»، ورواية «لا تقصص رؤياك»، التي وصلت للقائمة الطويلة لجائزة «البوكر» العربية عام 2015.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة واهتمامه بالتاريخ وأدب الرحلة:

> تُلازم بطل «سنة القطط السمان» نبرة تأنيب ومراجعة ذاتية مُتصلة، هل وجدت أن استخدام ضمير المخاطب يُعزز تلك النبرة النقدية في صوت البطل؟

- اعتماد الراوي المخاطب للتعبير عن البطل، كان خياراً صعباً، ترددت كثيراً قبل اعتماده لمعرفتي أن القارئ قد لا يستسيغه، لكن بعد أن جرى نهر الكتابة وتشكلت الشخصيات والمواقف وتعقّدت الحبكة، وجدت أن ضمير المخاطب استطاع تكوين شخصية خاصة بالبطل، وأكسبه حضوراً خاصاً، ذلك، بالإضافة إلى الراوي العليم وكل الأدوات السردية التي استخدمتها محاولاً إيصال ما أريده. ثم عاد الخوف من انطباعات القراء بعد صدور الرواية، وسرعان ما تبدد الخوف بعد ظهور المقالات المتعددة من القراء والنقاد التي أكرموني بها.

> بطل الرواية (مساعد) دائماً ما يصطحب معه «القاموس»... تبدو علاقته باللغة مهجوسة بالمراجعة بالتصويب فهو «يصحح كلمات أصحابه»، فلا تبدو اللغة مجرد أداة عمله مترجماً، ولكنها أوسع من هذا. حدثنا عن تلك الآصرة اللغوية.

- اللغة بطبيعتها انتماء وهُوية وانسجام مع محيط واسع، هل كان البطل يبحث عن انتماء عبر تصحيح كلمات أصحابه؟ أو إرجاعه كلمات إلى أصولها؟ ربما والإجابة الأكيدة عند القارئ لا شك. لكنها التقاطة جميلة منكِ، ومُعبرة، عن مساعد، بطل العمل الذي صرّح في أحد الفصول بأن الزمان لو كان هانئاً لألَّف قاموساً يتتبع فيه أصول الكلمات. القاموس قصة غرام بين الشخصية الرئيسة والكلمات ويحمله أغلب الرواية، قاموس يتوسّط لغتين، العربية والإنجليزية، كأنما هو نقطة تلاقي الشرق بالغرب.

> أود الاقتراب من تشريح العمل لخريطة المجتمع الكويتي والمعتمد البريطاني والوافدين، ما بين مسرح «سوق الخبازين» وساحة المسجد ومكتب المعتمد البريطاني. حدثنا عن عنايتك بالترسيم المكاني في الرواية لرصد الحالة الكويتية في ثلاثينات القرن الماضي.

- لن أقول جديداً إن قلت إن صورة الخليج في الذهنية العربية أقرب لصورة نمطية، قد تتفوق في أحيان كثيرة على الصورة النمطية الغربية تجاه العرب. وأسباب هذه النظرة طويلة ومتجذرة ولن أخوض فيها حفاظاً على الوقت والمساحة، لكن أجدني دونما وعي أصف ما كان آنذاك من مكان وأناس وأحداث، لتثبيت صورة مُغايرة عمّا يرد لأذهان من عنيت في أوّل الإجابة... هل أكتبها لهم ولهذا الغرض؟ بالطبع لا، ففي المقام الأول وصف المكان أداة من أدوات الكتابة تُغني العمل عبر التفاعلات مع شخصياته، ولولا خصوصية المكان لن تكون الشخصيات نفسها والعكس قد يكون صحيحاً، إذ كما أسلفت العلاقة تبادلية، وهو ما يصنع خصوصية مكان ما وخصوصية شخصياته، ومما ساعدني في ذلك، انغماسي في قراءة كتب تاريخ المنطقة بشكل عام والكويت بشكل خاص، وأفادتني كتب مثل: «معالم مدينة الكويت القديمة» الذي صدر حديثاً عن مركز البحوث والدراسات، وإصدار آخر هو «الأسواق القديمة في الكويت»، بالإضافة إلى مراسلات المعتمد البريطاني آنذاك. وفي النهاية مشاورة الأصدقاء الضليعين في تاريخ المنطقة وتفاصيله.

