«نالاندا» الهندية.. «عنقاء» الجامعات

بعد 800 سنة من تدميرها تعود لدورها التعليمي القديم

جانب من  جامعة نالاندا الهندية القديمة
جانب من جامعة نالاندا الهندية القديمة
TT

«نالاندا» الهندية.. «عنقاء» الجامعات

جانب من  جامعة نالاندا الهندية القديمة
جانب من جامعة نالاندا الهندية القديمة

تشهد الجامعة الأهلية الهندية التي يعود تاريخ تأسيسها إلى القرن الخامس الميلادي، والتي تعرضت للحرق والدمار على أيدي المغيرين والغزاة في عام 1193، الخطوات الأخيرة من استعادة مكانتها وإحياء دورها. وعلى غرار أسطورة العنقاء، التي تقوم من الرماد، تعاود الجامعة العريقة ممارسة دورها الذي دأبت عليه قبل قرون.
كانت جامعة نالاندا الهندية توفر التعليم العالي لآلاف الطلاب من مختلف البلدان لما يزيد على 600 عام في نفس الوقت الذي تأسست فيه أول جامعة أوروبية معروفة في مدينة بولونيا الإيطالية عام 1088.
كانت جامعة نالاندا الهندية العريقة، والتي عُثر على أنقاضها القديمة في ولاية بيهار بشرق الهند، تجذب الطلاب من مناطق وبلدان بعيدة مثل الصين واليابان وإندونيسيا وكوريا وبلاد فارس وتركيا وغيرها الكثير، وكانت الجامعة تضم بين جنباتها أكثر من 10 آلاف طالب وأكثر من ألفين من أعضاء هيئة التدريس في مختلف الكليات.
والفترة التي توقفت فيها الجامعة العريقة عن الاضطلاع بدورها الريادي كانت نفس الفترة التي شهدت ظهور الجامعات الغربية الكبيرة، والتي سجلت علامة التحول الفارقة في الإنتاج المعرفي ونشر العلوم من الشرق إلى الغرب وبالعكس. ولقد تأسست في ذلك الوقت، وقبل الدمار الذي تعرضت له جامعة نالاندا الهندية، جامعات الأزهر في القاهرة عام 972، وجامعة بولونيا في إيطاليا عام 1088، وجامعة أكسفورد الإنجليزية عام 1167. ظل التعليم محتفظا بقيمته الكبيرة والمهمة داخل المجتمع الهندي، ومع مرور الأزمنة تأسست كثير من المراكز التعليمية في مختلف أرجاء مدن الهند القديمة، وصولا حتى مدينة تيكسلا الحجرية الباكستانية القديمة، والتي شهدت وجود أحد المراكز التعليمية العتيقة قبل انفصال الهند عن باكستان في عام 1947. وكانت جامعة نالاندا هي أشهر وأكبر الجامعات المعروفة في ذلك الوقت.
* الجامعة الجديدة:
تشهد جامعة نالاندا الجديدة حرما جامعيا حديثا يتخذ مكانه في مدينة راجغير القديمة، والتي تبعد بضعة أميال قليلة عن أنقاض جامعة نالاندا القديمة في ولاية بيهار الشرقية الهندية. ولقد استكملت أعمال التصميم والتخطيط الخاصة بالحرم الجامعي الجديد، وتوشك أعمال البناء على البدء قريبا. يقول السيد جورج ياو، وزير خارجية سنغافورة الأسبق والمستشار الحالي لجامعة نالاندا الجديدة: «سوف تبدأ أعمال بناء الحرم الجامعي الجديد قريبا. وتشتمل مرحلة البناء الأولى على المباني الأكاديمية والإدارية بتكلفة تبلغ 132 مليون دولار مع استكمال أعمال البناء فيها على مدى ثلاث سنوات». ولقد تولي السيد ياو منصب مستشار الجامعة الجديدة بعد اعتذار الدكتور امارتيا سين المرشح الهندي لجائزة نوبل عن المنصب.
ورغم أن المراحل الأولى من العمل في الجامعة الجديدة سوف تستغرق بضع سنوات، إلا أن جامعة نالاندا قد بدأت العمل فعليا، ولكن على نطاق صغير، في بضع مباني مستأجرة لذلك الغرض. ووفاء من الجامعة لثقافتها العتيقة كمركز تعليمي عالمي، يأتي طلاب جامعة نالاندا الجديدة من الهند، واليابان، وبوتان، وتم توظيف المعلمين من الهند، ومن الولايات المتحدة، وألمانيا، وكوريا الجنوبية. وبالإضافة إلى الدروس التي يجري العمل عليها الآن في الجامعة في مناهج مثل التاريخ، والدراسات البيئية، والعلوم البيئية، فإنه يجري حاليا وضع الخطط لتدريس مناهج مثل الاقتصاد، والدراسات التنموية، والصحة العامة، والفلسفة البوذية، والأديان المقارنة. وفي نهاية المطاف، سوف توفر جامعة نالاندا الهندية المناهج الدراسية في العلاقات الدولية، واللغويات، والآداب، إلى جانب علوم المعلومات والتكنولوجيا.
