«غرابة في عقلي» إبحار ليلي في شوارع مدينة إسطنبول

التركي {النوبلي} أورهان باموق في روايته الجديدة

غلاف الرواية - أورهان باموق
غلاف الرواية - أورهان باموق
TT

«غرابة في عقلي» إبحار ليلي في شوارع مدينة إسطنبول

غلاف الرواية - أورهان باموق
غلاف الرواية - أورهان باموق

يبدو أن الكاتب التركي أورهان باموق من صنف الكتاب النادرين الذين يبدعون أفضل رواياتهم بعد فوزهم بجائزة نوبل، هناك مبدعون كثر فازوا بالجائزة في عمر الشيخوخة مثل الروائية البريطانية دوريس ليسنغ والروائية الكندية أليس مونرو ولم يضيفوا إنجازات أدبية مهمة بعد ذلك. أورهان باموق فاز بنوبل عام 2006 وهو بعمر 54 عاما، وهذا العمر المبكر لنيل الجائزة العالمية المرموقة له ميزاته الكثيرة عدا الشهرة، فهو يتيح للروائي مساحة زمنية معقولة لكي يضيف إلى إنجازه إبداعات أدبية أخرى، وهذا ما حصل فعلا، فرائعته الأدبية (متحف البراءة 2008) ممتعة ومشوقة وأكثر حميمية من رواياته الأدبية التي سبقتها والتي نال عنها جائزة نوبل.
لكن الكثير من القراء يجدون أسلوب باموك كثيفا ومثقلا بالتفاصيل ويفتقد الشحنة العاطفية. شخصيًا، وجدت أسلوبه مملا وجافا نوعا ما، رغم روعة الوصف للأشياء والأماكن والروائح والأطعمة وكذلك تعدد الأصوات في الرواية إلى درجة أن يستنطق اللون والموت. باموك يذكرنا أنه ليس ضروريا أن نعجب بالروائي من الرواية الأولى. روايته الجديدة «غرابة في عقلي»A Strangeness in My Mind) التي صدرت عن دار نشر (فايبر اند فايبر) بـ624 صفحة ترجمها إلى الإنجليزية (أكن أوكلابEkin Oklap)، (صدرت أخيرا ترجمتها العربية عن دار الشروق بترجمة عبد القادر عبد اللي).
استغرق باموق في كتابة هذه الرواية ست سنوات وهي تغطي أربعين سنة من تاريخ إسطنبول الحديث (1969 - 2012) وهي الفترة المشوشة التي شهدت تطور المدينة والزيادة السكانية من 3 ملايين نسمة إلى 13 مليون نسمة. روايته التاسعة هذه هي في اعتقادي أجمل أعمال باموك الأدبية وربما سيجدها القراء كذلك، حتى أولئك الذين لم يستسيغوا أسلوب باموق، «غرابة في عقلي» سوف تعيدهم إلى عالم أورهان باموك الروائي.
مثل جيمس جويس يحمل أورهان باموق نظرة شفافة لمدينته وحبًا أزليا حتى لتناقضاتها. إنه يروي التاريخ الحديث لمدينته عبر مشاهدات بائع متجول في شوارعها هو مولود كراتاش. تسرد الرواية قصة حياته وأمنياته وأحلام يقظة هذا الرجل الذي يبيع اللبن والرز والبوظة (شراب القمح المتخمر). إنه يتجول في الشوارع الفقيرة الخلفية المرصوفة بالحصى شتاءً وهو ينادي على بضاعته، وينسج دروبه عبر تغيّر جغرافية المكان حينما يواجه القديم والجديد، الشرق والغرب. مولود بطل الرواية ولد 1956 في قرية في مقاطعة أناتوليا وانتقل مع أبيه إلى إسطنبول وهو بعمر 12، لكنه يعود إلى قريته وهو شاب لحضور حفل زفاف قريبه (كوركوت)، فيقع بغرام أخت العروس، يخبر (سليمان)، وهو أخ كوركوت، مولود إن اسم الفتاة هو (ريحة). ويظل مولود يكتب رسائل غرامية إلى ذات العينين الفاترتين لمدة ثلاث سنوات، تقتنع ريحة أخيرا بالهرب إلى إسطنبول لكي تلتقيه. لكن سليمان خدع مولود، فريحة هي الأخت الكبرى لصاحبة العينين الفاترتين التي اسمها سميحة والتي يرغب سليمان في الزواج منها، لكن عدم زواج الأخت الكبرى يجعل هذا الزواج صعبا. هذه الحبكة الجانبية المثيرة التي يسردها باموق هي من ستقود القارئ لدخول عالم «غرابة في عقلي». باموق يتحايل على القارئ بهذه الحبكة العاطفية وعلى خلاف المتوقع تنشأ بين مولود وريحة قصة حب بعد أن يتزوجا وينجبا بنتين هما فاطمة وفيفزيا، لكن بيع البوظة لا يوفر للعائلة كل ما تحتاجه من متطلبات العيش فيضطر للعمل حارسًا في مرآب للسيارات.
يقول باموق عن بطل روايته: «أردتُ أن أكتب عن شخصية رجل بسيط مقتنع بفقره ويتماهى معه، وهي شخصية على خلاف أبطال رواياتي الأخرى الذين ينحدرون من الطبقة الوسطى المثقفة في المجتمع، لذلك تحدثت وصادقت بائعين متجولين من مختلف المهن كي أفهم كيف يفكرون وما هي أحلامهم وكيف يحتملون عملهم الشاق».
يستسلم مولود للجنة التي يعيشها بالصدفة لأن رسائله الغرامية الطويلة لم تكن لزوجته ريحة بل لأختها، مما يثير سؤالاً حتميًا في مثلث الحب هذا، أي من الأختين هي الحبيبة؟ وهذا السؤال سيولد سؤلا آخر: أيهما أكثر تأثيرا على المصائر الصدفة أم القصدية، طالما أنتجت الصدفة المحضة السعادة؟
باموك في هذه الرواية يحتفي بالزواج الذي يجمع شخصين بالصدفة ليستقرا ويكونا عائلة، يحتفي بالأبوة ويحتفي حتى بنزاعات الأسرة ومشكلاتها اليومية: «هما بنتان صغيرتان لكنهما مع ذلك تخافان من الوحدة».. يقول مولود عندما يسمع صراخ بنتيه.
الرواية فيها كثير من البهجة لكنها تبرز الفواجع في الوقت ذاته، الشخصيات النسائية من المتوقع منها أن تطيع الآباء والأزواج سواء إذا كان الزواج تقليديا أم لا، كما حصل مع ريحة ومولود. تقول ريحة بطلة الرواية لأبيها: «نحن لسنا للبيع». يستخدم باموك في هذه الرواية صوت الشخص الثالث حينما يروي قصة مولود بينما يستخدم ضمير الأنا بالنسبة لبقية الشخصيات حين تروي جانبها المتعلق بمولود.
مولود هو الشخصية الذكورية الوحيدة التي لا تنتهز الفرص خلال حقبة تحديث إسطنبول، لكن هذا لا يعني أن شخصيته سلبية، بل هو شخص قنوع بأسرته وعمله ومتعلق بمدينته، وهو يغري القارئ، بتذوق تفاصيل الحياة اليومية في إسطنبول، التي تكشف التأثير العميق لتطور المدينة وتحديثها.
بطل الرواية يثبت أيضًا أن ليالي الشتاء في إسطنبول بلا نهاية، فهي مدينة مشبعة بالقهر والحزن وهو شاهد على هذا الحزن الذي يمشي معه من شارع إلى آخر، هل الحزن هو الغرابة في عقل مولود؟ عنوان الرواية مقتبس من قصيدة الشاعر الإنجليزي وردورث (غرابة في عقلي / أحس بعدم الانتماء لتلك الساعة / وعدم الانتماء لذلك المكان)، وهو عنوان مؤثر بحق، فمتاهة الشوارع التي يبيع مولود بها البوظا ليلا وكذلك الحيرة والتساؤلأت التي تدور في رأسه هي متاهة واحدة. البطل ليس قديسا ولا وليًا بل دخيلاً على المدينة لكنه قوي الإرادة والعزيمة وبعيد عن الجشع والأنانية التي تحكم وتسيطر على مجتمعه.
في هذه الرواية كما في معظم روايات باموق السابقة مدينة إسطنبول هي أكثر أبطال الرواية حضورا، القارئ يتبع البطل مولود عبر الطرقات الحجرية المتشعبة للمدينة والتي تنفتح أغلبها على المناطق الفقيرة وعبر الممرات التاريخية لمدينة إسطنبول. قراءة هذه الرواية هي مزيج من التاريخ التفصيلي للمدينة ممزوجًا بالذاكرة الشخصية للبطل، لكن «غرابة في عقلي» هي قبل كل شيء رسائل حب إلى مدينة إسطنبول بكل شحوبها وفوضاها ومجدها الغابر.
في روايته الثانية «البيت الصامت» 1983 يروي باموق قصة شاب يحاول تحقيق حلم أبيه وجده في تدوين كل شيء في موسوعة، وفي روايته الأخيرة «غرابة في عقلي» تتحول الرواية نوعا ما إلى موسوعة، شريحة واسعة من الشخصيات والأحداث، البيوت والأطعمة والتفاصيل التي تجعل القارئ يشعر عندما ينتهي من 600 صفحة إنها موسوعة لكن تحت اسم إسطنبول.
بنية الرواية خليط من عدة أصوات، الرواية تتيح لكل شخصية سرد جانبها الذي يخصها من حياة مولود، البطل يستسلم لقدره ولا يعترض ويحاول أن يفهم الحب الذي ينشأ بينه وبين زوجته عبر خدعة، استسلامه ليس نوعًا من الاعتزال لكنه نوع من الامتنان لهدية غير متوقعة.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.