طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (7 من 7): صراع أجهزة المخابرات ينهك ليبيا.. ويحول طرابلس إلى مدينة للرعب

ميليشيات تأثرت بها.. وبعضها يتفاخر بامتلاك منظومة «للتجسس والتصفية»

عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
TT

طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (7 من 7): صراع أجهزة المخابرات ينهك ليبيا.. ويحول طرابلس إلى مدينة للرعب

عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)
عناصر من الجيش الوطني الليبي في جنوب البلاد يراجعون أوراق العابرين ضمن حالة من التأهب بسبب الظروف الأمنية الصعبة («الشرق الأوسط»)

سعر الوحدة الواحدة من منظومة تقنية لـ«المراقبة والتجسس»، يختلف حسب الإمكانات والجودة ونوع المورِّد الذي يجنح عادة لاستغلال الظروف الأمنية السيئة في العاصمة الليبية. استيراد «منظومة» متوسطة الإمكانيات لأمير من أمراء الحرب، وتركيبها في مزرعته أو بيته أو مكتبه، تبدأ كلفتها من 100 ألف دولار فما فوق. وتلقى أجهزة متابعة المكالمات الهاتفية والتنصت على الخصوم والأصدقاء، وتحديد المواقع والتحركات، رواجا وهوسا بين الكثير من قادة الميليشيات والتنظيمات المتطرفة.
يقول مصدر أمني غربي يعمل في طرابلس، إن 20 قياديا في العاصمة تأكد حصولهم على منظومات تجسس متقدمة سهلها لهم سماسرة على علاقة بأجهزة مخابرات دولية، خلال الشهور الثلاثة الماضية، تبلغ قيمتها ملايين الدولارات.. «آخر وحدة من هذا النوع، اشتراها قيادي كبير في المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) بلغت قيمتها 500 ألف دولار، وجرى تركيبها في مسقط رأسه في بلدة زوَّارة، وذلك بعد يومين اثنين من القصف الأميركي على بلدة صبراتة المجاورة، والذي وقع يوم 19 الشهر الماضي».
يأتي هذا وسط صراع لأجهزة مخابرات دولية على الأراضي الليبية ما أدى إلى إنهاك هذا البلد وتحويل طرابلس إلى مدينة للرعب. وتشير تحقيقات يقوم بها مسؤولون ليبيون إلى أن الصراع المخابراتي للميليشيات تغذيه أجهزة مخابرات مختلفة «تتصارع فوق رؤوس الشعب الليبي».
تعرَّف قادة للمقاتلين على منظومات التجسس في أيام الحرب التي دعمها حلف الناتو ضد معمر القذافي. وتطورت خبرة بعضهم بهذا الشأن مع دخول أجهزة استخبارات عربية وأجنبية للعمل مع أمراء الميليشيات انطلاقا من هذا البلد.
اليوم تجد نوعا من التفاخر لدى زعماء الحرب الأهلية، غير المنضبطين، بامتلاك منظومات لـ«التجسس» وأن لديهم علاقة بالدولة الفلانية والجهاز المخابراتي الفلاني. تسبب الولع بالتنصت على الخصوم وبعض الأصدقاء، في اكتشاف خيانات وتلاعب وأوامر بالتصفية الجسدية، مثلما حدث داخل تنظيم «جند الحق» الموالي لـ«داعش» في منطقة الحرشة في غرب طرابلس، وكما وقع من خلافات بشأن رغبة تنظيم «جماعة المرابطين» في إدخال 2500 عنصر إلى داخل العاصمة، قبل أسبوعين.
كشفت عمليات التجسس بين قادة في طرابلس أيضا، عن وجود تعاون خفي بين زملاء لهم، مع ميليشيا تطلق على نفسها «سُبل السلام»، وتنشط في نطاق مدينة الكفرة في تهريب الأسلحة والمهاجرين من السودان. بعد ذلك سقط عشرات القتلى. وفي مناطق أخرى أدى التنصت لاكتشاف عملاء مزدوجين جرت تصفية بعضهم وما زال البعض الآخر مطاردا.
منذ عام 2011 ساعدت عدة دول في حلف الناتو مجموعات المتمردين المسلحين على نظام القذافي، وكان من بين هذه المساعدات أجهزة تحديد إحداثيات المواقع الخاصة بقوات النظام السابق، ثم تطورت إلى أجهزة لمراقبة هواتف القادة العسكريين في الجيش الليبي في ذلك الوقت بسبب طول مدة الحرب التي استمرت ثمانية أشهر.
