الفيدرالية السورية.. خطة تبديد الديموغرافيا السنيّة

خريطتان تثبتان النفوذ الكردي في الشمال.. والخطة مدعومة من دول غربية وروسيا رغم رفض المعارضة السورية

الفيدرالية السورية.. خطة تبديد الديموغرافيا السنيّة
TT

الفيدرالية السورية.. خطة تبديد الديموغرافيا السنيّة

الفيدرالية السورية.. خطة تبديد الديموغرافيا السنيّة

ليس الكشف عن طرح التقسيم الفيدرالي لسوريا وليد تسريبات تقارب «جسّ النبض».. فالخرائط التي انتشرت، منذ العام الثاني للأزمة السورية، أظهرت أن مسعى التقسيم، بعناوينه ومقترحاته المختلفة، جدي إلى حدّ بعيد، بوصفه مخرجًا للحرب المستمرة في البلاد، وتسوية محتملة لإرضاء أفرقاء النزاع السوري، لا سيما طرفه الكردي. وعززت إمكانية اللجوء إلى الفيدرالية، باعتبارها حلا أخيرا لإنهاء النزاع، خريطة انتشار القوى ميدانيًا، ومواقع سيطرتها الحالية التي قسّمت البلاد بحكم الأمر الواقع إلى دويلات حكم ذاتي، تبدأ شمالاً من إدارة الحكم الذاتي الكردي، وتنزلق غربًا إلى المنطقة العلوية في الساحل، وتمر عبر دمشق، بوصفه موقعا جامعا للحكومة المركزية، فيما تترك للدروز جنوبًا، إدارتهم الخاصة. وتشير سائر مقترحات الفدرلة في سوريا، إلى أن الخاسر الأبرز من تلك الخطط، هو السنّة العرب الذين يتضاءل نفوذهم، ويتوزعون في مناطق معزولة غير استراتيجية في الداخل السوري.

لم تتبلور خريطة التقسيم بعد. كل ما يُتداول به، لا يزال مجموعة من الاقتراحات. ففي حين رفضت جميع الأطراف المنخرطة في النزاع فكرة تقسيم البلاد، مؤكدة الحفاظ على «وحدة الأراضي السورية»، بدأت مقترحات أخرى تحتل حيزًا من تفكير المعنيين في الأزمة السورية، والدول الكبرى المعنية بها، لعل آخرها ما كشف عنه دبلوماسيون، مؤكدين أن قوى كبرى قريبة من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن سوريا تبحث إمكانية تقسيم الدولة التي مزقتها الحرب «تقسيما اتحاديا» يحافظ على وحدتها باعتبارها دولة واحدة، بينما يمنح السلطات الإقليمية حكما ذاتيا موسعا.
والنظام الفيدرالي، يعني انتفاء صفة الدولة المركزية، لتُستبدل بها حكومات صغرى في أقاليم البلد الذي يعمل به هذا النوع من الأنظمة السياسية، بينما تتولى الدولة المركزية السياسة الدفاعية والخارجية، وإلى حد ما ترسم السياسات المالية المرتبطة بالسياسات الاقتصادية وأنظمة الضرائب وغيرها، وتوكل مهام الحفاظ على النظام المالي واستقراره عبر المصرف المركزي.
والواقع أنه بعد خمسة أعوام من الحرب التي حصدت أرواح 250 ألف شخص، وشردت نحو 11 مليون آخرين، فإن الأراضي السورية باتت منقسمة بالفعل بين أطراف مختلفة منها الحكومة وحلفاؤها والأكراد المدعومون من الغرب وجماعات معارضة وتنظيم داعش.
