طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (5 من 7): شخصيتان لزعيم داعش «المدهوني» تربك الاستخبارات

«الشرق الأوسط» تكشف هويتهما.. الأول تربطه علاقة مع إيران.. والثاني مهندس إنشاءات عسكرية

أحد عناصر «داعش» يترصد قوات الجيش الوطني الليبي في كمين قرب منطقة الفتايح («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش» يترصد قوات الجيش الوطني الليبي في كمين قرب منطقة الفتايح («الشرق الأوسط»)
TT

طرابلس.. مدينة السلاح والميليشيات (5 من 7): شخصيتان لزعيم داعش «المدهوني» تربك الاستخبارات

أحد عناصر «داعش» يترصد قوات الجيش الوطني الليبي في كمين قرب منطقة الفتايح («الشرق الأوسط»)
أحد عناصر «داعش» يترصد قوات الجيش الوطني الليبي في كمين قرب منطقة الفتايح («الشرق الأوسط»)

في بداية إعلان تنظيم داعش عن نفسه في ليبيا، بمدينة درنة أولاً، عام 2014، ثم انتقاله إلى سرت في صيف العام الماضي، ظهر اسم رجل غامض في ملفات المراقبين الأمنيين الذين يتابعون التحولات الجارية في هذا البلد الذي يموج بالفوضى. ظهر من رصد المراكب التي تنقل المتطرفين والأسلحة عبر البحر المتوسط، تردد اسم الرجل ولقبه، لكن الأوصاف التي تأتي من المصادر السرية كانت دائما تعطي انطباعا بأنهما اثنان وليس شخصا واحدا.
اللقب هو «المدهوني»، وحين انتقل التنظيم للعمل من خلال العاصمة طرابلس، تبين أن هناك شخصية داعشية أخرى بالفعل تحمل اللقب نفسه، وأنه ربما كان هو الزعيم الحقيقي، أو أنه هو الرجل ذاته، لكنه يناور للهروب من الرقابة، وتطلب الأمر مزيدا من العمل لمعرفة الملابسات حول هذه القضية. حدث ذلك بالتزامن مع اتجاه أنظار العالم إلى ليبيا بصفتها بؤرة جديدة لـ«داعش»، بعد الضربات التي تلقاها التنظيم في العراق وسوريا.
يقول ضابط استخبارات غربي متقاعد يعمل انطلاقا من طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»: «بالنسبة لنا في الشركة (شركة أمنية)، لاحظنا منذ البداية أنهما اثنان.. أحدهما هو القائد الفعلي للتنظيم».
بينما يشير مصدر أمني آخر يعمل في شركة «ستراتفور» المتخصصة في عمليات الاستخبارات الجيوسياسية وتوفر التحليل الاستراتيجي والتنبؤ، للأفراد والمنظمات في جميع أنحاء العالم، إلى أنه أمكن الحصول على صورة لواحد من الرجلين.. «لقد اعتقل أخيرا وهو على مركب يحمل أسلحة في البحر المتوسط».
كانت أوروبا تشعر بالقلق من تنامي «داعش» على سواحلها الجنوبية، خصوصًا عقب تفجيرات باريس في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وما تبعها من تهديدات التنظيم بـ«غزو أوروبا» و«فتح روما»، انطلاقا من ليبيا. جرى رصد انتقال مئات المقاتلين من مواجهات العراق وسوريا إلى شمال أفريقيا، والتمركز في ليبيا.
على هذا بدأت طلائع الفرق الأمنية الغربية تصل إلى كل من طبرق وبنغازي وطرابلس، لمراقبة الوضع، واختبار الخيارات المطلوبة للجم قوى التطرف. وحصلت «الشرق الأوسط» من مصادر في «ستراتفور» على تفاصيل عن معسكرات لضباط أمن غربيين حطوا في مواقع محمية من جانب قوات محلية في ليبيا.
لقد أربك تشابه لقب «المدهوني» مسار التحقيقات لعدة أسابيع. يرجع السبب في الأساس إلى حالة الغموض والبعد عن الأضواء، وهي من التعليمات الصارمة التي ينفذها قادة «داعش» المنتشرون في عدة مدن في شرق ليبيا وغربها، وفي بعض مناطق الجنوب أيضا، وفقا للمصادر الأمنية.
ويضيف ضابط المخابرات السابق أنه «في البداية جرى تتبع المعلومات الموجودة سلفا، التي وافتنا بها مصادر ليبية سرية في مدينة درنة.. وتتحدث عن أن لقب الزعيم الخفي للدواعش في المدينة هو (محمد المدهوني)، وأن أوصافه كذا وكذا، لكن بعد أن ظهر (داعش) في طرابلس، بدأت ترد معلومات تتضمن أوصافا مختلفة عن رجل يحمل اللقب نفسه».