* مشروع إحياء نالاندا:
كان اقتراح إحياء دور الهند كمركز تعليمي قديم، واستعادة جامعة نالاندا الهندية لدورها كجامعة دولية حديثة من المبادرات الآسيوية الكبيرة التي أعلن عنها في عام 2006 بعدما استلهم السيد جورج ياو، وزير خارجية سنغافورة في ذلك الوقت، الفكرة من حديث الرئيس الهندي الراحل عبد الكلام، والذي وافته المنية العام الماضي. ولقد حظيت الفكرة بتأييد كل الحكومات الـ16 التي كانت حاضرة في قمة شرق آسيا في عام 2007، والتي حضرتها كل من الهند، والصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وسنغافورة، وتايلاند، وماليزيا، وفيتنام، ولاوس، وكمبوديا، وأستراليا، ونيوزلندا. والآن، هناك الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والبرتغال، من بين دول أخرى أيدت الفكرة العظيمة باستعادة دور الجامعة الهندية القديمة.
وأيدت الدول المذكورة «رؤية» الجامعة الجديدة التي سوف تكون بمثابة «بوابة مفتوحة لتيارات الفكر المعاصر والممارسات العملية من جميع أنحاء العالم». وتقدر تكاليف المشروع الكبير بنحو 1.5 مليار دولار، وهو التمويل الذي تعمل على توفيره مختلف الدول المعنية باستعادة دور هذه الجامعة العريقة.
* تاريخ نالاندا القديمة:
تقدم العالم تشانغ تانغ بمعلومات كاملة عن الجامعة القديمة. والراهب الصيني الذي درس في تلك الجامعة في القرن السابع الميلادي، خلف وراءه معلومات مذهلة عن الجامعة المزدهرة الثرية، واصفا مكتبتها ذات الطوابق السبعة التي تنافس عنان السماء.
وأشار إلى أن التعليم في جامعة نالاندا لم يكن ممنوحا من خلال «تلقين» المعارف عبر مختلف المحاضرات، ولكن من خلال المناقشات والمناظرات المكثفة - ما بين الطلاب والمدرسين وبين الطلاب وبعضهم بعضا - في كل المناهج والمعارف والعلوم الذي كانت تدرس آنذاك.
واستمرت رحلة الراهب بأكملها نحو 25 عاما. ولقد عاد إلى بلاده وهو يحمل نحو 400 كتاب مترجما عن البوذية. وحين رجوعه إلى الصين عكف على تأليف كتاب «تا - تانغ - سي - يو - كي»، والذي بسط فيه القول عن تجربته المذهلة في جامعة نالاندا. ولقد تمت ترجمة هذا المؤلَف إلى اللغة الإنجليزية على يد صمويل بيل العالم البريطاني الذي شغل ذات مرة منصب سفير المملكة المتحدة إلى بكين، وكان عنوان الترجمة الإنجليزية هو «سجلات تانغ العظيمة حول المناطق الغربية القديمة»، والذي أصبح أحد المصادر الرئيسية لدراسة العصور الوسطى في أواسط آسيا والهند القديمة.
وكتب الراهب تسانغ يقول إنه عندما دخل الجامعة، كانت تضم آنذاك أكثر من 10 آلاف طالب مقيم، و1510 من أعضاء هيئة التدريس، ونحو 1500 موظف. ولقد جاءوا جميعا من مختلف أرجاء الهند والأراضي الأجنبية. وكانت المناصب الاستشارية الهندية محفوظة لأبرز علماء البوذية الهنود في ذلك الوقت، وكان العالم سيلابهادرا ماها ثيرا يشغل ذلك المنصب الرفيع حينما كان الراهب الصيني يدرس في الجامعة. ولقد كان هناك طلاب من بلدان أجنبية تنتمي حاليا لبلاد مثل التبت، والصين، واليابان، وكوريا، وسومطرة، وجاوة، وتركيا، وسريلانكا يدرسون في الجامعة القديمة. وكانت اختبارات القبول في الجامعة كلها شفهية. وكانت تتم بواسطة أحد الأساتذة وتجري في قاعة الاستقبال الكبرى بالجامعة.
