* في كتابها الصادر سنة 2014 والمعنون «الأفلام المصرية والمهرجانات الدولية الكبرى» تتناول الناقدة أمل الجمل العدد الكبير، نسبيًا، من الأفلام المصرية التي شاركت في المهرجانات الكبرى مثل «كان» و«برلين» و«فينسيا»، وتؤكد على أن تاريخ هذه الاشتراكات عانى، فيما مضى، من سوء المعرفة بشروط المهرجانات وما يمكن له أن ينجح أو لا ينجح.
المسألة المثارة حقيقية، لكن من الواضح أنها لم تعد ذات تأثير فعلي هذه الأيام. أفلام عربية كثيرة باتت تطرق أبواب المهرجانات العالمية الكبيرة بثقة وتطلب نصيبها. هذا العام، ونحن ما زلنا في بدايته، خطف الفيلم التونسي «نحبك هادي» جائزتين من مسابقة برلين الرسمية. وحظي الفيلم المصري «آخر أيام المدينة» بتقدير نقدي ممتاز من عرب وأجانب. وشارك الفيلم السعودي «بركة يقابل بركة» الوجود العربي في المهرجان نفسه بنجاح ملحوظ.
في العام الماضي نال الفيلم اللبناني القصير «موج 98» سعفة ذهبية من مسابقة الفيلم القصير. عند باب الترشيحات الرسمية للأوسكار والبافتا تقدّم بثقة الفيلم الأردني «ذيب».
الناقدة مصيبة تمامًا في استنتاجاتها الأخرى حول كل فيلم شارك في مسابقة دولية وما كان له أو عليه، كذلك حيال تاريخ المخرج الراحل يوسف شاهين مع مهرجان «كان» على الأخص، وفي تحليلها لأفلامه التي نجح بعضها في عروضه العالمية أكثر من بعضها الآخر.
لكن المسألة في واقعها عربية أيضًا، مع العلم أن التجربة المصرية، حتى على هذا الصعيد ومن بين أصعدة أخرى، أوسع وأشمل وتعود، كما اللبنانية، إلى الأربعينات ومطلع الخمسينات.
* تجارب الأمس
لقد أخفقت المراكز السينمائية المدارة من قِبل الحكومات العربية في عدة مهام أساسية (ونجحت في أخرى في الوقت ذاته) من بينها كيفية التواصل مع المهرجانات الدولية. هذا باستثناء «مركز السينما المغربي» الأكثر دراية من سواه بكيفية التواصل مع العالم الغربي عمومًا. على ذلك، حتى ذلك المركز النشط لم يستطع أن يترك بصمة مهمّة عالميًا في معظم مراحل تاريخ علاقة السينما العربية بالآخر.
وكانت «مؤسسة السينما العراقية» قامت بنشاط كبير في فترة قصيرة. ففي مطلع الثمانينات عمدت إلى صرف مبالغ لا طاقة لمؤسسة سينمائية عربية أخرى بها لإنتاج أفلام كبيرة تاريخية ووطنية بهدف ترويج هذه المضامين في الخارج. أفلام مثل «المسألة الكبرى» و«القادسية» حاولت تقليد ما قام به الراحل مصطفى العقاد (بتمويل ليبي) عندما أخرج «الرسالة» و«عمر المختار». لكن الغرب فهم أن المحاولة العراقية ليست فنية بل سياسية وآخر ما يرغبه هو الانضمام إلى منصات وتحالفات من هذا النوع.
النجاح الذي أصابته مؤسسة السينما الجزائرية بعد الاستقلال وحتى الثمانينات كان أفضل، فمن أفلام حول الثورة نالت تقديرات أوروبية واسعة، إلى الاستعانة بمخرجين أجانب (مثل جيلو بونتيكورفيو وكوستا غافراس وإيتوري سكولا) لتنفيذ أفلامهم بحرية إلى إطلاق مجموعة جديدة من المخرجين الجزائريين المهتمين بالنوعية، سعت إلى التواصل مع الغرب عبر كل تلك المحاولات المترادفة. هذا قبل أن تجف البئر في النصف الثاني من الثمانينات وحتى السنوات القليلة الأخيرة.
هنا لا ننسى أن فيلم محمد لخضر حامينا «ذكريات سنوات الجمر» (1975) كان ولا يزال الفيلم العربي الطويل الوحيد الذي نال سعفة «كان» الذهبية مقابل كل من نالها من أفلام أوروبية وأميركية وآسيوية.
وتختلف باقي التجارب العربية في ذلك التاريخ الطويل باختلاف قدراتها الذاتية على توفير السينما الممكن لها أن تثير الاهتمام، أو الإنتاج الصحيح بعناصره وتفاصيله الفنية المصاحبة. هذا إلى جانب ما تشير الزميلة إليه من أن المعرفة بكيفية الاشتراك (وبماهيته) عرقلا سعي السينما المصرية (ونضيف العربية) لتحقيق ما كان عليه أن يتحقق منذ سنوات بعيدة.
ما تغير هو مستوى تلك المعرفة. الإدراك بأن الأمور ليست بالتمني وأن هناك شروطًا في الصورة وفي الفيلم عمومًا من حيث الإخراج والكتابة والإنتاج تتحكم في كيف سيركب ذلك الفيلم القطار المتوجه إلى المهرجانات والمناسبات الدولية. جهود مخرجين من أمثال هاني أبو أسعد وإيليا سليمان ونادين لبكي ومرزاق علواش ومحمد خان وهيفاء المنصور ومارون بغدادي وميشيل خليفي ومي المصري فرشت الطريق للقادمين اليوم من الإمارات والسعودية ومصر ولبنان وفلسطين وباقي الدول. لكن الطريق ذاته طويل ويستدعي المزيد من التضافر وهيمنة العلم بالشيء.
هل بات حال الأفلام العربية في المهرجانات العالمية أفضل؟
هل بات حال الأفلام العربية في المهرجانات العالمية أفضل؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة