اليمن.. معاناة واسعة الانتشار وعدد محدود من اللاجئين

من خلال قصة فتاتين.. واحدة في عدن والأخرى في صنعاء

بلغ عدد الفارين من اليمن حتى الآن نحو 170 ألفا. فر أغلبهم إلى جيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان (رويترز)
بلغ عدد الفارين من اليمن حتى الآن نحو 170 ألفا. فر أغلبهم إلى جيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان (رويترز)
TT

اليمن.. معاناة واسعة الانتشار وعدد محدود من اللاجئين

بلغ عدد الفارين من اليمن حتى الآن نحو 170 ألفا. فر أغلبهم إلى جيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان (رويترز)
بلغ عدد الفارين من اليمن حتى الآن نحو 170 ألفا. فر أغلبهم إلى جيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان (رويترز)

وسط ما يعانيه اليمن من بؤس وشقاء، كونه يعد من أفقر دول العالم، تدرك شابتان تعيش إحداهما في عدن والأخرى في صنعاء أنهما من المحظوظين نسبيا. فلم يصل الأمر بهما إلى حد التضور جوعا كما أن الدمار لم يصب بيت أي منهما، بالإضافة إلى نجاتهما من تفجيرات القنابل وطلقات الرصاص دون أن يصيبهما أذى. لكن الاثنتين تتوقان للهروب من الصراع الذي دفع بوطنهما إلى هاوية سحيقة لا ترى أي منهما سبيلا للخروج منها.
وقالت نسمة العزبي ذات الواحد والعشرين عاما وطالبة الهندسة في مدينة عدن الجنوبية: «لا أريد أن أضيع حياتي على حلم». وتبحث نسمة عن منحة دراسية لتكون بمثابة جواز سفرها إلى ملاذ آمن في أوروبا لكنها تضيف: «لا أرغب في الرحيل عن اليمن والعيش لاجئة».
وقبل نحو عام اشتدت الحرب الأهلية في اليمن مع التصدي للانقلاب الذي قادته الميليشيات الحوثية وقوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح الذين كانوا عازمين على السيطرة على البلد بأسره.
وقالت خلود العبسي، 27 عاما، التي خسرت وظيفتها في شركة للخدمات النفطية في صنعاء أواخر العام الماضي «تشعر وكأن الموت يترصدك في كل مكان.. على الأرض الحوثيون والسيارات الملغومة والتفجيرات والاشتباكات. تشعر وكأن أرواح اليمنيين أصبحت رخيصة جدا».
وقالت في اتصال هاتفي أجرته رويترز معها في بيتها في العاصمة: «عندي جواز سفر صالح.. وأنا جاهزة للسفر».
لكنها تسلم بأن هذا الأمر محض خيال في الوقت الحالي. فعائلتها لن تسمح لها أبدا بالسفر لأنها عزباء حتى إذا كانت تملك من المال ما يكفيها للدراسة في الخارج والسعي لبدء حياة جديدة.
وبجانب ذلك فهي لا تتصور أن تنحشر وسط مجموعة من اللاجئين في قارب متجه إلى جيبوتي. وتقول وهي تضحك: «هذا في غاية الخطورة لذلك أعتقد أن من الأفضل لي أن أموت في بيتي على أن أموت في الغربة».
بلغ عدد الفارين من اليمن حتى الآن نحو 170 ألفا. فر أغلبهم إلى جيبوتي وإثيوبيا والصومال والسودان. وأغلبهم ليسوا يمنيين، بل لاجئون عائدون وأجانب آخرين. وتتوقع الأمم المتحدة فرار 167 ألفا آخرين هذا العام.
وفي ضوء الصعوبات الهائلة في اليمن كان من المفترض أن يشهد البلد نزوحا أكبر للاجئين مثلما حدث من نزوح للهاربين من الحرب والفقر في الشرق الأوسط ومناطق أخرى الذين تدفقوا على أوروبا منذ أوائل 2015 وتسببوا في أزمة. غير أن منافذ الخروج ليست سهلة أمام اليمنيين الذين تطل بلادهم على مياه المحيط من ناحية وعلى الصحراء من الناحية الأخرى.
أما الرحلات الجوية فغير منتظمة في أحسن الأحوال.
ويقول مجيب عبد الله المتحدث اليمني باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إن مواطنيه لم يعتادوا في الماضي على السفر للعمل أبعد من السعودية كما أنهم يرفضون فكرة أن يصبحوا لاجئين ويعتبرون السفر إلى أوروبا خيارا في غاية الصعوبة.
ويضيف: «الناس ليس لديها فعلا الشجاعة أو الوسيلة أو الموارد لذلك. وأعتقد أنه ليس عليهم سوى أن يعيشوا الواقع الذي هم فيه».
وقد فرضت الحرب ثمنا باهظا على اليمنيين البالغ عددهم 26 مليون نسمة يكافحون للبقاء على قيد الحياة في بلدهم الفقير الذي يعاني من ندرة حادة في المياه ومن سوء الحكم والفساد.
وتقول الأمم المتحدة إن أربعة أخماس اليمنيين يحتاجون لمساعدات خارجية. وأكثر من نصف اليمنيين يعانون من ضعف الإمدادات الغذائية، كما أن عددا لا يقل عن 320 ألفا من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد.
ويعني انخفاض مستويات المعيشة والتعليم في اليمن أن نسمة وخلود بما تحملانه من آمال في الحصول على تأشيرات للدراسة في أوروبا هما الاستثناء لا القاعدة. لكن إذا استمرت الحرب لفترة أطول فإن اليأس قد يحول اللاجئين من قطرات بسيطة إلى سيل جارف.
وتقول خلود عن حياتها قبل الحرب: «كنت طموحة وأحب أن أحلم. وكانت عندي خطط كثيرة في رأسي. لكن الحرب سرقت كل شيء مني. ولم أعد أفكر إلا في أنني سأموت اليوم أو غدا. وأشعر وكأنني أموت لكنني مازلت أتنفس». فقد تفكك البلد الذي كانت تعرفه.
وتضيف خلود: «الآن توجد هوة شاسعة بين اليمنيين. من قبل كنا جميعا سنة وشيعة نذهب إلى مساجد واحدة ونتجمع في مناطق واحدة. وهذه الحرب تجعلنا نسأل لأي دين ولأي حزب ينتمي فلان».
والأمثلة على تدهور الفقر شديدة الوضوح. تقول خلود «كثير من الناس يتسولون طلبا للمال أو الطعام. وبعضهم من المتعلمين الذين فقدوا وظائفهم ولم يعد باستطاعتهم إطعام أولادهم. هذه الحرب سرقت كرامتهم. أشعر أن الأمر لا يطاق بالنسبة لي، لكن وضعي أفضل من كثيرين غيري».
وتقول خلود إنها تشعر بالوحدة، لأن صديقاتها غادرن اليمن، وبالحزن، لأن الموت خطف أقاربها، وإنها بلا هدف من دون الوظيفة التي كانت تحبها.
أما الآن فبخلاف المهام المنزلية تقضي خلود وقتها على «فيسبوك» ومشاهدة نشرات الأخبار، وتقول: «عندما نسمع قنابل نتجه لهذه القناة لمعرفة مكان سقوطها». ولا تكن خلود أي ود للحوثيين.
ولا تلوح في الأفق بادرة على نهاية الحرب. وقامت قوات تدعمها السعودية والإمارات بإخراج الحوثيين من عدن في يوليو (تموز) الماضي. وانتقلت المعارك الرئيسية إلى مدينة تعز المحاصرة من قبل الحوثيين للسيطرة عليها لتقترب بذلك من العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين في الشمال.
ويتمتع الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يتحصن في عدن بالاعتراف الدولي.
وأثرت هذه الاضطرابات في حياة ملايين اليمنيين بمن فيهم خلود ونسمة اللتان تعيشان في خوف يومي. ولان والدها وزوجته سافرا إلى الأردن لأسباب طبية أصبحت نسمة مسؤولة عن أشقائها الثلاثة الأصغر وأحدهم يدعى مصطفى وعمره خمس سنوات فقط وذلك عندما تفجر القتال قرب بيتها في مارس (آذار) عام 2015.
كان الحوثيون وحلفاؤهم يهاجمون المطار في عدن التي أعلنها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة بعد خروجه من صنعاء. واستعرت معارك الشوارع على مدى الأشهر الأربعة التالية.
انتقلت نسمة وأشقاؤها مرتين بحثا عن الأمان. في البداية تكدسوا في سيارة أحد الجيران مع أسرة من خمسة أفراد وذهبوا إلى بيت عمتهم بعد أن انفجر صاروخ في البيت المجاور لبيتهم. وبعد بضعة أيام عندما انهالت الصورايخ والقذائف على الحي الذي تسكن فيه العمة انتقلوا إلى بيت جدتهم.
والآن عادت الأسرة بعد أن التأم شملها إلى البيت في حي خور مكسر في عدن عندما خفت حدة القتال في يوليو (تموز) وفوجئت بأن البيت لم تلحق به أي أضرار على عكس بيوت كثيرة.
وتقول نسمة إن الأمور عادت بعض الشيء إلى طبيعتها مع عودة التيار الكهربائي والمياه. لكنها فقدت أي إحساس بالأمن الشخصي. وتقول نسمة: «أخرج من بيتي كل يوم وأنا أتوقع أن ألقى حتفي في أي مكان في أي وقت على يدي أحد ما».
وتبلور عمليات الاغتيال المتكررة والهجمات التي يشنها مقاتلون إسلاميون وفصائل أخرى وعصابات إجرامية في الأشهر الستة الأخيرة المخاطر الجديدة في عدن التي كانت في وقت من الأوقات مدينة تجمع مختلف الجنسيات.
وتقول نسمة وهي تفكر بإمعان «يقولون إنهم يتبعون داعش لكن من يدري. إذا كانوا من الجرأة بما يكفي ليوقفونا ويطلبون منا أن نرتدي من الملابس ما يريدون، فربما يحبسوننا في يوم من الأيام في بيوتنا». وهذا الخوف هو الذي يحرك تصميمها على الهرب من البلد الذي تقول إن الأمل في مستقبل أفضل تبخر فيه. وتضيف: «الكل يفكر في الرحيل. لكن كيف وإلى أين».



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».