الصين.. بين الإصلاح المالي الرشيد والمخاوف الدولية

الأنظار على قيمة اليوان وحجم التحفيز

صادرات بكين تراجعت 25 % في فبراير.. فيما لا يزال الطلب الداخلي متأثرًا بالانكماش (رويترز)
صادرات بكين تراجعت 25 % في فبراير.. فيما لا يزال الطلب الداخلي متأثرًا بالانكماش (رويترز)
TT

الصين.. بين الإصلاح المالي الرشيد والمخاوف الدولية

صادرات بكين تراجعت 25 % في فبراير.. فيما لا يزال الطلب الداخلي متأثرًا بالانكماش (رويترز)
صادرات بكين تراجعت 25 % في فبراير.. فيما لا يزال الطلب الداخلي متأثرًا بالانكماش (رويترز)

ضمن إعادة هيكلة ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تسعى الصين إلى ترتيب أوراقها الاقتصادية بطريقة تسرع خطاها نحو الاستقرار المالي، وسط مخاوف دولية من قرارات حكومية غير محسوبة تطيل معها فترة التذبذب المالي، التي ستؤثر بالتبعية على الاقتصاد العالمي.
وتتجه أنظار مجتمع الأعمال نحو قيمة اليوان خلال الفترة المقبلة، ومدى تأثير إعادة هيكلة الاقتصاد الصيني على استقراره، الأمر الذي يلمس بشكل مباشر الميزان التجاري في معظم دول العالم، نظرًا لتصدر بكين المراتب الأولى في قيمة الصادرات لمختلف دول العالم.
وتراجعت الصادرات الصينية في فبراير نحو 25 في المائة بالمعدل السنوي، مما يوضح أن الطلب العالمي بات ضعيفًا، فيما لا يزال الطلب الداخلي متأثرًا بضعف الاستثمارات في العقارات (إحدى دعائم الناتج المحلي الإجمالي) وانكماش النشاط الصناعي.
وواصل الإنتاج الصناعي الصيني تباطؤه في يناير (كانون الثاني) وفبراير، مسجلاً وتيرة نمو هي الأبطأ منذ سبع سنوات، في حين يواجه طلبًا ضعيفًا، رغم زيادة الاستثمارات في البنى التحتية.
وتضخم الإنتاج الصناعي في الصين، 5.4 في المائة بالمعدل السنوي خلال شهري يناير وفبراير، مقابل زيادة بنسبة 5.9 في المائة في ديسمبر (كانون الأول)، وفق المكتب الوطني للإحصاءات. ولا تستثنى مبيعات التجزئة التي تشكل مقياسا للإنفاق الأسري الصيني من هذا الوضع، إذ تباطأت في شكل كبير خلال الشهرين الأولين من عام 2016، مع زيادة بنسبة 10.2 في المائة بالمعدل السنوي، مقابل 11.1 في المائة في ديسمبر. وهذه المعدلات الأدنى منذ عشرة أشهر.

