صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد

التنظيم المتطرف يدافع عن مجاله الحيوي للتجنيد والدعاية

صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد
TT

صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد

صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد

اختار تنظيم داعش هذه المرة هدفاً جديدًا لتصويب سهامه عليه، هو هذه المرة وسائل التواصل الاجتماعي. ففي شريط فيديو نُشِر أخيرًا وجه التنظيم الإرهابي المتطرف تهديداته للرئيس التنفيذي لشركة «تويتر» جاك دورسي والرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك» مارك زوكربيرغ، عبر عرض صورة لكل منهما أطلقت عليها وابل من الطلقات النارية. غير أن هذه الحرب المستترة ليست أحادية الجانب على الإطلاق، إذ عمدت كل من «تويتر» و«فيسبوك»، اللتين تحاولان من جهتهما شن حملة مضادة على الإرهاب، إلى إقفال حسابات عدد من مناصري التنظيم الإرهابي.
وبناءً عليه، أقدمت مجموعة أطلقت على نفسها تسمية «أولاد جيش الخلافة» التابعة لقسم القرصنة في «داعش»، على نشر شريط فيديو في أواخر الشهر الماضي بعنوان «لهب الأنصار» سخرت فيه من محاولات مواقع التواصل الاجتماعي إقفال بعض الحسابات لعرضها محتويات اعتبرت إرهابية. وللعلم، فإن وسائل الإعلام الاجتماعية هذه شكّلت واحدة من نقاط القوة الرئيسية للتنظيم الإرهابي، الذي اعتمد بذكاء شديد على الشبكات الاجتماعية وشبكة الإنترنت لتوزيع أشرطة فيديو على موقع «يوتيوب» تصوِّر مشاهد مخيفة لسجناء يتعرضون لقطع رؤوسهم أو إحراقهم أحياء، كما استغل التنظيم حسابات «تويتر» لنشر رسائله المتطرفة.

اعتبرت مونيكا بكرت، مديرة قسم السياسات العالمية في موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، خلال مداخلة في المؤتمر الذي نظمه «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية واشنطن أن «الـ(فيسبوك) لا يسمح لأي عضو تابع لمجموعة أو منظمة إرهابية عنيفة بأن يكون له حضور على الموقع». وتابعت بكرت: «هذه سياسة شاملة، مما يعني أن المستخدمين الذين يشتبه بانتمائهم إلى هذه الجماعات يمنعون من استخدام الموقع، بغض النظر عمّا يُنشَر على حسابهم. وبالمثل، عندما تدرك إدارة الـ(فيسبوك) أن الحساب يدعم الإرهاب، يصار إلى إزالة المستخدم فورًا، ومن ثم، يجري النظر في محتوى الحساب نفسه والحسابات المرتبطة به».
وأكملت بكرت شارحة أنه «وفقًا لسياسة أخرى يعتمدها الموقع، تجري عملية إزالة المحتوى الذي يدعم أو يشجِّع جماعات معروفة بممارساتها العنيفة، حتى لو لم يكن هناك من سبب كاف لإغلاق حساب الشخص الذي يروِّج لرسائل مماثلة». وتجدر الإشارة إلى أن عدد مستخدمي «فيسبوك» يصل إلى 1.6 مليار نسمة، 80 في المائة منهم من خارج الولايات المتحدة.
من جهته، ادعى تنظيم «داعش» أن حسابات أنصاره تزيد عن 10 آلاف حساب على «فيسبوك»، وثمة 150 مجموعة مؤيدة له على الموقع نفسه، فضلا عن 5 آلاف حساب على «تويتر». أما الدافع وراء نشر الفيديو الجديد، في هذا الوقت بالذات، ومهاجمة المَوقِعين الرائدين «تويتر» و«فيسبوك» فيعود على الأرجح إلى الإعلان الذي أصدره «تويتر» أخيرًا بأنه أزال 125 ألف حساب منذ منتصف عام 2015 «لبثِّها رسائل تهديد أو لترويجها لأعمال إرهابية، ترتبط بشكل أساسي بالتنظيم المتطرف (داعش)». وحقًا، فإن هذا الفيديو الأخير، وبغض النظر عن التهديدات التي يحتويها، يؤكد من جديد أن تنظيم «داعش» يعتمد اعتمادا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي، فإن إزالة حسابات مناصريه يشكل ضربة كبيرة لأنشطته في مجالي التجنيد والدعاية.
جدير بالذكر، أن «داعش» دأب على اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض عدة أساسية أبرزها تجنيد المقاتلين ونشر الدعاية (البروباغندا). وبالفعل، حقق التنظيم المتطرف نجاحًا لا مجال لإنكاره في خلق هذه الهالة المخيفة المألوفة اليوم حوله عبر نشر أشرطة فيديو أنتجها ووزعها وبثها بمهارة تصوِّر مقاتليه «الأبطال» وصور المجازر والإعدامات التي يرتكبونها على مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» المُستخدَمة من الغالبية العظمى من الناس.
هذا وتُجمع تقارير من مصادر مطلعة مختلفة، من عدة دول في العالم، أن «داعش» يستخدم المنصات الاجتماعية للتواصل مع المجندين المحتملين، الذين يتم بعد ذلك التقرّب منهم وغسل أدمغتهم عبر رسائل خاصة ترسل لهم. لذلك، فإن حذف الحسابات يمكن أن يلجم، ولو مؤقتًا، بعضًا من الأنشطة الأساسية في خطة توسّع التنظيم الإرهابي وجهوده التجنيدية والاستقطابية.
من جهة أخرى، عودة إلى كلام مونيكا بكرت، مديرة قسم السياسات العالمية في موقع «فيسبوك»، فإنها وضحت أن «فيسبوك» يتلقى في اليوم الواحد ما يزيد عن مليون تقرير حول انتهاكات محتملة حصلت على الموقع. وأوضحت أنه «يجري تقييم هذه التقارير من قبل خبراء متخصصين من العالم أجمع يتولون مراجعة المحتوى بأكثر من أربعين لغة، مع إمكانية الاستعانة بخدمات الترجمة عند الحاجة». وتابعت أن «المهم هنا هو وصول التقارير إلى الشخص المعني بالموضوع. فعلى سبيل المثال، يوظف (فيسبوك) خبراء متخصصين في تحليل مواضيع دعم الإرهاب، يتلقون تدريبًا مستمرًا على أيدي أكاديميين وباحثين لإبقاء فريق العمل على اطلاع دائم بالمصطلحات ذات الصلة، وكذلك الصور ومعانيها، وغيرها من المعلومات». ولكن على الرغم من كل هذه الجهود المركّزة، تقرّ بكرت أنه حتى عندما يصار إلى إغلاق بعض الحسابات، فإن أصحابها يحاولون دومًا العودة، نظرًا لسهولة إنشاء حساب على مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» وغيرها من مواقع الإعلام والتواصل الاجتماعي.
غير أن إغلاق الحسابات ليس السلاح الوحيد الذي تستعمله شركات مثل «فيسبوك» في محاربتها التنظيمات الإرهابية، إذ «تستثمر الشركة - وفقا لبكرت - في ترويج الخطاب المناقض للإرهاب من خلال تعزيز الوعي، ورفض بعض من أنواع الخطابات، وتشجيع الأفراد على الابتعاد عن الآيديولوجيات الحاقدة والمتطرفة». ولتحقيق هذه الغاية، وفق مديرة قسم السياسات العالمية في «فيسبوك»، بدأت الشركة بالتعاون مع شركة الأبحاث البريطانية (ديموس) منذ سنتين تقريبًا، بهدف البحث والتحري عن أنجع أنواع الحملات التي يمكن شنها عبر «فيسبوك»، وتستطيع تحقيق النجاح المرجوّ ضد التطرّف، وكذلك استكشاف الأسباب التي تؤدي إلى نجاحها. ولقد تم تحديد كثير من العوامل مثل الشكل واللهجة وهوية المتكلم.
وأشارت بكرت إلى أنه على مستوى «الشكل أو المظهر»، اعتبرت الصور مهمة جدًا لنجاح أي حملة، بالإضافة إلى مدة الفيديو، إذ تبين أن معدل الفترة التي يخصِّصها المستخدمون لمشاهدة أي فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي هي قليلة بشكل عام. أما العامل الثاني فهو «اللهجة»، ذلك أنه من خلال الأبحاث مع «ديموس» تبين لإدارة «فيسبوك» أن الرسائل الإيجابية والبنّاءة تنجح بشكل أكبر في دفع الناس إلى التشكيك وإعادة النظر في الآيديولوجيات المتطرفة، كما تعتبر الفكاهة والسخرية فعالة بشكل خاص في هذا الصدد». وأوضحت، على سبيل المثال، «أن عرض صورة للحكومة لن تلقى استحسانا عند الشباب المشكك بالسلطة، الذين سيستجيبون أكثر لصورة أحد المشاهير أو شخص شاب أو أي شخص آخر يستطيعون أن يتشبّهوا به أو سبق له أن اختبر ما يمرّون به».

* التعاون مع الأجهزة الحكومية
وفي سياق متصل بمكافحة المنظمة الإرهابية، تعاونت شركات الإعلام والتواصل الاجتماعي مع حكومة الولايات المتحدة في كثير من المؤتمرات التي جمعت الطرفين في أنحاء مختلفة من البلاد. وكان آخرها سلسلة من الاجتماعات في واشنطن، حيث التقى نحو 50 من شركات التواصل الاجتماعي مع عدد من ممثلي وكالات مكافحة الإرهاب لمناقشة موضوع محاربة «داعش» على الإنترنت، على الرغم من أن الشركات الكبيرة مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«تويتر» نادرًا ما تكون مستعدة للكشف عن مدى تعاونها مع الحكومة الأميركية ضد التنظيم.
أضِف إلى ذلك أن المشكلة الأساسية في الحرب ضد التنظيم الإرهابي الذي تعتبره واشنطن «الأخطر في العالم» اليوم، تبقى في صعوبة تحديد هدف الأجهزة الأمنية حين تطلب من شركات مثل «غوغل» و«تويتر» و«فيسبوك» قمع أو تشجيع أنواع معينة من الخطابات.
فمن ذا الذي يقرّر ما هي الخطابات التي يجب السماح بها؟ وأي منها يجب شجبه؟ وكيف تتعاطى شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع مطالب بعض الحكومات الاستبدادية التي تقمع معارضيها السياسيين وتضطهدهم؟ وفي ردّها على سؤال «الشرق الأوسط» اعتبرت مونيكا بكرت أن ثمة إجراءات متبعة للتدقيق في مطالب الحكومات وأن إدارة «فيسبوك» تعي حساسية هذه المسألة جيدًا.
إلا أن الخطاب الحرّ المناهض للإرهاب، وعلى الرغم من أهميته، يمكن أن يبقى دومًا تحت رحمة الحكومات. وبالتالي، يبدو أن «داعش» يعتمد على أمر واحد في هذه المسألة: استغلال الحدود الرمادية بين ما تعتبره الحكومات تصرفًا إرهابيًا وبين الخطاب السياسي التقليدي على «تويتر» و«فيسبوك».



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