المدير السابق لاستخبارات البنتاغون: واشنطن بحاجة إلى إعادة التوازن في الشرق الأوسط

قال لـ «الشرق الأوسط» إن إدارة أوباما تصرفت على نحو غير ناضج برفع العقوبات عن طهران مقابل صفقة ضعيفة

المدير السابق لاستخبارات البنتاغون: واشنطن بحاجة إلى إعادة التوازن في الشرق الأوسط
TT

المدير السابق لاستخبارات البنتاغون: واشنطن بحاجة إلى إعادة التوازن في الشرق الأوسط

المدير السابق لاستخبارات البنتاغون: واشنطن بحاجة إلى إعادة التوازن في الشرق الأوسط

يعد ديفيد شيد أحد أهم ضباط الاستخبارات الأميركية في فترة ما بعد 11 سبتمبر. خلال سنوات حكم بوش، كان شيد يعمل في مجلس الأمن القومي ثم أصبح نائبا لمدير الاستخبارات الوطنية للسياسة والتخطيط. وخلال تلك الفترة، أجرى عددا من الإصلاحات الاستخباراتية الجذرية ووضع «استراتيجية استخباراتية وطنية» جديدة. وفي عهد إدارة أوباما، وتحديدا في أغسطس (آب) 2010. أصبح نائبا لمدير وكالة استخبارات الدفاع ثم بعد ذلك بأربع سنوات وصل إلى منصب مدير الوكالة لعدة أشهر قبل تقاعده.
وفي الحوار الذي أجراه حصريا مع صحيفة «الشرق الأوسط»، استدعى شيد رؤيته بشأن العالم العربي خلال فترة «الربيع العربي» وكيف اختلفت رؤيته عن الرؤية التي كانت تسود إدارة أوباما. كما أوضح شيد التحديات المرتبطة بالعمل الاستخباراتي بشأن إيران ودور الاستخبارات في السياسات الأميركية تجاه الجمهورية الإسلامية. وأخيرا، وفي انتظار البيت الأبيض الجديد، قدم بعض الخيارات الجديدة المطروحة على الولايات المتحدة التي يمكنها أن تصنع تمثل اختلافا جذريا عن سياسات إدارة أوباما.
* ماذا كانت أكبر مخاوفك بشأن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عشية الثورات التي اندلعت في 2011 - 12؟
- قبل «الربيع العربي» كنت أرى تزايد حدة منحنى الاضطرابات التي تمتد من دمشق إلى طهران وحزب الله اللبناني، وهي العلاقة التي كانت ضرورية للحفاظ على استمرار بشار في السلطة. وذلك حيث امتد ذلك المنحنى شرقا صوب بغداد وجنوبي العراق والخليج وكان يحوم حول اليمن عبر الحوثيين الذين يحظون بدعم إيران. وهذا هو جوهر النزاع الذي نراه اليوم.
وكما أخبرني مسؤول كبير بالكويت قبل ثلاثة أعوام: «نشكركم على وضع إيران على حدودنا». مشيرا إلى أن البصرة، جنوبا، أصبحت خاضعة تماما للهيمنة الإيرانية في أعقاب رحيلنا عن العراق حتى أصبحت أقرب إلى كونها أرضا إيرانية.
وبعد ذلك اتضح أن هناك منحنى آخر للاضطرابات تمثل في الموجة الشمال أفريقية من الربيع العربي التي بدأت في تونس وانتهت في مصر وليبيا 2011 و2012 إثر أوضاع سياسية يرثى لها. ورغم أن وجهة نظري لم تكن هي السائدة في ذلك الوقت، كان هناك من يشاركني الرأي بشأن «الربيع العربي»، حيث كنت أعتقد أن مطالب ميدان التحرير لن تتحقق وأن تنظيم القاعدة سوف يستغل الوضع وأن إيران ستنظر إلى الوضع باعتباره أداة مفيدة لبث الاضطرابات؛ نظرا لأن المؤسسات في تلك البلدان لم تكن تعمل على النحو الذي يمكنها من توفير الأساس لتلبية تطلعات هؤلاء المتظاهرين.
* ما رأيك في رد فعل الإدارة الأميركية تجاه الثورات؟
- ولد رد فعل الإدارة الأميركية إحساسا لدى القادة الذين كانوا لا يزالون في السلطة بأنها لن تقف معهم. وفعليا كنا على استعداد للتخلي عن شركائنا، من مبارك، إلى القذافي الذي كان يساعدنا في محاربة تنظيم القاعدة في ليبيا وتخلى عن طموحاته النووية. ومن ثم كانت الرسالة واضحة للغاية: الولايات المتحدة لن تلتزم حتى بالحياد ولكنها فعليا متجهة صوب إيران.
* ماذا كان التفكير الذي يقف وراء قرار الإدارة بالمضي وحدها في صفقة البرنامج النووي الإيراني متجاهلة دعم النظام للإرهاب الدولي؟