> تتكشف ملامح شخصيات الرواية وأصواتها من المسافة التي تفصلهم من «الهندستاني»، ورغم أن الحدث المركزي في الرواية كان دائراً حول اللغط بشأن مطعمه، فإن حضوره ظلّ على مسافة، لماذا لم تمنحه صوتاً في الرواية؟

- في بداية كتابتي للرواية كان صوت الهندستاني حاضراً في الذهن والكتابة، ثم تقلّص ليكون مبثوثاً بصوته بين الفصول يتحدّث إلى (مساعد)، إلى أن اتخذت قراراً بحجبه كشخصية إلا على لسان الجميع، هل كنت أريده أن يكون أرضية للقصة تحرك الشخصيات والأحداث وفقاً لتفاعلاتها؟ ربما، لكنني فعلت ما أحسست أنه سيفيد الرواية ويجعل الحدث مركّزاً والأفكار متضافرة.

> استخدمت التقويم الزمني المحلي الكويتي «سنة الطفحة»، «سنة الهدامة»... كيف شكّلت تلك السنوات المتراوحة بين القحط والثروة لديك محطات تحريك لأحداث الرواية؟

- من المعروف أن العرب مثل كثير من الأمم تحفظ تاريخها بتسمية الأيام والأعوام، وأشهرها عام الفيل في التاريخ الإسلامي، الذي سبق زمن البعثة النبوية بقليل. واستطاع ذلك النهج عند المؤرخين والعامة أن يستمر وصولاً للعصر الحالي، عندما نقول عام أو سنة الاحتلال العراقي أو الغزو، سنة النكبة، سنة النكسة، سنة الكورونا إلى آخره. لذلك كنت محظوظاً عندما كانت لحظة الحدث الأساس في الرواية، حادثة المطعم، سنة مفصلية في تاريخ الكويت الحديث، لحظة بين بوار تجارة اللؤلؤ وإرهاصة اكتشاف النفط، وما لحقه من تبدّل نمط التجارة الكويتية تبدّلاً جذرياً، مما انعكس على طموحات الشباب المتعلم آنذاك، وما صاحبه من ثورة في وسائل المواصلات كالسيارة والطائرة والسفن الحديثة وهبوب رياح انتشار الطباعة في المنطقة، وبالتالي توفّر المجلات والكتب وارتفاع سقف الطموحات مما يجر الطموح والرغبة في التوسع، وبالتالي قد يجر الطمع. وهذا هو سياق فهم «مساعد» خلال أحداث الرواية، وربما ينطبق ذلك على أغلب الشخصيات التي وصفتها إحدى المقالات بمصطلح «الداروينية الاجتماعية».

> في «لا تقصص رؤياك» رسمت ملامح عنصرية داخل المجتمع الكويتي، ولكنها كانت تدور في زمن أحدث من «سنة القطط السمان». هل برأيك يظل الكاتب مسكوناً بأسئلة دائماً يبحث عنها عبر مشروعه حتى لو تنقّل بين الأزمنة الروائية؟

- سؤال رائع، بالفعل، يظل الكاتب في ظني مسكوناً بهواجس لا تُخرسها الكتابة، قد تخفف منها قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوهّج وتندلع في حريق وتبدأ كتابة جديدة. الأزمنة والأمكنة والشخصيات مجرد أعذار لكتابة الأسئلة المؤرقة والهموم الشخصية والعامة وأنصاف الإجابات على هيئة رواية.