يقول المثل الشائع في أوساط الضباط المتقاعدين في الشركات الأمنية الغربية: «نفِّذ الأمور بسرعة.. لكن ببطء». هذا يعني أنه عليك أن تنجز المطلوب منك في أقل وقت ممكن، لكن بشرط أن يأتي الناتج على أكمل وجه.. «حين أصبح لقب (المدهوني) يتردد بوصفه زعيما لـ(داعش) في ليبيا»، كما يقول الضابط نفسه، «وجدنا أنه شاب عمره 34 عاما، ينشط في تحريك شحنات الأسلحة بين المجاميع المتطرفة في ليبيا وعبر الحدود، لكن المعلومات المسبقة التي كانت لدينا تقول إن سنَّه أكبر من ذلك بكثير، وإنه ذو خبرة ليست هينة. كان الأمر محيرا بطبيعة الحال».
يحمل كثيرٌ من الليبيين والعرب أسماء مماثلة للقب «محمد المدهوني»، لكن كان الأمر مختلفا في مناطق نفوذ الدواعش في درنة وسرت وطرابلس، لارتباط الاثنين اللذين يحملان اللقب نفسه بتحركات التنظيم المتطرف، سواء عبر الموانئ البحرية على شواطئ ليبيا، أو على الأراضي الممتدة بين جانبي البلاد.
المصادر الأمنية كشفت عن أن الأول، الذي يعد أكبر قيادي في «داعش ليبيا»، في الوقت الراهن، ليبي من العائدين من سوريا، ويحمل جواز سفر عراقيًا، والاسم المدون في جواز سفره هو «محمد المدهوني»، (الاسم مكتوب ثلاثيا)، ويقيم في الوقت الحالي في منطقة عين زارة في طرابلس، ورتبته في سجلات دولة الخلافة المزعومة في العراق هي: «أمير ديوان الفقه والإرشاد والتجنيد في دولة الخلافة الإسلامية في ليبيا».
أما الثاني، الذي تفيد المصادر بأنه أصغر سنا، وأنه معتقل حاليا في إحدى دول البحر المتوسط، فاسمه في جواز السفر هو «محمد المدهون» (الاسم مكتوب رباعيا، واللقب الأخير من دون حرف الياء في نهايته). أما مهنته الأساسية، فمهندس إنشاءات عسكرية منذ عهد القذافي.
تقول التفاصيل التي تخص «المدهوني» الكبير، والتي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» من تحقيقات مصادر استخباراتية غربية في العاصمة، إنه من مواليد مدينة طرابلس الغرب، سنة 1953، وأن مقر إقامته القديم (قبل أن يغادر ليبيا في ثمانينات القرن الماضي، للقتال في أفغانستان)، هو منطقة «عين زارة» بوسط العاصمة، وأنه بعد أن دخل إلى ليبيا مجددا.. «ظهر، أول الأمر، في درنة، ثم انتقل في 2015 إلى الموقع السابق نفسه، أي في عين زارة».
تعود بداية الصدام بين المدهوني الكبير والسلطات الليبية إلى عام 1988، وذلك حين فتح جهاز الأمن الداخلي في عهد القذافي تحقيقا بشأن علاقة هذا الرجل بعملية هدم المقابر التي كانت تقوم بها بعض الجماعات الناشئة في ليبيا في ذلك الوقت. وورد اسم «المدهوني»، للمرة الأولى، في واقعة هدم مقبرة «سيدي المنيذر» في وسط طرابلس.
يعتقد أن «المنيذر» المعروف في كتب التاريخ باسم «الأفريقي»، من المسلمين الأوائل الذين شاركوا في فتح شمال أفريقيا، ودخل الأندلس مع جيش موسى بن نصير. وتعرضت مقبرته للنبش مجددا بعد سقوط نظام القذافي من جماعات غير معروفة.
مسؤول أمني معني بمتابعة خط سير المدهوني الكبير، يقول إنه يبدو أن الرجل فرَّ بعد تحقيقات الثمانينات حول الجماعات التي تهدم القبور، من ليبيا إلى أفغانستان، حيث ظهر اسمه أولا في قوائم «المجاهدين العرب» وهم يحاربون القوات الروسية هناك، ثم جاء اسمه، بعد ذلك، بوصفه أحد «الأفغان العرب» الذين يحاولون العودة إلى بلادهم في تسعينات القرن الماضي.
المعلومات تشير إلى أن المدهوني حاول دخول ليبيا في أواخر التسعينات، عن طريق السودان، إلا أن المواجهات التي اندلعت في ذلك الوقت في منطقة الجبل الأخضر شرق ليبيا، بين المتشددين ونظام القذافي، أجبرته على العودة مرة أخرى إلى أفغانستان، حيث ظل هناك إلى أن وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، في الولايات المتحدة الأميركية.
وقتها تمكن الرجل من الدخول من «أبواب اللجوء» التي فتحتها إيران للعشرات من قيادات تنظيم القاعدة العرب الفارين من «الغزو الأميركي والدولي» لأفغانستان. وأقام لمدة في شرق طهران «حيث كان يتلقى إعانة ورعاية». وفي عام 2012، وفقا للتحقيقات، تبيَّن أن المدهوني حصل على جواز سفر عراقي، منسوب صدوره لمدينة بغداد، وبدأ في التواصل مع بعض قيادات الحكم الجديدة التي جاءت بعد مقتل القذافي.. «أي قيادات من بين أولئك الذين كانوا يرفعون شعار تطبيق الشريعة الإسلامية في ليبيا».
يقول أحد الضباط المتقاعدين ويعمل في شركة أمنية غربية في طرابلس: «هذا الرجل (المدهوني) بدأ بالفعل في الاتصال بقيادي كبير في المجلس الانتقالي الليبي. وفي عام 2013 توطدت علاقته، مثل متشددين ليبيين آخرين، بقيادي المجلس الانتقالي المشار إليه».
يبدو من أوراق التحقيقات أن أطرافا أخرى معنية بليبيا شعرت بغرابة التواصل بين المتطرفين العائدين من «الجهاد» في آسيا، والقيادي الليبي الذي كان قد ترك المسؤولية في المجلس الانتقالي بعد تسليم السلطات إلى البرلمان المنتخب منذ عام 2012. حين سُئل عن طبيعة هذه الاتصالات، وأن هناك شخصيات خطرة من بين المتشددين يمكن أن يثيروا القلاقل مستقبلا في هذا البلد، قال هذا المسؤول إنه يعتقد أن المدهوني «ذو نهج وسطي»، وأنه «غير متشدد ولا متطرف».
الوثائق التي اطلعت «الشرق الأوسط» على جانب منها تضيف أن المدهوني ظهر في ليبيا بالفعل عام 2013 بجواز السفر العراقي، لكنه اختفى مجددا لعدة أشهر، قبل أن يتم رصده ضمن ما كان يعرف بـ«لواء الأمة» في سوريا، وهي خلية كانت تضم متطرفين عربًا التحق كثير من عناصرها، فيما بعد، بتنظيم داعش، وأسسها ليبي من أصل آيرلندي، يعيش حاليا في طرابلس ويشغل فيها منصبا في الحكم المحلي للعاصمة التي تسيطر عليها الميليشيات.
في طرابلس يقول أحد المقربين من مؤسس «لواء الأمة» الذي أصبح من المسؤولين في العاصمة، إن المدهوني ومعه قيادي آخر يدعى «أبو حفص الليبي» كانا من بين قيادات «اللواء» الليبيين، ممن بدأوا يتجهون، في سوريا، للانخراط في تنظيم داعش، بدلا من التركيز على مشاركة قوى المعارضة السورية في حربها ضد نظام بشار الأسد. وبسبب إصرار كثير من السوريين، خصوصا «الجيش الحر»، على الابتعاد عن خطط «داعش» والتركيز على محاربة جيش النظام السوري، توجه المدهوني إلى العراق.
الظهور الجديد للمدهوني داخل ليبيا كان مع إعلان تنظيم داعش عن وجوده في البلاد في أواخر عام 2014. استقر به المقام، أول الأمر، في مدينة درنة الساحلية. تضيف المصادر أنه أقام لدى رجلين معروفين بأنهما من قيادات تنظيم القاعدة، الأول يلقب بـ«بن قمو»، والثاني بـ«عزوز». تشير التحقيقات إلى أن المدهوني قاد كثيرا من المعارك في درنة لتمكين «داعش» من المدينة، وضم جماعات أخرى له، من تنظيم «أنصار الشريعة»، سواء الليبي أو التونسي أو المصري.
حصار الجيش الليبي لمدينة درنة وحربه في مدينة بنغازي، جعل تنظيم داعش ينتقل، في صيف العام الماضي، سريعا إلى سرت مسقط رأس القذافي، وتقع على مشارف الهلال النفطي، وهي منطقة تضم أكثر من 60 في المائة من مخزون النفط الليبي. يقول ضابط أمن ليبي يعمل في جهاز المخابرات في طرابلس: «اسم الشخص الذي نقل تنظيم داعش إلى سرت هو (أبو معاذ)». لكن الضابط الأميركي المتقاعد يقول وهو يجلس في فيلته على شاطئ طرابلس: «تبين فيما بعد أن (أبو معاذ) هو (المدهوني الكبير) نفسه».
يعتقد المحققون أن المدهوني متزوج من اثنتين؛ واحدة ليبية، والأخرى سورية. وتوجد نحو خمس ورقات، أمكن الاطلاع على الأسماء الواردة فيها، ويظهر منها أن المدهوني لديه علاقات واسعة بأطراف في الداخل الليبي، وشخصيات أخرى كان على علاقة بها في أفغانستان وباكستان وتضم، بالإضافة إلى الشخصيات «الجهادية» الآسيوية، جزائريين ومصريين وموريتانيين ويمنيين وآخرين من الخليج. أما في داخل البلاد، وبالإضافة إلى اتصالاته القديمة مع أعضاء في المجلس الانتقالي، فقد رصد المحققون اتصالات به تجريها قيادات ليبية «تتحرك في ثوب سياسي»، وأخرى من عدة ميليشيات متطرفة في كثير من المدن الليبية.