- كانت الخطة دائما تقضي دائما بأن نعمل على الملف النووي وننتهي منه - وبعدما يتم احتواء الحكومة الإيرانية داخل المجتمع الدولي، وكنا ننتظر منها «سلوكا طيبا» وموافقتها على وضع قيود على برنامجها النووي، لتصبح هناك فرصة للتعامل مع بقية الملفات التي لم نكن قد تعاملنا معها، مثل الإرهاب الدولي وحقوق الإنسان حتى تتمكن إيران من العودة للاندماج في المجتمع الدولي.
* ما رأيك في هذا المنطق؟
- إنه يعكس نوعا من السذاجة. فمن قبل، قال صامويل هانتغتون إن الثورات يجب أن تعيد إنتاج نفسها. فعند نقطة ما، يصبح على الجيلين الثاني والثالث أن يجدا سببا لاستمرار الثورة، لأن الأسباب التي أدت لاندلاعها في البداية لم تعد موجودة. وبالتالي فإنه لكي يستمر النظام الإيراني في السلطة، فإنه بحاجة إلى الاستمرار في إعادة إنتاج الثورة. ويلعب الدين هذا الدور الحيوي في الآيديولوجيا الثورية. ويعني انتظار الإمام الثاني عشر - من وجهة نظر طهران - أن على النظام خلق الاضطرابات واللجوء إلى العنف لاعداد الظروف الملائمة لظهور الإمام.
* ما تقييمك لفعالية مفاوضات إدارة أوباما مع إيران؟
- ما أعتقده دائما بشأن هذا الجانب من العالم هو أن الشيء الأسوأ هو أن تتفاوض من موقف ضعف - سواء كان ضعفا فعليا أو ضعفا متخيلا تحول إلى حقيقة. وبالفعل، ينظر الإيرانيون إلى الإدارة الأميركية باعتبارها ضعيفة. كما أننا عندما لم نتمكن من التوصل لصفقة بشأن القوى المتبقية في العراق، غادرنا. ولم نرسل قوات إلى سوريا واختفى «خطنا الأحمر». وبالطبع فإن تلك هي أسوأ مقاربة يمكنك أن تذهب بها للتفاوض. وكان لدي إحساس خلال الفترة الأخيرة من المفاوضات من مارس (آذار) إلى يونيو (حزيران) 2015 أن الإيرانيين في ذلك الوقت كانوا يدركون بوضوح أنهم لن يطلبوا شيئا يمكنه أن يجعل الولايات المتحدة ترحل.
* وخلال فترة المفاوضات، ماذا كان دور الاستخبارات الأميركية والدولية في تقييم التفكير الاستراتيجي للمرشد الإيراني الأعلى؟
- كانت إيران دائما تمثل تحديا استثنائيا لأي شركاء استخباراتيين دوليين يحاولون الحصول على المعلومات بشأن خطط المرشد الأعلى ونواياه والدائرة المحيطة به. وفي ظل غياب ذلك النوع من المعرفة، كان هناك اعتماد متزايد على تقييم العقلية الإيرانية. وبمعنى آخر كان السؤال يتمحور حول كيف يمكن أن تسير العقوبات على النحو الملائم: مدى تأثيرها السلبي على الاقتصاد الإيراني في ظل إحباط الشعب الإيراني والغضب الذي يجب على المرشد الأعلى أن يتعامل معهما. ومن ثم يمكنك أن تنظر، على سبيل المثال، إلى مدى تأثر أسعار الأدوية في إيران بالعقوبات. ولكن يجب أيضا أن تكون حذرا تماما بشأن أن تصبح «متفائلا على نحو خادع» لأن النخب ربما ما زالت تحصل على الأدوية التي تحتاجها بغض النظر عما يدفعه بقية الشعب.
* هل هناك مساع لدراسة وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية باعتبارها نافذة محتملة لما يدور في عقل خامنئي؟
- هناك تطور كبير في لوغاريتمات الكومبيوتر التي تحلل وسائل الإعلام - ليس فقط وسائل الإعلام الاجتماعي ولكن وسائل الإعلام التقليدية أيضا - بحثا عن التوجهات التي تسود وسائل إعلام الدولة من حيث النبرة والمحتوى. وتقوم هذه اللوغاريتمات بتحديد كلمات وجمل محورية يمكن بجمعهما معا تكوين صورة مبدئية. ولكن مصداقية هذا النوع من التحليل تتعلق بالمدى الذي يمكن لوسائل الإعلام الرسمية أن تعد انعكاسا حقيقيا لأفكار المرشد الأعلى. كما أنه يفترض أن أي شيء يقوله المرشد الأعلى أو يقال عن المرشد الأعلى ويأتي من مصدر رسمي يعد مصدقا.
* في ظل كافة هذه القيود، ما نوع المدخلات التي كان يقدمها المحللون أثناء سير المفاوضات؟
