صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد

التنظيم المتطرف يدافع عن مجاله الحيوي للتجنيد والدعاية

صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد
TT

صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد

صراع «داعش» ومواقع التواصل الاجتماعي يتصاعد

اختار تنظيم داعش هذه المرة هدفاً جديدًا لتصويب سهامه عليه، هو هذه المرة وسائل التواصل الاجتماعي. ففي شريط فيديو نُشِر أخيرًا وجه التنظيم الإرهابي المتطرف تهديداته للرئيس التنفيذي لشركة «تويتر» جاك دورسي والرئيس التنفيذي لشركة «فيسبوك» مارك زوكربيرغ، عبر عرض صورة لكل منهما أطلقت عليها وابل من الطلقات النارية. غير أن هذه الحرب المستترة ليست أحادية الجانب على الإطلاق، إذ عمدت كل من «تويتر» و«فيسبوك»، اللتين تحاولان من جهتهما شن حملة مضادة على الإرهاب، إلى إقفال حسابات عدد من مناصري التنظيم الإرهابي.
وبناءً عليه، أقدمت مجموعة أطلقت على نفسها تسمية «أولاد جيش الخلافة» التابعة لقسم القرصنة في «داعش»، على نشر شريط فيديو في أواخر الشهر الماضي بعنوان «لهب الأنصار» سخرت فيه من محاولات مواقع التواصل الاجتماعي إقفال بعض الحسابات لعرضها محتويات اعتبرت إرهابية. وللعلم، فإن وسائل الإعلام الاجتماعية هذه شكّلت واحدة من نقاط القوة الرئيسية للتنظيم الإرهابي، الذي اعتمد بذكاء شديد على الشبكات الاجتماعية وشبكة الإنترنت لتوزيع أشرطة فيديو على موقع «يوتيوب» تصوِّر مشاهد مخيفة لسجناء يتعرضون لقطع رؤوسهم أو إحراقهم أحياء، كما استغل التنظيم حسابات «تويتر» لنشر رسائله المتطرفة.

