«معرض دبي للصورة».. تاريخ مختصر للتصوير في العالم عبر 700 عمل

أمثلة من كل بلد تمثل بدايات الفن في القرن العشرين وتطوره.. ومجموعة مدهشة من الصور التاريخية للحياة في الإمارات

جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة
جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة
TT

«معرض دبي للصورة».. تاريخ مختصر للتصوير في العالم عبر 700 عمل

جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة
جانب من الحضور في جناح البرازيل في اول أيام معرض دبي للصورة

معرض دبي للصورة الذي أطلق فعالياته يوم الأربعاء الماضي يعد أحدث إضافة للمشهدين الفني والثقافة في المدينة الضاجة بالحركة والنشاط. ولعل تلك الإضافة استجابة للاهتمام المتزايد في المنطقة والعالم بالصور الفوتوغرافية، واتساع نطاق المهتمين بالتصوير سواء كانوا من المتخصصين أو من يتمتع بتسجيل لحظاته عبر الكاميرا الملحقة بالهاتف وغيرها من الأدوات الذكية.
وفي الدورة الأولى لمعرض الصورة في دبي، جمع عدد ضخم من المصورين والصور التاريخية بحيث يصبح المعرض بمثابة تاريخ مختصر للتصوير الفوتوغرافي في مختلف دول العالم وعبر عدسات كبار المصورين عبر الأجيال. ولا عجب أن تستضيف دبي مجموعة من المصورين الشهيرين لحضور فعاليات المعرض وقبله جوائز «هيبا» (جائزة حمدان بن محمد بن راشد للتصوير الضوئي)، فسنح للحضور رؤية والتفاعل مع مصورين عمالقة ذوي تاريخ ضخم أمثال أوسكار ميتري والمصور الأميركي المخضرم دون ماكليلين.
علي خليفة بن ثالث، أمين عام «جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي» أعرب في كلمة عن سعادته بإطلاق الدورة الأولى للمعرض، وقال إنه يشكل خطوة نحو تدشين موسم للصورة، وأضاف: «نسعى لترسيخ مكانة دبي على مسرح التصوير الضوئي، وأن تتحول الإمارة إلى مركز رائد في هذا المجال»، وأضاف: «أشعر بحماس حيال القيمة التي يقدمها المعرض لدبي وللمنطقة».
وقال تعليقًا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول السبب في اقتصار مدة المعرض على أربعة أيام فقط، إن لجنة التنظيم ملتزمة باتفاقات دولية حيث تمت استعارة معظم الأعمال المعروضة من متاحف ومجموعات خاصة عالمية وحددت فترة الإعارة بأربعة أيام فقط، ولكنه وعد بأن تتلافى الدورة التالية (التي لم يحدد لها موعدًا بعد)، ذلك. يشير إلى أن نتائج وتفاعل الجمهور مع معرض دبي للصورة سيكون هو العامل الأساسي في تحديد إقامة دورة ثانية.
أسأله عن سر الشغف الذي ينمو كل دقيقة بالتقاط الصور خاصة في منطقة الخليج، ويجيب: «ببساطة، السر يكمن في أن الصورة الجميلة تجذب أي أحد سواء من المختصين أو من غيرهم. الصور لها أبعاد كثيرة على النفس البشرية».
وأشار بن ثالث إلى أن جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي طالما سعت لتعزيز مكانة دبي كمركز عالمي رائد في فن التصوير، وأن ذلك يتماشي مع خطة الدولة لعام 2020، وأضاف: «من أهدافنا الاهتمام بالمصور العربي والخليجي عن طريق الدورات والبرامج التي نقدمها، وأن نسهم في تطوير مستوى الفن العربي والخليجي بشكل خاص، وأن يماشي المعايير العالمية».
زيلدا شيتل رئيس المقيّمين الفنيين: «يجمع (معرض دبي للصورة) عددًا من أبرز المقيّمين الفنيين وأكثرهم خبرة في مجال التصوير الضوئي على مستوى العالم. وقد حرص المقيّمون الفنيون في اختيارهم للأعمال الفنية الفوتوغرافية المشاركة على تقديم عناصر تميز الهوية الفنية وتاريخ التصوير الضوئي لكل بلد، وبذلك تلتقي هذه الأعمال الفنية الفوتوغرافية جميعها ضمن معرض واحد يحتفي بوجهات النظر العالمية المتنوعة حول فن التصوير الضوئي».
تتحدث زيلدا بحماس حول المعرض وأهميته، قالت إنها سعدت بفرصة الإشراف على المعرض: «من يستطيع أن يرفض الفرصة للحديث مع كل هؤلاء القيمين الشهيرين للإعداد للمعرض؟ يا لها من فرصة فريدة». أسألها عن رؤيتها الخاصة، وما طلبت من كل هؤلاء المنسقين، تقول: «هذا هو الجميل في الأمر. لم يكن هناك أي معايير أو مواضيع محددة، أردت أن يختلف القيمون عن بعضهم. وأردنا تقديم تصور لبدايات التصوير في تلك البلدان مع التركيز على ما يحدث الآن في عالم التصوير».
اعتمدت فكرة المعرض الرئيسية على تقديم أمثلة من التصوير الفوتوغرافي في كل بلد تمثل بدايات الفن في القرن العشرين، ثم تطوره بعد ذلك ليصل للوقت الحالي. تقول: «حاولنا المساواة بين عدد المشاركين من القرنين العشرين والحادي والعشرين، لكن على سبيل المثال وجدنا أن كوريا لا يوجد لديها تاريخ للتصوير الضوئي فاكتفينا بنماذج حديثة»، تشير إلى أن المعرض قسم الدول المشاركة إلى مجموعات: «وضعنا بعض المناطق معًا، مثل أميركا وكندا، والمجر والتشيك وغيرها. تغلبنا على العقبات وصنعنا شيئًا مختلفًا».
حماس زيلدا يتسرب لمن حولها، وفي حديثها حول الأعمال المعروضة تقول إن الكلام لن يوفي بحقها: «يجب أن تروا الأعمال بأنفسكم لتعرفوا أهميتها وتصبحوا جزءًا منها. فعلى سبيل المثال سترون في الجانب الياباني صورًا معاصرة التقطتها مصورة شابة لملابس بعض ضحايا والناجين من القنبلة النووية على هيروشيما، وستثير تلك اللقطات أحاسيسكم وستحملون كل تلك المشاعر معكم من هذا العرض لغيره مثل معرض الفنان الصيني الذي دون تاريخ كل يوم في حياة والده على خلفية صور شخصيه له».
خلال حديثها، تشير إلى تفوق عدد المصورات على المصورين: «هناك الكثير من المصورات اللواتي وجدن هويتهن عبر التصوير، بعضهن صغيرات جدًا».
تعود في حديثها للتأكيد على أن المعرض يعد قيمة كبيرة وخطوة رائدة تخطوها إمارة دبي.. «ما أتمناه هو أن يوجد متحف دائم للفوتوغرافيا هنا في دبي، فالكثيرون يزورون الإمارة وأتمنى أن يأتي زوار (آرت دبي) المنعقد هنا لرؤية معرضنا هذا فهو شكل من الفن المعاصر».
سبق معرض دبي للصورة توزيع جائزة حمدان بن محمد بن راشد للتصوير الضوئي (هيبا)، وترى زيلدا أن الجائزة لا تتعارض مع إقامة متحف أو معرض الصور «هما يستفيدان من بعضهما، فمن ناحيتها تلقت لجنة تحكيم الجائزة الآلاف من الصور للمشاركة، وهذا هو المهم في الأمر: إحضار أفضل الموجود عالميًا، وهو ما سيعود بنفع عظيم على المدينة. ما أعرفه أن الناس بعد زيارتهم للمعرض ورؤية الصور سيتطلعون لرؤية المزيد. أذكر في عام 1989 عندما قررت الأكاديمية الملكية في لندن استضافة أول معرض مخصص للتصوير خصص لعرض تاريخ 100 عام من فن التصوير، تدفق الجمهور لمشاهدته لدرجة أن صف الراغبين في الدخول للمعرض امتد لمسافة طويلة على طوال الشارع (البيكاديلي)».
المعرض قدم أعمالاً فنية لـ129 مصورًا من 23 بلدًا، وقد اختارها 18 مقيّمًا فنيًا شهيرًا، تقول ردا على تساؤل حول المناقشات التي تبادلتها معهم: «في البداية كان علي أن أؤكد لهم أن المعرض سيكون على مستوى قوي من الحرفية وأن أقنعهم بجديته، لم يكن يمر يوم دون أن أتحدث مع المشاركين والمنسقين منذ أغسطس (آب) الماضي».
* جولة في أجنحة الدول
التجول في المعرض يغني البصر والعقل أيضًا، ولكن مشاهدة 700 صورة خلال ساعات قليلة لا بد وأن يصيب العقل بالتخمة، ومن هنا تأتي نصيحة شيتل التي تنصح كل من يشاهد العرض بالتوقف والتقاط الأنفاس ثم العودة مرة أخرى لمتابعة الجولة.
في أقسام المعرض تبرز بعض الصور أكثر من غيرها وتختلف طريقة التنظيم، وإن كانت جميع الأقسام متفقة في عرض زمني يعرض البدايات ثم الأعمال الحديثة فإن هناك الكثير من المساحة للقيم لعرض فكرته.
ويقدم المعرض مجموعة مدهشة من الصور التاريخية للحياة في الإمارات تضم صورة لفصل دراسي ينتظم في الصحراء وصور لفعاليات تراثية وهي من المجموعة الشخصية للشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم.
في جناح أستراليا لجأ القيم الاسدير فوستر إلى تقسيم الجناح لأربعة أقسام ويشرح: «أردت أن أشرح طبيعة أستراليا، فهي مختلفة بسبب مساحة الأرض الشاسعة ومع ذلك تزيد نسبة العيش في المدن عن الريف. أردت أن أقدم أستراليا كمكان مختلف، وذلك عن طريق الأفكار، وأن أضع مفارقات، وأن أقدم لمحات حول فكرة أستراليا عن نفسها أو كيف يرى المصورون أستراليا، وأيضًا أعرض الاختلافات في أسلوب التصوير واللغة خلال تلك الفترة».