وبحسب خرائط الانتشار الميداني الأخيرة، فإن النظام السوري يسيطر على نحو 25 في المائة من الجغرافيا السورية، بينها مراكز المحافظات باستثناء الرقة التي يسيطر عليها «داعش»، وإدلب التي يسيطر عليها «جيش الفتح» الذي يتألف من مقاتلين معتدلين ومقاتلين متشددين بينهم جبهة النصرة، وهي فرع تنظيم القاعدة في سوريا. أما تنظيم داعش فيسيطر على أكثر من 40 في المائة من الجغرافيا السورية، لكن معظم تلك المناطق صحراوية وخالية من السكان. بينما يسيطر مقاتلو المعارضة السورية وحلفاؤهم في جيش الفتح والفصائل الإسلامية، على ما يقارب الـ8 في المائة، بحسب ما أعلنت عنه الحكومة السورية المؤقتة أواخر العام الماضي، رغم أن معظم تلك المناطق مأهولة بالسكان، وتشكل عصب الانتشار الديموغرافي. وفي المقابل، تسيطر وحدات حماية الشعب الكردي على 15 في المائة من الجغرافيا السورية، وتتركز على طول الشريط الحدودي مع تركيا في مناطق الحسكة، حيث تتمدد في ريفها الجنوبي وريفها الغربي.
المقصود من طرح الفيدرالية، يعزز الاعتقاد بالعزم على تثبيت نفوذ الأكراد ضمن مناطق سيطرتهم الحالية. ويتماهى إلى حد بعيد مع مقترحات كردية. وفي أحدث تصريح له الأسبوع الماضي، أوضح صالح مسلم، رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا الذي يتمتع بنفوذ واسع على المناطق الكردية في سوريا، أن الحزب منفتح على الفكرة. وقال مسلم لـ«رويترز»: «ما تصفونه ليس مهما.. قلنا مرارا وتكرارا إننا نريد سوريا لا مركزية.. فلنسمها إدارات أو لنسمها اتحادية.. كل شيء ممكن».
هذا، وأبلغ مسؤولون أكراد في أوروبا ممثلي الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وروسيا، دعمهم لقيام نظام فيدرالي في سوريا، يضمن لهم «حقوقهم» المتمثلة بـ«تكريس إدارة الحكم الذاتي في سوريا»، وهي تجربة بدأ الأكراد باختبارها منذ مطلع عام 2013، وأنشأوا لهذه الغاية «إدارة حكم مشتركة» في عفرين (شمال حلب)، وكوباني (شمال شرقي حلب)، والجزيرة (شمال شرقي سوريا)، يحكمها الأكراد وعشائر عربية ضن نظام مشاركة. وأبلغت مصادر كردية «الشرق الأوسط» أن هذه المقترحات «لاقت آذانًا مصغية بوصفها مقترحات تجنّب سوريا التقسيم الفعلي»، وبأنها «مخرج للحفاظ على وحدة الأراضي السورية»، و«بديلاً عمليًا للتقسيم القائم حاليًا على أساس عرقي وطائفي بحكم سلطة الأمر الواقع».
يستند المقترح الأخير إلى مجموعة من المعطيات الاستراتيجية، أهمها أن وضع سوريا «يستحيل أن يعود إلى ما كان الأمر عليه قبل مارس (آذار) 2011»، وأن النظام السوري الحالي «يستحيل أن يستعيد نفوذه الذي كان قبل اندلاع الاحتجاجات ضده قبل خمس سنوات». وعليه، يصبح البحث في «فكرة عملية تقوم على المشاركة الفعلية في الحكم، عبر النظام الاتحادي الفيدراليّ، هو الأفضل بالنسبة للجميع».
* تطبيق النموذج السويسري
غير أن صورة التقسيم الاتحادي، لم تتبلور بعد. تمثل جميع نماذج الحكم الفيدرالي في العالم فرصة للتجربة على النموذج السوري، عبر إسقاطها نظريًا على سوريا، ودراسة ما إذا كانت مناسبة. ورغم ذلك، يطرح المسؤولون الأكراد، النموذج السويسري في الحكم، بوصفه «الأكثر قدرة على الحفاظ على حقوق الأقليات ويمثل فرصة للحكم الديمقراطي».
