قرّرت المملكة العربية السعودية خلال الأسبوع الماضي وقف منحة بقيمة 4 مليارات دولار أميركي كانت مخصصة لقوات الجيش والأمن اللبناني، وإعادة النظر في علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان. وجاء هذا الموقف إثر امتناع وزارة الخارجية اللبنانية عن التصويت على قرارات جرى اتخاذها خلال اجتماعين لوزراء الخارجية العرب ضد إيران، وأيضا إثر التصريحات الشرسة المعادية للسعودية التي أطلقها أمين عام حزب الله حسن نصر الله. وفي البيان الصادر عن مجلس الوزراء السعودي، استنكرت المملكة «الحملات السياسية والإعلامية التي يقودها حزب الله ضد المملكة العربية السعودية»، فضلا عما وصفته «من إرهاب ضد الدول العربية والإسلامية». ومن جانبها، استنكرت أحزاب لبنانية كتيار المستقبل، أقوى قوى القاعدة السنية وحزب «القوات اللبنانية» المسيحية توتير العلاقات مع المملكة العربية السعودية.
تجد الحكومة اللبنانية نفسها اليوم بين مطرقة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وسندان حزب الله. فالتهجمات الكلامية الأخيرة والمواقف المتخذة من جهات يفترض أنها رسمية اعتبرتها «المملكة مؤسفة وغير مبررة ولا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين»، وأدّت من ثم إلى تفاقم الأزمات التي تعانيها الدولة اللبنانية منذ عام 2008. وبشكل خاص منذ عام 2012 حين قرّر حزب الله التدخّل قتاليًا في الحرب السورية. وزاد هذا الأمر من عمق التصدّعات في التركيبة السياسية والحكومية اللبنانية الهشّة أصلا. فكيف ستترجم هذه الأزمة على مستوى أولويات حزب الله؟ وهل ستصل الأمور إلى حد تغيير النظام السياسي اللبناني؟
وتعليقا على الوضع اللبناني - الطائفي المتأزم، اعتبر الدكتور بول سالم، نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن «منسوب التوترات مرتفع في لبنان (بين حزب الله والأحزاب الأخرى) منذ اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري (الزعيم السنّي البارز الذي وجهت تهمة اغتياله إلى خمسة من أعضاء في حزب الله)، ومن ثم، بسبب الحرب السورية، والآن الأزمة مع السعودية. ورغم أن الوضع في لبنان يبدو على حافة الانفجار، فإن تجربة الحرب الأهلية سوف تحميه. ولكن يبقى السؤال: إلى متى سيستمر هذا الوضع على حاله؟»..
تتمحور أولويات حزب الله اليوم حول شقين: فهو أولاً يصب كامل تركيزه على سوريا وعلى دعم نظام الرئيس بشار الأسد، ومن ثم، في الداخل اللبناني يحاول إبقاء النظام تحت سيطرته، وبالأخص، السياسة الخارجية والأمن.
لتبرير تدخله في سوريا، اعتمد حزب الله أسلوب تأجيج المخاوف الدينية والمذهبية. إذ أخذ عدد من قياديي الحزب وعناصره في الآونة الأخيرة يزعمون «توجه أعداد من المقاتلين المرتزقة الأجانب، بعض منهم كان مسجونًا في دول الخليج وأفرج عنه، إلى سوريا لتهديد الشيعة وهدم مساجدهم».
وفي اتجاه تأجيجي وتحريضي مماثل، وصف خلال الأسبوع الماضي «المرشد» الإيراني علي خامنئي القتال الدائر في سوريا، الذي تقف إيران فيه إلى جانب نظام الأسد ضد قوات المعارضة «بحرب الإسلام على الكفر»، بحسب موقع «سوريا نت». وأضاف خامنئي زعمه «إن باب الشهادة الذي أغلق بانتهاء الحرب الإيرانية العراقية، فُتح مجدّدًا في سوريا، وإن الشباب طلبوا بإصرار السماح لهم بالذهاب إلى جبهات القتال في سوريا، حيث يقاتل الإسلام فيها الكفر، كما كان أيام الحرب الإيرانية العراقية»، على حد وصفه.
لقد استعملت هذه «البروباغندا» التحريضية نفسها لإقناع القاعدة الشعبية الشيعية لحزب الله في لبنان بأهمية تدخل الحزب في سوريا. ووفق سالم «هذه الحجج التي حاول الحزب ترويجها كان من الصعب تصديقها في البداية وكانت كلفتها باهظة جدًا على الشيعة، غير أنه مع ظهور المجموعات المتطرّفة على غرار «داعش» وجبهة النصرة، باتت الحجج (لجمهور الحزب) أقرب إلى التصديق». وتابع سالم «إن الخطط البديلة لم تعد واردة، نظرًا لظهور المجموعات المتطرفة، ما يعني أن خروج حزب الله من سوريا بات مستحيلاً»، مضيفا: «إن أولوية حزب الله في سوريا تقوم على تأمين المناطق الأساسية من دمشق إلى الساحل الشمالي الغربي، وإنشاء ممرّ ضد الجماعات المعادية، مع تأمين حدود لبنان وضمان بقاء نظام الأسد».
