غليون: بعد فوضى الفترة الانتقالية ستتبلور حياة سياسية أكثر انسجامًا

الثورة أنجبت ثقافة سياسية وتنظيمية جديدة واكتشف السوريون هويتهم الوطنية

د. برهان غليون
د. برهان غليون
TT

غليون: بعد فوضى الفترة الانتقالية ستتبلور حياة سياسية أكثر انسجامًا

د. برهان غليون
د. برهان غليون

د. برهان غليون مفكر اجتماعي سياسي واجتماعي.. وأول رئيس لجسم معارض بعد الثورة (المجلس الوطني السوري). محاضر في جامعة السوربون.
* هل ترى أن سوريا ستخرج من هذا الخراب سريعا (إذا نجحت المفاوضات)؟
وهل ترى أن المصالحة الوطنية ممكنة بعد خمس سنوات من الفظائع؟
- سيخرج السوريون من الحرب متخمين وقرفانين من العنف وسفك الدماء والعنف، وهم منذ الآن كما بينت الهدنة، متشوقون للسلام والهدوء للتعبير المدني عن أفكارهم وآرائهم بوسائل سلمية. وأغلبهم سوف ينكبون على تضميد جراحهم ولم شتاتهم وتأمين معاشهم، أما المجرمون فسوف يهربون من أي طرف كانوا لأنهم يعرفون أنه من الممكن الانتقام منهم.
لن تكون هناك مصالحة سريعة لكن لن تكون هناك في نظري انتقامات كما يتصور البعض.
وهذا يحتاج أولا، إلى تطبيق العدالة في حدها الأدنى، ويساق المجرمون والقتلة المعروفون إلى العدالة. وثانيا أن يتنادى العقلاء من المثقفين والسياسيين ورجال الدين والعلماء والفنانين للعب دور إيجابي في إحياء الهوية السورية والتأكيد عليها، ليس في مواجهة الهويات والعصبيات الجزئية، وإنما في موازاتها من أجل العمل على تجاوز أفكار الكراهية والعنصرية.
وثالثا أن تعد الدول الصديقة والشقيقة خطة سريعة للإعمار تفتح آمال الشباب وتشغلهم ببناء المستقبل بدل الغرق في اجترار الماضي وكآباته. ورابعا، أن ننجح في بلورة استراتيجية مشتركة لاحتواء العناصر والحركات المتطرفة وكبح جماح منظمات الإرهابية. وخامسا وهو الأهم أن نخرج من الحرب بدولة سورية ديمقراطية فعلا، يتاح فيها للناس أن تعبر عن رأيها وأن تدافع عن حقوقها وأن تكون هناك عدالة وحكم القانون. من دون ذلك لن تخرج سوريا من الحرب والفوضى والدمار.
* من موقعك.. هل ترى إمكانية إنشاء أحزاب متينة في سوريا، تجمع تحتها قطاعا واسعا من السوريين؟ أم أن تجربة فشل مؤسسات المعارضة في المنفى سينعكس أيضا على ما بعد الحرب وسنرى تكاثرا فطريا للأحزاب؟
- أنا أكثر تفاؤلا منك. فتشتت المعارضة وانقسامها وعجزها عن القيام بدورها القيادي ليس مرتبطا بمورثات بيولوجية تخص السوريين. إنه انعكاس لغياب المعارضة الفعلية خلال نصف قرن، بما تعنيه من خبرة سياسية وتنظيمية وتقاليد نضالية ورفاقية وعمل جماعي من أجل قضية عامة وطنية أو اجتماعية.
كنت أقول قبل الثورة بأن ما حصل في العقود الماضية هو عملية اغتيال سياسي للشعب والمجتمع وقضاء كامل على أي تجربة سياسية. المؤسسات كانت تتحرك بالروموت كنترول الذي هو المخابرات، ولا يحق لفرد حتى لو كانت لديه الإمكانيات أن يتصرف بمبادرته الذاتية. تعلم السوريون أن يكونوا عبارة عن تبع وإمعات حتى يستمروا في حياتهم الطبيعية ولا يتعرضوا للاعتقال أو التعذيب أو الموت أو الهروب إلى المنافي.
وما كان موجودا من بقايا أحزاب الحقبة ما قبل البعثية، أي منذ أكثر من ستين سنة، كانت مجموعات صغيرة من الأفراد التي قضت عمرها إما تحت الأرض أو في السجون والمعتقلات، ولم تطور أي تجربة للتواصل مع الجمهور والعمل معه وتأهيله وتربيته سياسيا. هي مجرد هياكل عظمية متصارعة ومتنابذة لأنها تعيش في عالم مغلق تتنازع فضاء ضيقا جدا جدا.
لقد ولدت سنوات الصراع الطويلة خلال الثورة جيلا جديدا وثقافة جديدة سياسية وتنظيمية وعلاقات إنسانية وتواصلا بين الأفراد السوريين واكتشاف السوريين لهويتهم الوطنية أيضا لم تكن موجودة من قبل.
وبعد فترة انتقالية سيغلب عليها الفوضى والتشتت اللذان نشهدهما في الساحة الآن ويعكسان تشكيلات الماضي وعيوب ثقافته السياسية، سوف تتبلور حياة سياسية أكثر جدية وانسجاما. لكن يتوقف هذا أيضا على طبيعة النظام السياسي الذي سيقوم في البلاد وحجم التدخلات الأجنبية ووتيرة العودة إلى التعافي الاقتصادي والاجتماعي. أما في نظام يشجع على تجييش العصبيات الطائفية والقومية سوف نعيش حالة دائمة من التفتت والصراع، وسيكون من الصعب تكوين أحزاب تستقطب تيارات سياسية وآيديولوجية قوية تغطي الفضاء الوطني بأكمله ولا يقتصر نفوذها على المناطق والأحياء والطوائف.
* كانت لك مبادرات للقاء قيادات فصائل عسكرية، بنية جذبهم وجعلهم داعمين للحراك السياسي والمساهمة في صياغة مستقبل سوريا.
هل أنت متفائل بأن الأغلبية سترمي السلاح وتندمج في الحراك الوطني المقبل؟
- معالجة مسألة القوى المسلحة غير النظامية هي أحد الملفات الرئيسية للانتقال السياسي. وليس المطلوب أن ترمي الفصائل السلاح هكذا. ولا بد من سن قوانين تتيح للقسم الأكبر من المقاتلين الاندماج في القوات العسكرية النظامية، وتأمين عمل مناسب لمن يرغب في العودة إلى الحياة المدنية. والمقصود طبعا السوريون. أما العناصر غير السورية، مهما كان أصلها، فينبغي ترحيلها بالاتفاق مع بلدانها الأصلية أو تخييرها في اللجوء إلى أي بلدان أخرى تقبل باستقبالها، ومحاكمة من تكون قد ثبتت عليه دعاوى جرمية.
أخطر شيء على مستقبل الحياة السياسية والأمنية السورية هو أن يترك المسلحون لأنفسهم أو أن يطلب منهم التخلي عن سلاحهم من دون تأطير قانوني وسياسي يضمن أيضا أن لا تتهدد حياتهم أو أن يحصل انتقام بعضهم من البعض الآخر. من هنا أهمية المواكبة القانونية لكل خطوة من خطوات الانتقال السياسي والخروج من المحرقة الحالية.



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.