وكان إتقان اللغة السنسكريتية من شروط القبول في الجامعة، حيث إنها كانت لغة المحاضرات والدراسة هناك. وكان يتعين على كافة طلاب الدراسات العليا في الجامعة الذهاب أول الأمر إلى جزيرة جاوة لصقل معرفتهم باللغة السنسكريتية كما فعل الراهب الصيني تماما.
ويقول الراهب تسانغ إن 20 في المائة فقط من الطلاب الأجانب هم الذين تمكنوا من اجتياز الاختبارات القبول القاسية. ومن بين الطلاب الهنود كانت نسبة 30 في المائة فقط هم الذين تمكنوا من النجاح في اختبارات القبول؛ ومن ثم تفيد النسب المذكورة أن معايير قبول الطلاب في الجامعة كانت مرتفعة جدا.
وكان تسينغ (675 - 685) راهبا صينيا آخر من الذين سافروا إلى الهند، ودرس في جامعة نالاندا القديمة. ولقد كتب، على غرار الراهب تسانغ، تجربته عن تلك الرحلة. وفي كتاباته كان يصف جامعة نالاندا ومدة دراسته فيها. وكان يمكن للطلاب كذلك دراسة المناهج العلمانية مثل العلوم، والطب، والفلك، والفنون الجميلة، والآداب، وغيرها. وكان مرصد الجامعة يعتلي قمة أحد المباني العالية. وكانت المحاضرات، والمناقشات، والمناظرات جزءا لا يتجزأ من المناهج التعليمية. ويقول الراهب تسينغ إن ما يقرب من 100 محاضرة كانت تدرس هناك كل يوم. وشغلت جامعة نالاندا مساحة تبلغ نحو 30 فدانا. وكانت هناك ثلاث مكتبات كبرى تحمل أسماء: مكتبة راتنا - ساغارا، ومكتبة راتنا - نيدي، ومكتبة راتنا - رانجانا. وتعني لفظة راتنا «الجوهرة» في اللغة الهندية القديمة.
ولقد ساهمت سجلات أسفاره المكتوبة في زيادة المعرفة العالمية بجامعة نالاندا القديمة في الهند. كما كان مسؤولا كذلك عن ترجمة عدد كبير من النصوص والكتب البوذية من اللغة السنسكريتية إلى اللغة الصينية. وتوضح السيرة الذاتية للترجمان تشاك لوتساوا من إقليم التبت كيف تحولت جامعة نالاندا القديمة إلى خراب عند زيارته لها في عام 1235 ميلادية. وتتضمن السيرة الذاتية للرجل سجلات مذهلة، ففي إحدى المناسبات، أجبر الترجمان لوتساوا على حمل معلمه المسن على ظهره حتى يتمكنا من الفرار من الغزاة بعدما تمكن الجميع من الفرار من الدير وقتئذ. كما يصف مؤرخ التبت المعروف باسم لاما تاراناتا جامعة نالاندا في أعماله القديمة. ولقد تعرضت المؤلفات الأصلية للتدمير عندما أضرم الغزاة النار في جامعة نالاندا، عندما كان الرهبان يستعدون لتناول وجبتهم اليومية. ويتجلى هذا الأمر في البقايا الأثرية التي تظهر هجر الرهبان للطعام في عجلة من أمرهم للفرار بحياتهم. كما تخبرنا صوامع الأرز المتفحمة كذلك بالرواية القديمة المؤسفة. ولقد لقي كل المعلمين والرهبان في جامعة نالاندا القديمة مصرعهم كما تم تدمير أكثرية مباني الحرم الجامعي تماما. وتُحفظ أنقاض جامعة نالاندا والحفريات الأثرية ذات الصلة في المتحف تحت رعاية الحكومة الهندية حاليا.
* الجامعة الأولى تاريخيا:
يرجع إلى الهند الفضل في تأسيس أول جامعة في العالم في مدينة تيكسلا الحجرية القديمة (الموجودة في باكستان حاليا) وذلك في عام 700 قبل الميلاد. وكان ذلك المركز التعليمي يبعد مسافة 50 كيلومتر إلى الغرب من مدينة روالبندي الباكستانية الحديثة. وكانت مركزا مهما لدراسات الفيدية والهندوسية والبوذية. وتلقى أكثر من 10 آلاف وخمسمائة طالب علومهم ودروسهم هناك. وضم حرم الجامعة القديمة كل الطلاب القادمين من بلاد بعيدة مثل بابل، واليونان، وشبه الجزيرة العربية، والصين، كما كانت الجامعة توفر أكثر من 60 منهجا دراسيا متنوعا في مختلف المجالات مثل العلوم، والرياضيات، والطب، والسياسة، والحرب، وعلم التنجيم، والفلك، والموسيقى، والأديان، والفلسفة.