لكن هذا النموذج، يصعب تنفيذه إلى حد كبير في سوريا. أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية د. وسيم منصوري، يؤكد، لـ«الشرق الأوسط»، أن التجربة السويسرية لا ترتبط بالفيدرالية، بقدر ارتباطها بالنظام السياسي في البلاد، موضحًا أن النظام السويسري «هو نظام مجلسي، لا يطبق معايير فصل السلطات حرفيًا، كون السلطة التنفيذية خاضعة تماما لمجلس الشعب، ومن يحكم هناك هو السلطة التشريعية التي تمتلك سلطة على السلطة التنفيذية التابعة لها، وبالتالي يستطيع البرلمان أن يعين السلطة التنفيذية، ويستبدل أخرى بها». أمام هذا الواقع، يؤكد أن البرلمان في سويسرا، بشقيه الذي يمثل الشعب الذي يمثل الولايات، «هو من يحكم البلاد»، وبالتالي «يختلف عن النظام الفيدرالي في كندا أو الولايات المتحدة أو ألمانيا».
وعليه، يرى منصوري أنه «من السابق لأوانه الجزم ما إذا كان الفيدرالية في سوريا يمكن أن تنفذ بسلاسة»، مضيفًا: «كأستاذ قانون دستوري، أؤكد أنه منطقيا، من الصعب جدا أن تُحكَم سوريا وفق النظام المجلسي. ففي فترة الفراغ والبحث عن حلول يتم طرح نظريات كثيرة حول نظام الحكم، لكن كل دولة لها خصوصية، ولا بد من مقاربة الأمر من منطق الدولة نفسها، وهي نماذج من الحكم السياسي، تختلف بحسب تجارب الشعوب»، مشددًا على أنه «من المبكر الحديث عن أي صيغة للنظام السياسي في سوريا في ظل الظروف الحالية».
* خرائط متضاربة
الحال أن مقترحات الدولة الفيدرالية السورية تتفاوت بين الأحلام والوقائع. ففي بعض الخرائط التي أفرج عنها الأكراد خلال الأسبوعين الماضيين، وهم يشكلون رأس الحربة في المطالب الفيدرالية، أظهرت مواقع سيطرتهم في المنطقة الممتدة على الحدود السورية - التركية في أقصى شمال شرقي سوريا، المحاذية لحدود العراق، إلى البحر الأبيض المتوسط بمحاذاة الشريط الحدودي التركي بأكمله، مما يعد المنفذ البحري الوحيد للأكراد في سوريا والعراق وتركيا، وبعمق يقارب الثلاثين كيلومترًا داخل الأراضي السورية. وتتجاهل الخريطة التي يُروّج لها، سائر المناطق السورية التي أبقتها منطقة موحدة.
وفي المقابل، تنتشر خرائط أخرى، تحاكي الفيدرالية السورية المحكي عنها، تظهر المناطق الكردية من الحدود العراقية إلى ريف حلب الشمالي، بينما تمتد الإدارة العلوية على طول الساحل السوري باتجاه جبال اللاذقية المحاذية لسهل الغاب في حماة، بينما تمتد الدولة السنية على طول ريف حلب الشرقي باتجاه الرقة ودير الزور في شرق البلاد، أما الدولة المركزية في دمشق فتضم حمص وأجزاء من حماة وصولاً إلى دمشق وريفها، ويسكنها المسيحيون مع علويين وشيعة وسنة وأقليات أخرى.. بينما يحصل الدروز على دولة تمتد على الحدود الأردنية من السويداء إلى تخوم هضبة الجولان المحتل في محافظة القنيطرة.
الخريطتان تظهران أن السنة العرب هم الخاسر الأبرز في الدولة الاتحادية السورية. ويرى الباحث اللبناني في الشأن الجيوبوليتيكي الدكتور نبيل خليفة، أن المخطط الاستراتيجي للغرب بأكمله من روسيا وأميركا إلى إسرائيل وإيران، يتمثل في «تبديد الخطر الديموغرافي الذي يمثله العرب السنة على إسرائيل»، مشيرًا إلى أن هؤلاء الذين يناهز عددهم الـ18 مليون في سوريا «يبعثون إسرائيل على الخوف منهم، لأن خطر وجودهم على إسرائيل، يتخطى خطر السلاح»، مؤكدًا أن خطة الفدرلة «التي اتفق عليه الغرب بأكمله لصالح إسرائيل، أوكل مهمة إنجازها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذلك أن إسرائيل لا يمكن أن تصبح دولة عرقية ودينية طبيعية، إلا في محيط يشبهها، ينقسم بين فيدراليات عرقية وقومية ودينية، كردية وعلوية ومسيحية ودرزية وشيعية وسنية، وتتفوق عليه بالقوة».
ويقول خليفة لـ«الشرق الأوسط»: «لذلك يحاول الغرب خلق معطى وواقع جديد في المنطقة يؤمن لإسرائيل البقاء مثل جسم طبيعي وليس جسما غريبا»، مشيرًا إلى أن هذا المخطط «قديم، وليس وليد اللحظة، وقد كتبت عني في كتابي الصادر في عام 2014»، لكنه يرى أن معركة تبديد الديموغرافية الأكثرية السنية في فيدراليات «قد يستغرق وقتًا وربما لا يُنجز في وقت قصير».
* التنفيذ يصطدم برفض المعارضة
ارتفعت أسهم الفيدرالية خلال الأسبوعين الأخيرين، وعشية استئناف مفاوضات السلام في سوريا في «جنيف3»، بعد تصريح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، حول أمل موسكو بأن «يتوصل المشاركون في المفاوضات السورية إلى فكرة إنشاء جمهورية فيدرالية»، وهو ما عكس تناغمًا روسيًا وأميركيًا حول خطة مستقبلية لإنشاء فيدراليات في البلاد، بحسب ما يقول معارضون سوريون.
ذلك التصريح، استتبع بتصريحات لدبلوماسيين رفضوا الكشف عن اسمهم، نقلتها وكالة «رويترز» أمس الجمعة، تقول إن قوى كبرى قريبة من محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة بشأن سوريا تبحث إمكانية تقسيم الدولة التي مزقتها الحرب «تقسيما اتحاديا» يحافظ على وحدتها مثل دولة واحدة، بينما يمنح السلطات الإقليمية حكما ذاتيا موسعا.
وقال دبلوماسي بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، طلب عدم نشر اسمه، إن بعض القوى الغربية الكبرى وليست روسيا فحسب تبحث أيضا إمكانية إقامة نظام اتحادي لسوريا وعرضت الفكرة على دي ميستورا.
وأضاف الدبلوماسي: «مع تأكيد الحفاظ على سلامة أراضي سوريا من أجل بقائها دولة واحدة، يوجد بالطبع جميع أنواع النماذج المختلفة لنظام اتحادي سيكون - كما في بعض هذه النماذج - متحررا للغاية من المركزية، ويعطي كثيرا من الحكم الذاتي لمختلف المناطق».
ولم يقدم أي تفاصيل عن نماذج تقسيم اتحادي للسلطة يمكن تطبيقه على سوريا. وأكد دبلوماسي آخر بالمجلس التصريحات.
غير أن رفض المعارضة السورية، يبقى عائقًا أمام تنفيذ المخطط الدولي. ورفضت المعارضة هذا الأسبوع اقتراحا قدمته روسيا بأن توافق محادثات السلام على نظام اتحادي للبلاد. وقال منسق المعارضة السورية رياض حجاب إن أي حديث عن هذه الاتحادية أو شيء قد يمثل توجها لتقسيم سوريا غير مقبول على الإطلاق.
لكن فكرة الاتحادية بالنسبة إلى سوريا ليست مستبعدة. ففي حديث تلفزيوني، قال المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا: «السوريون كلهم رفضوا تقسيم (سوريا)، ويمكن مناقشة مسألة الاتحادية في المفاوضات».
من جهته، لم يستبعد رئيس النظام السوري بشار الأسد، في مقابلة أجريت معه في سبتمبر (أيلول)، فكرة الاتحادية عندما سئل عنها، لكنه قال إن أي تغيير يجب أن يكون عبر الحوار بين السوريين وإجراء استفتاء لإدخال التغييرات الضرورية على الدستور. وأضاف: «آنذاك عندما يكون السوريون على استعداد للتحرك في اتجاه معين فإن الحكومة توافق بالطبع على هذا الأمر».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.