منزلة الموسيقى العربية في فلسفة الفارابي

ساهمت في تطوير الموسيقى الغربية بالقطع مع الغناء الكنسي والشعر الغنائي المأساوي والتراجيدي

منزلة الموسيقى العربية في فلسفة الفارابي
TT

منزلة الموسيقى العربية في فلسفة الفارابي

منزلة الموسيقى العربية في فلسفة الفارابي

يمثل التراث الفنِّي أحد مكونات الحضارة الإنسانيّة. فالشّعب الذي لا يملِك تراثًا فنيًّا لا يملك ذاكرة ولا تاريخًا. لأن الفنّ عمومًا، والموسيقى على وجه الخصوص، يسهِمان في بناء وتنميّة وتغذيّة الذّاكِرة الجَمعيّة، فالأناشِيد والمواويل والأغاني تحفظُ تاريخًا بأكمله.
مع توسُّع الخِلافة الإسلاميّة في العصر الأموي، انفتح العرب على ألوان متنوّعة من الموسيقى: الهنديّة والفارسيّة والآشوريّة، ما ساهم في انتشار ألوان مختلفة من الموسيقى داخل قصور الخِلافة (بلاط الخليفة تحديدًا). ومع العصر العبّاسي، تطورت الموسيقى بشكل كبير لتنتقل ممارستها من العبِيد في قصور بني أميّة، إلى أشخاص لهم مكانة مرموقة داخل البلاط وخارجه. فموسيقى العود في بدايات الحكم الأموي، حظيت بعناية أبرز المغنِّين العرب، من قبيل سائب خاثر، الذي تجاوز الغناء الفارسي، واستخدم العود في الغناء. أما الزنام أو الزلام، فرسم آلة نفخٍ هوائيّة تسمى ناي زنامي أو زلامي. وأضاف زرياب إلى أوتار العود الأربعة وترًا خامسًا، ورتّب هذه الأوتار بحيث يعادل كل وترٍ ثلاثة أرباع ما فوقه، واخترع مضراب العود من قوادِم النّسر، بعد أن كان من مرهن الخشب.
وفي أواخر القرن التاسع الميلادي، وضع أبناء موسى بن شاكر، أسس وقواعد الموسيقى الميكانيكيّة، واستعملوا البريخ الموسيقي لتوزيع الألحان. وفي القرن العاشر الميلادي، ابتكر الفارابي الربابة والقانون. واشتهر العباس وأبو المجد بصناعة الأرغن. وأما صفي الدين عبد المؤمن الأرموي، فقد اخترع القانون المربع، المسمى نزهة، وآلة أخرى تسمى المغنى. وعن أصالة الموسيقى العربية، نجد المستشرق البريطاني هنري جورج فارمر، يستهل كتابه «تاريخ الموسيقى العربية حتَّى القرن الثالث الميلادي» بالقول: «علينا ألا ننظر بعد الآن إلى جزيرة العرب نظرتنا إلى الفلوات، فهي على الضد من هذا - مركزٌ تجاري للعالم القديم. والمسلمون الذين خرجوا منها ليستظهروا على المسيحيّة وليشيّدوا إمبراطوريّة، ما كانوا إلا خلفاء لأولئك الذين تركوا تأثيرًا عميقًا في مصائر الشّرق ومستقبله في عصور التاريخ الأولى».
تدلُ مدوّنات الآلات الموسيقيّة المتبقيّة في التراث الموسيقي القديم والحديث، على العناية القُصوى لعرب ما قبل الإسلام وما عده، بالسّماع والغناء الصّوتي على العزف الآلي، ليتسنى لهم بذلك تذوّق معانِي الشّعر.. حيث تصاحِب الآلة الموسيقيّة الغناء الصوتي والتمهيد. ومن الجدير بالذكر، أن الآلات التي استعملَت في العالم العربي والإسلامي كانت ثلاثة أنواع: الآلات الوتريّة (منها: العود، الماندورة Mandore، سميت، فيما بعد، بالغيتار الموريسكي Pandore، التي تطورت إلى الماندولين في الغرب، أو الرباب ذات القوس، عرف في الغرب الأوروبي بـrebeck، وتطورت إلى الكمان، الساز Saz، الشاهروز، القانون، السنطور، ومن المحتمل أنه يعود إلى الأسور asor الآشوري، القيثارة...) آلات النفخ (الأورغن، الناي، مزمار القربة Bagpepe.). آلات القرع (الأجراس، الطبول ومنها الفقارية Kettledrum، الطبلة المطوقة، والطبول المربعة).
وظهر أول تدوين موسيقي عربي مع أبو إسحاق الكندي، في رسالته: «رسالة في خبر تأليف الألحان»، حيث استعمل، لأول مرة، الحروف الأبجديّة والرموز. غير أن محمد أبي نصر الفارابي (260 - 339 هجرية)، ترك الكثير من المؤلفات في الموسيقى منها: كتاب الموسيقى الكبير، كتاب في إحصاء الإيقاع، رسالة في قوانين صناعة الشعراء، كلام في النقلة، مضافًا إلى الإيقاع، وكلام في الموسيقى، وكتاب إحصاء العلوم الذي يتضمن جزءًا خاصًا بعلم الموسيقى. والواضح أن كتابه «الموسيقي الكبير»، هو المتبقي حاليًا في التراث الموسيقي العربي - والذي ترجم إلى لغات أجنبيّة عدة - كمؤلَفٍ يعطينا صورة متكاملة عن البُعد الفكري العميق لفلسفته في الموسيقى.
يشير الفارابي إلى أن كلمة موسيقى في استعمالات اللّغة العاديّة تدلُ على الألحان. واللّحن هو «كل مجموعة من النغم رُتِّبت ترتيبًا محددًا منفرِدة أو مقترِنة بالكلام». ولكن الموسيقى من حيث هي صناعة أو فن شامل، تتضمن الألحان والمبادئ التي بها تلتئِم وبها تصِيرُ أكمَل وأجوَد. وليست صناعة الموسيقى إذن صناعة ألحانٍ فحسب، بحيث تشمَل الأسُس النّظريّة التي تبنى عليها جودة الألحان وكمالها. ويلجأ الفارابي في التفريع الذي يغلب على إحصاء العلوم، إلى التمييز بين قسمين في صناعة الموسيقى: الموسيقى النظريّة كـ«هيئة تنطق عالمها بالألحان ولواحقها عن تصورات صادقة سابقة خاصة في النّفس»، والموسيقى العمليّة التي يريد بها، كما توحي التسميّة بذلك، «إحداث الألحان بأدائها أو صياغتها. والصناعة التي يقال إنها تشتمل على الألحان، منها أن توجد الألحان التي تمت صياغتها محسوسة للسَامعين، ومنها ما اشتمل عليها أن تصوغها وتركبها، وإن لم تقدر على أن توجدها محسوسة، وهذان معا، يسميان صناعة الموسيقى العمليّة».
لا يرى المعلم الثاني أي انفصال بين هاتين الصناعتين، لأن العلاقة بينهما «وثيقة ومزدوجة قوامها التحليل والتركيب، وهي تماثل الصلة التي تربط بين العلم الطبيعي وعلم النجوم، فصاحب العلم النظري، يتبين ما هو طبيعي لسمع الإنسان من خلال الألحان التي يسمعها، فإذا طولب ببرهنة قضاياها أحال على المشتغلين بالموسيقى صياغة وأداء.. ولا ينقص ذلك من عمله». وقارن بين موسيقى الإنسان وموسيقى الطبيعة قائلا: «استحدث الإنسان الموسيقى تحقيقًا وإيفاءً لفطرته. إنها الفطرة المركزّة في جبلّة الإنسان، والتي تنتظم، فيما تنتظم، الفطرة الحيوانيّة التي من خصائصها التصويت تعبيرًا عن أحوالها اللّذيذة والمؤلِمة. وتنتظم هذه الفطرة أيضا في نزوع الإنسان إلى الراحة إذا تعب. ومن شأن الموسيقى أن تنسي الإنسان تعبه لأنها تلغي إحساسه بالزمان، ذلك الزمان الذي ترتبط به الحركة والتعب يأتي منها. ولأن فطرة الإنسان تدعوه للتعبير عن أحواله وأن ينشد راحته. وكانت هذه الترانيم والألحان والنغمات، تنشأ قليلا وفي زمان بعد زمان، وفي قوم بعد قوم، حتى تزايدت. فنشوء الموسيقى من نداء الفطرة. لكن الإنسان أخذ، بعد ذلك، يتحرى ما يماثل ترنماته في أجسام أخرى طبيعيّة وصناعيّة، وما من شأنه أن يجعلها أكثر بهاء وفخامة. فاهتدى إلى الآلات الموسيقيّة، كالعود وغيره، وأخذ الناس في تطوير هذه الآلات حتى تكون أكثر طواعيّة في إنجاز الغاية منها».