لقد تطورت طريقة عمل المدهوني بعد انتقاله من سرت إلى طرابلس في مطلع العام الماضي. أوراق التحقيقات تشير إلى أنه تمكن من اتباع طرق توصف بالمتقدمة في العمل، والانتشار في العاصمة.. هو على اتصال مستمر برجل يدعى الشيخ ياسين في مكتب «الخليفة» المزعوم أبو بكر البغدادي. كما استقبل قيادات متطرفة من بلاد مختلفة طوال الشهور الماضية، بعضهم تسلل إلى طرابلس عبر الأراضي السودانية، والبعض الآخر من الأراضي الجزائرية، إلى جانب التونسيين الأقرب إلى مقره في «عين زارة» في طرابلس.
وللرجل معسكرات ومقرات في العاصمة وما حولها، من بينها معسكر مجاور لمطار «امعيتيقة» الذي يقع تحت سيطرة الميليشيات في طرابلس، وهو المطار نفسه الذي وصلت عن طريقه ثلاث فرق أمنية أميركية على الأقل، بمعداتها، خلال الشهرين الأخيرين. كما يقيم في بعض الأحيان في منتجع على البحر بجوار شاطئ القربولي، في العاصمة، يسميه «دار الحسبة»، ولديه مقر صغير آخر اسمه «المشتل» غير بعيد عن مقر منظمة الصحة العالمية في طرابلس.
بحسب إفادة من مصدر أمني في مخابرات العاصمة الليبية، فإن المدهوني لديه إمكانات مالية هائلة، وغالبا لا يظهر بنفسه في الواجهة. يقول إن الرجل تعرض للتوبيخ من «الشيخ ياسين» الموجود في مكتب البغدادي.
يضيف قائلا إن «من يديرون الأمور للمدهوني في طرابلس، مجاميع مختلفة؛ سواء تلك التي تعمل تحت اسم (داعش)، أو عناصر وقادة آخرين في عدة ميليشيات يتعاونون معه في الخفاء.. يبيعون له شحنات أسلحة، بما فيها كميات من غاز «السارين» المحرم دوليا (من مخلفات مخازن القذافي) ويقدمون له المعلومات».
وللتحقق من معلومات عن وقائع أخرى حصلت عليها «الشرق الأوسط» من مصادر في ميليشيات طرابلس، بشأن امتلاك «داعش ليبيا» القدرة على مراقبة تحركات المسؤولين والشخصيات الكبيرة في العاصمة، قال مسؤول في شركة أمن غربية: «ما لدينا من تقارير تؤشر إلى أن (داعش) في طرابلس لديه قدرات كبيرة وصلت إلى درجة إرسال مساعدات مالية إلى العناصر المنتمية للتنظيم في المنطقة.. لديه كذلك منظومات متقدمة باهظة الثمن لمراقبة الهواتف».
من جانبه، يضيف المصدر في مخابرات العاصمة أنه لوحظ أن المدهوني يصر على لف نفسه بالغموض.. «طبعه العام يتسم بالهدوء، والابتعاد عن المشكلات مع الخصوم والأنصار.. كأنه مدرب جيدا، فهو لم ينفعل رغم كثير من المواقف التي مرت عليه وعلى أتباع التنظيم، ليس في طرابلس فقط، ولكن في سرت وبنغازي ودرنة وصبراتة».
يبدو أن محققي الاستخبارات الغربية والليبية في طرابلس تيقنوا، في نهاية المطاف، من شخصية «المدهوني الكبير» الذي يبغ عمره 63 عاما، حيث إنها تختلف تماما عن «المدهون الصغير (من دون حرف الياء)» الذي يبلغ عمره 34 عاما، وفقا لما ورد في معلومات جواز سفره الليبي (حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه ضمن أوراق من محاضر التحقيقات).
أما قبل سقوط نظام القذافي، فقد كان «المدهون» يعمل مهندسا إنشائيا، بعد تخرجه في معهد للهندسة البحرية، حيث إنه أشرف على الإنشاءات الخاصة بكثير من المقار العسكرية التي كانت تابعة للجيش في عموم البلاد أيام النظام السباق، ومنها «معسكر الرحبة» و«معسكر المدفعية» في طرابلس، و«معسكر رحبة الدروع» في الجفرة.
يضم ملف «المدهون»، معلومات أقل من تلك التي تخص «المدهوني»، منها على سبيل المثال أنه من مواليد منطقة تاجوراء في العاصمة، وأنه متزوج وأب لطفلة، ويتقن اللغة الإنجليزية. كما كان من عناصر «الجماعة الليبية المقاتلة» بعد مقتل القذافي، ثم انضم إلى «داعش»، وأصبح من المسؤولين العسكريين والضالعين في تمرير شحنات الأسلحة للتنظيم، ليس في ليبيا فقط، ولكن في دول بالمنطقة أيضا. يقول أحد ضباط الأمن إن المدهون الصغير «ما زال محتجزا مع مركب أسلحة في مكان ما في شرق البحر المتوسط»، معربا عن اعتقاده بأن توقيفه أزال كثيرا من الغموض عن الفرق بين الرجلين.



