داريا على أبواب كارثة إنسانية إن لم تصلها مساعدات بأسرع وقت

ناشطون محليون قالوا لـ «الشرق الأوسط» إنه لم تدخلها مواد إغاثية منذ أكثر من 3 سنوات

تجمع من أطفال ونساء رفعوا لافتة خاطبوا فيها العالم: «أنقذوا أطفال داريا» («الشرق الأوسط»)
تجمع من أطفال ونساء رفعوا لافتة خاطبوا فيها العالم: «أنقذوا أطفال داريا» («الشرق الأوسط»)
TT

داريا على أبواب كارثة إنسانية إن لم تصلها مساعدات بأسرع وقت

تجمع من أطفال ونساء رفعوا لافتة خاطبوا فيها العالم: «أنقذوا أطفال داريا» («الشرق الأوسط»)
تجمع من أطفال ونساء رفعوا لافتة خاطبوا فيها العالم: «أنقذوا أطفال داريا» («الشرق الأوسط»)

في الوقت الذي تستعد فيه الوفود للتوجه إلى جنيف لاستئناف محادثات تسوية الأزمة السورية، لا تزال مناطق عدة في سوريا تعاني أوضاعا إنسانية خطيرة، ومنها مدينة داريا في الغوطة الغربية لمدينة دمشق التي لم يتوقف قصفها ولا حصارها منذ أربع سنوات.
وقال عضو المكتب الإعلامي للمجلس المحلي لمدينة داريا شادي مطر، لـ«لشرق الأوسط»، إن الوضع الإنساني في المدينة دخل منذ زمن مرحلة الخطر؛ إذ «يعاني المدنيون داخل المدينة من النقص الحاد في المواد الغذائية وكذلك المواد الإغاثية والمواد الطبية»، لافتًا إلى أنه و«على الرغم من الالتزام بشكل عام بوقف إطلاق النار من الطرفين، فإنه لم تدخل إلى الآن أية مواد إغاثية أو مساعدات إنسانية».
وحول ما يذاع عن محاولات الاتصال مع فصائل الجيش الحر في داريا للتوصل إلى مصالحة، قال مطر إن الفصائل في داريا تسمع أحاديث عن هذا الأمر، لكن لا يوجد تواصل معها حاليا من أجل هدنة محلية، لا مع الروس ولا مع النظام، مشددًا على أن «أي اتفاق هو برسم المكتب التنفيذي في المجلس المحلي».
ويعلق المحاصرون في داريا آمالا على المفاوضات، متطلعين إلى «التوصل لحل سياسي مشرف لسوريا لإنهاء مأساة السوريين من الحرب الدائرة»، وكذلك إلى «الإفراج عن المعتقلين وفك الحصار عن المدن، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى داريا التي يعيش فيها نحو 8300 مدني ضمن ظروف إنسانية مزرية بسبب الحصار الخانق على المدينة منذ أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة». وعاود التأكيد على أنه «لم تدخل طوال هذه المدة أية منظمات أو مساعدات إلى المدينة».
ويرفض مطر الاتهامات التي يحاول البعض توجيهها لفصائل المعارضة في داريا بأنها «مجموعات متطرفة»، ويؤكد أن جميع المهتمين بالشأن السوري «يعرفون عن مدينة داريا حراكها السلمي الذي تميزت به منذ بداية الثورة، والتنظيم العالي في صفوف ثوارها، وبعدم وجود فصائل أو تيارات متشددة»، مضيفًا أنها «تعد من المدن القلائل التي لم ترفع فيها غير راية الثورة منذ البداية»، وموضحًا أن «داريا كانت السباقة في تشكيل مجلس مدني عام 2012، والمجلس المدني هو المشرف على العمل المسلح بداريا، حيث يوجد مكتب عسكري ضمن مكاتب المجلس المحلي يتمثل في (لواء شهداء الإسلام)، وهو جزء من تشكيلات الجبهة الجنوبية في الجيش الحر».
من جانبه، أكد إبراهيم خولاني، مدير مكتب العلاقات العامة في المجلس المحلي لمدينة داريا التزام الجيش الحر في المدينة بوقف إطلاق النار. وبينما أشار إلى انتهاكات من جانب قوات النظام والميليشيات الطائفية التي تحارب إلى جانبه، وذلك من خلال إطلاقهم رشقات نارية على عدة جبهات، حذر من أنه رغم توقف القصف عمليا، فإن الميليشيات وقوات النظام السوري تعزز مواقعها على الجبهات مع داريا، وتقوم برفع السواتر الترابية وتحريك الآليات، وهذه عمليات حظرها الاتفاق الروسي - الأميركي الخاص بوقف إطلاق النار وعدّها انتهاكا لا يمكن السماح به.
في الشق الإنساني، أكد خولاني أن المجلس المحلي لمدينة داريا على تواصل مع الأمم المتحدة من أجل إدخال المساعدات الإنسانية حسب قرارات مجلس الأمن الدولي، وأضاف أنهم «وعدونا بإدخال المساعدات، لكن إلى الآن لم تدخل أية شاحنة، علما بأننا منذ شهرين أصدرنا بيانًا بالتنسيق مع الجيش الحر، نؤكد فيه استعدادنا لحماية وفد الأمم المتحدة في حال قرر إدخال المساعدات».
وبانتظار حل هذه المسألة، يبقى الوضع الإنساني في مدينة داريا في غاية الخطورة، وفق ما وصفه الخولاني، الذي أشار إلى أن الوضع أصبح أكثر خطورة بعد الحصار المطبق الذي فرضه النظام حين تمكن من الفصل عسكريا بين داريا وجارتها معضمية الشام، وعليه، فقد حذر من أن «داريا مقبلة على كارثة إنسانية في حال لم يتم إدخال المساعدات وفك الحصار».
من جهته، قال رياض نعسان آغا لـ«لشرق الأوسط»، إن الهيئة العليا للمفاوضات على اتصال دائم مع الفصائل والمجلس المحلي في داريا، وتضغط للإسراع بإدخال المساعدات الإنسانية إليها، وهو ما أكده الخولاني من جانبه، معربا عن أمله في أن يتحقق ذلك بأسرع وقت ممكن «لأنه وعلى الرغم من الهدوء حاليا في داريا، فإن هناك حالة من الخوف بين صفوف المدنيين من المستقبل، وشعورا بخذلان القريب والصديق لهم».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.