أخيرًا.. صبراتة الليبية بدأت تستفيق من صدمة «غزوة» داعش

معظم الأسواق والمحلات التجارية فتحت أبوابها.. فيما لا تزال المدارس والمصارف مغلقة

ليبيون يتجمهرون أمام ركام عربة تعرضت للقصف بعد الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت تنظيم داعش في ليبيا (أ.ف.ب)
ليبيون يتجمهرون أمام ركام عربة تعرضت للقصف بعد الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت تنظيم داعش في ليبيا (أ.ف.ب)
TT

أخيرًا.. صبراتة الليبية بدأت تستفيق من صدمة «غزوة» داعش

ليبيون يتجمهرون أمام ركام عربة تعرضت للقصف بعد الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت تنظيم داعش في ليبيا (أ.ف.ب)
ليبيون يتجمهرون أمام ركام عربة تعرضت للقصف بعد الضربة الأميركية الأخيرة التي استهدفت تنظيم داعش في ليبيا (أ.ف.ب)

بدأت مدينة صبراتة الليبية تستفيق من صدمة المعارك العنيفة، التي خاضتها أجهزتها الأمنية مع تنظيم داعش، إثر قيام التنظيم خلال الأسبوع الماضي بـ«غزوة» مفاجئة احتل فيها وسط المدينة القريبة من طرابلس لعدة ساعات.
ومع توقف المعارك في ضواحي المدينة الساحلية، الواقعة على الطريق بين العاصمة والحدود التونسية، فتحت معظم الأسواق والمحلات التجارية أبوابها، وبدأت الشوارع تشهد عودة، ولو خجولة، لحركة السير، فيما لا تزال المدارس والمصارف مغلقة.
وحول هذه العملية التي أدت إلى اندحار قوات «داعش»، قال محمد، القيادي في مجموعة مسلحة محلية قاتلت عناصر التنظيم المتشدد الأسبوع الماضي، لوكالة الصحافة الفرنسية: «ما حدث كان بمثابة صدمة كبيرة للجميع. فقد كانوا يوجدون في منازل عند أطراف المدينة، وفجأة تسللوا إلى وسط صبراتة ليعلنوها إمارة.. لكننا قاتلناهم بشراسة وهزمناهم وطردناهم، والمدينة بدأت تستفيق شيئا فشيئا، وتعود إلى طبيعتها»، مضيفا بثقة في النفس: «ليس لتنظيم داعش أي حاضنة شعبية هنا، أو في أي مكان آخر في ليبيا».
وفي تحرك مفاجئ، تمكن نحو 200 عنصر من تنظيم داعش من السيطرة لساعات على وسط مدينة صبراتة، الواقعة على بعد 70 كلم شرق طرابلس، حيث اقتحموا مديرية الأمن، واحتلوا أبنية مجاورة لها. وقد استغل التنظيم انشغال الأجهزة الأمنية، الموالية لتحالف «فجر ليبيا» العسكري، المسيطر على طرابلس ومعظم مناطق الغرب، في ملاحقة عناصر تابعين للتنظيم في ضواحي صبراتة، لتظهر خلايا نائمة تابعة له في وسط المدينة.
لكن بعد معارك طاحنة تمكنت الأجهزة الأمنية في المدينة، الموالية سياسيا لحكومة طرابلس غير المعترف بها دوليا، من طرد هؤلاء العناصر إلى أطراف المدينة، وخاضت معهم على مدى أسبوع معارك توقفت، بإعلان سلطات المدينة «الانتصار» على التنظيم.
وبهذا الخصوص قال محمد: «كانت معركة شرسة جدا. لقد قاتلنا معمر القذافي، وقاتلنا غيره، لكن هذه المعركة مختلفة تماما، لأنهم كانوا مقاتلين شرسين، ونحن لم نر قتالا مماثلا من قبل.. فهم يقاتلون ولا يخشون الموت، ونحن أيضا. وعندما أدركوا هذا الأمر تفككوا، فأسرنا بعضا منهم، وقتلنا آخرين، ومن تبقى يختبئ حاليا في منزل أو في استراحة، لكننا سنلاحقهم حتى النهاية»، موضحا أن «العمل العسكري انتهى، وبدأ العمل الأمني الآن».
وقتل في المعارك، التي شاركت فيها مجموعات مسلحة من مناطق أخرى في غرب ليبيا قدمت إلى صبراتة، نحو 40 من مقاتلي القوات المدافعة، بينما أصيب العشرات بجروح. وكان ذلك أول ظهور علني للتنظيم المتطرف في صبراتة، التي تضم موقعا أثريا رومانيا فينيقيا جميلا.
ووقعت أحداث صبراتة بعد أربعة أيام من مقتل 50 شخصا في غارة جوية نفذتها طائرة أميركية على مقر لتنظيم داعش في إحدى ضواحي المدينة. فيما تقول السلطات التونسية إن منفذي اعتداءات كبرى في تونس تدربوا في معسكرات في صبراتة.
ومع توقف المعارك، أعلن حسين الدوادي، عميد بلدية صبراتة، أنه تقرر «تشكيل غرفة عمليات مشتركة تختص بالبحث والتحري واعتقال من تبقى من فلول عناصر التنظيم، ومن يؤويهم داخل المدينة»، داعيا «الأهالي إلى أن يكونوا على قدر من المسؤولية والوطنية، وأن يساهموا بعودة الحياة الطبيعة داخل المدينة من خلال افتتاح المحلات التجارية والمخابز وكافة المؤسسات».
وبدأت المدينة تستعيد نمط حياتها الطبيعي منذ الأحد، حيث فتحت معظم المحلات التجارية أبوابها أمام الزبائن، الذين قلت أعدادهم مقارنة مع الفترة التي سبقت الأحداث الأخيرة. ومن المفترض أن تعيد المصارف فتح أبوابها هذا الأسبوع، بينما تبقى المدارس مغلقة أمام الطلاب، بحسب موقع البلدية، الذي أعلن عن «استمرار تأجيل الدراسة في كافة المؤسسات التعليمية داخل البلدية حتى تستقر الأوضاع بشكل رسمي».
وبهذا الخصوص قال محمد الفتحلي، وهو يتبضع في سوق الخضار: «اليوم أفضل من أمس، وأمس أفضل من الذي قبله، ونحن نأمل أن تفتح المدارس والمؤسسات كلها قريبا، وأن يعود كل شيء إلى طبيعته».
وتنتشر عند مداخل المدينة وفي داخلها نقاط التفتيش، التي يتولاها عناصر مسلحون ارتدى بعضهم ملابس عسكرية، بينما حضر آخرون بملابس مدنية لوقف زحف أتباع تنظيم داعش، الذي ظل يسعى منذ أكثر من عام، إلى التمدد في ليبيا، مستغلا الفوضى الأمنية الناتجة عن النزاع على الحكم بين سلطتين، إحداهما في طرابلس والأخرى في طبرق (شرق) معترف بها دوليا.
ويسيطر التنظيم على مدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، المطلة على البحر المتوسط، على بعد نحو 300 كلم من السواحل الأوروبية. وهو يقاتل في مدينة بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس)، ويوجد أيضا في محيط درنة المجاورة. ولذلك تدفع الأمم المتحدة والدول الكبرى نحو تشكيل حكومة وفاق وطني توحد سلطات البلد الغني بالنفط، حتى تتمكن من مواجهة الخطر المتصاعد، لكن الخلافات السياسية تعيق مساعي تشكيل هذه الحكومة.
وفي هذا الصدد قال أحد سكان صبراتة، مفضلا عدم الكشف عن اسمه: «ما نشهده اليوم هو نتيجة الصراعات السياسية. فالسياسيون هم السبب الرئيسي، وهم الذين أوصلونا إلى هنا وعبدوا الطريق أمام المتطرفين».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.