كثر الحديث في الأسابيع الماضية عن العمليات التي ستستهدف معاقل تنظيم داعش الإرهابي المتطرف في مدينتي الرقة السورية والموصل العراقية. وفي الوقت الذي تجري فيه التحضيرات على قدم وساق للمعركة المقبلة في الموصل، يبدو أن الأمور مختلفة إلى حد ما بالنسبة إلى مدينة الرقة. فوفق تقرير صدر عن وزارة الخارجية الأميركية، يسعى التحالف الدولي في عملياته المستمرة إلى «عزل مدينة الرقة» الواقعة في شمال وسط سوريا، إذ أعلن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد أن العمليات العسكرية الأخيرة تهدف إلى «قطع صلة الوصل بين المدينتين السنيتين السورية العراقية اللتين جعل منهما التنظيم أبرز قواعد سيطرته».
واعتبر دانفورد أن «العمليات متواصلة» وكذلك «الإنجازات التي حققتها قوات البيشمركة (الكردية) في سنجار وعملية الشدادي في سوريا، ساهمت في قطع خطوط الاتصال بين الرقة والموصل»، مضيفا أنه «سيصار إلى إعداد المقاتلين في التحالف العربي - السوري، وأنه ليس هناك حاليا من جدول زمني محدد لمعركة تحرير الرقة، التي ستعتمد أساسًا على ظروف كثيرة مثل حجم القوة التي ستنفذ الهجوم، وتحركات العدو على الأرض، مع الأخذ بالاعتبار ما يجري حاليا شرق منطقة الشدادي وغربها بهدف تحضير الأرضية ودعم الهجوم المرتقب».
نقل موقع «سوريا نت» أن الجنرال جوزيف فوتل، المرشح لقيادة «المنطقة الوسطى» في القوات المسلحة الأميركية، التي تشمل الشرق الأوسط ضمن نطاق صلاحياتها، عبر أمام مشرّعين أميركيين أمس عن قلقه من «الافتقار إلى شريك يُعتمد عليه في سوريا للقتال ضد تنظيم داعش». وذكر الجنرال فوتل، خلال جلسة للجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي أنه «إذا صادقت اللجنة على تعيينه لقيادة المنطقة الوسطى، فسيسعى إلى إيجاد استراتيجية متناغمة وذات موارد جيدة للسعي وراء معاقل داعش».
وتابع فوتل كلامه أمام اللجنة «في العراق لدينا شريك ولدينا حكومة، لكننا لا نملك هذا في سوريا، وبالتالي، أنا قلق من كيفية تقدمنا في سوريا بغياب العامل السياسي الداعم لذلك». فوتل، أكد كذلك قدرة قوات المعارضة السورية على استعادة مدينة الرقة من تنظيم داعش، بيد أنه أوضح أنه سيكون «من الصعب» الاحتفاظ بها بعد ذلك.
فضلا عن ذلك، اعتبر الخبير في الشؤون العسكرية السورية كريس كوزاك، من «معهد دراسات الحرب» الذي تحدث إلى «الشرق الأوسط» أن التحالف الأميركي يهدف إلى السيطرة على الرقة والموصل هذا العام، شارحًا أن مشكلة الرقة تكمن في أن معظم القوات المقاتلة ضد «داعش» تنتمي إلى (ميليشيا «وحدات حماية الشعب» (الكردية) التي ليس لديها الدافع الكافي للسيطرة على المدينة. وتابع كوزاك شرحه قائلا: «الرقة مدينة ذات أغلبية عربية تقع خارج المنطقة الطبيعية لأكراد سوريا الممتدة من الحسكة إلى عفرين. وعليه تحاول قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة حشد تحالف عربي - سوري لمعركة الرقة، ومن المحتمل أن نرى المزيد من الخطوات لقطع خطوط الإمداد مثل استهداف الطريق السريع بين الرقة ودير الزور، فضلا عن الحدود التركية». إلا أنه - بحسب الخبير - فإن السيطرة على الرقة «ليست أولوية حاليًا لا لنظام الأسد ولا لروسيا، اللذين يركزان معظم جهودهما على تخفيف الضغط عن خطوط الإمداد في منطقة حلب».
أما بما يخص الوضع في الموصل فإنه يختلف اختلافًا شديدًا عما هو عليه في الرقة، حسب تصريحات عدد من المسؤولين الحكوميين العراقيين، بمن فيهم رئيس الوزراء حيدر العبادي، الذين أكدوا أن عمليات الموصل ستبدأ خلال فترة الربيع أو الصيف. مع ذلك، يستبعد العقيد الأميركي المتقاعد هاري شوت من جهته، هذا الأمر، معتبرا أنه لا يزال من الصعب تحديد متى سيقع هجوم الموصل، مشيرا إلى أن «هناك عمليات تحضيرية تسبق هكذا هجوم وعلى الأرجح ستتم في الأشهر الستة المقبلة». وتشمل هذه الخطوات التحضيرية، التي يبدو أنها قد بدأت، إضعاف «داعش» أكثر فأكثر من خلال ضرب مصالحه المباشرة والاستراتيجية وخطوط الإمداد لديه، والسيطرة كذلك على بعض المواقع الاستراتيجية.