الجدير بالذكر، أنه حتى بداية التدخل الروسي، أي 30 سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، كان حزب الله وسنده الإيراني في وضع صعب بل دقيق جدًا بعدما فقدوا مناطق عدة في سوريا. وكان رجال المعارضة يحرزون تقدمًا على جبهات مختلفة، وبشكل خاص في معقل الطائفة العلوية الرئيسي – التي ينتمي إليها الأسد وعدد من أركان نظامه – في محافظة اللاذقية بشمال غربي سوريا. غير أن التدخل الروسي، الذي زوَّد النظام وحزب الله بالخبرة العسكرية والدعم الجوي الهائل، سمح بقلب كفة ميزان التوازن العسكري. وعليه، تراجع مقاتلو المعارضة في جميع أنحاء سوريا من الشمال الغربي إلى حلب، وكذلك في جنوب سوريا. وهذه المكاسب التي حققتها روسيا وإيران ونظام الأسد قد تفسِّر ولو جزئيا لعبة الانتظار التي فضّل حزب الله أن يلعبها في لبنان.
إن الفراغ الرئاسي يسيطر على لبنان منذ ما يقارب السنتين بسبب الخلاف بين تكتل 8 آذار بقيادة حزب الله وتكتل 14 آذار بقيادة تيار المستقبل. كذلك أدت الأزمة التي تسببت فيها مواقف وزير الخارجية جبران باسيل - المنتمي لتكتل النائب ميشال عون، حليف حزب الله - مع المملكة العربية السعودية أيضا إلى صب الزيت على النار، وهدّدت باندلاع أزمة وزارية جديدة. إذ وجهت كتلة المستقبل النيابية يوم الثلاثاء الماضي انتقادات لاذعة لسياسات حزب الله التي اعتبرت أنها تشكل «تهديدًا حقيقيًا» للبنان ومصالح اللبنانيين، وأصدرت بيانا اعتبرت فيه أن «ممارسات حزب الله المتزايدة لفرض هيمنته على الإدارات والمؤسسات وقرارات الدولة، وتخريب العلاقات الخارجية اللبنانية بشكل عام، والعلاقات العربية على وجه الخصوص، بدأت تشكّل تهديدًا حقيقيا لحرية لبنان وسيادته ومصالح اللبنانيين في الداخل والخارج»، بالإضافة إلى ذلك، قدّم وزير العدل أشرف ريفي - المحسوب على 14 آذار، وتحديدًا على تيار المستقبل - استقالته مبررًا ذلك بعدم قدرته على الاستمرار في حكومة «تحكمها إرادة حزب الله».
غير أن طموحات حزب الله قد تكون أكبر من مجرد التحكم بمجلس الوزراء اللبناني. ذلك أن الدولة اللبنانية قائمة على تقاسم للسلطة بين المسيحيين والمسلمين، بمن فيهم السنة والشيعة، علما بأن نظام المحاصصة الطائفي ثبّت رسميًا في «اتفاق الطائف» في التسعينات عقب الحرب الأهلية اللبنانية، بعدما كان عرفًا في مرحلة ما بعد الاستقلال. وفي هذا الصدد، تعبِّر مصادر سياسية في لبنان عن مخاوفها من أن لعبة الانتظار والترقّب التي يلعبها حزب الله إنما يسعى من خلالها للتوصل إلى اتفاق جديد بشأن لبنان، يغيّر من خلاله ميزان القوى، ولا سيما تقسيم السلطة بين المسيحيين والسنة والشيعة.
هذا الاحتمال يستبعده الدكتور سالم معتبرًا أنه «حتى الآن ليس من أي دليل يثبت ذلك»، غير أنه يعود ليشرح أن حزب الله ليس مكترثًا بالانتخابات الرئاسية اللبنانية، علمًا بأن ثمة الكثير من العوامل التي تدخل في حساباته، مثل تأييد عدوّه السياسي سمير جعجع لحليف الحزب القديم ميشال عون، ودعم تيار المستقبل لترشيح سليمان فرنجية، حليف الأسد الوثيق. كذلك تشير الأدلة إلى أن حزب الله ليس على عجلة من أمره فيما خص انتخاب رئيس للجمهورية بما أن مصالحه مؤمنة في الوقت الراهن. ومن الأرجح أن الاتفاق الذي يريده هو صفقة سياسية عامة تشمل اتفاقًا بشأن الرئيس المقبل وقائد الجيش وأجهزة الاستخبارات، فضلاً عن إقرار قانون برلماني جديد»، وفق سالم.
الوقت وحده، وما تحمله التطورات المستقبلية، تكشف حقيقة ما يطمع لتحقيقه الحزب في ضوء تحالفاته وارتباطاته الإقليمية والمشاريع المذهبية في المنطقة.
«حزب الله» يمارس أسلوب تأجيج المخاوف الدينية
مع اعتبار خامنئي تدخّله في سوريا «حرب الإسلام ضد الكفر»
«حزب الله» يمارس أسلوب تأجيج المخاوف الدينية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة