اقتصاد فرنسا يواجه قانون العمل الجديد

بعد الطوارئ وتجريد الجنسية

مخاوف في فرنسا من التأثيرات السلبية التي يمكن أن يحدثها قانون العمل الجديد (أ.ف.ب)
مخاوف في فرنسا من التأثيرات السلبية التي يمكن أن يحدثها قانون العمل الجديد (أ.ف.ب)
TT

اقتصاد فرنسا يواجه قانون العمل الجديد

مخاوف في فرنسا من التأثيرات السلبية التي يمكن أن يحدثها قانون العمل الجديد (أ.ف.ب)
مخاوف في فرنسا من التأثيرات السلبية التي يمكن أن يحدثها قانون العمل الجديد (أ.ف.ب)

ما بين الإضراب والتظاهر والوضع الأمني، ترتفع المخاوف في فرنسا من التأثيرات السلبية التي يمكن أن تحدثها تلك القلاقل على الإيرادات العامة، خاصة مع اعتماد باريس على قطاع السياحة وحركة التسوق، بدرجة كبيرة، فضلاً عن المحاولات الحثيثة لتحقيق معدلات نمو ترتقي لطموحات الفرنسيين.
وتوقع البنك المركزي الفرنسي 0.4 في المائة نموًا في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ0.2 في المائة في الربع الأخير من عام 2015. وتستهدف الحكومة الفرنسية 1.5 في المائة نموًا في العام الجاري. واستفاد الاقتصاد الفرنسي خلال العامين الماضي والجاري، من انخفاض فاتورة الطاقة بعد تدهور أسعار النفط في منتصف العام 2014. كما استفاد كذلك من حركة سياحية قوية.
وأثار قانون الأعمال الجديد جدلاً واسعًا في فرنسا، بعد قوانين مماثلة أثارت قلاقل في البلاد، مثل فرض حالة الطوارئ والتجريد من الجنسية، الأمر الذي أثار حفيظة العمال والطلبة، بينما تتحدى وزيرة العمل الفرنسية مريم الخمري، تلك الأوضاع بالمضي قدمًا في تطبيقه.
وتفيد إحصائيات رسمية أن فرنسا ما بين 2013 و2015. وفرت نحو 57 ألف فرصة عمل مقابل 482 ألف فرصة عمل في ألمانيا و651 ألف في إسبانيا و288 ألف في إيطاليا.
وأوضحت وزيرة العمل الفرنسية مريم الخمري تعليقًا على القانون الجديد: «هذا القانون يستجيب للوضع في بلادنا، نسبة البطالة تتجاوز 10 في المائة، وهي نسبة البطالة نفسها منذ 20 عامًا، ورغم تحسن الأوضاع خلال الشهر الماضي، فإن ذلك غير كافٍ، بلادنا تخلق مناصب عمل بنسبة أقل من البلدان الأوروبية الأخرى».
وأضافت: «بالنسبة إلي فإن الموضوع والرهان في هذا التعديل يتمثل في تحسين إمكانية الحصول على العمل».
وحدد القانون الجديد مدة العمل خلال اليوم الواحد، بعشر ساعات، قد ترتفع إلى اثنتي عشرة ساعة إذا تم الاتفاق داخل الشركة؛ على أن يبقى معدل الساعات عند خمس وثلاثين ساعة أسبوعيًا، ويمكن أن تسمح المؤسسة أو الشركة بمدة عمل أسبوعية قد تصل إلى 60 ساعة.
أما الساعات الإضافية، فينص القانون على احتساب الساعات الإضافية بعد 35 ساعة بنسبة لا تقل عن 10 في المائة، مقارنة بنسبة حالية تقدر بـ25 في المائة.
وقانون العمل الجديد، تسعى من خلاله السلطات الفرنسية إلى تقليص نسبة البطالة التي تجاوزت 10 في المائة، وإلى جعل القوانين الموجودة أكثر مرونة، وتشجيع التوظيف، بحسب الحكومة الفرنسية.
ويحمل التعديل الجديد في طياته مرونة في فصل الموظفين وكذلك التسريح لأسباب اقتصادية، بعد توضيح الأسباب. أما نسبة التعويضات حسب القانون الجديد فإنها تعادل 15 شهرًا من المعاش الشهري على أساس أقدمية تعادل 20 سنة.
وتظاهر آلاف الموظفين والطلبة والتلامذة في كل أنحاء فرنسا، يوم الأربعاء، احتجاجًا على مشروع القانون، إذ يعتبرونه أنه يشكل «تراجعًا تاريخيًا» أملاً في ثني الحكومة الاشتراكية عن اعتماده قبل سنة من الانتخابات الرئاسية.
وقد أقفلت مدارس ثانوية في باريس وفي المناطق الأخرى ونظمت تجمعات ومظاهرات. وأكد المتظاهرون الشبان أنهم يشعرون بالقلق جراء «عدم التأكد» من مستقبلهم المهني.
وخلال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، أشار رئيس الدولة إلى أن فرنسا تريد «الحفاظ على نموذجها الاجتماعي» لكن «من خلال تكييفه». وقال: «من الضروري الاستماع إلى المطالب» و«أن نكون منفتحين على الحوار».