«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
TT

«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)

خلال السنوات الـ8 التي مرت منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016، كُتبت ملايين الكلمات عن آثاره. وحتى يومنا هذا، لا تزال قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقسم البريطانيين.

في المملكة المتحدة، هيمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على النقاش السياسي لسنوات، سيما بين عامي 2016 و2019. وبدا الأمر وكأن الملحمة لا نهاية لها. كنت نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة البريطانية طوال ذلك الوقت. وأعلم كم من الوقت استهلك الجدل الذي يبدو بلا نهاية.

لكن الساحة السياسية في المملكة المتحدة اليوم أصبحت أقل زخماً بحمى البريكست. واستقر النقاش الآن على شواغل أطول أجلاً: كيف يمكننا تنمية الاقتصاد؟ وكيف يمكننا التعامل مع مستويات الهجرة المرتفعة للغاية؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة أن ترسم طريقها في الساحة الدولية؟

وزير الخزانة البريطاني السابق كوازي كوارتنغ (غيتي)

في الأثناء، وفي أوروبا نفسها، هناك مشاكل ملحة لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمشاكل التي تواجهها أوروبا تماثل بشكل ملحوظ مشاكل بريطانيا.

يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اعتبار أنه عمل غريب وضرب من الجنون من جانب البريطانيين، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا أكثر تركيزاً على الداخل وأكثر تفتتاً من الناحية السياسية.