بعض الصور تبدو محاولة لتقليد اللوحات الأوروبية مثل لوحة «زواج آرنولفيني» للفنان فان دايك، غير أن الصورة التي تأخذ من اللوحة كل مكوناتها (الزوج والزوجة والمرآة) تبتعد عن الجو التاريخي تمامًا. يقول تعليقًا على ذلك: «يلجأ المصور لوضع جوازات السفر في أحد الأركان، اسم اللوحة (زواج المصلحة) والشخصان في الصورة تزوجا ليحصلا على الجنسية الأوروبية وهكذا نرى أمامنا قصة من الواقع مقدمة في شكل مستوحى من الرسومات واللوحات القديمة. وهي مختلفة عن صورة أخرى صورت في السويد في قلعة شهيرة. المصورة استخدمت طبقات كثيرة لبناء الصورة، وقامت بتصميم الملابس والشعر، وبالنظر للصورة نرى أنها تريد أن تذكرنا بالتاريخ من وجهة نظر معاصرة مستخدمة الكومبيوتر».
في جناح المغرب غلب موضوع التحرش على معظم الصور؛ التحرش بالفتيات، صور لفتيات يتعرضن لنظرات متطاولة وبدايات للتحرش. وفي صور أخرى نرى فتيات يمتطين أحصنة ويشاركن في فعاليات تراثية شهيرة «فانتازيا». المنسق هشام خالدي يشير إلى أن الفعاليات تكاد تقتصر على الرجال والصورة عن الفرقة النسائية الوحيدة التي تشارك فيها. مجموعة من الصور على الجانب الآخر من القسم المغربي نرى من خلالها أشخاصًا يقفون للصلاة، الملاحظ في كل الصور هو خصوصية كل لحظة، هناك صورة لامرأة ورجل يصليان يفصل بينهما جدار «المرأة تقف أمام الرجل» ويبدو وكأن كل منهما يقف في حدود عالمه الخاص بعيدًا عن الآخر. صورة أخرى لشخص يصلي على الشاطئ وقد رسم سجادة الصلاة على الرمال وكأنما يختار المساحة الخاصة به، وحدد عالمه الذي يدخل فيه بمفرده. والسلسلة اسمها «في الداخل» وهي عن المساحة التي يخلقها الناس لعالمهم الخاص.
الفنان أيمن لطفي من مصر يقف في الجناح المصري يشير إلى وجود مجموعة من الصور تعود للقرن العشرين منها صور للمصور محمد الغزولي تابع فيها لمحات من حياة العائلة المالكة في مصر، إلى جانب صورة الملك فاروق والملكة ناريمان مع أطفالهما نجد صورًا لرمسيس مرزوق والمصور فاروق إبراهيم.
يقول لطفي: «من الصعب أن أعبر في جناح واحد عن مصر، لهذا قررت اختيار صور من القرن العشرين لمصر أيام الملك فاروق، صورة للحياة في ذلك الوقت، وصور من قرى مصر، وجه من كل قرية يعكس الحياة الشعبية، ثم صور بعدسات مصوري الجيل الجديد تعكس التقنيات التصويرية الحديثة. صور من 2016 و1922 نحس فيها فرق التكنيك في الزمن وفي الموضوع والفكر والسياسة».
يقول إن «صور المصور محمد الغزولي مثلت اكتشافًا مهمًا بالنسبة له».. عنده مجموعة نادرة جدا لمصر، وللملك وزوجته ومربية، هناك صورة قديمة لفيضان النيل.
من الأجنحة التي مثلت جانبًا إنسانيًا قويًا كان جناح اليابان، حيث توجد صور مقربة لقطع ملابس بعضها متسخ أو مهترئ. نعرف من القيمة ماريكو تاكيوشي أن الصور تدور حول هيروشيما وأثر القنبلة الذرية. تشير إلى أن الطرح هنا يبتعد عن مأساوية اللحظة أو عن التغطية المعتادة للحدث، «الشعب الياباني أصبح ينفر من تلك النمطية. ولكن المصورة هنا قدمت شيئًا مختلفًا فقد قامت بتصوير ملابس ضحايا هيروشيما وهي المرة الأولى التي يسمح فيها المتحف لأحد بتصوير تلك المتعلقات». لكن المصورة أرادت أن تقول من خلال الصور أن هناك جانبًا آخر للمأساة، أرادت تكوين صور مستقلة ومختلفة. فمثلا هناك صورة لحقيبة من القماش عليها كتابات تشرحها بقولها: «هنا نرى اسم الطفلة واسم مدرستها واسم والدها، ما تريد الصور أن تقوله هنا هو أن الطفلة كانت محاطة بالحب والاهتمام».
«معرض دبي للصورة» ضم أكثر من 700 صورة فوتوغرافية عالية القيمة تم عرضها ضمن «متحف مؤقت» تم إنشاؤه خصيصًا لهذا الغرض في حي دبي للتصميم (d3) وأقيم المعرض تحت رعاية الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، ونظمته جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، بدعم من «منظمة التصوير العالمية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».