طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (7 من 7): صراع أجهزة المخابرات ينهك ليبيا.. ويحول طرابلس إلى مدينة للرعب

ميليشيات تأثرت بها.. وبعضها يتفاخر بامتلاك منظومة «للتجسس والتصفية»

عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
TT

طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (7 من 7): صراع أجهزة المخابرات ينهك ليبيا.. ويحول طرابلس إلى مدينة للرعب

عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)

سعر الوحدة الواحدة من منظومة تقنية لـ«المراقبة والتجسس»، يختلف حسب الإمكانات والجودة ونوع المورِّد الذي يجنح عادة لاستغلال الظروف الأمنية السيئة في العاصمة الليبية. استيراد «منظومة» متوسطة الإمكانيات لأمير من أمراء الحرب، وتركيبها في مزرعته أو بيته أو مكتبه، تبدأ كلفتها من 100 ألف دولار فما فوق. وتلقى أجهزة متابعة المكالمات الهاتفية والتنصت على الخصوم والأصدقاء، وتحديد المواقع والتحركات، رواجا وهوسا بين الكثير من قادة الميليشيات والتنظيمات المتطرفة.
يقول مصدر أمني غربي يعمل في طرابلس، إن 20 قياديا في العاصمة تأكد حصولهم على منظومات تجسس متقدمة سهلها لهم سماسرة على علاقة بأجهزة مخابرات دولية، خلال الشهور الثلاثة الماضية، تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.. «آخر وحدة من هذا النوع، اشتراها قيادي كبير في المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) بلغت قيمتها 500 ألف دولار، وجرى تركيبها في مسقط رأسه في بلدة زوَّارة، وذلك بعد يومين اثنين من القصف الأميركي على بلدة صبراتة المجاورة، والذي وقع يوم 19 الشهر الماضي».
يأتي هذا وسط صراع لأجهزة مخابرات دولية على الأراضي الليبية ما أدى إلى إنهاك هذا البلد وتحويل طرابلس إلى مدينة للرعب. وتشير تحقيقات يقوم بها مسؤولون ليبيون إلى أن الصراع المخابراتي للميليشيات تغذيه أجهزة مخابرات مختلفة «تتصارع فوق رؤوس الشعب الليبي».
تعرَّف قادة للمقاتلين على منظومات التجسس في أيام الحرب التي دعمها حلف الناتو ضد معمر القذافي. وتطورت خبرة بعضهم بهذا الشأن مع دخول أجهزة استخبارات عربية وأجنبية للعمل مع أمراء الميليشيات انطلاقا من هذا البلد.
اليوم تجد نوعا من التفاخر لدى زعماء الحرب الأهلية، غير المنضبطين، بامتلاك منظومات لـ«التجسس» وأن لديهم علاقة بالدولة الفلانية والجهاز المخابراتي الفلاني. تسبب الولع بالتنصت على الخصوم وبعض الأصدقاء، في اكتشاف خيانات وتلاعب وأوامر بالتصفية الجسدية، مثلما حدث داخل تنظيم «جند الحق» الموالي لـ«داعش» في منطقة الحرشة في غرب طرابلس، وكما وقع من خلافات بشأن رغبة تنظيم «جماعة المرابطين» في إدخال 2500 عنصر إلى داخل العاصمة، قبل أسبوعين.
كشفت عمليات التجسس بين قادة في طرابلس أيضا، عن وجود تعاون خفي بين زملاء لهم، مع ميليشيا تطلق على نفسها «سُبل السلام»، وتنشط في نطاق مدينة الكفرة في تهريب الأسلحة والمهاجرين من السودان. بعد ذلك سقط عشرات القتلى. وفي مناطق أخرى أدى التنصت لاكتشاف عملاء مزدوجين جرت تصفية بعضهم وما زال البعض الآخر مطاردا.
منذ عام 2011 ساعدت عدة دول في حلف الناتو مجموعات المتمردين المسلحين على نظام القذافي، وكان من بين هذه المساعدات أجهزة تحديد إحداثيات المواقع الخاصة بقوات النظام السابق، ثم تطورت إلى أجهزة لمراقبة هواتف القادة العسكريين في الجيش الليبي في ذلك الوقت بسبب طول مدة الحرب التي استمرت ثمانية أشهر.
ضابط أميركي متقاعد يعمل في ضاحية جنزور بطرابلس وعلى صلة بشركة «ستراتفور» الاستخباراتية الخاصة، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «معظم الأجهزة ذات الطابع المخابراتي التي قدمتها دول غربية لزعماء الحرب ضد القذافي اختفت.. أكثر الأجهزة المتقدمة كانت في بلدة سرت، وهي الآن إما لدى قادة في ميليشيات طرابلس، أو لدى تنظيم داعش الذي سيطر على سرت وينشط في مدن أخرى».
لا تقتصر قدرة أجهزة المراقبة التي كانت في سرت، واختفت، على تتبع الهواتف الجوالة التابعة لشركات ليبية، مثل ليبيانا والمدار، ولكنها مزودة بإمكانية رصد هواتف مستهدفة وتابعة لشركات اتصالات في دول أخرى.. «بمجرد تلقي الرقم المعني لاتصال من أحد الأطراف، تخرج إشارة من الجهاز، ويبدأ في التسجيل وتحديد موقعي الطرفين».
ويشير المصدر الأميركي نفسه إلى وجود وحدات أخرى للمراقبة والتجسس كانت تابعة للأجهزة الأمنية في عهد القذافي، واستولى عليها أمراء الحرب أيضا، لكنها تعد بدائية وتعتمد على التسجيل على أشرطة ممغنطة، ومع ذلك ما زالت تعمل حتى الآن في بعض مكاتب جهاز المخابرات الذي يديره تحالف للميليشيات في طرابلس. بينما الأجهزة الحديثة تختلف وذات سعة تخزين كبيرة.
منذ أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وصلت فرق أمنية غربية لاستكشاف الأوضاع في ليبيا، بالتزامن مع قلق دولي من تنامي الجماعات المتطرفة في هذا البلد الغني بالنفط والغاز. ومن بين المعدات التي جلبتها معها في صناديق خشبية كبيرة، أجهزة تنصت ومراقبة، إضافة إلى أجهزة للكشف عن الغازات السامة. تستعين الفرق الأمنية الأجنبية بمساعدين محليين للحراسة والمشاركة في العمل التقني.
«أي فرق أجنبية تعمل على الأرض لا بد أن تتعاون مع القوى الموجودة. هذا حدث في العراق من قبل، ويحدث في ليبيا الآن». هكذا يقول لـ«الشرق الأوسط» المحلل الأميركي من أصل مصري، شريف الحلوة، المعني بالتطورات في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها ليبيا والعراق وسوريا، مشيرا إلى أن «الشركات الأمنية لا تعمل إلا بتنسيق كامل وشامل مع جميع الأطراف الليبية.. الغرض تجميع أكبر قدر من المعلومات والسيطرة على الموقف وتوجيهه لصالح السياسة الأميركية أو الأوروبية أو الغربية بشكل عام، وكذلك لصالح سياسة حلف الناتو في المنطقة».
بعض شركات الأمن التي جاءت من وراء البحار وحطت على شواطئ طرابلس، تبدو، مما يظهر من تحركاتها، أنها معنية أساسا بترتيب الأوضاع لتمكين حكومة فايز السراج، للعمل انطلاقا من العاصمة.. تقوم بتعلية أسوار لقرى سياحية خالية من الزبائن، تقع على البحر، ونصب أبراج المراقبة حول هذه المقار، أي أنه اتجاه لتأسيس منطقة خضراء للسراج بالتعاون مع بعض الميليشيات.. «أعتقد أن الأمر يشبه ما حدث في الماضي في العراق».
ويضيف الحلوة قائلا إن شركات الأمن الغربية، خاصة الأميركية «لديها صلاحيات وإمكانات تشبه ما تتمتع به وزارة الدفاع، بما فيها الحصول على معلومات من الأقمار الاصطناعية والقيام بعمليات استخباراتية.. يتعاملون يدا بيد مع المخابرات المركزية الأميركية والأمن الوطني الأميركي».
الزخم الاستخباراتي في طرابلس ليس غربيا فقط، ولكن جرى رصد نشاط لمخابرات من بلدان مختلفة، كما يقول مصدر من شركة «ستراتفور»، مشيرا إلى أن وجود الفرق الغربية لا يقتصر على العاصمة، ولكنه يمتد إلى شرق البلاد «لتقديم استشارات للجيش». معلوم أن هذه الشركة متخصصة في عمليات الاستخبارات الجيوسياسية، كما أنها توفر للأفراد والمنظمات في جميع أنحاء العالم، تحليلات استراتيجية وتنبؤات بالمستقبل.
ويعتقد هذا المصدر أن الفرق الأمنية التي حطت في طرابلس لديها إمكانات أكبر من تلك الموجودة في الشرق.. «تتعامل أيضا مع أقمار اصطناعية للحصول على صور حية للتحركات على الأرض، ناهيك عن تتبع مكالمات هاتفية وأماكن وجود زعماء المتطرفين في العاصمة وما حولها».
