طرابيشي أبصر الأطواق الثقافية وتحرر منها

إبراهيم البليهي
إبراهيم البليهي
TT

طرابيشي أبصر الأطواق الثقافية وتحرر منها

إبراهيم البليهي
إبراهيم البليهي

تمثل المسيرة الفكرية لجورج طرابيشي نموذجا للمراحل التي يمر بها المفكرون في التحرر من برمجة الطفولة؛ فهو مسيحي، وقد نشأ شديد التدين، ثم صدمته الوقائع وحاصرته الشكوك، فأبصر الأطواق الثقافية التي طوقته تلقائيا في الطفولة، وتعززت بالتنشئة فأخذ يتحرر من هذه الأطواق واحدا بعد آخر....
إن جورج طرابيشي من أبرز المفكرين العرب القلة الذين واجهوا المجتمع العربي بالحقائق الصادمة التي لا يريد العرب سماعها.. لقد جهر بالنقد الصريح وكانت تحولاته الواعية نموذجا لما يتعرض له الإنسان المفكر، وهو يكتشف بالتدريج حقائق التاريخ ومرارات الواقع.
كان متجها للتعريف بالفكر العالمي بمختلف قطاعاته الفلسفية والأدبية فأصدر كتابه (معجم الفلاسفة) ووعد بإصدار معاجم أخرى للتعريف بأهم الإبداعات في المجال الفلسفي والإبداع الروائي وغير ذلك من مجالات الإبداع... لكن مشروع المفكر محمد عابد الجابري هزه بقوة وغيَّر مساره.. إعجابا به في البداية ثم تفرغ لنقده فصار إنتاجه في نقد الجابري هو الأكثر حضورا وهكذا هو حال المفكرين العرب ترفضهم البيئة وتلفظهم الثقافة السائدة ولا يكتفون بهذا الخنق بل يحارب بعضهم بعضا، فقد أحس الجابري بمرارة قاتلة بهذا الهجوم المركز الذي حاصره به جورج طرابيشي.
لقد انصرف طرابيشي عن مشروعه الأساسي في التعريف بالإبداعات العالمية واستنزف طاقته في نقد الجابري، وفي هذا خسارة مزدوجة فقد حدثت بلبلة قللت من التأثير الإيجابي للمشروع الفكري العظيم الذي أنجزه الجابري.. أما الخسارة الثانية فهي أننا خسرنا توقف طرابيشي عن مشروعه الأنفع في التعريف بالمبدعين العالميين والتعريف بإبداعاتهم.
إن تحولات جورج طرابيشي تؤكد أن التحولات الفكرية الحاسمة لا تُكتسب من الرتابة التعليمية، ولكن أحداثا مزلزلة هي التي تؤدي إلى قلب الاتجاه قلبا كاملا وتغيير المسار، فما حصل لجورج طرابيشي حصل لعظماء الفلاسفة من أمثال ديكارت وكانط وغيرهما، فحدثٌ واحد مزلزل يؤدي إلى نتائج حاسمة لم تكن في الحسبان، ولم ترد في أي مخطط فردي أو جماعي.
وهكذا هو الفكر والعلم والفن وهكذا هو التطور الحضاري لا يسير ضمن مسالك رتيبة وإنما يأتي على شكل طفرات تؤدي إلى تحولات فاصلة في حياة الفرد والمجتمع والعالم.
* مفكر سعودي وعضو مجلس الشورى



الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
TT

الشاعر السوري أدونيس يدعو إلى «تغيير المجتمع» وعدم الاكتفاء بتغيير النظام

أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)
أدونيس لدى تسلمه جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس (إ.ب.أ)

دعا الشاعر السوري أدونيس من منفاه في فرنسا الأربعاء إلى "تغيير المجتمع" في بلده وعدم الاكتفاء بتغيير النظام السياسي فيه بعد سقوط الرئيس بشار الأسد.

وقال أدونيس (94 عاما) خلال مؤتمر صحافي في باريس قبيل تسلّمه جائزة أدبية "أودّ أولا أن أبدي تحفّظات: لقد غادرتُ سوريا منذ العام 1956. لذلك أنا لا أعرف سوريا إذا ما تحدّثنا بعمق". وأضاف "لقد كنت ضدّ، كنت دوما ضدّ هذا النظام" الذي سقط فجر الأحد عندما دخلت الفصائل المسلّحة المعارضة إلى دمشق بعد فرار الأسد إلى موسكو وانتهاء سنوات حكمه التي استمرت 24 عاما تخلّلتها منذ 2011 حرب أهلية طاحنة.

لكنّ أدونيس الذي يقيم قرب باريس تساءل خلال المؤتمر الصحافي عن حقيقة التغيير الذي سيحدث في سوريا الآن. وقال "أولئك الذين حلّوا محلّه (الأسد)، ماذا سيفعلون؟ المسألة ليست تغيير النظام، بل تغيير المجتمع". وأوضح أنّ التغيير المطلوب هو "تحرير المرأة. تأسيس المجتمع على الحقوق والحريات، وعلى الانفتاح، وعلى الاستقلال الداخلي".

واعتبر أدونيس أنّ "العرب - ليس العرب فحسب، لكنّني هنا أتحدّث عن العرب - لا يغيّرون المجتمع. إنّهم يغيّرون النظام والسلطة. إذا لم نغيّر المجتمع، فلن نحقّق شيئا. استبدال نظام بآخر هو مجرد أمر سطحي". وأدلى الشاعر السوري بتصريحه هذا على هامش تسلّمه جائزة عن مجمل أعماله المكتوبة باللغتين العربية والفرنسية.

ونال أدونيس جائزة جون مارغاريت الدولية للشعر التي يمنحها معهد سرفانتس وتحمل اسم شاعر كتب باللغتين الكتالونية والإسبانية.