* محاولات للطمأنة
وفي محاولة لطمأنه المجتمع الاقتصادي الدولي، قال تشو شياو تشوان، محافظ بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أمس السبت، إن بلاده يمكنها تحقيق أهدافها التي تم تحديدها مؤخرًا بشأن النمو الاقتصادي للعام الحالي وحتى عام 2020 من دون المزيد من التحفيز المالي، لكنه قال إن الإصلاح المالي «قيد المناقشة».
كان رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، قد تعهد أمام البرلمان الأسبوع الماضي، بـ«تكثيف التحفيز المالي»، في البلاد التي تواجه تراجعا في نسبة النمو المستهدفة للعام الحالي، إلى «ما بين 6.5 و7 في المائة» في الموازنة التي بلغ فيها نسبة العجز 3 في المائة بزيادة 560 مليار يوان (78 مليار يورو) عن العام الماضي.
وقال محافظ البنك المركزي الصيني، خلال مؤتمر صحافي على هامش أعمال الدورة السنوية الرابعة للمجلس الوطني الثاني عشر لنواب الشعب الصيني: «الصين ستتمسك بسياستها النقدية الحكيمة». وتابع أن التركيز يجب أن ينصب على تحقيق نمو من دون تطبيق إجراءات نقدية إضافية.
ويعني حديث المركزي الصيني أن بكين لن تغير كثيرًا في سياستها النقدية، إلا في حالات الضرورة، مع إعادة النظر في بعض القطاعات الإنتاجية لتحفيز الاستهلاك المحلي، مع الأخذ في الاعتبار إنعاش السوق بضخ السيولة ودعم بعض القطاعات والتحفيز الضريبي، والحفاظ على الاستثمارات القائمة، وهو ما أكده المحافظ بقوله إنه «يمكن تحقيق الأهداف من خلال تحسين الطلب المحلي والاستهلاك والابتكار من دون إجراءات تحفيز ضخمة».
* مخاوف كبيرة
وقد أثار حجم توقعات النمو في الصين، مخاوف المستثمرين من الدخول في ركود اقتصادي عالمي جديد، فضلاً عن المخاوف التي أثارتها التوقعات المتدنية من بعض المسؤولين في مؤسسات مالية دولية، حول معدل النمو في الصين، بنسبة تقل 2.9 في المائة عن التوقعات الرسمية الصينية، إذ توقعت كريستين لاغارد مديرة صندوق النقد الدولي، في كلمتها خلال افتتاح اجتماع محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية لدول مجموعة العشرين، نمو اقتصاد الصين 3.6 في المائة في 2016. وحاول تشو شياو تشوان، محافظ بنك الشعب الصيني، طمأنة المستثمرين، بأن العملة الصينية اليوان قد بدأت تعود إلى قيمتها الطبيعية أمام العملات الأخرى بعد عام من التقلبات. وكان أكبر مسؤول بقطاع التخطيط الاقتصادي في الصين، قال في وقت سابق، إن اقتصاد البلاد لا يتجه صوب تباطؤ حاد وإنه لا يثقل كاهل الاقتصاد العالمي الذي يهدد بدوره النمو الصيني بسبب الضبابية وعدم الاستقرار.
وأثار انخفاض قيمة اليوان المخاوف من أن الصين قد تعتمد على خفض سعر اليوان لدعم تجارتها الخارجية، لكن المحافظ قال: «لا حاجة لحفز الصادرات عن طريق خفض قيمة اليوان، ولا تغيير في دعم سوق اليوان في هونغ كونغ». ورغم تباطؤ الاقتصاد الصيني وتراجع معدلات النمو، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد واصل نموه على نحو مطرد في الشهرين الأولين من العام الحالي.
* بيانات الاستثمار
وأشارت بيانات من وزارة التجارة الصينية يوم الجمعة، إلى أن الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي لا يتضمن الاستثمار في القطاع المالي، ارتفع بنسبة 2.7 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى 142 مليار يوان (52.22 مليار دولار) في الشهرين الأولين من العام الحالي. وارتفع نمو الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين خلال شهر يناير وحده، بنسبة 2.3 في المائة سنويًا إلى 14.07 مليار دولار.
وبلغت نسبة الاستثمارات في قطاع الخدمات 8.62 في المائة من إجمالي التدفقات المالية خلال تلك الفترة لتصل إلى 89 مليار يوان (14.1 مليار دولار). كما بلغت نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعة الخدمات التكنولوجية المتقدمة 157 في المائة على أساس سنوي خلال تلك الفترة، لتصل إلى 16 مليار يوان (2.5 مليار دولار). ومعظم هذه الاستثمارات من بريطانيا والولايات المتحدة وسنغافورة، حيث بلغت 120 في المائة و111 في المائة و54 في المائة على التوالي.
واستحوذ قطاع الخدمات على 6.67 في المائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية التي تدفقت إلى الصين خلال هذه الفترة. وحقق اقتصاد الصين خلال العام الماضي نموًا بمعدل 9.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وهو أقل معدل نمو منذ ربع قرن. ولجأت الصين إلى الاحتياطي النقدي أكثر من مرة خلال الفترة القليلة الماضية، لينخفض بواقع 57.28 مليار دولار في فبراير، وهي وتيرة تقل قليلاً عن التوقعات وأبطأ من نظيرتها في يناير، بما يشير إلى أن البنك المركزي يقلص تدخلاته لدعم اليوان مع تباطؤ نزوح رؤوس الأموال إلى الخارج.
وأظهرت بيانات من بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) أن احتياطيات الصين الأجنبية هبطت للشهر الرابع على التوالي لتصل إلى 20.3 تريليون دولار بنهاية فبراير مسجلة أدنى مستوى لها منذ ديسمبر 2011.
كانت الصين قد أقرت بأنها تواجه تحديًا صعبًا لكن قالت إنها ستحافظ على نمو الاقتصاد 6.5 في المائة على الأقل في المتوسط على مدى الأعوام الخمسة المقبلة.
* خطوات إصلاحية
وفي إطار دعم الاستثمارات الأجنبية، وجذب الأموال، قالت الحكومة الصينية إنها ستلغي القيود المفروضة على مشاركة الأجانب في بعض قطاعات الخدمات ومن بينها تصميم البناء والمحاسبة والمراجعة، كما ستسمح أيضًا باستثمارات أجنبية أكبر في قطاعات المصارف والتأمين ورعاية المسنين.
وسجلت الصين طلبًا ضعيفًا وهبوطًا في التجارة الخارجية وتراجعًا في نشاط قطاع التصنيع، وركودًا في الاستثمارات في القطاع العقاري، الذي لا يزال من أسس إجمالي الناتج الداخلي، بالإضافة إلى الفائض الكبير في القدرات الإنتاجية الذي ينعكس سلبًا على القطاع الصناعي.
وحددت الصين هدفًا للتضخم عام 2016 بـ«نحو 3 في المائة» بتراجع كبير عن مستواه الحالي، على خلفية ضغوط انكماشية، وهي عازمة على إبقاء مستوى البطالة «دون 4.5 في المائة».



الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
TT

الساعات الأخيرة قبل إسدال الستار على مؤتمر «كوب 16» في الرياض

جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)
جلسة المفاوضات التي تعمل على حسم بنود الإعلان الختامي لمؤتمر «كوب 16» (الشرق الأوسط)

على مدار الأسبوعين الماضيين، اجتمع قادة الدول والمنظمات الدولية، والمستثمرون، والقطاع الخاص، في العاصمة السعودية الرياض، لمناقشة قضايا المناخ، والتصحر، وتدهور الأراضي، وندرة المياه، وسط «مزاج جيد ونيات حسنة»، وفق الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إبراهيم ثياو، خلال مؤتمر صحافي عُقد مساء الخميس.

وجرى جمع 12 مليار دولار تعهدات تمويل من المنظمات الدولية الكبرى. وفي المقابل، تُقدَّر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق أهداف مكافحة التصحر وتدهور الأراضي بين 2025 و2030 بنحو 355 مليار دولار سنوياً، مما يعني أن هناك فجوة تمويلية ضخمة تُقدَّر بـ278 مليار دولار سنوياً، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام تحقيق الأهداف البيئية المطلوبة.

وحتى كتابة هذا الخبر، كانت المفاوضات لا تزال جارية. وكان من المرتقب إعلان النتائج في مؤتمر صحافي عصر اليوم، إلا أنه أُلغي، و«تقرَّر إصدار بيان صحافي يوضح نتائج المؤتمر فور انتهاء الاجتماع، وذلك بدلاً من عقد المؤتمر الصحافي الذي كان مخططاً له في السابق»، وفق ما أرسلته الأمم المتحدة لممثلي وسائل الإعلام عبر البريد الإلكتروني.

التمويل

وقد تعهدت «مجموعة التنسيق العربية» بـ10 مليارات دولار، في حين قدَّم كل من «صندوق أوبك» و«البنك الإسلامي للتنمية» مليار دولار، ليصبح بذلك إجمالي التمويل 12 مليار دولار، وهو ما جرى الإعلان عنه يوم الخميس.

وكانت السعودية قد أطلقت، في أول أيام المؤتمر، «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف»، بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة.

وأشار تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 278 مليار دولار سنوياً، تهدد قدرة الدول على تحقيق أهداف مكافحة هذه الظواهر بحلول عام 2030، ما يشكل عقبة أمام استعادة الأراضي المتدهورة التي تُقدَّر مساحتها بمليار هكتار.

وتبلغ الاستثمارات المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف بين 2025 و2030، نحو 355 مليار دولار سنوياً، في حين أن الاستثمارات المتوقعة لا تتجاوز 77 ملياراً، مما يترك فجوة تمويلية ضخمة تصل إلى 278 مليار دولار، وفق تقرير تقييم الاحتياجات المالية لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، الذي أصدرته في اليوم الثاني من المؤتمر. وفي وقت تواجه الأرض تحديات بيئية تتعلق بتدهور الأراضي والتصحر، إذ أشارت التقارير التي جرى استعراضها، خلال المؤتمر، إلى أن 40 في المائة من أراضي العالم تعرضت للتدهور، مما يؤثر على نصف سكان العالم ويتسبب في عواقب وخيمة على المناخ والتنوع البيولوجي وسُبل العيش.

وفي الوقت نفسه، يفقد العالم أراضيه الخصبة بمعدلات مثيرة للقلق، وزادت حالات الجفاف بنسبة 29 في المائة منذ عام 2000، متأثرة بالتغير المناخي، وسوء إدارة الأراضي، مما أدى إلى معاناة ربع سكان العالم من موجات الجفاف، ومن المتوقع أن يواجه ثلاثة من كل أربعة أشخاص في العالم ندرة كبيرة في المياه بحلول عام 2050، وفقاً لبيانات اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر. وقد ارتفع الجفاف الحاد بنسبة 233 في المائة خلال خمسين عاماً، وفق آخِر تقارير «البنك الدولي».

وفي ظل هذه الظروف، جاء مؤتمر الرياض «كوب 16» لمناقشة أهمية التعاون الدولي والاستجابة الفعّالة لمجابهة هذه التحديات، وليسلّط الضوء على ضرورة استعادة 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030 لتحقيق الاستدامة البيئية.

يُذكر أن «مؤتمر كوب 16» هو الأول من نوعه الذي يُعقَد في منطقة الشرق الأوسط، وأكبر مؤتمر متعدد الأطراف تستضيفه المملكة على الإطلاق. وصادف انعقاده الذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، إحدى المعاهدات البيئية الثلاث الرئيسية المعروفة باسم «اتفاقيات ريو»، إلى جانب تغير المناخ والتنوع البيولوجي.