يوم 21 الشهر الماضي، وفي خضم المخاوف من تنامي تنظيم داعش، على حساب قوى الميليشيات التقليدية، وبينما المجاميع المسلحة تتجسس بعضها على بعض، جرى الكشف في لقاء بين اثنين من القيادات الإخوانية (أحدهما نائب في البرلمان وهو من مصراتة، والثاني عقيد في رئاسة الأركان من طرابلس)، عن قيام مهندسين عسكريين من دولة إسلامية تقع في البحر المتوسط، بتركيب منظومة تجسس كاملة لصالح تنظيم داعش، وجرى وضع هذه المنظومة وتجهيزها للعمل فيما يعرف باسم «ديوان المحكمة الشرعية» في معقل التنظيم الدموي في قلب مدينة سرت.
مقر التجسس الداعشي الجديد في هذه المدينة الساحلية الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا، مربوط بسفينة تقف في وسط البحر مقابل خليج سرت، كما اتضح أن هناك زوارق تتنقل، بين حين وآخر، وهي تحمل مهندسين وتقنيين، بين السفينة والديوان الداعشي المشار إليه.
ولدى «داعش» محطات مراقبة في العاصمة منها في مقر زعيم التنظيم في عين زارة، وفي دار الحسبة في منطقة القربولي، وفي معسكر يقع قرب مطار معيتيقة. يعمل على هذه الأجهزة تقنيون دواعش من جنسيات مختلفة أغلبهم تونسيون.
أما عن تفاصيل صفقة شراء المنظومة لقيادي في البرلمان السابق، والتي بلغت قيمتها نصف مليون دولار، وأشرف على الصفقة مهندس متخصص في الاتصالات ومسؤول في شركة هواتف جوالة. ويقول مصدر في الشركة إن المسؤول المشار إليه جرى استدعاؤه من جانب القيادي البرلماني، وسأله عن موضوع انتشار أجهزة التجسس بين زعماء الميليشيات، ومن أين تأتي وما هي أسعارها، فأخبره أنه يتم استيرادها عن طريق سماسرة في أوروبا، وأن الأسعار تبدأ من 100 ألف دولار فما فوق.
يبدو أن البضاعة كانت حاضرة في العاصمة، حيث إنه جرى الاتفاق بين الرجلين على إتمام الصفقة، داخل مركب كانت راسية على الشاطئ اسمها «زرقاء اليمامة». وطلب القيادي البرلماني السابق أن تكون المنظومة من النوع المتقدم إلى حد معقول، ولهذا كان السعر نصف مليون دولار، وطلب أيضا أن يتفرغ مسؤول الاتصالات نفسه، من العمل، لعدة أيام، ويتوجه بمنظومة المراقبة إلى الاستراحة الخاصة بالقيادي المذكور والموجودة في بلدة زوارة، وأن يشرف على تركيبها هناك، وأن يدرب فريقا من أنصاره على إدارتها.
ساعدت أجهزة المراقبة على تنفيذ عمليات تصفية جسدية بشعة من جانب دواعش وميليشيات، وقطاع طرق ولصوص ومهربين، في مناطق مختلفة من البلاد. من بين عشرات الضحايا، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، رجل يدعى «خُمُر» يبدو أنه كان مطلوبا من جانب جماعة متشددة تنشط فيما يعرف بـ«إمارة الخُمس». تولى عملية الرصد عبر تقنية متقدمة قيادي في الجماعة يدعى «السالمي». وبدأ في تتبع تحركات الهدف.
واطلعت «الشرق الأوسط» على محاضر تحقيقات بشأن هذه العملية من مصادر أمنية غربية في طرابلس. تقول أوراق التحقيقات إن الأوامر صدرت من الجماعة بقتل «خُمُر» إذا تعذر القبض عليه، وأن السالمي، وهو يتابع تحركاته عبر أجهزة التجسس، أخذ يعطي التعليمات لعناصر مسلحة تابعة لجماعته.. «خُمُر وصل الآن إلى منطقة غنيمة.. خُمُر توجه إلى تاجوراء من الطريق الساحلي.. رأيتم سيارته.. اعترضوها الآن».
وفي يوم آخر، وبناء على أجهزة التجسس التي يملكها، اكتشف قيادي لتنظيم صغير يعمل في غرب طرابلس، ويتعاون مع «داعش»، ويدعى «رشيد»، خيانة من تجار أسلحة في منطقة اسمها «بو شيبة»، وأصدر أوامر لأحد أتباعه المقيمين في مدينة غريان، ويدعى «برشوش»، وفقا للمصادر الغربية نفسها، بأن يتوجه مع فرقة تابعة للجماعة ويدمر الموقع بمن فيه من تجار وما فيه من أسلحة.
ورصدت فرقة أمنية غربية متخصصة في رصد مواقع التجسس والتنصت، وجود ما لا يقل عن خمسين محطة في طرابلس وحدها، من ماركات وتقنيات مختلفة، بعضها يفوق في قدراته المحطات الموجودة لدى جهاز مخابرات العاصمة. كما اكتشفت الفرقة نفسها أن ملكيتها تعود لعشرين قياديا بينهم مسؤولون في المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، والبعض الآخر من ميليشيات تابعة للجماعة الليبية المقاتلة، والإخوان، و«داعش».
أحيانا تكون هناك بعض المؤشرات الإيجابية من وراء المراقبة بغض النظر عمن يقوم بها، فتنظيم مثل «سبل السلام» الذي يعمل في أقصى الجنوب الشرقي من البلاد، لا توجد عنه معلومات كثيرة بعد، حتى في أوساط المحققين الغربيين الذين يعملون في العاصمة. من خلال تتبع تحركات المتطرفين في طرابلس، ومن خلال نشاط أجهزة الاستخبارات، جرى اكتشاف وجود التنظيم بقيادة رجل يدعى «هاشم» وأن له اتصالات مع قادة في العاصمة، ويتعاون معهم في تجارة السلاح وفي جلب المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود.
ومن الجنوب يقول الناشط والإعلامي الليبي، يوسف غالي، لـ«الشرق الأوسط» عن هذا التنظيم إنه موجود بالفعل. ويتنافس «هاشم» مع زعماء ميليشيات في المنطقة على التهريب، وهو من المعادين للجيش الوطني. يبدو أن معلومات وصلت بالخطأ من طرابلس لهذه الميليشيا عن دخول مدد للفريق أول خليفة حفتر من حركة العدل والمساواة السودانية، أدت لهجومه على مجموعة مهاجرين غير شرعيين أثناء توقفهم للاستراحة في منطقة بوزريق، ما أدى لمقتل أكثر من ثلاثين، و«جرى التنكيل بباقي المهاجرين وتصويرهم على أنهم من الحركة السودانية المشار إليها».
ومن العمليات التي جرى تنفيذها بعيدا عن أعين العالم، في أقصى الجنوب، قيام تنظيم «سبل السلام» أيضا بحرق واحة بزيمة، في عملية انتقامية للأسباب نفسها. أما بالقرب من طرابلس، وبحسب مصدر أمني غربي، فقد رصدت اثنتان من منظومات التجسس المحلية نشاطا لنجل القذافي، سيف الإسلام، رغم أنه محبوس في سجن في منطقة الزنتان، بعد الحكم عليه بالإعدام من محكمة تخضع لهيمنة الميليشيات في العاصمة العام الماضي.
ويشير المصدر إلى أن منظومة مراقبة على علاقة بمكتب اللجنة الأمنية «أبو سليم»، وأخرى تابعة لمكتب استخبارات «جماعة الإخوان» في طرابلس، رصدت «تحالفا بين قادة في منطقة الزنتان وقوة من قبائل موالية لنظام القذافي، وأن سيف يخطط مع هذا التحالف لإحداث انتفاضة في العاصمة».
الولايات المتحدة يبدو أنها تشترط منح البرلمان الحالي الثقة للحكومة التي اقترحتها الأمم المتحدة، برئاسة السراج، أواخر العام الماضي، قبل شن حرب حقيقية من جانبها، على «داعش» في ليبيا. يقول أحد ضباط الفرق الأمنية الغربية المقيمة في منطقة «سيدي عبد الجليل» على كورنيش طرابلس: «الحقيقة.. (داعش) اليوم أكثر قوة، الكل يعرف هذا عن ليبيا».
ويضيف أنه يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لديها معلومات دقيقة عن مواقع التنظيم في البلاد، لكن مسألة التخلص منه عسكريا، أمر يتطلب تحالفا مع أوروبا ودول أخرى. كما أن واشنطن لن تنفذ أي عمليات كبرى في ليبيا إلا بعد وجود حكومة توافق وطني.
لكن مستشار رئيس البرلمان، عبد المجيد، أبلغ «الشرق الأوسط» بأن هذا الأمر ما زال بعيد المنال، لأن الحكومة المقترحة بهذه الحالة «مجرد حكومة وصاية مفروضة من الخارج»، و«لا تحظى بقبول غالبية أعضاء البرلمان ولا الشعب». وأضاف: «بشكل عام التحديات صعبة وليبيا في مفترق طرق».



كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
TT

كيف أرضى السوريون ذائقة المصريين... وأثاروا قلقهم

عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)
عدد كبير من المصريين يفضل المأكولات السورية (الشرق الأوسط)

فيما كانت الستينية كاميليا محمود تعبر بسيارتها أحد شوارع مدينة نصر بالقاهرة، لفتتها مطاعم كثيرة تزدحم واجهاتها بمواطنين اصطفوا لشراء «ساندويتش شاورما»، ما أثار لديها تساؤلات حول انتشار المطاعم السورية «بهذا الشكل المبالغ فيه»، على حساب نظيراتها المصرية، مبدية مخاوفها من «هيمنة اقتصادية سورية قد يكون لها تبعات أكبر في المستقبل».

كاميليا، التي كانت تعمل موظفة بإحدى شركات القطاع الخاص قبل بلوغها سن التقاعد، رصدت خلال السنوات العشر الأخيرة انتشاراً كبيراً للمطاعم السورية في مختلف الأحياء والمدن المصرية لا سيما مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) حيث تقطن. لم تستغرب الأمر في البداية، بل على العكس كان حدثاً جاذباً، ولو بدافع استكشاف ما تقدمه تلك المطاعم من نكهات جديدة وغير معتادة في المطبخ المصري، من الشاورما إلى الدجاج المسحب والكبة وغيرها.

صبغة شامية

خلال أكثر من عقد من الزمان، منذ تكثف التوافد السوري على مصر، زاد عدد المطاعم التي تقدم مأكولات سورية، لدرجة صبغت أحياءً بكاملها بملامح شامية، لا تُخطئها العين، ليس فقط بسبب أسياخ الشاورما المعلقة على واجهاتها، ولا الطربوش أو الصدرية المزركشة التي تميز ملابس بعض العاملين فيها، بل بلافتات تكرس هوية أصحابها وتؤكد ارتباطهم بوطنهم الأم، فعادة ما تنتهي أسماء المطاعم بكلمات من قبيل «السوري»، «الشام»، «الدمشقي»، «الحلبي».

طوابير أمام أحد المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

محاولات تكريس الهوية تلك «أقلقت» كاميليا وغيرها من المصريين ممن باتوا يشعرون بـ«الغربة» في أحياء مثل «6 أكتوبر»، أو «الرحاب (شرق القاهرة)» التي باتت وكأنها «أحياء سورية وسط القاهرة». وتتساءل كاميليا في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «ألا يقتطع وجود السوريين من حصة المصريين في سوق العمل؟ ألا يشكل وجودهم خطراً سياسياً لا سيما مع هيمنة اقتصادية في قطاعات عدة؟».

بين «العشق» و«القلق»

رغم مشاعر القلق والغربة، فإن السيدة لا تخفي «عشقها» للمأكولات السورية. فهي تحرص بين الحين والآخر على الذهاب مع أسرتها لأحد تلك المطاعم، مستمتعة بنكهات متنوعة من أطباق «الشاورما والفتوش والكبة وغيرها». فـ«الطعام السوري لذيذ ومتنوع وخفيف على المعدة، وله نكهة مميزة»، وبات بالنسبة لها ولغيرها «عنصراً مضافاً على المائدة حتى داخل المنزل». وبالطبع لا يمكن لكاميليا إغفال «جودة الضيافة»، لا سيما مع كلمات ترحيبية مثل «تكرم عينك» التي تدخل كثيراً من البهجة على نفسها كما تقول.

حال كاميليا لا يختلف عن حال كثير من المصريين، الذين غيرت المطاعم السورية ذائقتهم الغذائية، وأدخلت النكهات الشامية إلى موائدهم عبر وصفات نشرتها وسائل إعلام محلية، لكنهم في نفس الوقت يخشون تنامي الوجود السوري وتأثيره على اقتصاد بلادهم، الأمر الذي بات يُعكر مزاجهم ويحول دون استمتاعهم بالمأكولات الشامية.

ومع موافقة مجلس النواب المصري، الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين، تزايدت حدة الجدل بشأن وجود الأجانب في مصر، لا سيما السوريون، وسط مخاوف عبر عنها البعض من أن يكون القانون «مقدمة لتوطينهم»، ما يعني زيادة الأعباء الاقتصادية على البلاد، وربما التأثير على حصة المواطن المصري في سوق العمل وفق متابعين مصريين.

مجلس النواب المصري وافق على مشروع قانون لتنظيم أوضاع اللاجئين (الشرق الأوسط)

تزايد عدد السوريين في مصر خلال العقد الأخير عكسته بيانات «المفوضية الدولية لشؤون اللاجئين» حيث ارتفع عدد السوريين المسجلين في مصر لدى المفوضية من 12800 في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً في نهاية عام 2023، ليحتلوا المرتبة الثانية بعد السودانيين ضمن نحو 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين لدى المفوضية من 62 جنسية مختلفة.

جاءت هذه الزيادة مدفوعة بالحرب السورية، ودفعت مواطنيها إلى دول عدة، بينها مصر، لتبدأ المفوضية في تلقي طلبات اللجوء منذ عام 2012، مؤكدة دعمها «الفارين من أتون الحرب».

ومع ذلك، لا تعكس البيانات التي تقدمها مفوضية اللاجئين العدد الحقيقي للسوريين في مصر، والذي تقدره المنظمة الدولية للهجرة، بنحو 1.5 مليون سوري من بين نحو 9 ملايين مهاجر موجودين في البلاد.