كان سقوط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا، في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مثالاً على مشكلة أوروبية لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جاء رحيل بارنييه، بعد 3 أشهر فقط، بعد وقت قصير من انهيار الائتلاف في ألمانيا، الذي دفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) 2025، بدل الموعد الذي توقعه الجميع في سبتمبر (أيلول).

في بريطانيا، بطبيعة الحال، حصلنا على نصيبنا العادل من الانتخابات المبكرة. كان قرار ريشي سوناك بإجراء الانتخابات في يوليو (تموز) 2024 أحدث دعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بعد الانتخابات المبكرة الناجحة التي أجراها بوريس جونسون عام 2019، وانتخابات تيريزا ماي المبكرة الكارثية عام 2017.

تظهر كل هذه الانتخابات المبكرة كيف أن الخروج البريطاني استشرف عصراً يتسم بقدر أكبر من عدم اليقين والفوضى. لا شك أن الأمور أصبحت أقل قابلية للتنبؤ بها بعد خروج بريطانيا، برغم أن المؤرخين سوف يتناقشون بلا أدنى شك حول ما إذا كان خروج بريطانيا أحد أبرز أعراض عصر الاضطرابات، أو بالأحرى أحد تداعياتها.

يشير نجاح دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية عام 2016 إلى أن الخروج البريطاني، الذي سبق انتخابات ترمب، كان جزءاً من مجموعة أوسع من المتغيرات.

كانت القضايا التي أدت إلى بريكست؛ بما فيها ركود النمو الاقتصادي والهجرة الجماعية وفقدان الهوية بالنسبة للعديد من الناس في الغرب، هي القضايا نفسها التي ساهمت إلى حد كبير في انتصارات ترمب الانتخابية في عامي 2016 و2024.

يواجه البريطانيون أسئلة ملحة عن النمو الاقتصادي (إ.ب.أ)

في بداية عام 2025، يواجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مشاكل تراجع النمو وارتفاع الهجرة نفسها. وتكمن خلف هذه الأسئلة القضايا المتعلقة بسياسات الهوية، والسياسات المثيرة للانقسام والمتعلقة بالعرق والجنس.

ويُقال إن الهوس المتصور بسياسات الهوية كان سبباً في إلحاق ضرر هائل بالديمقراطيين، كما بدا واضحاً في أحد الإعلانات الانتخابية الجمهورية، الذي يقول: «كامالا من أجلهم، والرئيس ترمب من أجلكم!».

هذه الرسالة المؤثرة بكل فعالية ألمحت إلى أن الديمقراطيين صاروا منغمسين في قضايا مثل حقوق المتحولين جنسياً، والاستخدام الصحيح للضمائر الشخصية، فضلاً عن مجموعة كاملة من النقاشات «المقبولة سياسياً» التي لم تكن على الإطلاق بين اهتمامات غالبية الأميركيين.

في أوروبا، هناك أيضاً مسألة الطاقة الرخيصة. وإلى أي مدى يتعيّن على الناس العاديين أن يدفعوا مقابل «التحول في الطاقة» لتصفير الكربون في اقتصاد بلدانهم عبر التخلي عن الوقود الأحفوري؟ لم تسبق أي قارة أوروبا في جهود «تصفير الكربون» أو الترويج للتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري. ومع ذلك، لم تشهد أي قارة صعوداً أقوى للشعبوية اليمينية من أوروبا. فالشعبوية اليمينية عموماً ليست صديقة لـ«التحول الطاقي» والطاقة الخضراء.

من الواضح أن كل هذه المشاكل تتجاوز قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تبدو أضيق وأكثر محدودية؛ إذ تنحسر أكثر في الزمن الماضي.

لكن بالنسبة لعشاق الاتحاد الأوروبي، فهناك شعور بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة خسارة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهم يزعمون أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كان بوسعهما التعامل مع هذه القضايا بشكل أكثر فاعلية.

غير أن الحقيقة الواقعية تشير إلى خلاف ذلك. فمن المرجح ألا يختلف الوضع الراهن من عدم اليقين والخلافات السياسية إذا ظلت المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حد ذاته لم يتسبب في الوعكة التي يعيشها الآن كل بلدان الغرب.

*وزير الخزانة البريطاني السابق