وأنهى رئيس الوزراء مانويل فالس مشاوراته مع الشركاء الاجتماعيين، قبل جلسة عامة يوم الاثنين المقبل «لإعادة» نص مشروع القانون الذي يمكن مراجعته وتصحيحه.
وأعلنت النقابات التي تقف وراء هذه الحركة، أنها قامت بتعبئة 400 ألف متظاهر، واعتبرت ذلك «نجاحًا» و«تحذيرًا أول» للحكومة. من جهتها، قدرت وزارة الداخلية عدد المتظاهرين في جميع أنحاء فرنسا بـ224 ألفا.
بدوره، قال الوزير المكلف العلاقات مع البرلمان جان ماري لوغن إن حجم المظاهرات «لا يظهر رفض مشروع القانون هذا».
وهتف الطلبة في وسط باريس «الشبيبة في الشارع»، وهاجموا وزيرة العمل مريم الخمري ورموا البيض والمفرقعات والقنابل الدخانية. ويعبر الطلاب والموظفون والعاملون عن غضبهم إزاء مشروع القانون تقول الحكومة إن الهدف منه هو خلق مزيد من فرص العمل وتقليص البطالة البالغة حاليًا مستوى مرتفعًا من 10 في المائة لا سيما بين الشباب حيث تبلغ 24 في المائة.
وبعد منعطفين مثيرين للجدل، الأول ليبرالي والثاني أمني، منذ 2014، يواجه الرئيس من جديد معارضة فريقه ويتخوف من أن تشهد شعبيته مزيدًا من التراجع لدى اليسار، وهذا ما يعوق تطلعاته لترشيح جديد في 2017.
وقد ربط هولاند ترشيحه لولاية جديدة بخفض البطالة وهو يدافع عن مسعاه للجمع بين «الأمن الوظيفي للشباب» و«المرونة لدى الشركات» من خلال مشروع القانون لكنه لم ينجح في إقناع الشباب.
وهكذا قرر اتحادا طلبة الجامعات والثانويات «أونيف» و«فيدل» تلبية النداء الذي وجهته عدة نقابات للتظاهر مثل «سيه جيه تيه» للمطالبة بسحب مشروع إصلاح قانون العمل. وتظاهر آلاف الأشخاص ظهرًا في باريس وساروا في اتجاه وزارة العمل قبل أن ينضموا إلى تلامذة الثانويات والمدارس في ساحة لاريبوبليك وانطلقوا معًا باتجاه ساحة ناسيون بشرق باريس. وكانوا نحو عشرة آلاف شخص ورددوا «فالس، هولاند، أوقفا المهازل، واسحبا قانون الخمري» (وزيرة العمل الفرنسية).
ويتوقع أن تتابع الحكومة عن كثب هذه التحركات التي يشارك فيها بشكل خاص شبان بين 15 و25 عامًا بعد مرور عشر سنوات على مظاهرات طلابية استمرت ثلاثة أشهر ضد عقد عمل مخصص للشباب انتهى الأمر إلى التخلي عنه.
وتتزامن الدعوة إلى المظاهرات مع إضراب في قطاع النقل بالسكك الحديد للمطالبة بتحسين الأجور يتوقع أن يؤدي إلى اضطراب حركة القطارات. وتم تسيير قطار من كل ثلاثة في فرنسا صباح يوم الأربعاء.
ولمواجهة الاحتجاجات، أرجأت الحكومة لأسبوعين عرض النص النهائي لمشروع القانون وضاعفت هذا الأسبوع المشاورات مع مسؤولي النقابات والجمعيات.
وطالبت نقابات مؤيدة للإصلاحات مثل «سي إف دي تي» مجددًا يوم الاثنين بسحب بندين في مشروع القرار الجديد يتعلقان بتحديد سقف للتعويضات الممنوحة في حال الصرف التعسفي ومرونة أكبر في معايير الصرف لأسباب اقتصادية.
وقال جان - كلود مايي المسؤول الأول لنقابة «القوة العاملة»: «ندخل اختبار قوة لا يعرف أحد نتيجته».
وتنوي النقابات القيام بتحركات أخرى في الأيام المقبلة، خصوصًا في 12 و31 مارس (آذار)، وتفيد استطلاعات الرأي أن 70 في المائة يعارضون إصلاح قانون العمل. وتحدث الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي يطمح للعودة إلى السلطة العام المقبل، عن «أجواء توحي بنهاية مرحلة» داخل السلطة التنفيذية.
ومن المتوقع أن يتأثر الاقتصاد الفرنسي سلبيًا نتيجة تلك التحركات، التي ما لبثت تسيطر على الوضع الاقتصادي في البلاد، من تأثيرات مباشرة على الإنتاج وغير مباشرة على سوق المال.



الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

TT

الدردري: اقتصاد سوريا خسر 24 عاماً من التنمية البشرية

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري «الذي خسر 24 عاماً من التنمية البشرية حتى الآن».

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

لبنان

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.