ضابط أميركي متقاعد يعمل في ضاحية جنزور بطرابلس وعلى صلة بشركة «ستراتفور» الاستخباراتية الخاصة، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «معظم الأجهزة ذات الطابع المخابراتي التي قدمتها دول غربية لزعماء الحرب ضد القذافي اختفت.. أكثر الأجهزة المتقدمة كانت في بلدة سرت، وهي الآن إما لدى قادة في ميليشيات طرابلس، أو لدى تنظيم داعش الذي سيطر على سرت وينشط في مدن أخرى».
لا تقتصر قدرة أجهزة المراقبة التي كانت في سرت، واختفت، على تتبع الهواتف الجوالة التابعة لشركات ليبية، مثل ليبيانا والمدار، ولكنها مزودة بإمكانية رصد هواتف مستهدفة وتابعة لشركات اتصالات في دول أخرى.. «بمجرد تلقي الرقم المعني لاتصال من أحد الأطراف، تخرج إشارة من الجهاز، ويبدأ في التسجيل وتحديد موقعي الطرفين».
ويشير المصدر الأميركي نفسه إلى وجود وحدات أخرى للمراقبة والتجسس كانت تابعة للأجهزة الأمنية في عهد القذافي، واستولى عليها أمراء الحرب أيضا، لكنها تعد بدائية وتعتمد على التسجيل على أشرطة ممغنطة، ومع ذلك ما زالت تعمل حتى الآن في بعض مكاتب جهاز المخابرات الذي يديره تحالف للميليشيات في طرابلس. بينما الأجهزة الحديثة تختلف وذات سعة تخزين كبيرة.
منذ أواخر شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وصلت فرق أمنية غربية لاستكشاف الأوضاع في ليبيا، بالتزامن مع قلق دولي من تنامي الجماعات المتطرفة في هذا البلد الغني بالنفط والغاز. ومن بين المعدات التي جلبتها معها في صناديق خشبية كبيرة، أجهزة تنصت ومراقبة، إضافة إلى أجهزة للكشف عن الغازات السامة. تستعين الفرق الأمنية الأجنبية بمساعدين محليين للحراسة والمشاركة في العمل التقني.
«أي فرق أجنبية تعمل على الأرض لا بد أن تتعاون مع القوى الموجودة. هذا حدث في العراق من قبل، ويحدث في ليبيا الآن». هكذا يقول لـ«الشرق الأوسط» المحلل الأميركي من أصل مصري، شريف الحلوة، المعني بالتطورات في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها ليبيا والعراق وسوريا، مشيرا إلى أن «الشركات الأمنية لا تعمل إلا بتنسيق كامل وشامل مع جميع الأطراف الليبية.. الغرض تجميع أكبر قدر من المعلومات والسيطرة على الموقف وتوجيهه لصالح السياسة الأميركية أو الأوروبية أو الغربية بشكل عام، وكذلك لصالح سياسة حلف الناتو في المنطقة».
بعض شركات الأمن التي جاءت من وراء البحار وحطت على شواطئ طرابلس، تبدو، مما يظهر من تحركاتها، أنها معنية أساسا بترتيب الأوضاع لتمكين حكومة فايز السراج، للعمل انطلاقا من العاصمة.. تقوم بتعلية أسوار لقرى سياحية خالية من الزبائن، تقع على البحر، ونصب أبراج المراقبة حول هذه المقار، أي أنه اتجاه لتأسيس منطقة خضراء للسراج بالتعاون مع بعض الميليشيات.. «أعتقد أن الأمر يشبه ما حدث في الماضي في العراق».
ويضيف الحلوة قائلا إن شركات الأمن الغربية، خاصة الأميركية «لديها صلاحيات وإمكانات تشبه ما تتمتع به وزارة الدفاع، بما فيها الحصول على معلومات من الأقمار الاصطناعية والقيام بعمليات استخباراتية.. يتعاملون يدا بيد مع المخابرات المركزية الأميركية والأمن الوطني الأميركي».
الزخم الاستخباراتي في طرابلس ليس غربيا فقط، ولكن جرى رصد نشاط لمخابرات من بلدان مختلفة، كما يقول مصدر من شركة «ستراتفور»، مشيرا إلى أن وجود الفرق الغربية لا يقتصر على العاصمة، ولكنه يمتد إلى شرق البلاد «لتقديم استشارات للجيش». معلوم أن هذه الشركة متخصصة في عمليات الاستخبارات الجيوسياسية، كما أنها توفر للأفراد والمنظمات في جميع أنحاء العالم، تحليلات استراتيجية وتنبؤات بالمستقبل.
ويعتقد هذا المصدر أن الفرق الأمنية التي حطت في طرابلس لديها إمكانات أكبر من تلك الموجودة في الشرق.. «تتعامل أيضا مع أقمار اصطناعية للحصول على صور حية للتحركات على الأرض، ناهيك عن تتبع مكالمات هاتفية وأماكن وجود زعماء المتطرفين في العاصمة وما حولها».
يوم 21 الشهر الماضي، وفي خضم المخاوف من تنامي تنظيم داعش، على حساب قوى الميليشيات التقليدية، وبينما المجاميع المسلحة تتجسس بعضها على بعض، جرى الكشف في لقاء بين اثنين من القيادات الإخوانية (أحدهما نائب في البرلمان وهو من مصراتة، والثاني عقيد في رئاسة الأركان من طرابلس)، عن قيام مهندسين عسكريين من دولة إسلامية تقع في البحر المتوسط، بتركيب منظومة تجسس كاملة لصالح تنظيم داعش، وجرى وضع هذه المنظومة وتجهيزها للعمل فيما يعرف باسم «ديوان المحكمة الشرعية» في معقل التنظيم الدموي في قلب مدينة سرت.
مقر التجسس الداعشي الجديد في هذه المدينة الساحلية الواقعة في الشمال الأوسط من ليبيا، مربوط بسفينة تقف في وسط البحر مقابل خليج سرت، كما اتضح أن هناك زوارق تتنقل، بين حين وآخر، وهي تحمل مهندسين وتقنيين، بين السفينة والديوان الداعشي المشار إليه.
ولدى «داعش» محطات مراقبة في العاصمة منها في مقر زعيم التنظيم في عين زارة، وفي دار الحسبة في منطقة القربولي، وفي معسكر يقع قرب مطار معيتيقة. يعمل على هذه الأجهزة تقنيون دواعش من جنسيات مختلفة أغلبهم تونسيون.
أما عن تفاصيل صفقة شراء المنظومة لقيادي في البرلمان السابق، والتي بلغت قيمتها نصف مليون دولار، وأشرف على الصفقة مهندس متخصص في الاتصالات ومسؤول في شركة هواتف جوالة. ويقول مصدر في الشركة إن المسؤول المشار إليه جرى استدعاؤه من جانب القيادي البرلماني، وسأله عن موضوع انتشار أجهزة التجسس بين زعماء الميليشيات، ومن أين تأتي وما هي أسعارها، فأخبره أنه يتم استيرادها عن طريق سماسرة في أوروبا، وأن الأسعار تبدأ من 100 ألف دولار فما فوق.
يبدو أن البضاعة كانت حاضرة في العاصمة، حيث إنه جرى الاتفاق بين الرجلين على إتمام الصفقة، داخل مركب كانت راسية على الشاطئ اسمها «زرقاء اليمامة». وطلب القيادي البرلماني السابق أن تكون المنظومة من النوع المتقدم إلى حد معقول، ولهذا كان السعر نصف مليون دولار، وطلب أيضا أن يتفرغ مسؤول الاتصالات نفسه، من العمل، لعدة أيام، ويتوجه بمنظومة المراقبة إلى الاستراحة الخاصة بالقيادي المذكور والموجودة في بلدة زوارة، وأن يشرف على تركيبها هناك، وأن يدرب فريقا من أنصاره على إدارتها.
ساعدت أجهزة المراقبة على تنفيذ عمليات تصفية جسدية بشعة من جانب دواعش وميليشيات، وقطاع طرق ولصوص ومهربين، في مناطق مختلفة من البلاد. من بين عشرات الضحايا، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية فقط، رجل يدعى «خُمُر» يبدو أنه كان مطلوبا من جانب جماعة متشددة تنشط فيما يعرف بـ«إمارة الخُمس». تولى عملية الرصد عبر تقنية متقدمة قيادي في الجماعة يدعى «السالمي». وبدأ في تتبع تحركات الهدف.
واطلعت «الشرق الأوسط» على محاضر تحقيقات بشأن هذه العملية من مصادر أمنية غربية في طرابلس. تقول أوراق التحقيقات إن الأوامر صدرت من الجماعة بقتل «خُمُر» إذا تعذر القبض عليه، وأن السالمي، وهو يتابع تحركاته عبر أجهزة التجسس، أخذ يعطي التعليمات لعناصر مسلحة تابعة لجماعته.. «خُمُر وصل الآن إلى منطقة غنيمة.. خُمُر توجه إلى تاجوراء من الطريق الساحلي.. رأيتم سيارته.. اعترضوها الآن».
وفي يوم آخر، وبناء على أجهزة التجسس التي يملكها، اكتشف قيادي لتنظيم صغير يعمل في غرب طرابلس، ويتعاون مع «داعش»، ويدعى «رشيد»، خيانة من تجار أسلحة في منطقة اسمها «بو شيبة»، وأصدر أوامر لأحد أتباعه المقيمين في مدينة غريان، ويدعى «برشوش»، وفقا للمصادر الغربية نفسها، بأن يتوجه مع فرقة تابعة للجماعة ويدمر الموقع بمن فيه من تجار وما فيه من أسلحة.
ورصدت فرقة أمنية غربية متخصصة في رصد مواقع التجسس والتنصت، وجود ما لا يقل عن خمسين محطة في طرابلس وحدها، من ماركات وتقنيات مختلفة، بعضها يفوق في قدراته المحطات الموجودة لدى جهاز مخابرات العاصمة. كما اكتشفت الفرقة نفسها أن ملكيتها تعود لعشرين قياديا بينهم مسؤولون في المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، والبعض الآخر من ميليشيات تابعة للجماعة الليبية المقاتلة، والإخوان، و«داعش».
أحيانا تكون هناك بعض المؤشرات الإيجابية من وراء المراقبة بغض النظر عمن يقوم بها، فتنظيم مثل «سبل السلام» الذي يعمل في أقصى الجنوب الشرقي من البلاد، لا توجد عنه معلومات كثيرة بعد، حتى في أوساط المحققين الغربيين الذين يعملون في العاصمة. من خلال تتبع تحركات المتطرفين في طرابلس، ومن خلال نشاط أجهزة الاستخبارات، جرى اكتشاف وجود التنظيم بقيادة رجل يدعى «هاشم» وأن له اتصالات مع قادة في العاصمة، ويتعاون معهم في تجارة السلاح وفي جلب المهاجرين غير الشرعيين عبر الحدود.
ومن الجنوب يقول الناشط والإعلامي الليبي، يوسف غالي، لـ«الشرق الأوسط» عن هذا التنظيم إنه موجود بالفعل. ويتنافس «هاشم» مع زعماء ميليشيات في المنطقة على التهريب، وهو من المعادين للجيش الوطني. يبدو أن معلومات وصلت بالخطأ من طرابلس لهذه الميليشيا عن دخول مدد للفريق أول خليفة حفتر من حركة العدل والمساواة السودانية، أدت لهجومه على مجموعة مهاجرين غير شرعيين أثناء توقفهم للاستراحة في منطقة بوزريق، ما أدى لمقتل أكثر من ثلاثين، و«جرى التنكيل بباقي المهاجرين وتصويرهم على أنهم من الحركة السودانية المشار إليها».
ومن العمليات التي جرى تنفيذها بعيدا عن أعين العالم، في أقصى الجنوب، قيام تنظيم «سبل السلام» أيضا بحرق واحة بزيمة، في عملية انتقامية للأسباب نفسها. أما بالقرب من طرابلس، وبحسب مصدر أمني غربي، فقد رصدت اثنتان من منظومات التجسس المحلية نشاطا لنجل القذافي، سيف الإسلام، رغم أنه محبوس في سجن في منطقة الزنتان، بعد الحكم عليه بالإعدام من محكمة تخضع لهيمنة الميليشيات في العاصمة العام الماضي.
ويشير المصدر إلى أن منظومة مراقبة على علاقة بمكتب اللجنة الأمنية «أبو سليم»، وأخرى تابعة لمكتب استخبارات «جماعة الإخوان» في طرابلس، رصدت «تحالفا بين قادة في منطقة الزنتان وقوة من قبائل موالية لنظام القذافي، وأن سيف يخطط مع هذا التحالف لإحداث انتفاضة في العاصمة».
الولايات المتحدة يبدو أنها تشترط منح البرلمان الحالي الثقة للحكومة التي اقترحتها الأمم المتحدة، برئاسة السراج، أواخر العام الماضي، قبل شن حرب حقيقية من جانبها، على «داعش» في ليبيا. يقول أحد ضباط الفرق الأمنية الغربية المقيمة في منطقة «سيدي عبد الجليل» على كورنيش طرابلس: «الحقيقة.. (داعش) اليوم أكثر قوة، الكل يعرف هذا عن ليبيا».
ويضيف أنه يعتقد أن الولايات المتحدة الأميركية لديها معلومات دقيقة عن مواقع التنظيم في البلاد، لكن مسألة التخلص منه عسكريا، أمر يتطلب تحالفا مع أوروبا ودول أخرى. كما أن واشنطن لن تنفذ أي عمليات كبرى في ليبيا إلا بعد وجود حكومة توافق وطني.
لكن مستشار رئيس البرلمان، عبد المجيد، أبلغ «الشرق الأوسط» بأن هذا الأمر ما زال بعيد المنال، لأن الحكومة المقترحة بهذه الحالة «مجرد حكومة وصاية مفروضة من الخارج»، و«لا تحظى بقبول غالبية أعضاء البرلمان ولا الشعب». وأضاف: «بشكل عام التحديات صعبة وليبيا في مفترق طرق».



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.