> في روايتِك «ولا غالِب» تعرضت لحدث احتلال العراق للكويت عبر مدّ خيوط سردية مُتخيّلة تتواشج مع زمن سقوط الأندلس، هل كنت تبحث في عمق تلك الهزيمة التاريخية عن مرتكز لفهم فجيعة احتلال بلادك التي شهدتها في سنواتك المبكرة؟

- صحيح، كنت أفعل ما يمكّنني من فهم فجيعة هي الأقوى ليست في حياتي أو في تاريخ بلدي، بل هي الأكبر - برأيي - في المنطقة العربية، وتفوق برأيي النكسة، إذ إن حرب الأيام الستة كما تسمى في الغرب، كانت بين عدو واضح المعالم، ونظام عربي واضح، ولم تكن حرباً عربية - عربية، بل لا أجازف كثيراً إن سميتها: الحرب الأهلية العربية، حرب تبارت فيها الأنظمة والشعوب في الاستقطاب (مع أو ضد) والتعبير عن كل مخزونات المشاعر المتراكمة تجاه الآخر. في «ولا غالب» حاولت عبر الشخصيات الكويتية والمرشد الفلسطيني، واستغلال الحشد الأميركي لغزو العراق في عام القصة أواخر 2002. واختيار غرناطة الأندلس لتكون مكان الحدث، غرناطة الحاضر والماضي عبر التاريخ البديل، أن تشتعل المقارنة الفكرية بين القناعات، وجعل القارئ يناظرها عبر مفاهيمه ويجادل أفكاره كما فعلت أنا قبله أثناء الكتابة.

> تحتفظ كتب عبد الله عنان وشكيب أرسلان بمكانة خاصة لديك، حتى أنك أشرت لهما في مقدمة كتابك «دروب أندلسية». ما ملامح هذا «الهوى» الخاص الذي تتنسمه في تلك الكتابة المتراوحة بين الرحلة والتاريخ؟

- عندي هوى وهوس بالتاريخ القديم والحديث، وشغفت بالكتب التاريخية وأدين لها بالكثير، إذ لا يجاري مكانتها في نفسي شيء، وبالتالي إن جئنا للتاريخ الأندلسي سيكون لعنان تحديداً عامل فكري كبير مؤثر في نفسي، إذ، كيف استطاع ذلك المحامي غير المتخصص في التاريخ أن يراكم مجلدات تلك الموسوعة التي لم يجاوزها أحد منذ سبعين عاماً؟ كيف ترجم ونقل وقارن وحلل بذكاء نادر؟ وذلك انعكس في ذائقتي على صعيد الرواية قراءة وكتابة، ولا أخفي بالطبع تأثري بمسار وكتابات أمين معلوف بالدرجة الأولى ومن ثم غازي القصيبي، والطيب صالح، وفواز حداد، وبالطبع التجلي الروائي الأكبر عربياً وحتى عالمياً وهو نجيب محفوظ، صاحب الأثر الأهم في قناعاتي تجاه الحياة والكتابة.

> أنت مُحِب للسفر، هل ترافقك بين مشاهد المدن ومرافئها قصيدة «المدينة» لكفافيس، التي صدّرت بها روايتك الأخيرة، وما تعريفك الخاص لـ«المدينة التي تُلاحقك» بتعبير الشاعر اليوناني الراحل؟

- تطور السفر بالنسبة لي من خلال القراءة والكتابة، وتبعها تحويل كتابي الأول «دروب أندلسية» إلى رحلة تطوف إسبانيا، كان انبثاق تدشين مرحلة الرحلات الجماعية المهتمة باكتشاف العالم، عبر التعرف على تاريخه ومجتمعاته وحضاراته، وكنت محظوظاً مرّة أخرى لأن هذه الرحلات زادت معرفتي بالناس في البلدان المختلفة، بالإضافة لخبرات التعامل مع المشتركين المتحدرين من بلدان عدّة، كل ذلك منحني معرفة لا تشترى بمال ولا تعلّم في المدارس. وعندما واجهت قصيدة كفافيس وعدت إليها، وجدت أنها معبرة عن بطل رواية «سنة القطط السمان»، لكنها، ولأعترف، معبّرة عني في أحد معانيها، كما هي الحال في قصيدة محمود درويش «لا شيء يعجبني»، التي كانت تنافس كفافيس في تصدير الرواية حتى تفوقت قصيدة شاعر الإسكندرية وتصدّرت أولى عتبات النص الروائي. وسؤالي لكِ وللقراء: ألسنا كلنا ذلك الموجوع بمدينته؟ عندما وصفنا كفافيس: وما دمت قد خربت حياتك هنا، في هذا الركن الصغير، فهي خراب أينما كنت في الوجود!