الإمارات تطلق «عاصمة المستقبل» لتجارة الجملة في العالم

تتكلف أكثر من 8 مليارات دولار.. وتربط لوجيستيًا أربع قارات بشكل كامل

الشيخ محمد بن راشد يطلع على أحد نماذج المدينة الجديدة بحضور الشيخ حمدان بن محمد (وام)
الشيخ محمد بن راشد يطلع على أحد نماذج المدينة الجديدة بحضور الشيخ حمدان بن محمد (وام)
TT

الإمارات تطلق «عاصمة المستقبل» لتجارة الجملة في العالم

الشيخ محمد بن راشد يطلع على أحد نماذج المدينة الجديدة بحضور الشيخ حمدان بن محمد (وام)
الشيخ محمد بن راشد يطلع على أحد نماذج المدينة الجديدة بحضور الشيخ حمدان بن محمد (وام)

تدفع الإمارات اقتصادها نحو مزيد من التنوع بالقطاعات، في خطوة تعتقد أنها قادرة على مواجهة التقلبات الاقتصادية، بناء على المعطيات الاقتصادية العالمية التي شهدها العقد الأخير، حيث أكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي أن بلاده ماضية في خططها الاستراتيجية لتنويع اقتصادها الوطني بعيدا عن الاعتماد على النفط.
وشدد الشيخ محمد بن راشد أن الإمارات لديها رؤية اقتصادية واضحة للمستقبل، وذلك من خلال إيجاد قطاعات اقتصادية جديدة، وإعادة صياغة القطاعات الحالية على مستوى عالمي جديد، في وقت أطلق يوم أمس «مدينة دبي لتجارة الجملة» التي تمتد على مساحة 550 مليون قدم مربع بتكلفة 30 مليار درهم (8.1 مليار دولار)، وتهدف لاستحواذ الإمارات على نسبة من قطاع اقتصادي عالمي يبلغ حجمه 4.3 تريليون دولار، والذي يتوقع أن ينمو خلال السنوات الخمس المقبلة ليبلغ 4.9 تريليون دولار وفقًا للمعلومات الصادرة أمس في الإمارات.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الإماراتية «وام»، تضم «مدينة دبي لتجارة الجملة» أسواقا لجميع قطاعات الجملة ومستودعات ومراكز شحن وخدمات جمركية وشركات تأمين وحلول تخزين وخدمات مصرفية ووحدات سكنية وفندقية.
وتتضمن مخططات المدينة إقامة معارض دولية دائمة على مدار العام، وربطها مع ميناء جبل علي ومطار آل مكتوم الدولي، وتوفير دعم لوجيستي لربط أربع قارات عالمية بشكل كامل مع المدينة الجديدة.. وستضم أهم 15 ألف تاجر جملة دولي.
كما تم الإعلان عن إطلاق «الأسواق العالمية» ضمن المدينة، والتي تضم مراكز تجارية تمثل منتجات كل الدول مثل المنتجات الهندية والماليزية والتايلندية والتركية والأسترالية والصينية والألمانية والسعودية والأميركية والأميركية الجنوبية وغيرها.
وستعمل «مدينة دبي لتجارة الجملة» على تغيير معايير تجارة الجملة عالميا من خلال توفير خدمات ذكية متكاملة وبنية تنظيمية متطورة ودعم لوجيستي عبر شبكة هي الأكبر عالميا وستبدأ المدينة بقطاعات استراتيجية وستكون مقسمة لشوارع تجارية متخصصة مثل شوارع منتجات الأغذية ومواد البناء والكهربائيات والإلكترونيات والأثاث والديكور والآليات والمعدات والأخشاب والسيارات وقطع الغيار والنسيج والملابس.
وتشمل «مدينة دبي لتجارة الجملة» أيضا إطلاق أكبر منصة إلكترونية لتجارة الجملة في المنطقة ستعمل على تعزيز قدرات الإمارات في سوق التجارة الإلكترونية، والذي يتوقع أن ينمو عالميا من 1.672 تريليون دولار خلال 2015، ليصل إلى 2.941 تريليون دولار خلال 2018، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 21 في المائة.
ويتوقع نمو سوق التجارة الإلكترونية في الإمارات بمعدل يصل إلى ضعفي معدل النمو العالمي، حيث سيتضاعف أربع مرات خلال السنوات الثلاث المقبلة من 2.5 مليار دولار خلال 2015، إلى 10 مليارات دولار خلال 2018، بمعدل نمو سنوي مركب يصل إلى 59 في المائة.
وأكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال إطلاقه للمدينة الجديدة أن «اهتمامنا بالتجارة ليس وليد اليوم، لأن التجارة هي أساس ازدهار دولتنا، ورافد لحاضرها الاقتصادي، ومفتاح لمستقبلها التنموي»، وأضاف: «الإمارات بموقعها وبنيتها التحتية والتنظيمية وخدماتها المؤسسية هي المنطقة الأكثر تأهيلا لقيادة نمو جديد في التجارة الدولية البينية»، متابعا أن «هدفنا كان وسيبقى اقتصادا وطنيا مستداما، نحن لم نراهن سابقا على النفط، ولن نرهن مستقبلنا له».
ويهدف المشروع الاستراتيجي الجديد الذي سيضخ فيه ما يقدر بـ30 مليار درهم (8.1 مليار دولار) من الاستثمارات على مدار السنوات العشر القادمة لأن يكون عاصمة عالمية لتجارة الجملة، ويعمل على تعزيز دور دولة الإمارات ومكانتها كسوق محورية في التجارة العالمية.
وتختص مدينة دبي لتجارة الجملة بتلبية كل احتياجات قطاع سوق الجملة في مكان واحد وفق رؤية حديثة، حيث تضم مجمعات متكاملة مطورة خصيصا لتجارة الجملة، بالإضافة إلى معارض دائمة للتجارة الدولية، وتوفر مجمعات المدينة كل ما يحتاجه تجار الجملة من الأسواق وصالات العرض والمحلات والمستودعات تحت سقف واحد، إضافة إلى توفيرها لخدمات النقل والتخزين كافة وغيرها، وفق أعلى المعايير العالمية بما يضمن كفاءة تشغيلية عالية وسهولة وسرعة في إنجاز الأعمال.
وستقوم المدينة بدور الوسيط الدولي لتجارة الجملة في سلسلة الاستيراد العالمية عبر توفير ملتقى للمنتجين والموردين من مختلف الدول، بما يوفر عليهم عاملي الوقت والجهد ويمنحهم مجموعة واسعة من الخيارات والخدمات الشاملة.
وستعمل «دبي القابضة» على تطوير مدينة دبي لتجارة الجملة، وقال محمد القرقاوي رئيس دبي القابضة إن المدينة الجديدة امتداد لسلسلة من المدن التي تمثل رؤية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في إطلاق مدن متكاملة لتقديم الخدمات لقطاعات كاملة من مكان واحد، بدءا من مدينة دبي للإنترنت ومدينة دبي للإعلام وغيرها من المدن، والتي تضم اليوم أكثر من 5200 شركة وأكثر من 67 ألف متخصص في قطاعات المعرفة.
وأضاف: «تمثل مدينة دبي لتجارة الجملة مبادرة ضمن عدد من المشاريع التي نعمل على تطويرها بهدف المساهمة في تحقيق رؤية الإمارات ما بعد النفط، حيث تلتزم دبي القابضة بدعم رؤى القيادة لدولة الإمارات في مسيرة التنمية المستدامة. ويأتي إطلاق مدينة (دبي لتجارة الجملة) تتويجا لمراحل من الدراسة الشاملة والمعمقة لأحد أهم القطاعات الاقتصادية لتشكل إضافة نوعية للنشاط الاقتصادي في دبي، وإننا على ثقة بأن الفترة القادمة ستظهر للعيان الآثار الإيجابية للمدينة على واقع تجارة الجملة في دولة الإمارات والمنطقة والعالم».
وتستفيد المدينة الجديدة من توفر البنية التحتية المتكاملة للنقل والشحن والخدمات اللوجيستية التي توفرها دبي، فضلا عن الموقع المميز القريب من مطار آل مكتوم الدولي وميناء جبل علي اللذين يعدان من أبرز محطات الشحن العالمية.



من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
TT

من واحة الأحساء إلى المحميات الملكية... نموذج للسياحة المستدامة في السعودية

واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)
واحة الأحساء في السعودية (اليونسكو)

تعد السياحة المستدامة أحد المحاور الرئيسية في السعودية لتعزيز القطاع بما يتماشى مع «رؤية 2030»، وبفضل تنوعها الجغرافي والثقافي تعمل المملكة على إبراز مقوماتها السياحية بطريقة توازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة والتراث.

يأتي «ملتقى السياحة السعودي 2025» بنسخته الثالثة، الذي أُقيم في العاصمة الرياض من 7 إلى 9 يناير (كانون الثاني) الجاري، كمنصة لتسليط الضوء على الجهود الوطنية في هذا المجال، وتعزيز تعاون القطاع الخاص، وجذب المستثمرين والسياح لتطوير القطاع.

وقد أتاح الملتقى الفرصة لإبراز ما تتمتع به مناطق المملكة كافة، وترويج السياحة الثقافية والبيئية، وجذب المستثمرين، وتعزيز التوازن بين العوائد الاقتصادية من السياحة والحفاظ على المناطق الثقافية والتاريخية، وحماية التنوع البيئي.

وعلى سبيل المثال، تعد الأحساء، المدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لـ«اليونسكو»، ببساتين النخيل وينابيع المياه والتقاليد العريقة التي تعود لآلاف السنين، نموذجاً للسياحة الثقافية والطبيعية.

أما المحميات الطبيعية التي تشكل 16 في المائة من مساحة المملكة، فتُجسد رؤية المملكة في حماية الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على البيئة.

جانب من «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» (واس)

«محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»

في هذا السياق، أكد رئيس إدارة السياحة البيئية في «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد»، المهندس عبد الرحمن فلمبان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أهمية منظومة المحميات الملكية التي تمثل حالياً 16 في المائة من مساحة المملكة، والتي تم إطلاقها بموجب أمر ملكي في عام 2018، مع تفعيل إطارها التنظيمي في 2021.

وتحدث فلمبان عن أهداف الهيئة الاستراتيجية التي ترتبط بـ«رؤية 2030»، بما في ذلك الحفاظ على الطبيعة وإعادة تنميتها من خلال إطلاق الحيوانات المهددة بالانقراض مثل المها العربي وغزال الريم، بالإضافة إلى دعم التنمية المجتمعية وتعزيز القاعدة الاقتصادية للمجتمعات المحلية عبر توفير وظائف التدريب وغيرها. ولفت إلى الدور الكبير الذي تلعبه السياحة البيئية في تحقيق هذه الأهداف، حيث تسعى الهيئة إلى تحسين تجربة الزوار من خلال تقليل التأثيرات السلبية على البيئة.

وأضاف أن المحمية تحتضن 14 مقدم خدمات من القطاع الخاص، يوفرون أكثر من 130 نوعاً من الأنشطة السياحية البيئية، مثل التخييم ورياضات المشي الجبلي وركوب الدراجات. وأشار إلى أن الموسم السياحي الذي يمتد من نوفمبر (تشرين الثاني) إلى مايو (أيار) يستقطب أكثر من نصف مليون زائر سنوياً.

وفيما يخص الأهداف المستقبلية، أشار فلمبان إلى أن «محمية الإمام عبد العزيز بن محمد» تستهدف جذب مليون زائر سنوياً بحلول 2030، وذلك ضمن رؤية المحميات الملكية التي تستهدف 2.3 مليون زائر سنوياً بحلول العام نفسه. وأضاف أن الهيئة تسعى لتحقيق التوازن البيئي من خلال دراسة آثار الأنشطة السياحية وتطبيق حلول مبتكرة للحفاظ على البيئة.

أما فيما يخص أهداف عام 2025، فأشار إلى أن المحمية تهدف إلى استقطاب 150 ألف زائر في نطاق المحميتين، بالإضافة إلى تفعيل أكثر من 300 وحدة تخييم بيئية، و9 أنواع من الأنشطة المتعلقة بالحياة الفطرية. كما تستهدف إطلاق عدد من الكائنات المهددة بالانقراض، وفقاً للقائمة الحمراء للاتحاد الدولي لشؤون الطبيعة.

هيئة تطوير الأحساء

بدوره، سلّط مدير قطاع السياحة والثقافة في هيئة تطوير الأحساء، عمر الملحم، الضوء لـ«الشرق الأوسط» على جهود وزارة السياحة بالتعاون مع هيئة السياحة في وضع خطط استراتيجية لبناء منظومة سياحية متكاملة. وأكد أن الأحساء تتمتع بميزة تنافسية بفضل تنوعها الجغرافي والطبيعي، بالإضافة إلى تنوع الأنشطة التي تقدمها على مدار العام، بدءاً من الأنشطة البحرية في فصل الصيف، وصولاً إلى الرحلات الصحراوية في الشتاء.

وأشار الملحم إلى أن إدراج الأحساء ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي التابعة لـ«اليونسكو» يعزز من جاذبيتها العالمية، مما يُسهم في جذب السياح الأجانب إلى المواقع التاريخية والثقافية.

ورحَّب الملحم بجميع الشركات السعودية المتخصصة في السياحة التي تسعى إلى تنظيم جولات سياحية في الأحساء، مؤكداً أن الهيئة تستهدف جذب أكبر عدد من الشركات في هذا المجال.

كما أعلن عن قرب إطلاق أول مشروع لشركة «دان» في المملكة، التابعة لـ«صندوق الاستثمارات العامة»، والذي يتضمن نُزُلاً ريفية توفر تجربة بيئية وزراعية فريدة، حيث يمكنهم ليس فقط زيارة المزارع بل العيش فيها أيضاً.

وأشار إلى أن الأحساء منطقة يمتد تاريخها لأكثر من 6000 عام، وتضم بيوتاً وطرقاً تاريخية قديمة، إضافةً إلى وجود المزارع على طرق الوجهات السياحية، التي يصعب المساس بها تماشياً مع السياحة المستدامة.

يُذكر أنه يجمع بين الأحساء والمحميات الطبيعية هدف مشترك يتمثل في الحفاظ على الموارد الطبيعية والثقافية، مع تعزيز السياحة المستدامة بوصفها وسيلة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وكلاهما تمثل رمزاً للتوازن بين الماضي والحاضر، وتبرزان جهود المملكة في تقديم تجربة سياحية مسؤولة تُحافظ على التراث والبيئة.