وبوجه عام، كان الطالب يلتحق بالجامعة في سن الـ16 عاما. وكان الطلاب يفدون إلى مدينة تيكسلا القديمة ويلتحقون بالجامعة هناك لتلقي العلوم في المناهج الدراسية المفضلة لديهم من خلال التواصل المباشر مع الأساتذة والمعلمين.
ومن بين خريجي جامعة نالاندا القديمة كان عالم اللغة السنسكريتية الشهير (كاوتيليا تشاناكيا)، وكذلك الفيزيائي الهندي القديم والمعروف (تشاراكا)، إلى جانب العالم (تشاندراغوبتا موريا). ومن المرجح أن تلك الجامعة كانت في وقت من الأوقات أقدم المقاعد العلمية المعروفة للتعليم العالي آنذاك. وأجرى عالم الآثار البريطاني السير جون مارشال الحفريات على مدى 20 عاما في مدينة تيكسلا. وفي عام 1980 أعلنت مدينة تيكسلا الحجرية القديمة من بين المواقع الأثرية العالمية لدى منظمة اليونيسكو إلى جانب مواقع أخرى. ولقد خضعت المدينة للاحتلال الفارسي في عام 326 قبل الميلاد ثم خضعت في وقت لاحق لحكم الإسكندر الأكبر المقدوني. ثم دمرت المدينة على أيدي الغزاة من الهون نحو القرن الخامس قبل الميلاد.
وكانت جامعة نالاندا القديمة خلال أوقات مجدها تضاهي معهد الهند للتكنولوجيا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، حيث يأتي إليها الطلاب من مختلف أنحاء العالم للحصول على درجة التخصص في أكثر من 64 منهجا مختلفا من العلوم والفنون والآداب مثل الأديان، والقواعد اللغوية، والفلسفة، والرعاية الصحية، والزراعة، والجراحة، والسياسة، والرماية، والحرب، والتنجيم، والتجارة، وعلوم المستقبل، والموسيقى، والرقص، وخلافه. كما أن هناك دراسات لموضوعات مختلفة مثل فن اكتشاف الكنوز المختفية، وفك تشفير الرسائل القديمة، وغير ذلك الكثير. وبشكل عام، يستغرق التخصص في علم من العلوم نحو 8 سنوات، على الرغم من أن تلك الفترة قد تطول أو تقصر، وفقًا للقدرات الفكرية والتفاني في الدراسة والتحصيل من جانب الطلاب.
* الجامعات الكبرى القديمة الأخرى:
- جامعة فيكراماشيلا التي تأسست خلال أواخر القرن الثامن الميلادي في ولاية بيهار والتي ازدهرت قبل 400 عام وحتى القرن الـ12 الميلادي. وكانت تلك الجامعة منافسًا قويًا لجامعة نالاندا مع أكثر من مائة مدرس وأكثر من ألف طالب مدرجين على قوائم القبول في الجامعة.
- جامعة فالابهي التي تأسست فيما يعرف بولاية جوغارات الهندية الحديثة خلال القرن السادس الميلادي واستمرت في الازدهار كمؤسسة تعليمية لمدة 600 عاما حتى القرن الـ12 الميلادي.
- جامعة بوشباغيري التي تأسست فيما يعرف بولاية أوديشا الهندية الحديثة خلال القرن الثالث الميلادي واستمرت في العمل لمدة 800 عام حتى القرن الـ11 الميلادي. ولقد زار الرحالة الصيني تسانغ هذه الجامعة في عام 639 ميلادية.
- جامعة أودانتابوري التي تأسست خلال القرن الثامن الميلادي فيما يعرف بولاية بيهار الهندية وازدهرت لمدة 400 عام حتى القرن الـ12 الميلادي. ووفقا للنصوص التبتية القديمة كانت تلك الجامعة تضم نحو 12 ألف طالب. وذكرت نفس النصوص أن تلك الجامعة كانت من بين أكبر خمس جامعات في وقتها.
- جامعة سومابورا التي تأسست في أواخر القرن الثامن الميلادي فيما يعرف بدولة بنغلاديش الحديثة وازدهرت لمدة 400 عام حتى القرن الـ12 الميلادي. وحتى يومنا هذا يمكن للباحثين العثور على الزخارف الجدارية الخارجية التي تصور تأثير هذه الجامعات على حياة الناس آنذاك.
واندثرت أكثر هذه الجامعات بحلول القرن الـ12 الميلادي بسبب هجمات الغزاة المتكررة على الهند. ووفقا للمؤرخ الهندي دي سي أهير، كان دمار هذه المراكز التعليمية المرموقة وعلى رأسها جامعة نالاندا القديمة سببا رئيسيا في زوال الفكر الهندي العلمي القديم في مجالات الرياضيات والفلك والكيمياء والتشريح.



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).