لكن التقدير الأخير لا يُقره الرئيس السابق لرابطة الجالية السورية في مصر، راسم الأتاسي، الذي يشير إلى أن «عدد السوريين في مصر لا يتجاوز 700 ألف، ولم يصل أبداً لمليون ونصف المليون، حيث كان أعلى تقدير لعددهم هو 800 ألف، انخفض إلى 500 ألف في فترة من الفترات، قبل أن يعود ويرتفع مؤخراً مع تطورات الوضع في السودان». وكان السودان عموماً والخرطوم خصوصاً وجهة لكثير من السوريين عقب 2011 حيث كانوا معفيين من التأشيرات وسمح لهم بالإقامة والعمل حتى 2020.

دعوات مقاطعة

تسبب الوجود السوري المتنامي في مصر في انطلاق حملات على مواقع التواصل الاجتماعي بين الحين والآخر تنتقد السوريين، من بينها الدعوة لمقاطعة أحد المطاعم بسبب إعلان عن ساندويتش شاورما بحجم كبير، قال فيه مخاطباً الزبائن: «تعالى كل يا فقير»، مثيراً غضب مصريين عدوا تلك الجملة «إهانة».

حملات الهجوم على السوريين، وإن كانت تكررت على مدار العقد الماضي لأسباب كثيرة، لكنها تزايدت أخيراً تزامناً مع معاناة المصريين من أوضاع اقتصادية صعبة، دفعت إلى مهاجمة اللاجئين عموماً باعتبارهم «يشكلون ضغطاً على موارد البلاد»، وهو ما عززته منابر إعلامية، فخرجت الإعلامية المصرية قصواء الخلالي في معرض حديثها عن «تأثير زيادة عدد اللاجئين في مصر»، لتتساءل عن سبب بقاء السوريين كل هذه السنوات في بلادها، لا سيما أن «سوريا لم يعد بها حرب»، على حد تعبيرها.

وعزز تلك الحملات مخاوف من التمييز ضد المصريين في فرص العمل مع إعلان البعض عن وظائف للسوريين واللبنانيين والسودانيين فقط.

وانتقد رواد مواقع التواصل الاجتماعي المطاعم السورية باعتبارها «ليست استثماراً».

في حين طالب البعض بـ«إغلاق المطاعم السورية والحصول على حق الدولة من الضرائب»، متهماً إياهم بـ«منافسة المصريين بهدف إفلاسهم»، لدرجة وصلت إلى حد المطالبة بمقاطعة المطاعم السورية بدعوى «سرقتها رزق المصريين».

الهجوم على السوريين في مصر لا ينبع فقط من مخاوف الهيمنة الاقتصادية أو منافسة المصريين في فرص العمل، بل يمتد أيضاً لانتقاد شراء الأثرياء منهم عقارات فاخرة وإقامتهم حفلات كبيرة، وسط اتهامات لهم بأنهم «يتمتعون بثروات المصريين». وهو الأمر الذي يعتبره رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين في مصر المهندس خلدون الموقع «ميزة تضاف للسوريين ولا تخصم منهم، فهم يستثمرون أموالهم ويربحون في مصر، وينفقون أيضاً في مصر بدلاً من إخراجها خارج البلاد»، بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط».

زحام لافت على مطعم سوري بشارع فيصل بالجيزة (الشرق الأوسط)

ووسط سيل الهجوم على المطاعم السورية تجد من يدافع عنهم، ويتلذذ بمأكولاتهم، باعتبارها «أعطت تنوعاً للمطبخ المصري».

كما دافع بعض الإعلاميين عن الوجود السوري، حيث أشار الإعلامي المصري خالد أبو بكر إلى «الحقوق القانونية للسوريين المقيمين في مصر»، وقال إن «أهل سوريا والشام أحسن ناس تتعلم منهم التجارة».

ترحيب مشروط

كان الطعام أحد الملامح الواضحة للتأثير السوري في مصر، ليس فقط عبر محال في أحياء كبرى، بل أيضاً في الشوارع، فكثيراً ما يستوقفك شاب أو طفل سوري في إشارات المرور أو أمام بوابات محال تجارية، بجملة «عمو تشتري حلوى سورية؟».

ويعكس الواقع المعيش صورة مغايرة عن دعوات الهجوم والمقاطعة المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر طوابير وتجمعات بشرية لشباب وأطفال وأسر تقف على بوابات المحال السورية لا يثنيها زحام أو حر أو مطر، عن رغبتها في تناول ساندويتش شاورما، «لرخص ثمنه، ومذاقه الجيد»، بحسب مالك مصطفى، شاب في السابعة عشرة من عمره، التقته «الشرق الأوسط» وهو يحاول اختراق أحد طوابير «عشاق الشاورما» التي تجمهرت أمام مطعم في حي الزمالك.

مصريون طالبوا بمقاطعة المطاعم السورية (الشرق الأوسط)

أما مدير فرع مطعم «الأغا» في حي الزمالك وسط القاهرة أيمن أحمد، فلم يبد «تخوفاً أو قلقاً» من تأثير حملات المقاطعة على المطاعم السورية، لا سيما مع «الإقبال الكبير والمتنامي على وجبات معينة مثل الشاورما والدجاج المسحب»، والذي أرجعه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى «النكهة المختلفة للمطبخ السوري التي أضافت طعاماً شعبياً جديداً أرضى ذائقة المصريين».

وكان إعجاب المصريين بالمطبخ السوري هو ما دفع مؤسس مطعم الأغا، رائد الأغا، الذي يمتلك سلسلة مطاعم في دول عربية أخرى، إلى الاستثمار في مصر ليفتح أول فروعه في الدقي (شمال الجيزة) عام 2021، ثم يقدم على افتتاح فرعين آخرين في الزمالك ثم مصر الجديدة، بمعدل فرع كل عام.

على النقيض، تُغضب حملات الهجوم المتكررة رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين بمصر، الذي يرفض الاتهامات الموجهة للسوريين بـ«أخذ رزق المصري والحصول على مكانه في الوظائف والاستثمار»، لا سيما أن «السوري استثمر وفتح مطعماً أو مصنعاً ووفر فرص عمل أيضاً ولم يأخذ محل أو مطعم مصريين».

استثمارات متنوعة

يتحدث الأتاسي بفخر عن الاستثمارات السورية في مصر، ووجودها في قطاعات اقتصادية عدة، منها أكثر من 7 آلاف مصنع سوري في مجالات مختلفة، في مدن العاشر من رمضان والعبور وغيرهما، لكن المواطن المصري ربما لا يرى من الاقتصاد السوري في بلاده سوى المطاعم «كونها أكثر اتصالاً بحياته اليومية».

ويبدي الأتاسي اندهاشه من كثرة الحملات على المطاعم السورية، رغم أن «أغلبها وخاصة الكبيرة فيها شركاء وممولون مصريون، وبعضها مصري بالكامل وبه عامل سوري واحد».

ليست الصورة كلها قاتمة، فإعلامياً، يجد السوريون في مصر ترحيباً، وإن كان مشروطا بـ«تحذير» من عدم الإضرار بـ«أمن البلاد»، وهو ما أكده الإعلامي المصري نشأت الديهي في رسالة وجهها قبل عدة أشهر إلى السوريين في مصر رداً على الحملات المناهضة لهم.

وهو ترحيب عكسته وسائل إعلام سورية في تقارير عدة أشارت إلى أن مصر «حاضنة للسوريين».

وهو أمر أكد عليه موقع الجالية بتأكيد الحديث عن تسهيلات قدمت لرجال أعمال سوريين وأصحاب مطاعم، من بينها مطاعم في حي التجمع الراقي بالقاهرة.

و«مدينة الرحاب» تعد واحدة من التجمعات الأساسية للسوريين، ما إن تدخل بعض أسواقها حتى تشعر بأنك انتقلت إلى دمشق، تطرب أذنك نغمات الموسيقى السورية الشعبية، وتجذبك رائحة المشاوي الحلبية، وأنت تتجول بين محال «باب الحارة»، و«أبو مازن السوري»، و«ابن الشام» وغيرها، وتستقطبك عبارات ترحيب من بائعين سوريين، «أهلين»، و«على راسي» و«تكرم عيونك».

«حملات موجهة»

انتشار السوريين في سوق التجارة لا سيما الغذاء فسره مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق رخا أحمد حسن، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، بأن «بلاد الشام بشكل عام قائمة على المبادرة الفردية، فجاء السوري برأسمال بسيط وبدأ مشروعاً عائلياً وباع ما أنتجه في إشارات المرور، قبل أن يتوسع ويحول مشروعه إلى مطعم».

رصد حسن بنفسه تنامي الإقبال على المطاعم السورية في حي الشيخ زايد الذي يقطنه، لا سيما أنهم «ينافسون المنتج المصري في الجودة والسعر»، معتبراً الحملات ضدهم «تحريضية تنطوي على قدر من المبالغة نتيجة عدم القدرة على منافسة ثقافة بيع أكثر بسعر أقل».

وتثير حملات الهجوم المتكررة مخاوف في نفس الكاتب والمحلل السياسي السوري المقيم في مصر عبد الرحمن ربوع، وإن كانت «موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا وجود لها في الشارع المصري»، حيث يشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه «على مدار السنوات الماضية لم تتغير المعاملة لا من الشعب المصري أو الجهات الرسمية في الدولة».

السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية في مصر (الشرق الأوسط)

وبالفعل، أثرت المطاعم السورية إيجابياً في سوق الأكل المصري، ورفعت من سويته، بحسب ربوع، رغم أنها لا تشكل سوى جزء صغير من استثمارات السوريين في مصر التي يتركز معظمها في صناعة الملابس، وربما كان تأثيرها دافعاً لأن تشكل الجزء الأكبر من الاستهداف للسوريين في حملات يراها ربوع «سطحية وموجهة وفاشلة»، فلا «تزال المطاعم السورية تشهد إقبالاً كثيفاً من المصريين».