اعتبرت مونيكا بكرت، مديرة قسم السياسات العالمية في موقع «فيسبوك» للتواصل الاجتماعي، خلال مداخلة في المؤتمر الذي نظمه «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» في العاصمة الأميركية واشنطن أن «الـ(فيسبوك) لا يسمح لأي عضو تابع لمجموعة أو منظمة إرهابية عنيفة بأن يكون له حضور على الموقع». وتابعت بكرت: «هذه سياسة شاملة، مما يعني أن المستخدمين الذين يشتبه بانتمائهم إلى هذه الجماعات يمنعون من استخدام الموقع، بغض النظر عمّا يُنشَر على حسابهم. وبالمثل، عندما تدرك إدارة الـ(فيسبوك) أن الحساب يدعم الإرهاب، يصار إلى إزالة المستخدم فورًا، ومن ثم، يجري النظر في محتوى الحساب نفسه والحسابات المرتبطة به».
وأكملت بكرت شارحة أنه «وفقًا لسياسة أخرى يعتمدها الموقع، تجري عملية إزالة المحتوى الذي يدعم أو يشجِّع جماعات معروفة بممارساتها العنيفة، حتى لو لم يكن هناك من سبب كاف لإغلاق حساب الشخص الذي يروِّج لرسائل مماثلة». وتجدر الإشارة إلى أن عدد مستخدمي «فيسبوك» يصل إلى 1.6 مليار نسمة، 80 في المائة منهم من خارج الولايات المتحدة.
من جهته، ادعى تنظيم «داعش» أن حسابات أنصاره تزيد عن 10 آلاف حساب على «فيسبوك»، وثمة 150 مجموعة مؤيدة له على الموقع نفسه، فضلا عن 5 آلاف حساب على «تويتر». أما الدافع وراء نشر الفيديو الجديد، في هذا الوقت بالذات، ومهاجمة المَوقِعين الرائدين «تويتر» و«فيسبوك» فيعود على الأرجح إلى الإعلان الذي أصدره «تويتر» أخيرًا بأنه أزال 125 ألف حساب منذ منتصف عام 2015 «لبثِّها رسائل تهديد أو لترويجها لأعمال إرهابية، ترتبط بشكل أساسي بالتنظيم المتطرف (داعش)». وحقًا، فإن هذا الفيديو الأخير، وبغض النظر عن التهديدات التي يحتويها، يؤكد من جديد أن تنظيم «داعش» يعتمد اعتمادا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي، فإن إزالة حسابات مناصريه يشكل ضربة كبيرة لأنشطته في مجالي التجنيد والدعاية.
جدير بالذكر، أن «داعش» دأب على اللجوء إلى مواقع التواصل الاجتماعي لأغراض عدة أساسية أبرزها تجنيد المقاتلين ونشر الدعاية (البروباغندا). وبالفعل، حقق التنظيم المتطرف نجاحًا لا مجال لإنكاره في خلق هذه الهالة المخيفة المألوفة اليوم حوله عبر نشر أشرطة فيديو أنتجها ووزعها وبثها بمهارة تصوِّر مقاتليه «الأبطال» وصور المجازر والإعدامات التي يرتكبونها على مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» المُستخدَمة من الغالبية العظمى من الناس.
هذا وتُجمع تقارير من مصادر مطلعة مختلفة، من عدة دول في العالم، أن «داعش» يستخدم المنصات الاجتماعية للتواصل مع المجندين المحتملين، الذين يتم بعد ذلك التقرّب منهم وغسل أدمغتهم عبر رسائل خاصة ترسل لهم. لذلك، فإن حذف الحسابات يمكن أن يلجم، ولو مؤقتًا، بعضًا من الأنشطة الأساسية في خطة توسّع التنظيم الإرهابي وجهوده التجنيدية والاستقطابية.
من جهة أخرى، عودة إلى كلام مونيكا بكرت، مديرة قسم السياسات العالمية في موقع «فيسبوك»، فإنها وضحت أن «فيسبوك» يتلقى في اليوم الواحد ما يزيد عن مليون تقرير حول انتهاكات محتملة حصلت على الموقع. وأوضحت أنه «يجري تقييم هذه التقارير من قبل خبراء متخصصين من العالم أجمع يتولون مراجعة المحتوى بأكثر من أربعين لغة، مع إمكانية الاستعانة بخدمات الترجمة عند الحاجة». وتابعت أن «المهم هنا هو وصول التقارير إلى الشخص المعني بالموضوع. فعلى سبيل المثال، يوظف (فيسبوك) خبراء متخصصين في تحليل مواضيع دعم الإرهاب، يتلقون تدريبًا مستمرًا على أيدي أكاديميين وباحثين لإبقاء فريق العمل على اطلاع دائم بالمصطلحات ذات الصلة، وكذلك الصور ومعانيها، وغيرها من المعلومات». ولكن على الرغم من كل هذه الجهود المركّزة، تقرّ بكرت أنه حتى عندما يصار إلى إغلاق بعض الحسابات، فإن أصحابها يحاولون دومًا العودة، نظرًا لسهولة إنشاء حساب على مواقع مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» وغيرها من مواقع الإعلام والتواصل الاجتماعي.
غير أن إغلاق الحسابات ليس السلاح الوحيد الذي تستعمله شركات مثل «فيسبوك» في محاربتها التنظيمات الإرهابية، إذ «تستثمر الشركة - وفقا لبكرت - في ترويج الخطاب المناقض للإرهاب من خلال تعزيز الوعي، ورفض بعض من أنواع الخطابات، وتشجيع الأفراد على الابتعاد عن الآيديولوجيات الحاقدة والمتطرفة». ولتحقيق هذه الغاية، وفق مديرة قسم السياسات العالمية في «فيسبوك»، بدأت الشركة بالتعاون مع شركة الأبحاث البريطانية (ديموس) منذ سنتين تقريبًا، بهدف البحث والتحري عن أنجع أنواع الحملات التي يمكن شنها عبر «فيسبوك»، وتستطيع تحقيق النجاح المرجوّ ضد التطرّف، وكذلك استكشاف الأسباب التي تؤدي إلى نجاحها. ولقد تم تحديد كثير من العوامل مثل الشكل واللهجة وهوية المتكلم.
وأشارت بكرت إلى أنه على مستوى «الشكل أو المظهر»، اعتبرت الصور مهمة جدًا لنجاح أي حملة، بالإضافة إلى مدة الفيديو، إذ تبين أن معدل الفترة التي يخصِّصها المستخدمون لمشاهدة أي فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي هي قليلة بشكل عام. أما العامل الثاني فهو «اللهجة»، ذلك أنه من خلال الأبحاث مع «ديموس» تبين لإدارة «فيسبوك» أن الرسائل الإيجابية والبنّاءة تنجح بشكل أكبر في دفع الناس إلى التشكيك وإعادة النظر في الآيديولوجيات المتطرفة، كما تعتبر الفكاهة والسخرية فعالة بشكل خاص في هذا الصدد». وأوضحت، على سبيل المثال، «أن عرض صورة للحكومة لن تلقى استحسانا عند الشباب المشكك بالسلطة، الذين سيستجيبون أكثر لصورة أحد المشاهير أو شخص شاب أو أي شخص آخر يستطيعون أن يتشبّهوا به أو سبق له أن اختبر ما يمرّون به».