ووفقًا لشوت: «التحالف بقيادة الولايات المتحدة يعمل بشكل متواصل على استهداف مصالح مباشرة أو استراتيجية للتنظيم»، واستطرد الضابط الأميركي موضحًا أن المصالح المباشرة تتمثل في العناصر المسلحة والمعدات العسكرية التي يملكها التنظيم في حين تشمل مصالحه الاستراتيجية البنية التحتية للنفط وغيرها من الموارد التي تؤمن له مدخولاً.
هنا، لا بد من الإشارة إلى أنه مع السيطرة على مدينة سنجار، ذات الكثافة السكانية الأيزيدية التي تقع غربي الموصل في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عمدت الميليشيا الكردية المدعومة من القوات الجوية الأميركية، إلى قطع خطوط الإمداد العائدة للتنظيم المتطرف عبر السيطرة على الطريق السريع رقم 47. وبالتالي، يعتبر شوت أنه «لا بد من السيطرة الآن أيضًا على المدن والمناطق الرئيسة الأخرى، قبل أي هجوم على الموصل، فضلا عن تحرير ما تبقى من منطقة دجلة، لا سيما منطقة مدن مثل القيارة وتلعفر، وربما الفلوجة أيضًا، لتسهيل سقوط الموصل. ونشير عند هذه النقطة إلى أنه خلال الأسابيع الماضية وقعت اشتباكات في الفلوجة بين سكان المدينة وعناصر من «داعش».
أما بالنسبة لمدينة القيارة، فيتوقع المحللون والخبراء الاستراتيجيون أن يكون لها دور فعال في معركة الموصل باعتبارها خط إمداد مهمًا جدًا يسمح لتنظيم داعش بالاتصال بمنطقة الحويجة، كذلك فإن السيطرة على مدينة هيت، بعرب محافظة الأنبار، ستشكل مقدمة لأي عمليات في الموصل.
ولكن، «حتى بعد قطع خطوط الإمداد والاستيلاء على المناطق الاستراتيجية، سيبقى تقدم القوات الحكومية العراقية نحو الموصل إشكالية بحد ذاته نظرًا للكثافة السكانية العالية في المدينة»، بحسب الخبير العسكري أحمد شوقي. ويوضح شوقي أن العدد السكاني الهائل (في ثانية كبرى مدن العراق من حيث عد السكان) يجعل من المدينة هدفا صعبا. وفي المقابل، يرى الناشط السياسي غانم العابد، أنه سيكون من السهل نسبيا السيطرة على المناطق المحيطة بالمدينة وتلك الواقعة على الجانب الأيسر منها، بما أن الكثافة السكانية فيهما أقل، كما أنها مناطق حديثة إلى حد ما، بعكس مدينة الموصل نفسها على الجانب الأيمن، والتي تعد قديمة وبالكاد يمكن الوصول إليها بالسيارة، ما من شأنه أن يعقِّد العملية العسكرية ويتسبب بخسائر فادحة في الأرواح.
في أي حال، ما سيزيد الأمور صعوبة في عملية استعادة السيطرة على مدينة الموصل ذات الغالبية السنية، هو تعدد اللاعبين المحليين والإقليميين المنخرطين في شمال العراق الذين يملك كل منهم أجندته الخاصة التي تختلف عن الآخر. وهذا ما يتطرق إليه العابد بقوله: «الموصل ليست معقدة بسبب عدد السكان الكبير فحسب، بل أيضًا بسبب الأعراق المتعددة، ما يعني أن لاعبين مختلفين سيدخلون في العملية»، ثم يضيف مفصلاً أن المنطقة «تضم جماعات عرقية ودينية مختلفة بل متنافسة في غالب الأحيان على غرار السنة والشيعة والمسيحيين والأكراد والتركمان والأيزيديين». ويضاف إلى هذا كله، مسألة حسّاسة أخرى ترتبط بمشاركة ميليشيا «الحشد الشعبي» - ذات الأغلبية الشيعية - في العملية. ولقد أوردت مقالات نشرت أخيرًا عبر قناة «العربية» و«المدى برس» ما جرى تداوله بين رئيس الوزراء حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري حول دور «الحشد الشعبي» في معركة الموصل، الأمر الذي رفضه أعضاء محافظة نينوى، وعاصمتها الموصل. وبعيدا عن المناوشات السياسية حول هذه المسألة بالذات، تتزايد المظاهرات في بغداد المندِّدة بالفساد المستشري في مؤسسات الدولة، ما دفع العبادي إلى اقتراح تشكيل حكومة جديدة.
هذه الخلافات العميقة والاضطرابات الاجتماعية المتعددة، أمام الخلفية المذهبية والطائفية، قد تؤدي مرة أخرى إلى تأجيل عملية الموصل التي كانت قد أجمعت مصادر مختلفة على أنها ستحصل في شهر يونيو (حزيران) المقبل. وللعلم، فإن الحكومة العراقية لا تملك من جهتها سوى إطار زمني محدود للمضي قدما في هجومها لتحرير الموصل إن أرادت أن تنفذ العملية قبل حلول فصل الشتاء الذي بالتأكيد لن يكون لصالحها وسيصعِّب عليها عملياتها العسكرية.
الرقة والموصل .. صورة غامضة
واشنطن لم تجد شريكًا سوريًا لقتال «داعش» في الأولى .. والعجز أمام تحرير الثانية
الرقة والموصل .. صورة غامضة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة