الانسحاب الروسي يكشف قوات النظام جويًا بعد تمكينها من استعادة ريف اللاذقية وأجزاء من حلب

خبراء يشككون بتجدد المواجهات ضد المعارضة بفعل الاتفاقات الدولية رغم «عجز النظام عنها»

الانسحاب الروسي يكشف قوات النظام جويًا بعد تمكينها من استعادة ريف اللاذقية وأجزاء من حلب
TT

الانسحاب الروسي يكشف قوات النظام جويًا بعد تمكينها من استعادة ريف اللاذقية وأجزاء من حلب

الانسحاب الروسي يكشف قوات النظام جويًا بعد تمكينها من استعادة ريف اللاذقية وأجزاء من حلب

بدأت الطائرات الروسية أمس بإخلاء مطار حميميم على الساحل السوري، بعد أكثر من خمسة أشهر من العمليات الجوية التي مكنت قوات النظام السوري وحلفاءها من استعادة السيطرة على آلاف الكيلومترات من الأراضي الواقعة في شمال سوريا. لكن جلاء الطائرات، من شأنه أن يريح قوات المعارضة السورية إذا قررت استكمال معاركها في الشمال، كما من شأنه أن «يضعضع قوات النظام وحلفائها» التي «ما كانت لتحقق ما أنجزته لولا الدعم العسكري الروسي»، بحسب ما يقول معارضون سوريون.
ومنذ دخول سلاح الجو الروسي إلى الأجواء السورية، في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، دفع النظام السوري بقواته إلى ميادين القتال في الشمال، محاولاً استعادة السيطرة على سهل الغاب بريف حماه الغربي، وريف إدلب الجنوبي. لكن الحملة العسكرية، اصطدمت بصواريخ «التاو» المضادة للدروع التي تمتلكها المعارضة، ودمرت عددًا كبيرًا من الآليات والمدرعات النظامية، وهو ما دفع النظام لتغيير خططه، حيث فتح الجبهات على بعضها في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وأطلق عمليات جبال اللاذقية وريف حلب الشرقي وريف حلب الجنوبي في الوقت نفسه.
وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إن الضربات الروسية، في العموم، حصّن مناطق النظام في أغلب مناطق الاحتكاك، لكنها في الشمال، مكنت قوات النظام وحلفاءها الإيرانيين وحزب الله اللبناني، بدعم من الضربات الجوية الروسية، «من استعادة، السيطرة على آلاف الكيلومترات في الشمال»، موضحًا أنها في ريف اللاذقية «استعادت السيطرة على أغلب المساحات التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، بينها معقل المعارضة في جبلي التركمان والأكراد». وأشار عبد الرحمن إلى أن الطائرات الروسية «استكملت عملياتها في ريف اللاذقية حتى ساعات سبقت إعلان الكرملين عن الانسحاب»، مشيرًا إلى أن المساحة المتبقية في عهدة المعارضة في اللاذقية «تقارب الـ150 كيلومترًا مربعًا، بينها جبل كتابة، وهي المنطقة الفاصلة بين جبلي الأكراد والتركمان».
وأكد عبد الرحمن أن الروس اتخذوا القرار «بعد إنشاء طوق حماية للنظام حول مدينة حلب، إثر السيطرة على مساحات في ريفها الشمالي وريفها الجنوبي وريفها الشرقي»، مشيرًا إلى أن قوات النظام «استعادت السيطرة على مطار كويرس بفضل الدعم الروسي، وفتحت مناطق نفوذها في الريف الشمالي على الريف الشرقي الذي باتت تبعد عن أحد معاقله (مدينة الباب) نحو 8 كيلومترات».
وفيما لم تنجز قوات النظام أي تقدم في ريف حماه الشمالي وريف إدلب، قال عبد الرحمن إن الضربات الروسية «أوقفت استنزاف قوات النظام فيها»، وهو الأمر الذي ينطبق على الغوطة الشرقية لدمشق حيث «جرى تثبيت مناطق نفوذ النظام فيها، واستعادة السيطرة على مناطق محدودة على جبهة مرج السلطان»، وذلك بعد اغتيال قائد جيش الإسلام زهران علوش.
وبينما لم تحقق قوات النظام أي تقدم استراتيجي في جنوب البلاد، باستثناء استعادة السيطرة على بلدة الشيخ مسكين في ريف درعا، منعت الضربات الروسية تنظيم داعش، في المقابل، من السيطرة على مدينة دير الزور (في شرق البلاد) إثر هجمات التنظيم، بحسب عبد الرحمن، وهي المدينة الواحدة الباقية تحت سيطرة النظام في شرق البلاد.
غير أن التقدم الذي حققه النظام، من شأنه «أن يخسره في حال قررت قوات المعارضة استئناف هجماتها، والمضي بالحل العسكري»، حسبما أكد مصدر عسكري معارض لـ«الشرق الأوسط»، مشددًا على أن قوات النظام «عاجزة عن حماية مواقعها من غير غطاء جوي روسي»، مستشهدًا بـ«عجز النظام عن حماية ما حققه على جبهة (داعش) على خط أثريا - خناصر قبل أسابيع، ولم يستطع أن يستعيدها لولا الغارات الجوية الروسية». وأكد أن قوات النظام «تعاني مشكلة في الكثير والقدرات، ولم تتمكن إلا بعد قصف مناطق المعارضة وفق سياسة التقدم في أرض محروقة».
لكن عودة المعارضة إلى القتال، تشوبها الشكوك. يقول المحلل السياسي والعسكري اللبناني الدكتور نزار عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» إن «الطرفين ضعيفان الآن، ويجب أن يدركا أنه في حال لم يقدما تنازلات مؤلمة لإنجاح المفاوضات، فإنهما على وشك العودة إلى حرب عبثية طويلة قد تستغرق خمس سنوات أخرى».
هذه الوقائع تلتقي مع معلومات تحدث عنها عبد الرحمن، وقال إنه تلقاها من إحدى عواصم القرار في العالم، تفيد بأن «الانسحاب الروسي يأتي بعد ضمانات بأن هذه الحدود رُسمت قبل الذهاب للتوصل إلى حل سياسي، وفي حال تراجع النظام عن المناطق التي استعاد السيطرة عليها بفضل الدعم الروسي، فإن موسكو ستعيد الكرة وتتدخل من جديد».
وقال عبد الرحمن إن الاتفاق الدولي الروسي - الأميركي، وزيارة رئيس الحكومة التركية أحمد داود أوغلو إلى طهران، أفضت جميعها إلى أن «الانسحاب تم بعد اتفاق بأن على جميع الأطراف أن تذهب إلى الحل السلمي، من غير أن تتبدل المعادلة الميدانية ومناطق السيطرة وتثبيت النقاط العسكرية في الوقت الراهن»، وبالتالي «هناك ضمانات بأن لا يتقدم أحد خارج الإطار المعمول به في ظل الهدنة القائمة».
في هذا الوقت، قال عبد القادر، وهو عميد متقاعد من الجيش اللبناني، قال إن النظام اليوم «يمكن أن يواجه تغييرًا جديدًا في موازين القوى ولن يكون لصالحه، لذلك هو ملزم بالانصياع للرغبة الروسية والذهاب إلى المفاوضات»، معتبرًا أنه «من الواضح أن بوتين الذي أصدر القرار بعد اجتماع مع وزيري الخارجية والدفاع، أراد أن يقول إننا نسعى فعليًا لحل سياسي، ولا نناور من أجل العودة للاشتراك بالحرب السورية».



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».