* التعاون مع الأجهزة الحكومية
وفي سياق متصل بمكافحة المنظمة الإرهابية، تعاونت شركات الإعلام والتواصل الاجتماعي مع حكومة الولايات المتحدة في كثير من المؤتمرات التي جمعت الطرفين في أنحاء مختلفة من البلاد. وكان آخرها سلسلة من الاجتماعات في واشنطن، حيث التقى نحو 50 من شركات التواصل الاجتماعي مع عدد من ممثلي وكالات مكافحة الإرهاب لمناقشة موضوع محاربة «داعش» على الإنترنت، على الرغم من أن الشركات الكبيرة مثل «غوغل» و«فيسبوك» و«تويتر» نادرًا ما تكون مستعدة للكشف عن مدى تعاونها مع الحكومة الأميركية ضد التنظيم.
أضِف إلى ذلك أن المشكلة الأساسية في الحرب ضد التنظيم الإرهابي الذي تعتبره واشنطن «الأخطر في العالم» اليوم، تبقى في صعوبة تحديد هدف الأجهزة الأمنية حين تطلب من شركات مثل «غوغل» و«تويتر» و«فيسبوك» قمع أو تشجيع أنواع معينة من الخطابات.
فمن ذا الذي يقرّر ما هي الخطابات التي يجب السماح بها؟ وأي منها يجب شجبه؟ وكيف تتعاطى شركات وسائل التواصل الاجتماعي مع مطالب بعض الحكومات الاستبدادية التي تقمع معارضيها السياسيين وتضطهدهم؟ وفي ردّها على سؤال «الشرق الأوسط» اعتبرت مونيكا بكرت أن ثمة إجراءات متبعة للتدقيق في مطالب الحكومات وأن إدارة «فيسبوك» تعي حساسية هذه المسألة جيدًا.
إلا أن الخطاب الحرّ المناهض للإرهاب، وعلى الرغم من أهميته، يمكن أن يبقى دومًا تحت رحمة الحكومات. وبالتالي، يبدو أن «داعش» يعتمد على أمر واحد في هذه المسألة: استغلال الحدود الرمادية بين ما تعتبره الحكومات تصرفًا إرهابيًا وبين الخطاب السياسي التقليدي على «تويتر» و«فيسبوك».



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».