يميز الفارابي في تأثير الموسيقى بالنفس بين ثلاثة أنواع: الألحان المُلِذة التي تكسب «النفس لذة وراحة فحسب»، والألحان المخيلة التي تحدث في «نفس الإنسان تخيلات وتصورات، مثل ما تفعل التماثيل المحسوسة بالبصر». أما الألحان الانفعاليّة (النوع الثالث من الموسيقى)، فتزيل «الانفعال أو تنقصه، لأن الانفعال من شأنه أن يزول إذا بلغ أقصى غاياته»، لجهة أن ثمة ارتباط بين الانفعال والنّغم، فلكلّ انفعالٍ (حزن، رحمة، قساوة، خوف، طرب، غضب، لذة وأذى...) نغمٌ يخصُه ويدلُ عليه «فصول النغم التي بها تكسب انفعالات النفس.. تشتق أصنافها من أسماء أصناف الانفعالات، فلذلك يجب أن نعدد الانفعالات ثم نجعل أسماء هذه الفصول من فصول النَّغم مأخوذة من أسماء تلك، فيسمى ما يكسب الحزن إما المحزِّن، وإما الحزني، وإمّا التحزين... وما يكسب الأسف يُسمى أسفيًا، وما يكسب الجزع جزعيًا، وما يكسب العزاء والسلوى مُعزَّيًا أو مسلي، وما يكسب المحبة أو البغضة محبيًا أو غضبيًا» (كتاب «الموسيقى الكبير»، 1179).
يجمل الفارابي هذه الأنغام الانفعاليّة في ثلاثة أصنافٍ: «منها ما يُكسب الانفعالات التي تنسب إلى قوة النفس، مثل العداوة والقساوة والغضب والتهور، وما جانس ذلك، ومنها التي تكسب الانفعالات التي تُنسَب إلى ضعف النفس، وذلك مثل الخوف والرحمة والجبن.. ومنها التي تكسب المخلوط من كل واحدٍ من هذين الصّنفين وهو التوسُّط» (نفسه، 1180، 1181). ويمجد الألحان الكاملة التي لا تتبع انفعالات النفس لأنها تحقق غايات أخلاقيّة لِما فيه خير للنّفس البشريّة. وهي في هذا تتساوى وغايات الحكمة والعلوم حيث يقول: «ولما كان كثيرٌ من الهيئات والأخلاق والأفعال تابعة لانفعالات النفس وللخيالات الواقعة فيها، على ما تبيّن في الصّناعة المدنيّة، صارت الألحان الكاملة نافعة في إفادة الهيئات والأخلاق، ونافعة في أن تبعث السّامعين على الأفعال المطلوبة منهم، وليس إنما هي نافعة في هذه وحدها، لكن وفي البعثة على اقتناء سائر الخيرات النفسانيّة مثل الحكمة والعلوم» (نفسه، ص 1181).
يضع الفارابي معايير للجمال المُوسيقي من جهة أن الذّوق الفنّي يتغير مع تعاقب الأجيال، ومن ثم فهو لا يتمتع بخاصيّة الثبات التي تجعله يخضع للبحث العقلي: «فليس سبيل الطبيعة من الألحان سبيل الشرائِع والسُّنن التي ربما حمل الناس عليها، أو أكثرهم في بعض الأزمان، فيتبع بعضهم فيها بعضًا، فيستحسن على سبيل ما تستحسن المألوف من الأمور. غير أن ما هذه سبيله من مستحسن أو مستقبح لا يراعي كيفما اتفقت».
ساهمت الموسيقى العربية بتاريخها، في فسح المجال لتطور الموسيقى الغربيّة، وللقطع مع الغناء الكنسي، ومع الشعر الغنائي المأساوي والتراجيدي الذي ورثوه عن التقليد اليوناني والروماني القديم، باعتبارها جسرًا بين الثقافات الشرقيّة والثقافة الغربيّة الحديثة. غير أن واقع الموسيقى العربية اليوم، يفرض علينا الوقوف على التردِّي الذي تخبط فيه أهل الفن. فواقعنا يستدعي إعادة النظر في الأسس التي قامت عليها التنشئة في هذه المجتمعات، والدعوة إلى تربيّة موسيقيّة عالمة. فرغم وجود مؤتمر الموسيقى العربيّة منذ الثلاثينات من هذا القرن الماضي، واتساع دائرة المؤسسات الإبداعيّة والموسيقيّة، فإن موجة العولمة والتسليع دمّرت رُقي وروح الموسيقى لصالح الرداءة والتردي، تزامنا مع توالي النّزعات المعاديّة للاشتغال بالموسيقى بدعوى التحريم، نتيجة الفتاوى التي تروجها جماعات دعويّة متطرفة، وهو ما يتنافى والتراث العربي كما سردنا أعلاه، فلماذا لم تتعرض أعمال الفارابي وغيره (إخوان الصفا، ابن سينا، الكندي) للنقد من طرف الفقهاء في ذلك العصر؟ أليست الدعوة إلى تحريم الموسيقى جديدة لا تستند لأي حجة تاريخيّة ومنطقيّة؟



الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي
TT

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي الراحل كمال سبتي

تصدر قريباً الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر العراقي كمال سبتي (1955 - 2006)، أحد أهم شعراء ما عُرف بجيل السبعينات في العراق. متضمنة ثمانية دواوين، مستهلةً بديوان «وردة البحر ـ 1980»، ومختتمةً بـ«صبراً قالت الطبائع الأربع ـ 2006». هنا نص مقدمة هذه الأعمال التي ستصدر عن «دار جبرا للنشر والتوزيع ـ الأردن»، وبالتعاون مع «دار النخبة للتأليف والترجمة والنشر - لبنان».

وقد كتب مقدمة المجموعة الكاملة الشاعر العراقي باسم المرعبي، التي جاءت بعنوان «كمال سبتي... المرافعة عن الشعر» ويقول فيها:

«يحتاج شعر كمال سبتي، بالمجمل، إلى جَلَد عند قراءته، فهو على نقيض الكثير مما هو شائع من تقنيات شعرية تعتمد البساطة والعفوية والمباشرة، مع عدم تسفيه هذه النزعات الأسلوبية، طالما أن الشعر كقيمة وجوهر يبقى مُصاناً، غير منتهَك به. على أنّ إشاحة الشاعر عن مثل هذا الاتجاه ومخالفته، لم يجعل شعره غامضاً أو عصيّاً.