- لقد كان السؤال المتعلق بمتى يمكن رفع العقوبات سؤالا محوريا. فلم يكن أي من مؤيدي الصفقة ليزعم أن العقوبات غير مفيدة، فكنا جميعا متفقين على جدواها. وكان السؤال هو، متى نكون قد حققنا أكبر فائدة ممكنة من العقوبات؟ نظرا لأنني أكثر ميلا إلى فرض عقوبات أقوى والاستمرار في فرضها لفترات أطول، لم أكن أستطيع أن أقدم إجابة بشأن متى يكون كافيا. فليس لدى جهاز الاستخبارات مقاييس استخباراتية يمكنها أن تخبرك بطريقة معملية مختصرة «إذا انتظرت 18 شهرا إضافية سوف ينهار النظام». لم أكن أعرف الإجابة. كل ما كنت أعرفه هو أنه إذا ما كانت العقوبات قد حققت هذا القدر من النجاح فهل يمكن أن تحقق نجاحا أكبر إذا ما استمرت لفترة أطول؟ ولكن عندما بدأت النافذة السياسية تنغلق أمام إدارة أوباما، فإنها قررت التحرك. أعتقد أن الإدارة تصرفت على نحو غير ناضج برفع العقوبات في مقابل صفقة ضعيفة - صفقة لا تقضي على البرنامج الذي كان الهدف الأساسي من المفاوضات.
* وبالنظر للمستقبل، كيف ترى آفاق عملية التغيير الداخلية في الحكومة الإيرانية؟
- أعتقد أن احتمالية اندلاع «ثورة خضراء» جديدة في إيران ضعيفة للغاية. كما أعتقد أن الاستخبارات والآلة الأمنية الإيرانية تلقت دروسا قوية من الثورة الخضراء، وقررت أن هذا النوع من المعارضة غير مسموح به.
* ماذا عن التغيير المنهجي عبر انتخاب المجلس؟
- ربما يمثل المجلس نافذة سياسية ولكنه جزء من النظام نفسه وخاضع تماما للسيطرة. ويحتاج كل نظام من الأنظمة الشمولية أن تكون له نوافذ سياسية لأنه إذا ما أغلق كافة النوافذ، سوف تنفجر الأمور عند مرحلة معينة، ومن ثم، عمل النظام للحصول على تلك النوافذ. وأعتقد أن رفع العقوبات سوف يوفر لهم الموارد الإضافية التي يحتاجونها لتقوية تلك النوافذ أيضا.
* والآن وقبل عشرة أشهر من البيت الأبيض الجديد، ما الخيارات السياسية التي تعتقد أنها مطروحة على الرئيس القادم فيما يتعلق بالعالم العربي؟
- يجب أن تكون هناك إشارة واضحة ومحددة لإعادة التوازن الاستراتيجي الذي يعتمد في جانب منه على تحقيق انتصار سريع نسبيا في الشرق الأوسط. ربما من خلال تغيير الأوضاع في الرقة وربما يتطلب الأمر وضع جنود على الأرض، لا يمكنك أن تصل إلى هناك من خلال الضربات الجوية فقط ولا يمكنك الوصول إلى هناك عبر الحلفاء وحدهم. فيجب أن يكون هناك وجود أميركي. ويمكن تحقيق هذا الانتصار السريع من خلال الاحتشاد وراء العدو المشترك: الإرهابيون الدوليون. ومن ثم سيقف الروس إلى جانبك في تلك المشكلة الضيقة والمحدودة. بالإضافة إلى استمرار المشاورات مع أنقرة. فيمكنك أن تدخل وتطيح بـ«داعش» في الرقة وفي الأنبار وتستعيد الموصل. فيجب تحقيق نصر مهم وواضح يقدم في الوقت نفسه دليلا مباشرا وقويا على أن «داعش» ليس عصيا على الهزيمة. أو ربما يمكن تطهير سرت في ليبيا. أو مساعدة النيجيريين ضد بوكو حرام. وذلك حيث إن تحقيق نجاحين أو ثلاثة نجاحات كبيرة وبسرعة نسبية سوف يعمل على تعزيز القوة العسكرية الأميركية التي تتجاوز طائرات الدرون.
* هل يمكن للجمهور الأميركي أن يؤيد هذا التغير؟
- أعتقد أن هذا سؤال يتعلق بالإدارة الرئاسية. فحاليا، يتساءل الكثير من الأميركيين حاليا «هل سننتصر أم لا؟» ويجب على الرئيس أن يكون صريحا مع الجمهور بشأن كيفية ذلك. فالموقف يمكن أن يصبح أسوأ وسوف يصبح أسوأ ما لم نتخذ رد فعل الآن.
* ماذا عن «الميل صوب إيران»؟
- يجب أن يكون هناك إعادة تقارب أميركية مع الحلفاء العرب التقليديين. ولا يعني ذلك أن نتخلص من الصفقة النووية برمتها ما لم يقم الإيرانيون أنفسهم بذلك. ولكن ذلك يعني تحقيق تقارب قوي للغاية مع دول الخليج ومصر ويعني توفير قدر أكبر من الإمكانات لمواجهة التنظيمات التابعة لإيران التي تروج للاضطرابات في المنطقة.



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.