«تقنية الإمضاء الإلكتروني».. في قلب الصراع بين مكتب التحقيقات الفيدرالية وشركة «آبل»

الخبراء يتخوفون من إجبار شركات البرمجيات على تمرير برامج مراقبة نحو أجهزة مستخدميها مستقبلاً

«تقنية الإمضاء الإلكتروني».. في قلب الصراع بين مكتب التحقيقات الفيدرالية وشركة «آبل»
TT

«تقنية الإمضاء الإلكتروني».. في قلب الصراع بين مكتب التحقيقات الفيدرالية وشركة «آبل»

«تقنية الإمضاء الإلكتروني».. في قلب الصراع بين مكتب التحقيقات الفيدرالية وشركة «آبل»

ما الذي سيحدث إذا نجح مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في إجبار شركة «سامسونغ» على تشغيل الكاميرا الموجودة في تلفزيون «سامسونغ» الذكي الخاص بك، بشكل سري؟ أو إذا أجبر المكتب شركة «غوغل» على إرسال تحديث لبرنامج كومبيوتري لأمن المعلومات يحمل رموزا ضارة إلى متصفح الإنترنت الخاص بها بهدف التجسس عليك والاستحواذ على كلمات المرور الخاصة بك وعلى معلومات حساسة ونقلها إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي؟ تبدو هذه الأسئلة وكأنها من عالم الخيال الذي تتحكم به قوى مستبدة. إلا أن خسارة شركة «آبل» للمعركة القضائية الكبرى التي تخوضها مع الحكومة الأميركية قد تجعل من هذه السيناريوهات حقيقة، الأمر الذي يهدد أمن وسلامة مستخدمي الإنترنت.
حتى وقت قريب نسبيا ظلت الشركات تشدد على المستهلكين بضرورة تحديث برامجهم دوما. إلا أن المستهلكين لم يداوموا على ذلك ما أدى إلى استمرارهم في العمل مع برامج معرضة للتسلل والاختراق والفيروسات. وقد حدا ذلك بالشركات المطورة للبرمجيات إلى التحول إلى عملية التحديث الأوتوماتيكي. وهكذا أخذت الكومبيوترات والهواتف الذكية والأجهزة الذكية الأخرى بالاتصال دوريا مع الشركات المنتجة لها بهدف الحصول على التحديثات الجديدة لبرامجها العاملة.
وقد أدى التحول إلى التحديث الأوتوماتيكي إلى تحسن حالة الأمن المعلوماتي للأجهزة بشكل كبير. إلا أن وجود نظام يرسل البرمجيات إلى الهواتف والكومبيوترات بشكل خفي من دون معرفة أصحابها فتح الفرصة أمام المجرمين والمتسللين.
ولهذا السبب أخذت شركات التقنية في إنشاء برامج أمن معلوماتي إضافية متطورة أطلق عليها اسم «الإمضاء الإلكتروني»، يمكن بواسطتها التحقق من أن تحديثات البرامج أصيلة وليست مزيفة. وبعد هذا التحقق، تقوم الأجهزة بتنزيلها وتشغيلها.
وهذا «الإمضاء الإلكتروني» لكل شركة هو الذي يتيح لشركة «مايكروسوفت» مثلا إدخال التحديثات في برنامج التحرير «وورد» في الكومبيوترات، أو يتيح لـ«آبل» توزيع إصدارات نظام تشغيلها «آي أو إس»، أو لـ«غوغل» تحديث متصفح «كروم» الخاص بها.
وفي بداية شهر فبراير (شباط) الماضي توجهت وزارة العدل الأميركية إلى القضاء لإصدار أمر لإجبار «آبل» على اختراق جهاز «آيفون» لسيد رضوان فاروق أحد المهاجمين في سان برناردينو. وأمرت المحكمة «آبل» بإنتاج نسخة جديدة خاصة من نظام تشغيل «آي أو إس» يمكنها تجاوز الحواجز الأمنية المتعددة الموجودة داخل نظام التشغيل المعتمد في الجهاز.
كما أمرت المحكمة «آبل» أيضا بتوقيع «الإمضاء الإلكتروني» على النسخة الخاصة المطلوبة، إذ ومن دون هذا الإمضاء الإلكتروني لا يمكن التحقق من أصالة البرمجيات، وبذلك فقد يرفض هاتف «آيفون» البرامج.
ويتخوف الخبراء من أن تستغل السلطات الحكومية هذه القضية، أي قضية إجبار «آبل» على توقيع «الإمضاء الإلكتروني»، بهدف إجبار الشركات الأخرى على وضع «إمضاء إلكتروني» على برامج خاصة بالاستطلاع والمراقبة يمكن للسلطات زرعها داخل أجهزة الأشخاص المشتبه بهم، خصوصا وأن تلك البرامج سوف تنزل أوتوماتيكيا إلى تلك الأجهزة.
وإن حدث أن أبدى المستخدمون مخاوفهم من أن تحديثات البرامج التي تتم أوتوماتيكيا في أجهزتهم قد تحتوي على برامج استطلاع ومراقبة من مكتب التحقيقات الفيدرالية، فإنهم سيلجأون في الأغلب إلى إيقاف عمليات التحديث الأوتوماتيكي لبرامجهم. وبهذا قد يتعرضون إلى اختراق المتسللين.
وهنا ينبغي التوقف عند كثير من الجوانب المتشابهة بين والسلامة الإلكترونية وقطاع الرعاية الصحية، فتحديث البرامج مشابه لتقوية المناعة للكومبيوترات، ومثلما يريد الآباء تطعيم أبنائهم، فإن علينا زيادة مناعة كومبيوتراتنا. وإذا امتنع بعض الآباء عن تطعيم أبنائهم فإن ذلك سيعرض كل مجموعات السكان إلى مخاطر العدوى. وكذلك إذا امتنع بعض مستخدمي الكومبيوتر عن تحديث برامجهم، فإن كثيرا من الشركات والمنظمات قد تتعرض للعدوى نتيجة اختراق المتسللين لتلك الكومبيوترات واستغلالها ضد الشركات والمنظمات.
إن الثقة التي منحها المواطنون الأميركيون إلى شركات البرمجيات الإلكترونية كبيرة جدا، حيث إن من المهم عدم المخاطرة بتدميرها لصالح تسهيل الأمور للسلطات الحكومية الهادفة إلى التجسس.
والمحاولة التي تسعى إليها الحكومة هي سابقة لا ترغب فيها في توجيهها للضغط على شركة «آبل» فحسب بل وتوجيهها للدخول إلى بيوتنا، التي تتواصل فيها أنواع الأجهزة مع عالم إنترنت الأشياء.. من التلفزيون إلى أدوات تنظيم حرارة المنزل، والكاميرات والميكروفونات.

* رئيس التقنيين في «مشروع التعبير والخصوصية والتكنولوجيا» في اتحاد الحريات المدنية الأميركي، خدمة «واشنطن بوست»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.