ولا تجد تلك «الحملات الموجهة» صدى سياسياً، ففي فبراير (شباط) من العام الماضي وخلال زيارة لوزير الخارجية المصري السابق سامح شكري إلى دمشق، وجه الرئيس السوري بشار الأسد الشكر لمصر على «استضافة اللاجئين السوريين على أراضيها وحسن معاملتهم كأشقاء»، بحسب إفادة رسمية آنذاك للمتحدث باسم الخارجية المصرية السفير أحمد أبو زيد، أشار فيها إلى تأكيد شكري أن «السوريين يعيشون بين أشقائهم في مصر كمصريين».

لكن يبدو أن هناك تطوراً أخيراً «أثار قلقاً كبيراً لدى السوريين وهو قرار إلغاء الإقامات السياحية»، فبحسب ربوع، معظم الأجانب في مصر وبينهم السوريون كانوا يقيمون في البلاد بموجب إقامات سياحية طويلة، لا سيما الطلاب وكثير ممن ليس لديهم عمل ثابت ويأتي قرار إلغاء تجديدها مقلقاً لأنه سيجبر كثيرين على الخروج من البلاد والعودة مرة أخرى كل فترة، وهو القرار الذي يرغب الأتاسي في أن يشهد إعادة نظر من جانب السلطات المصرية خلال الفترة المقبلة كونه «يفرض أعباءً جديدة على السوريين لا سيما الطلاب منهم».

«استثمارات متنامية»

ويشكل السوريون نحو 17 في المائة من المهاجرين في مصر، وهم «من بين الجنسيات التي تشارك بإيجابية في سوق العمل والاقتصاد المصري، وتتركز مشاركتهم في الصناعات الغذائية والنسيج والحرف التقليدية والعقارات»، وبحسب تقرير لـ«منظمة الهجرة الدولية» صدر في يوليو (تموز) 2022، أوضح أن «حجم التمويل الاستثماري من جانب نحو 30 ألف مستثمر سوري مسجلين في مصر، قُدر بمليار دولار في عام 2022».

وفي عام 2012 جاء السوريون في مقدمة مؤسسي الشركات الاستثمارية، عبر تأسيس 365 شركة من بين 939 شركة تم تأسيسها خلال الفترة من ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول)، بحسب بيانات «الهيئة العامة للاستثمار» في مصر.

ولا توجد إحصائية رسمية عن حجم الاستثمارات السورية في مصر الآن، لكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أشار، في تقرير نشره عام 2017، إلى أن «اللاجئين السوريين استثمروا في مصر 800 مليون دولار». وهو نفس الرقم الذي تبنته هيئة الاستثمار المصرية في تصريحات تداولتها وسائل إعلام محلية.

لكنه رقم يقول رئيس تجمع رجال الأعمال السوريين إنه «لا يعدو كونه الرقم التأسيسي الذي بدأ به السوريون مشروعاتهم في مصر، ثم تنامى مع الوقت»، إضافة إلى أن «هناك الكثير من الأنشطة الاقتصادية غير مسجلة في هيئة الاستثمار المصرية».

مطعم سوري في وسط البلد (الشرق الأوسط)

حملات الهجوم المتكررة على السوريين لن تمنعهم من الاستثمار في مصر، فهي من وجهة نظر الموقع «ناتجة عن نقص المعلومات وعدم إدراك لطبيعة وحجم مساهمة السوريين في الاقتصاد»، إضافة إلى أن «المتضرر الأكبر من تلك الحملات هما الاقتصاد والصناعة المصريان»، لا سيما أنها «تتناقض مع سياسة الحكومة الرامية إلى تشجيع الاستثمار».

فقد جاء المستثمر السوري بأمواله لمصر واستثمر فيها، و«أنفق أرباحه فيها أيضاً»، فهو بذلك قادر على «العمل... ولم يأت ليجلس في المقاهي».

بالفعل «لا يحصل السوريون على إعانات من الدولة، بل يعملون بأموالهم ويدفعون ضرائب، ومثل هذا الحملات تقلل من دور مصر التاريخيّ أنها ملجأ لكل من يضار في وطنه أو يتعرض للخطر»، بحسب مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، الذي اعتبر الهجوم المتكرر عليهم «محاولة لإظهار السوريين بأنهم سبّب مشكلات البلاد، وهو غير صحيح».

وفي الوقت الذي يعول فيه الموقع على الإعلام لـ«نشر الوعي بأهمية وجود السوريين في مصر»، لا تزال الستينية كاميليا محمود حائرة بين «عشقها» للمأكولات السورية، و«مخاوفها» من التأثير على اقتصاد بلادها، ما يتنقص من متعتها ويعكر مزاجها وهي تقضم «ساندويتش شاورما الدجاج» المفضل لديها.