المستوطنون يعدون مشروعًا لإجلاء عائلات فلسطينية في القدس

بدعم من حكومة نتنياهو.. وفي إطار عملية تطهير عرقي منظمة

المستوطنون يعدون مشروعًا لإجلاء عائلات فلسطينية في القدس
TT

المستوطنون يعدون مشروعًا لإجلاء عائلات فلسطينية في القدس

المستوطنون يعدون مشروعًا لإجلاء عائلات فلسطينية في القدس

تقدم قادة منظمة «عطيرت كوهانيم» الاستيطانية بست دعاوى إخلاء في الأشهر الأخيرة ضد 27 عائلة فلسطينية تقطن في سلوان، وذلك في إطار استيطاني كبير يستهدف تحويل الحي إلى بؤرة استيطان كبرى. وهو المشروع الذي يعده الفلسطينيون عملية تطهير عرقي منظمة.
وتعد هذه الدعاوى الجديدة استكمالا لـ12 دعوى أخرى تبحث في المحاكم الإسرائيلية، هدفها إخلاء 51 عائلة فلسطينية أخرى، تضم أكثر من 300 شخص، يعيشون في حي بطن الهوى في قلب قرية سلوان، التي تعد جزءا لا يتجزأ من القدس الشرقية المحتلة. وتزعم «عطيرت كوهانيم» أن هذه البيوت تقوم على أرض اشتراها اليهود من أصحابها الفلسطينيين قبل أكثر من مائة سنة من أجل إسكان اليهود القادمين من اليمن.
ويتبين من فحص الدعاوى أن الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس الغربية الإسرائيلية تساندان المستوطنين، وتوفران لهم كل ما يلزم من وثائق ومعلومات والدعم المادي لإدارة هذه الدعاوى. ومع أنها تعرض بوصفها «دعاوى مدنية عادية»، وليست دعاوى سياسية حكومية من أجل تهويد سلوان، إلا أن المستوطنين يؤكدون أنهم حصلوا على مساعدات كبيرة من أذرع الدولة من خلال مشروع تهويد القرية، حيث قام «حارس الأملاك العام» في وزارة العدل الإسرائيلية بمنح الأملاك رسميا إلى الجمعية، وقدم استشارات داعمة في المحاكم، وفي بيع أراض أخرى من دون مناقصات. فيما قام رئيس بلدية القدس نير بركات، المعروف بتأييده للمستوطنين في سلوان ولمشاريع التهويد، بإعطاء غطاء قانوني للمستوطنين.
وحسب عدد من المراقبين فإنه لوحظ خلال السنتين الأخيرتين ارتفاع عدد المستوطنين الذين قدموا دعاوى إخلاء ضد عائلات فلسطينية، وحاولوا في المقابل إقامة مفاوضات مع السكان الفلسطينيين، وعرضوا عليهم أموالا طائلة لإقناعهم بإخلاء إرادي للبيوت. وفي عدة حالات خضعت بعض العائلات وقامت بإخلاء منازلها. وهناك عشر عائلات يهودية تسكن في عمارة تعرف باسم «بيت يونتان»، حيث توجد للجمعية 13 شقة أخرى في مبان تم إخلاؤها في السنة الماضية. لكن معظمها ما زالت شاغرة.
وقررت «عطيرت كوهانيم» في الأشهر الأخيرة فتح حملة قضائية شاملة لإخلاء جميع المنطقة التي اشتراها اليهود، التي يسكن فيها فلسطينيون، وهي تقوم على أرض تبلغ مساحتها خمسة دونمات ونصف الدونم، وتسكن فيها ستون عائلة فلسطينية، وجل هذه العائلات تعيش في تلك المنازل منذ عشرات السنين. كما جرى في الأشهر الأربعة الأخيرة تقديم عشرات الدعاوى، التي يوصف فيها الفلسطينيون بأنهم معتدون، والتي طلبت من المحكمة «إعطاء أمر إخلاء المدعى عليهم، وإعطاء الأملاك لمقدمي الدعوى، وهي خالية من الأشخاص والأثاث».
وحسب تقديرات المحامي زياد قعوار، الذي يمثل العائلات الفلسطينية وشقيقه المحامي يزيد قعوار، والمحامي محمد دحلة، فإن سبب الدعاوى الحالية هو خشية المستوطنين من عملية التقادم، «لأن الحديث يدور عن أراض غير منظمة، والتقادم يتم بعد مرور 15 سنة، وقد تم تجديد الملكية للأراضي سنة 2001، ولذلك سيقومون بتقديم جميع الدعاوى حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. لكننا ندعي أن التقادم حصل قبل ذلك بكثير، لأن حارس الأملاك العام كان يعرف عن هذه الأراضي، ولم يفعل أي شيء من أجل الحصول عليها».
وإضافة إلى مسألة التقادم فإن المحكمة ستضطر إلى اتخاذ قرار حول سؤال ما إذا كانت الأراضي بقيت في أيدي اليهود منذ نهاية الثلاثينات، وذلك عندما ترك اليهود اليمنيون الحي، علما أن بعض الفلسطينيين يدعون أن عائلاتهم اشترت الأراضي من اليهود.
وقال المحامي دحلة إن «القانون الإسرائيلي يسمح بالحصول على أملاك يزعمون ملكيتها قبل 1948، بينما أملاك الفلسطينيين قبل 1948 تتم مصادرتها لصالح الدولة. ودولة إسرائيل من خلال تشريع تمييزي تساعد على إقامة المستوطنات في قلب شرق القدس، وتدفع اللاجئين الفلسطينيين في بطن الهوى، لأن يصبحوا لاجئين مرة أخرى».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.