شعر مثقل بالمعنى ومزدحم به، لأنه ذو مهمة توصيلية، وهو يتطلب إصغاءً وإعمال فكر. والقصيدة لدى كمال معمار ذهني - فكري ونفسي، في الآن ذاته، يستمدّ فيها الشاعر مادته من مغاور النفس والسيرة الشخصية، فضلاً عن استثمار راهن التجربة الحياتية، مشظّياً كلّ ذلك في النص، صراحةً أو رمزاً. دون أن يستثني مادة الحلم من استثماره الفني والموضوعي، وهو ما يُتبيَّن أثره في نصوصه، لا سيّما النصوص النثرية الطويلة، المتأخرة، ليتصادى ذلك مع قراءات الشاعر في الرواية أو اعتماده السينما مصدراً مفعّلاً في كتابته الشعرية. وعن هذه الأخيرة قد أشار إلى ذلك الشاعر نفسه في واحد من الحوارات التي أُجريت معه، ليرقى كلّ ذلك إلى أن يكون جزءاً عضوياً من تجربته الحياتية، الذهنية هذه المرة، مُسقَطة بالمحصلة على القصيدة، لتنعكس خلالها حركةً وتوتراً درامياً. وهو ما ينسحب بالقدر ذاته على نزوع الشاعر في سنواته الأخيرة إلى قراءات في التصوف والقرآن والتراث، ما نجمَ أثره بشكل جلي، في مجموعته الأخيرة «صبراً قالت الطبائع الأربع»، وإلى حد ما في المجموعة السابقة لها. وهو فارق يلمسه القارئ، إجمالاً، بين المنحى الذي اتخذه شعر كمال سبتي في السبعينات أو الثمانينات وما صار إليه في التسعينات وما بعدها. وعلى الرغم مما ذهب إليه الشاعر من مدى أقصى في التجريب الكتابي مسنوداً برؤية يميزها قلق إبداعي، شأن كلّ شاعر مجدّد، إلا أنه وبدافع من القلق ذاته عاد إلى القصيدة الموزونة، كما تجسد في كتابيه الأخيرين. وكان لقراءاته المذكورة آنفاً، دورها في بسط المناخ الملائم لانتعاش هذه القصيدة، ثانيةً، وقد بدت محافظة في شكلها، لكن بالاحتفاظ بقدر عال ورفيع من الشعرية المتينة، المعهودة في شعر كمال سبتي، وبدافع من روح المعنى الذي بقي مهيمناً حتى السطر الأخير، لأن الشعر لديه مأخوذ بجدية حدّ القداسة، وهو قضية في ذاتها، قضية رافع عنها الشاعر طوال حياته بدم القلب.

تصدر هذه الأعمال في غياب شاعرها، وهو ما يجعل من حدث كهذا مثلوماً، إذ عُرف عن كمال اهتمامه المفرط بنتاجه وتدقيقه ومتابعته، واحتفائه به قبل النشر وبعده، لأن الشعر كان كل حياته، هذه الحياة التي عاشها شعراً. فكم كان مبهجاً، لو أن مجموع أعماله هذا قد صدر تحت ناظريه.

ولأهمية هذه الأعمال وضروة أن لا تبقى رهينة التفرّق والغياب، أي في طبعاتها الأولى المتباعدة، غير المتاحة للتداول إلّا فيما ندر، ولأهمية أن تأخذ مكانها في مكتبة الشعر، عراقياً وعربياً، كانت هذه الخطوة في جمعها ومراجعتها وتقديمها للنشر. وقد كان لوفاء الصديق، الفنان المسرحي رياض سبتي، لشقيقه وتراثه الشعري، دوره الحاسم في حفظ مجموعات الشاعر، ومن ثمّ إتاحتها لكاتب سطور هذه المقدمة، حين تم طرح فكرة طباعتها ونشرها، إسهاماً في صون هذا الشعر وجعله قابلاً للانتشار من جديد، بما يجدر به».

من المجموعة الكاملة:

«الشاعر في التاريخ»

الرجل الجالسُ في المكتبة

مورّخٌ يكتبُ عن شاعرٍ

الرجل الهاربُ في سيرةٍ

مشرّدٌ في الليل كالليلِ

رغيفهُ باردْ

رغيفهُ واحدْ

عنوانه مصطبة

محطّةٌ مغلقةُ البابِ

الرجلُ الخائفُ في سيرةٍ

يغيّر الشكلَ تباعاً، فمرّةً

بلحية كثةٍ

ومرّةً بشاربٍ، ثمّ مرّةْ

بنصفِ قلبٍ حائرٍ في الطريقْ

يسيرُ فوقَ جمرةٍ، ثمّ جمرةْ

تلقيه فوقَ جمرةٍ، في الطريقْ.