خطأ المباحث الفيدرالية تسبب في إغلاق هاتف مهاجم سان برناردينو

أدّى إلى انتقادات حادة من طرف «آبل» ومجلس النواب

لجنة قضائية تناقش قضية فك تشفير هاتف رضوان فاروق في نيويورك الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
لجنة قضائية تناقش قضية فك تشفير هاتف رضوان فاروق في نيويورك الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

خطأ المباحث الفيدرالية تسبب في إغلاق هاتف مهاجم سان برناردينو

لجنة قضائية تناقش قضية فك تشفير هاتف رضوان فاروق في نيويورك الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)
لجنة قضائية تناقش قضية فك تشفير هاتف رضوان فاروق في نيويورك الثلاثاء الماضي (أ.ف.ب)

أقر رئيس المباحث الفيدرالية أن الجهاز فقد الفرصة لاستخراج البيانات من هاتف الآيفون الذي كان يستخدمه أحد المهاجمين في سان برناردينو، عندما طلب إعادة تحديد كلمة المرور الخاصة بالجهاز من على خدمة التخزين السحابية (آي. كلاود) على الإنترنت بعد وقت قصير من تنفيذ الهجمات.
وقال جيمس كومي، مدير مكتب المباحث الفيدرالية الأميركية، للمشرعين في جلسة استماع حول المحاولات الحكومية لإجبار شركة أبل على «فتح» هاتف الآيفون الثلاثاء الماضي إنه: «وقع خطأ ما خلال الـ24 ساعة التي تلت الهجوم (الإرهابي)».
واعتقد الموظفون في المباحث الفيدرالية أنهم إذا أعادوا تعيين كلمة المرور السحابية، سيتمكنون من الحصول على المعلومات المخزنة على هاتف الآيفون. ولكن بدلا من ذلك، كان تغيير كلمة المرور قد أدى إلى نتيجة عكسية؛ وهي الإغلاق الكامل للجهاز وإزالة كافة الطرق الأخرى للوصول إلى البيانات.
ويعتبر هاتف رضوان فاروق، أحد المهاجمين في حادثة إطلاق النار التي أسفرت عن مقتل 14 شخصا يوم 2 ديسمبر (كانون الأول) العام الماضي، في قلب المعركة القانونية والسياسية الحامية حول التوازن بين الأمن القومي للبلاد وخصوصية المستهلكين. وبدا الكثير من النواب، في جلسة يوم الثلاثاء للجنة القضائية بمجلس النواب الأميركي، منقسمين حول ذلك الأمر بشدة. حيث قال النائب جايسون شافيتز (الجمهوري من يوتاه) لجيمس كومي مدير المباحث الفيدرالية إن «السؤال المهم في هذا الصدد بالنسبة لبلادنا يدور حول مقدار الخصوصية التي سوف نتخلى عنها باسم المحافظة على الأمن. وليست هناك من طريقة سهلة للإجابة على ذلك».
وفي حين أعرب بعض النواب على تأييدهم لمخاوف الخصوصية لدى شركة آبل، هاجم البعض الآخر موقف الشركة المتصلب، وقالوا: إن موقفها يهدد بحرمان السلطات من الأدلة التي تعتبر حساسة وحاسمة في القضايا الحرجة التي تتعلق بهواتف آيفون الجديدة.
وتساءل النائب تري غاودي (الجمهوري من ساوث كارولينا) والذي شغل منصب المدعي العام الفيدرالي من قبل: «أنحن متجهون لإقامة مناطق خالية من الأدلة القانونية في البلاد؟ هل يفوتني شيء ما هنا؟ كيف تفشلون في الدخول على بيانات هاتف من الهواتف بأي حال، إنه أمر مثير للحيرة بحق!».
من جهته، صرّح بروس سيويل، المستشار العام لشركة آبل، لأعضاء اللجنة أن طلب المباحث الفيدرالية للمساعدات الفنية لفتح هاتف الآيفون «5 سي» الخاص برضوان فاروق «من شأنه أن يؤسس لسابقة خطيرة من التدخل الحكومي في خصوصية وسلامة المواطنين». وصرحت شركة آبل أنه في الكثير من الحالات كان للمحققين أساليب أخرى للحصول على المعلومات الحساسة، وفي بعض الأحيان توصلوا للبيانات المخزنة على «آي - كلاود».
ولقد جاء رد فعل سيويل غاضبا على مقترح وزارة العدل، وقال: «نحن لا نضع لوحات الإعلانات التي تسوق لأمننا. وإننا نفعل ذلك لاعتقادنا أن حماية أمن وخصوصية مئات الملايين من هواتف الآيفون هو الشيء الصواب الذي ينبغي عمله».
في المقابل، يرى المسؤولون في المباحث الفيدرالية أن البيانات المشفرة في هاتف رضوان فاروق ونظام تحديد المواقع العالمية قد تحمل مؤشرات مهمة عن الأماكن التي انتقل إليها برفقة زوجته، تشفين مالك، خلال الـ18 دقيقة التي تلت حادثة إطلاق النار، وحول الأشخاص الذين كانوا على اتصال بهم قبل ذلك. وفي حين أن المحققين يعتقدون أن الزوجين كانا متأثرين بدعاوى تنظيم داعش الإرهابية، إلا أنه لم يتم العثور على أدلة تفيد باتصالهما بأي متطرفين في الخارج.
ولقد وجه أحد القضاة أمرا لشركة آبل بتطوير البرمجيات التي توقف أو تعطل آليات الأمن على هاتف رضوان فاروق، حتى يتسنى للمباحث الفيدرالية محاولة الدخول بمختلف كلمات المرور لفتح الهاتف من خلال استخدام أسلوب «القوة المفرطة»، من دون تدمير البيانات على الهاتف. وبمجرد تعطيل نظم الأمن على الهاتف، سوف يستغرق الأمر 26 دقيقة للعثور على كلمة المرور الصحيحة، كما يقول كومي.
ولقد رفض مدير المباحث الفيدرالية الفكرة التي اقترحها الكثير من النواب بأن المباحث الفيدرالية تحاول إجبار شركة آبل على إيجاد «باب خلفي» لفك شفرات خصائصها الأمنية. ولقد استخدم تشبيهات مختلفة لتوضيح المطالب الحكومية في هذا الصدد. وأضاف: «هناك باب خلفي فعلي في هاتف الآيفون هذا. وبالأساس، فإننا نقول لأبل أبعدوا كلب الحراسة بعيدا ودعونا نفتح القفل بأنفسنا». ولكن المباحث الفيدرالية لم تساعد قضيتها المطروحة مع المشرعين عندما اعترف كومي بالخطأ في تغيير كلمة المرور لخدمة «آي - كلاود» الخاصة بالهاتف.
وعندما ثار النزاع حول هاتف رضوان فاروق قبل أسبوعين، ألقت وزارة العدل باللوم على الفنيين في مقاطعة سان برناردينو، والتي كان يعمل فيها رضوان فاروق موظفا مختصا بالصحة البيئية والتي كانت تمتلك الهاتف الذي كان بحوزته. ولكن المسؤولين في المقاطعة المذكورة قالوا: إن الفنيين لديهم غيروا بالفعل كلمة المرور وفقا لطلب مباشر من مكتب التحقيقات الفيدرالية. واعترف كومي في جلسة الاستماع بأن المباحث الفيدرالية وجهت الأمر للمقاطعة بتغيير كلمة المرور في الهاتف.
ولقد أوضح سيويل، المستشار القانوني لشركة أبل، للجنة مجلس النواب أنه قبل الأمر الصادر من المباحث الفيدرالية بتغيير كلمة المرور للهاتف، أرادت شركة أبل منهم في أول الأمر محاولة ربط الهاتف بشبكة واي - فاي معروفة كان رضوان فاروق يستخدمها. والقيام بذلك كان يمكن أن يؤدي إلى استعادة المعلومات المحفوظة على الهاتف منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول)، منذ آخر مرة اتصل الهاتف بخدمة «آي - كلاود» عبر الإنترنت. وأضاف سيويل يقول: «كانت المعلومات التي تريدها المباحث الفيدرالية متاحة، وكان يمكننا سحبها من الخدمة السحابية بكل سهولة».
ولقد أثار تعامل المباحث الفيدرالية مع تغيير كلمة المرور للهاتف انتقادات من نواب الحزبين الديمقراطي والجمهوري في جلسة استماع اللجنة القضائية بالكونغرس، حيث قال النائب جيرولد نادلر (الديمقراطي من نيويورك) إنه «إذا لم توجه المباحث الفيدرالية الأوامر لمقاطعة سان برناردينو بتغيير كلمة المرور لحساب خدمة آي - كلاود، كان كل ذلك لا لزوم له، وكان يمكنهم الحصول على المعلومات المطلوبة». وأثار غاودي انتقادات مماثلة خلال جلسة الاستماع التي استمرت لأكثر من ساعتين ونصف الساعة من شهادة كومي أمامها.
ووجه غاودي سؤاله لمدير المباحث الفيدرالية يقول: «مع كامل الاحترام الواجب لمكتب التحقيقات الفيدرالية، إلا أن المكتب لم يتبع مقترحات شركة أبل حتى يمكن استعادة البيانات، أليس كذلك؟ وأعني، أنهم عندما حاولوا تغيير كلمة المرور، كان تصرفهم قد أفسد كل شيء، أليس كذلك؟».
ولكن كومي يقول: إنه حتى لو أن المباحث الفيدرالية قد أساءت التعامل مع تغيير كلمة المرور، إلا أنه لم يعتقد أن المكتب سوف يحصل على كل ما يسعى إليه من الهاتف، وكان سيطلب المزيد من المساعدة من شركة أبل لتعطيل الخصائص الأمنية في الهاتف. وتابع: «كنا سوف نتابع مسار القضائي، حيث إن الخبراء لدينا يقولون: إنه ما من وسيلة نحصل بها على كل ما نريد من النسخة الاحتياطية للهاتف».

* خدمة «نيويورك تايمز»



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.